ألقى كل من الدكتور جون بوراس والدكتور يان داو فان در بلوخ، محاضرة في الجامعة الأمريكية بحي التجمع الخامس في مدينة القاهرة، ضمن “سلسلة لقاءات قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا (SOAN Series)” قامت بتيسيرها الدكتورة حنان سَبع، أستاذة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بالجامعة، وذلك بالتعاون مع شبكة سيادة والمعهد العابر للقوميات، يوم الأربعاء الموافق 24 سبتمبر 2025، وقد حضر اللقاء طلبة وطالبات في الجامعة وبعض الأساتذة، بمناسبة إطلاق الترجمة العربية، التي يدعمها برنامج إيراسموس بجامعة إيراسموس في روتردام-هولندا، لسلسلة كتب “التغير الفلاحي والدراسات الفلاحية“. تحدث المتدخلون حول الكتب الثلاث الأولى من السلسلة الصادرة عن “مبادرات في الدراسات الفلاحية النقدية (ICAS)، بالتركيز على كتاب: “الفلاحون وفن الزراعة، بيان تشايانوفي“.

في البداية، قدم “بوراس، المحرر الرئيسي للسلسلة، تعريفا موسعا حول سلسلة الكتب التي مجموعها حوالي 14 كتابا، وتتناول كلها قضايا زراعية من منظور تحرري مناهض للرأسمالية، وقد ركز في مداخلته على إبراز المنظور الماركسي في القضية الزراعية وشرح أهم التوجهات النقدية التي تناولت قضايا صغار منتجي الغذاء، من خلال مداخلة حملت عنوان: القوة والسياسة من خلال الكلمات المفتاحية وسياسة الأرض، شرحت المداخلة أيضا أهمية تحليل الكلمات المفتاحية في المسألة الفلاحية، بما أن المفاهيم مُحمّلة دائمًا بمعاني مرتبطة بالقوة واللامساواة. فكلمة “ممنوع الدخول” مثلًا على لافتة أمام قطعة أرض أو محمية طبيعية تمنع العامة من استخدام مساحة من الأرض، وفي الوقت نفسه مُتاح لمن وضع لافتة “ممنوع الدخول” استخدام المشاع خارج المكان المحاط باللافتة، ما يعني أن الكلمات مُحمّلة بعلاقات القوة وأوجه اللامساواة المختلفة التي يحتاج الباحثون والباحثات في الشأن الفلاحي إلى تناولها وتأملها بشكل نقدي.
المداخلة الثانية الأقصر للدكتور يان داو فان در بلوخ، عرض خلالها تعقيبه على كلمة دكتور جون بوراس، حيث استعرض السياق الأعرض لبعض ما حققته أدبيات وأبحاث الدراسات الفِلاحية والتغيّر الفلاحي في العقود الأخيرة. عقّب فان در بلوخ على سبيل المثال، على التكاملية بين المنجز النظري لمدرسة تشايانوف في دراسة الأسر الفلاحية، وكيف تتكامل مع التحليل بالاستعانة بنظريات التقسيم النظري للفلاحين إلى طبقات وشرائح. فالإطار النظري الأول يتناول بالدراسة بشكل دقيق المستوى “المايكرو” متناهي الصغر، حيث التركيز على سلوك الأسرة الفلاحية ودوافعها في قراراتها الخاصة بالزراعة والتعامل مع الأسواق من حيث مدخلات ومخرجات الزراعة. بينما المدرسة النظرية الثانية (تحليل الشرائح والطبقات الفلاحية) تنظر إلى الصورة الأكبر، دون تعارض بين المدخلين النظريين.

وقد تناول الباحثان البارزان أيضًا مسألة اختلال توازن القوى المعرفية بين الشمال العالمي والجنوب العالمي في دراسة وفهم المسألة الفلاحية، حيث جامعات الغرب قادرة على تمكين الدارسين فيها والباحثين بأدوات البحث والاطلاع، وهو الأمر غير المتاح عادة للجامعات والمراكز المعرفية في الجنوب العالمي. والأمر نفسه ينسحب على أطقم الباحثين والخبراء في المؤسسات المالية العالمية، ومؤسسات تمويل التنمية الدولية، التي تفرض أجندتها للتنمية الريفية عبر أدوات منها عمل الدراسات المتوالية حول الفلاحين والفِلاحة بالاستعانة بأطر نظرية غير نقدية تدفع بأولوية آليات السوق و”بناء المؤسسات” مع إغفال مركزية دور الأسرة الفلاحية.
وشدد كل من جون بوراس ويان داو فان در بلوخ على أهمية دور سلسلة الدراسات الفِلاحية والتغير الفلاحي – من خلال ترجمتها إلى العربية – في إثراء المكتبة العربية والمعنيين بالمسألة الزراعية في العالم العربي بمعارف عالية الجودة حول المسألة الزراعية، وإتاحتها كمصدر مفتوح للقراء عبر موقع سيادة، إضافة إلى توفرها في نسخ ورقية. ويمثل هذا العمل أيضًا – كما ذكر بوراس – سعيًا إلى معالجة اختلال توازن القوى المعرفية بين الشمال والجنوب العالميين.

وتناولت بعض مداخلات الحضور مسائل منها الارتباطات بين المسألة الزراعية على جانب، والزراعة الإيكولوجية والتدهور البيئي وتغير المناخ على الجانب الآخر، فضلًا عن بعض التعقيبات حول قابلية تطبيق العدسة التحليلية الخاصة بالتركيز على الكلمات المفتاحية في مجالات بحثية أخرى بجانب المسألة الزراعية.

