الجزء الأول: معارك العاملات والعمال الزراعيين بمنطقة سوس ماسة ضد الاستغلال ومن أجل الدفاع عن الحق النقابي



نموذج معركة المناضلة النقابية عتيقة الفيزازي ضد شركة ديروك: مساهمة في استخلاص دروس وعبر لنضالات الطبقة العاملة

عتيقة الفيزازي، عاملة زراعية، نائبة الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للعاملات والعمال الزراعيين في إطار الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، وكاتبة الفرع المحلي للنقابة بمنطقة شتوكة أيت باها بجهة سوس، وعضوة سابقة باللجنة الإدارية للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي.

خاضت عتيقة اعتصاما مفتوحا أمام مقر شركة ديروك بخميس أيت عميرة بمنطقة شتوكة أيت باها، رفقة اثنين من رفاقيها في النقابة، الحداوي نور الدين والبوهالي عبد المومن، عضوا المكتب النقابي لعمال ومستخدمي شركة ديروك، منذ 23 أكتوبر 2018، لما أقدمت إدارة شركة ديروك على طردهم بشكل تعسفي لأسباب نقابية. وصمدت في اعتصامها الى حدود 15 يوليوز 2019، أي بالضبط 8 أشهر وثلاث أسابيع.

ونذكر بأن معركة ديروك من أجل الدفاع عن الحق النقابي تأتي في سياق سلسلة نضالات متزامنة للعاملات والعمال الزراعيون بمنطقة سوس في الشركات والضيعات الفلاحية الكبرى التي توجه إنتاجها أساسا الى التصدير. وتتمحور هذه النضالات حول مطالب أولية كأداء الأجور، والتصريح في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو تسديد مستحقاته، وتسريحات العاملات والعمال، وكذا دفاعا عن بعض المكاسب.

شركة ديروك

تأسست شركة ديروك سنة 1989، وهي متخصصة في إنتاج الطماطم الكرزية للتصدير، وتملك حوالي 400 هكتار من البيوت البلاستيكية الفلاحية موزعة على 14 ضيعة بمنطقة شتوكة أيت باها بجهة سوس أكادير، وايضا محطة للتلفيف، وتشغل 3500 من العمال والمستخدمين على مدار السنة بكاملها، وتنتج 37 ألف طن من الطماطم على مدار السنة وتصدرها للأسواق الأوروبية بالخصوص[1]

شركة ديروك شركة مغربية بالكامل، وهي جزء من المجموعة الأم، ديلاسوس (Delassus)، التي تملكها عائلة بناني سميرس المعروفة بالمغرب بثروتها الكبيرة، والمتخصصة في إنتاج وتعبئة وتصدير عديد من المنتجات الزراعية، كالحوامض (على مساحة 2000 هكتار في كل من بني ملال والغرب ومراكش)، والعنب (60 هكتار في تارودانت ومراكش)، والزهور (48 هكتار بمنطقة الدار البيضاء)، إلخ[2]. هذا علاوة على محطة لتلفيف الحوامض (باك سوس بأيت ملول). وكانت المجموعة قد صرحت بأنها ستبدأ في سنة 2018، مشاريع إنشاء ضيعات جديدة لإنتاج الفلفل الحلو، والأفوكادو، وأنواع الحوامض صغيرة الحجم، وتوسيع مساحات العنب [3].

وللتذكير، فالمجموعة كانت في الأصل يملكها مستعمر فرنسي، أندريه ديلاسوس، واشتراها محمد بناني سميرس سنة 1965. ونشير هنا إلى أن غالبية مساحة الأراضي الاستعمارية، البالغة مساحتها حوالي 1 مليون و20 ألف هكتار، والتي تعود ملكيتها في الأصل الى صغار الفلاحين الذين كانوا يمثلون غالبية المجتمع المغربي في بداية القرن 20، قد استولى عليها في الأخير طبقة من البرجوازيين الكبار درجت تسميتهم بالمعمرين الجدد الذين حلوا محل المعمرين (الفرنسيين) القدامى. كما أن سياسة الدولة الفلاحية منذ الاستقلال كانت في صالح هذه الطبقة من خلال من الإعانات العمومية والإعفاء الضريبي وتسهيلات في القروض، إلخ، على حساب إفقار الفلاحين الصغار الذين يشكلون حاليا نسبة أكثر من 70% من مجموع الفلاحين (أكثر من مليون فلاح صغير يملكون مساحات أقل من 5 هكتارات)، ولا يستغلون سوى حوالي 24% من المساحة الزراعية الإجمالية. فقد تمثلت احدى مرتكزات تغلغل الرأسمال الكبير المغربي والأجنبي بالمنطقة بالضبط في الاستحواذ، بأثمان زهيدة، على أراضي الفلاحين الصغار الذين تعرضوا لسيرورة افقار سريعة منذ نهاية السبعينات وبداية الثمانينات مع انطلاق برنامج التقويم الهيكلي.

أوضاع العاملات والعمال الزراعيين بشركة ديروك

على موقعها بالأنترنيت، تتبجح الشركة بأن “3500 عامل[4] يستفيدون من أفضل المزايا منها الأجور التي يزيد معدلها عن الحد الأدنى القانوني بنسبة 22%، وغياب التمييز، ومنحة الأقدمية، والتعويضات العائلية، والصحة والحماية الاجتماعية، وبرامج التكوين، والحرية النقابية، والمطعمة، ووحدة طبية دائمة، إلخ”[5]. كما تتبجح بحصولها على شهادات عديدة من مؤسسات الافتحاص على المستوى التقني وضمان الجودة، وعلى المستوى الاجتماعي.

لكن النقابيات والنقابيين بالشركة[6] يعتبرون هذا التباهي بالشهادات مجرد إشهار لبيع منتجاتها بأسعار تفضيلية، وليس لتحسين الأوضاع المزرية لعاملاتها وعمالها الذين يشتغلون في شروط عمل مجحفة معرضين صحتهم وسلامتهم للأخطار بالضيعات ومحطة التلفيف. ولا أدل على ذلك سقوط عامل اسمه عبيد بلعيد، نقابي بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الاتحاد المغربي للشغل)، من فوق البيت البلاستيكي واصