أوضاع عمال/ات الزراعة بالمغرب في سياق قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية لسنة 2021


أوضاع عمال/ات الزراعة بالمغرب في سياق قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية لسنة 2021
منطقة سوس نموذجا

فهرس
تقديم
I. حصيلة “مخطط المغرب الأخضر 2008-2018”: دعم المزارعين الكبار

  1. عمليات التجميع الفلاحي: استغلال صغار الفلاحين والاستيلاء على أراضيهم
  2. منح أراضي الدولة لكبار المستثمرين
  3. استثمارات عمومية
  4. ديون عمومية
  5. إعانات عمومية
  6. اعفاء ضريبي
  7. القرض الفلاحي
  8. يد عاملة رخيصة
  9. منتجات فلاحية موجهة بشكل رئيسي نحو التصدير للأسواق العالمية
  10. مواد غذائية رئيسية: واردات في يد سماسرة العالم
    II. منطقة سوس، قطب الصادرات الفلاحية المغربية
  11. نموذج المجموعات الزراعية الكبيرة بمنطقة سوس
  12. أوضاع عمال/ات الزراعة بمنطقة سوس
    i. هشاشة الشغل وهضم الحقوق
    ii. حيف قانوني وأمراض وحوادث
    iii. العاملات الزراعيات: بشاعة استغلال
    iv. ضرب الحرية النقابية
    III. السيادة الغذائية كبديل قائم على العدالة الاجتماعية والبيئية

تقديم

هذه مساهمة باسم شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية في قمة الشعوب المضادة لقمة الأمم المتحدة حول النظم الغذائية التي ستعقد قمة قبلية لها من 26 الى 28 يوليوز 2021 في إيطاليا. انخرطت في قمة الشعوب مئات الشبكات والمنظمات على المستوى العالمي، وأصدرت نداء وأسباب عدم مشاركتها في القمة الرسمية للأمم المتحدة.

هذه القمة التي تهيمن عليها مصالح الشركات متعددة الجنسيات، لم تؤسس للدفاع عن الحقوق الإنسانية والشعوب. وستكون بالتالي بعيدة عن الحلول الأكثر إلحاحاً، أي “إحداث تحول عميق في النظم الغذائية عبر الزراعة الايكولوجية بهدف تحقيق بديل السيادة الغذائية القائم على عدالة النوع، والعدالة المناخية، والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، والتنوع البيولوجي، وصحة الإنسان والكوكب، وكلها شروط أساسية لتحقيق السلام الدائم”.

فعاملات وعمال الزراعة الأجراء، وصغار المزارعين/ات والبحارة/ الصيادة والرعاة، أي المنتجون المباشرون لغذاء سكان العالم، هم الأكثر تهديدًا والأكثر تضررًا من نظام التصنيع الزراعي، ومن استحواذ الشركات على الأراضي والبذور والأسواق والموارد الطبيعية والمالية، وأيضا من خصخصة الملكيات الجماعية.

إنها نفس الحصيلة التي تتبين من السياسات الفلاحية التي تنهجها الدولة بالمغرب والتي جسدها “مخطط المغرب الأخضر 2008-2018″، حيث نرى أقلية من كبار الرأسماليين المصدرين، محليين وأجانب، يستفيدون من المالية العمومية، ويوسعون ممتلكاتهم، وتزداد ثرواتهم. وبالمقابل، يفقد صغار الفلاحين أراضيهم ومواردهم، ويتقلص دخلهم.

وكشفت جائحة كورونا عن عمق الازمة الاقتصادية والصحية والاجتماعية والنفسية التي يعيشها العاملات والعمال الزراعيون الأجراء الذين يتعرضون للاستغلال ولخطر الموت يوميا لضمان سير عملية الإنتاج. وأبان أرباب الضيعات الفلاحية الكبرى عن استهتار كبير بعدم توفير وسائل الوقاية الصحية الضرورية ووسائل نقل لائقة، واستغلوا الجائحة للضغط على العمال/ات وتقليص عددهم/ن، وللاستفادة من دعم الدولة الاستثنائي.

وضعت الدولة حصيلة رسمية لعشر سنوات “مخطط المغرب الأخضر” مؤكدة على بلوغ هدفه الرئيسي في زيادة حجم الاستثمارات والصادرات، وذلك من خلال الدعامة الأولى المتمثلة في التكتلات الفلاحية الكبرى (التجميع) المرتبطة بالتصدير. لا تتضمن هذه الحصيلة الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لهذا المخطط، ولا مستتبعات احتداد التبعية الغذائية التي نتجت عنه.

تكشف منطقة سوس (جنوب المغرب) باعتبارها قطب الصادرات الفلاحية الرأسمالية بالمغرب، أن المستثمرين الزراعيين الكبار هم الذين استفادوا فعلا من “مخطط المغرب الأخضر”، وحققوا فائض أرباح من عرق أجراء/ات الزراعة الذين يشتغلون في شروط قهر بالغة القسوة وبأجور البؤس.

هذا علاوة على استنزافهم للثروة المائية الجوفية (تصدير الماء) وتلويثها بالاستعمال الكثيف للأسمدة الكيماوية، وتدمير التربة بالزراعة الأحادية والمبيدات، والتخلص العشوائي من النفايات السامة التي تقتل بيئة المنطقة.

  1. حصيلة “مخطط المغرب الأخضر 2008-2018”: دعم المزارعين الكبار
  2. عمليات التجميع الفلاحي: استغلال صغار الفلاحين والاستيلاء على أراضيهم  

يعد الإنتاج الموجه للتصدير إحدى الركائز الرئيسية للسياسة الفلاحية في المغرب. فالدعامة الأولى لــ “مخطط المغرب الأخضر 2008-2018” تمثلت في تشكيل تجمعات رأسمالية كبيرة محلية وأجنبية ترتبط بالأسواق الخارجية. وتبنت الدولة استراتيجية فلاحية جديدة سميت بــ “الجيل الأخضر 2020-2030” تهدف الى مواصلة عمليات التجميع في جميع سلاسل الإنتاج الفلاحي وتوسيعها. وتشمل سلسلة الإنتاج الفلاحي عدة مجموعات تعمل في السلسلة المرتبطة مباشرة بالقطاع، كإنتاج الطماطم، والحوامض، والفواكه الحمراء، واللحوم الحمراء، والحليب، إلخ، وترتبط بالقطاع الصناعي عبر التحويل الصناعي للمنتجات الغذائية مثل الأغذية المعلبة أو الأطعمة المجمدة أو المملحة، وأيضا بقطاع الخدمات من خلال تنظيم النقل والتسويق.

لم يعد أمام صغار الفلاحين سوى الخضوع لشروط هذه المجموعات الأخطبوطية التي تهيمن أيضا على السوق المحلية، ووضع أراضيهم بصفة غير مباشرة رهن إشارتها، وحتى بصفة مباشرة بعد دفعهم نحو الافلاس. فمنذ صدور القانون المنظم لها في سنة 2012، شملت عمليات التجميع الفلاحي 55 ألف مجمَّع على مساحة 177 ألف هكتار، منهم 80% من صغار الفلاحين (أقل من 5 هكتارات).

  • منح أراضي الدولة لكبار المستثمرين

بلغت مساحة الأراضي الفلاحية التي وضعتها الدولة رهن إشارة كبار المستثمرين في “مخطط المغرب الأخضر” حوالي 112.000 هكتار، ومنحتها في إطار الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص التي يستفيد منها هذا الأخير بالأساس على حساب الميزانية العمومية.

  • استثمارات عمومية

بلغت قيمة استثمارات الدولة في “مخطط المغرب الأخضر” 41,6 مليار درهم، حازت منها الاستثمارات الكبيرة على نسبة 65% (27 مليار درهم)، في حين لم تبلغ الميزانية العمومية المخصصة لمشاريع الفلاحة التضامنية (صغار الفلاحين) سوى 14,5 مليار درهم خلال الفترة 2010 و2020.

  • ديون عمومية

هذا المجهود الاستثماري العمومي لتدعيم الزراعة الرأسمالية تجري تغطيته اساسا عبر الديون العمومية التي بلغت منها تلك المخصصة لــ “مخطط المغرب الأخضر” 34,8 مليار درهم. هذه الديون العمومية مرهونة بشروط المؤسسات المالية الدولية التي تتحملها الطبقة العاملة والفئات الشعبية وصغار الفلاحين عبر تقليص الميزانيات الاجتماعية، وخصخصة الخدمات العمومية، وتجميد الأجور، وخفض معاش التقاعد، وتقليص دعم مواد الاستهلاك الرئيسية، إلخ.

وتجذر الإشارة أن تسديد الديون السنوية للمغرب تعادل 10 مرات الميزانية السنوية لوزارة الصحة، و3 مرات ميزانية التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي.

  • إعانات عمومية

يستهدف “مخطط المغرب الأخضر” بشكل صريح المجموعات الفلاحية الكبيرة التي حازت بالفعل على القسط الأكبر من الإعانات على مستوى الإنتاج والتصدير، والتي قاربت معدل 3 مليار درهم في السنة. وأعلن وزير الفلاحة أنها ستصل الى 4,2 مليار درهم سنة 2021 مع بداية الاستراتيجية الفلاحية الجديدة “الجيل الأخضر 2020-2030”.

  • اعفاء ضريبي

استفاد القطاع الفلاحي من الاعفاء الضريبي الكامل طيلة 29 سنة، من 1984 الى 2013، وفرضت الضريبة بشكل تدريجي منذ 2014 حتى وصول سنة 2020، حيث سيعفى أصحاب الاستغلاليات الفلاحية التي تحقق رقم معاملات يساوي أو يقل عن 5 مليون درهم. ولا يؤدي الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل سوى عدد قليل من الشركات الفلاحية في المغرب (20 حسب وزير الاقتصاد).

  • القرض الفلاحي

أنشأت الدولة بنكا عموميا لمنح القروض للقطاع الفلاحي لصالح كبار الفلاحين أساسا، والتي بلغت 70 مليار درهم من 2009 الى 2020. فصغار الفلاحين لم تعد لديهم الضمانات والأهلية الائتمانية ورقم المعاملات السنوية التي يشترطها القرض الفلاحي لقبول ملفات طلبات القروض.

  • يد عاملة رخيصة

في إطار توفير شروط الاستثمار الرأسمالي الخاص، عملت الدولة على وضع قانون شغل جديد في 2004 لتكريس المرونة، وإبقاء الحد الأدنى للأجور في مستويات منخفضة. فالحد الأدنى للأجر الخام في القطاع الفلاحي يبلغ 1994 درهم (220 دولار) مقابل 2830 درهم في الشهر في الصناعة، وهو لا يكفي لتغطية متطلبات عيش لائق. وهذا ما يرمي بأجراء/ات الزراعة في شبكات مؤسسات القروض الصغرى ومؤسسات قروض الاستهلاك والأبناك التي تستنزفهم بمعدلات فائدة باهظة.

  • منتجات فلاحية موجهة بشكل رئيسي نحو التصدير للأسواق العالمية

تشكل الطماطم الطرية والحوامض والفواكه الحمراء الجزء الرئيسي من الصادرات الغذائية الفلاحية، حيث تمثل نسبة 41 % من قيمة الصادرات الغذائية الاجمالية للمغرب سنة 2019، كما هو مبين في الجدول التالي:

سنة 2019القيمة (مليار درهم)النسبة
مجموع قيمة الصادرات الغذائية المغربية  منها:39,5100 %
الطماطم الطرية7,418,7 %
الحوامض (أنواع البرتقال)4,812,2 %
الفواكه الحمراء (أنواع فاكهة التوت)410,2 %
أخرى23,358,9 %

أرقام وزارة الفلاحة

وتعد بلدان الاتحاد الأوروبي الواجهة الأساسية للصادرات الغذائية المغربية، حيث مثلت في سنة 2019 نسبة:

  • 95% من الحجم الإجمالي لصادرات الفواكه الحمراء، منها 35% لإسبانيا، و33% لفرنسا، و20% للمملكة المتحدة.
  • 90,5 % من قيمة صادرات الطماطم الطرية، منها 61% لفرنسا، و12% للمملكة المتحدة، و9% لإسبانيا.
  • 35,4 % من قيمة صادرات الحوامض، منها 11% لهولندا، و9% لفرنسا.
  • مواد غذائية رئيسية: واردات في يد سماسرة العالم

في سنة 2019، بلغت قيمة الواردات الغذائية المغربية حوالي 48 مليار درهم، تمثل منها الحبوب الرئيسية (القمح والذرة والشعير) 31% بمبلغ 15 مليار درهم، والسكر 8%، ومنتوجات الحليب 5%، والشاي بحوالي 5% أيضا. ويهيمن كبار المضاربين على سلسلة استيراد المواد الغذائية التي تتحكم في أسعارها البورصات والرأسمال المالي العالمي.

زراعة الحبوب والقطاني والسكر التي تشكل الطبق الرئيسي لغذاء الشعب المغربي لا تدخل ضمن أولويات “مخطط المغرب الأخضر” الذي يستجيب بالأحرى لمصالح المصدرين الكبار الذي يسوقون منتوجات فلاحية عالية القيمة في الأسواق العالمية من أجل ضمان أرباح كبيرة. وهمشت الأراضي المخصصة لهذه الزراعات التي تبلغ مساحتها أكثر من 5 ملايين هكتار، أي حوالي 60% من المساحات الاجمالية الصالحة للزراعة بالمغرب، وتردت الأوضاع المعيشية لجماهير الفلاحين الصغار المرتبطين بها. فالدخل الفلاحي لــ 10% من الأسر الأكثر يسرا يفوق 38 مرة دخل 10% من الأسر الأقل يسرا.

ونسرد بهذا الصدد المنطق الواضح لوزير الفلاحة، عزيز أخنوش، وهو أيضا من كبار الرأسماليين الزراعيين بالمغرب، ضمن جوابه عن سؤال حول “مخطط المغرب الأخضر” ومسألة الاكتفاء الذاتي الغذائي أمام مجلس النواب يوم 25 يناير 2021:

إذا ما أردنا اليوم تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الحبوب فيجب علينا تحويل ثلثي المساحة المسقية (1 مليون و600 ألف هكتار) وتخصيصها لهذا النوع من الزراعة، مع العلم أنها غير مدرة للدخل العالي. ففي أحسن الأحوال ممكن تخلي للفلاح ربح ديال 3500 درهم سنويا للهكتار (مقابل زراعات أخرى اللي يمكن تخلي ليه بين 6000 و10000 درهم) … إن تحقيق الاكتفاء الذاتي يعني إضافة 900 ألف هكتار من الأراضي السقوية إلى 300 ألف المخصصة حاليا، وهكذا، وبحساب بسيط، ستضيع 20 مليار درهم من القيمة الإجمالية للزراعات بالأراضي السقوية التي تمثل اليوم أكثر من ضعف الواردات من الحبوب والقطاني“.

ويظهر بشكل جلي من خلال هذا التصريح أن أولوية الفلاحة الرأسمالية هي ضمان الأرباح الخاصة للمصدرين، وليس توفير الغذاء للمغاربة.

  1. منطقة سوس، قطب الصادرات الفلاحية المغربية

يمثل سهل سوس (اقاليم أكادير وإنزكان وتارودانت وشتوكة أيت باها) 85% من الصادرات المغربية الاجمالية للبواكر، و65% من صادرات الحوامض. ومثل سنة 2019:

  • على مستوى الإنتاج:
  • 60% من الإنتاج الوطني من الطماطم
  • 38% من الإنتاج الوطني من الحوامض.
  • وعلى مستوى حجم التصدير:
  • 96% من مجموع الصادرات المغربية من الطماطم
  • 68% من مجموع الصادرات الوطنية من الحوامض.

كما يمثل ربع مساحات الإنتاج الوطني من الفواكه الحمراء التي تبلغ 9640 هكتارا.

ونشير أن منطقة سوس تمثل أيضا 86 % من منتجات الأركان.

  1. نموذج المجموعات الزراعية الكبيرة بمنطقة سوس

توسعت في المنطقة مجموعات رأسمالية كبيرة، مغربية وأجنبية (فرنسية واسبانية أساسا)، التي استقرت، منذ أواخر الثمانينات، على أراضي صغار المزارعين الذين تسارع افقارهم مع تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الفلاحي المغرب (1985-1993).  وتستقطب يد عاملة من مختلف مناطق المغرب للبحث عن فرص الشغل والاستقرار.

ونسرد بعض أمثلة لبعض المجموعات الفلاحية الرأسمالية بمنطقة سوس نشرت معطياتها على مواقعها بالأنترنيت:

  • مجموعة أزورا AZURA: مجموعة مغربية – فرنسية، تستغل مساحة اجمالية بلغت 986 هكتارا من الطماطم تحت البيوت المغطاة، وتشغل أكثر من 14 ألف شخصا.
  • مجموعة كاليبريم QUALIPRIM: مجموعة مغربية تستغل مساحة أكثر من 450 هكتارًا تحت البيوت المغطاة، وتشغل أكثر من 5000 عامل-ة.
  • مجموعة ديروك DUROC: مجموعة مغربية، تستغل مساحة 400 هكتار من الطماطم تحت البيوت المغطاة، وتشغل 3400 شخصا.
  • مجموعة ليمونة – مطيشة LYMOUNA-MATYSHA: مجموعة مغربية تستغل 250 هكتار من الطماطم تحت البيوت المغطاة، و450 هكتار من الحوامض.
  • أوضاع عمال/ات الزراعة بمنطقة سوس

تعد منطقة سوس أكبر تركز لعمال/ات الزراعة بالمغرب. فهي توفر 33 مليون يوم عمل في السنة على مستوى الإنتاج (معطيات رسمية لجهة سوس ماسة لسنة 2018)، ما يعني أكثر من 100 ألف عامل وعاملة زراعية، أي ما يزيد عن 10% من مجموع عمال/ات الزراعة بالمغرب الذي يقدر بحوالي 900 ألف.

فطبيعة الزراعات المهيمنة بالمنطقة، أي البواكر المعدة أساسا للتصدير، كالطماطم وأنواع التوت والفاصوليا والفلفل، تتطلب أفواجا من اليد العاملة، وخصوصا النساء التي تقارب نسبتهن 70%، سواء داخل ضيعات الإنتاج أو في محطات التلفيف.

  1. هشاشة الشغل وهضم الحقوق

تشتغل غالبية العاملات والعمال الزراعيين بالمنطقة بشكل موسمي، بعقود محددة الآجال، وبأجور غير مستقرة، وحقوق مهضومة. وتؤدي موسمية العمل في الغالب الى غياب الحق في التأمين الاجباري عن المرض، وأيضا التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أي دون أمل في الحصول على معاش للتقاعد بعد أن يكون العامل-ة قد أنهكته الأعمال الشاقة والأمراض. وحتى معاش التقاعد بالنسبة لفئة قليلة من المحظوظين، فهو هزيل جدا لكون الأجر القانوني الفلاحي المعتمد هزيل أصلا.

يتكرس هذا العمل الموسمي في المنطقة بطريقتين:    

  1. المرور عبر شركات الوساطة في التشغيل. التشغيل بالوساطة ينص عليه قانون الشغل المغربي، وتلجأ إليه أكثر فأكثر غالبية المجموعات الفلاحية التصديرية الكبرى. وهذا ما يسمح لها بالتنصل من حقوق العاملات والعمال المياومين، والضغط على ذوي الاقدمية وتقليصهم. 
  2. التوجه مباشرة الى “الموقف”، وهو عبارة عن “بورصة العمل” يعرض فيها العمال والعاملات يوميا قوة عملهم/ن وفق قانون السوق، أي العرض والطلب. ويجمع “الموقف” جميع الفئات الكادحة من قاصرين وراشدين وشيوخ ونساء مستعدين لإنجاز جميع أنواع العمل بشروط وبأجور لا يتحكمون بها.
  3. حيف قانوني وأمراض وحوادث

علاوة على الحيف القانوني في الحد الأدنى للأجور، وفي عدد ساعات العمل القانونية (حوالي 8 ساعات باليوم)، يتعرض العاملات والعمال في الضيعات ومحطات التلفيف لاستغلال بشع بمنطق رفع المردودية. ويؤدي استعمال المبيدات الكيماوية وضعف أو غياب وسائل الوقاية منها الى تفشي الأمراض المهنية بشكل خطير جدا. كما تكثر حوادث الشغل المميتة داخل الوحدات الانتاجية، وخصوصا خلال التنقل إليها في الحوادث التي تسببها وسائل نقل مهترئة لا تليق بالبشر.

  1. العاملات الزراعيات: بشاعة استغلال

تتعرض العاملات الزراعية للتحرش الجنسي وجميع أنواع الاضطهاد الذكوري الأخرى سواء بأماكن العمل، وفي “الموقف”، أوفي وسائل النقل. ولا تتوفر غالبية الشركات الفلاحية الكبرى على حضانات، ولا تستفيد النساء من الوقت القانوني لإرضاع أطفالهن. كما تنتشر الأمية في صفوفهن بصورة واسعة. وفي ظل هزالة الأجر اليومي، تتحمل العاملة الزراعية العبء الأكبر في تدبير متطلبات الأسرة من أكل وتربية الأطفال وتعليمهم والسهر على صحتهم. فالأحياء العمالية بالمنطقة يتنشر فيها الفقر والجريمة، وكل أمراض المجتمع الرأسمالي، وتغيب فيها مشاريع البنية التحتية من سكن لائق، ومدارس، وحضانة، ومستوصفات، ودور للثقافة والترفيه.

  1. ضرب الحرية النقابية

يرزح عمال/ات الزراعة تحت صنوف الاضطهاد السياسي، بغياب حق ممارسة العمل النقابي، ومن تعسفات المشغلين والطرد في حال التحاقهم بالنقابة. ولم تصادق بعدُ الدولة المغربية على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية حول الحريات النقابية، وأبقت على الفصل 288 من القانون الجنائي المغربي (عرقلة لحرية العمل) الذي يشكل طعنا صريحا لممارسة حق الإضراب.

عرفت هذه المنطقة معارك نقابية كبرى للعاملات والعمال الزراعيين منذ 2005-2006 حققت مكاسب مادية ومعنوية، أساسا ببعض المجموعات التصديرية.  ولكن بشكل اجمالي، مازالت معظم المجموعات الفلاحية الكبيرة لا تقبل النقابة، وغالبا ما تكون شهادات التصديق على الجودة أو شهادات الالتزام بالمعايير الاجتماعية التي يتطلبها التصدير الى الأسواق الدولية بعيدة عن الأوضاع المزرية التي يعيشها العمال والعاملات داخل الوحدات الإنتاجية ومحطات التلفيف. تحتال هذه المجموعات في طرق إخفاء خروقاتها القانونية خصوصا أثناء زيارة لجان مكاتب الافتحاص أو عند قدوم بعثات من الزبناء الذين يعقدون معها عقود التصدير.

  1. السيادة الغذائية كبديل قائمة على العدالة الاجتماعية والبيئية

تبين حصيلة “مخطط المغرب الأخضر 2008-2018” استنزاف مالية الدولة وتعميق المديونية العمومية وإجراءات التقشف، وذلك لدعم أرباح مجموعات فلاحية خاصة، هذا في الوقت الذي يستورد فيه المغرب جزءا كبيرا من حاجياته الغذائية الرئيسية وعلى رأسها الحبوب.

يعيش صغار الفلاحين (ذوو مساحة أقل من 5 هكتارات) الذي يشكلون الغالبية (67% من مجموع الفلاحين)، وكذا عمال/ات الزراعة الذين يتقاضون أجورا هزيلة، أوضاع الفقر والبطالة. وهكذا فقد صغار الفلاحين بذورهم المحلية وماشيتهم الأصلية، ومواردهم المائية، ويضطرون أكثر فأكثر الى بيع أراضيهم أو كرائها الى مالكي الرأسمال الذين تعاظم استحواذهم أيضا على أراضي الدولة، والملك الغابوي، وأراضي الجماعات السلالية.

هذا هو النموذج الزراعي التصديري القائم على الزراعة الأحادية الذي يستغل البشر، ويستنزف الماء، ويدمر التربة، ويلوث الطبيعة.

وللأسف، تواصل الدولة تعميق هذه الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من خلال تبنيها “استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030” القائمة على تعميق المنطق الإنتاجوي الكثيف. وهنا وجب على منظمات النضال من نقابات عمالية وفلاحية، والجمعيات الفلاحية والاستهلاكية، وجمعيات المجتمع المدني المناضلة، وشبكات، وتنسيقيات الدفاع عن الأرض والثروة، إلخ، أن يعملوا على التعبئة من أسفل في سبيل وقف هذا الزحف الرأسمالي الذي ينهب الثروات ويدمر البيئة. لهذا، لابد من تنسيق الجهود، أولا، للقيام بتثقيف شعبي حول بديل السيادة الغذائية الذي يرتكز على تلبية الحاجيات الغذائية الأساسية بنهج الزراعة البيئية، وعلى الديمقراطية في تحديد السياسات الفلاحية وإنتاج الغذاء ونمط التوزيع والاستهلاك، وتوزيع الأرض والثروات بشكل ديمقراطي وعادل. وثانيا، للتوحيد الميداني للقاعدة الشعبية المباشرة للسيادة الغذائية التي يشكلها صغار المزارعين والبحارة والرعاة والغابويين وعمال/ات الزراعة، وتوسيعها لتشمل أيضا جمعيات المستهلكين في المدن وجميع الشرائح الشعبية ضد الصناعات الفلاحية ومن أجل غذاء صحي وبيئي مستدام.

ونحن في شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية نساهم بتحفيز هذا العمل على مستوى المغرب من خلال العمل على تفعيل التنسيقية الوطنية للشبكة التي تأسست في 24 نونبر 2019، وكذلك في باقي البلدان المغاربية ومصر من خلال تطوير الدراسات الجدية حول مسألة السيادة الغذائية، وحملات التضامن مع النضالات والمعارك بمنطقتنا، وتبادل التجارب مع شبكات دولية، إلخ. ويعكس موقع الشبكة https://www.siyada.org / جانبا من هذه الاسهامات.

25 يوليوز 2021

عمر أزيكي

عضو شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية

——————

المعطيات الرقمية لهذا النص مأخوذة من:

https://www.oc.gov.ma/sites/default/files/2020-06/Rapport%20BC_2019.pdf

عمر أزيكيAuthor posts

نقابي وعضو سكرتارية شبكة سيادة\ المغرب.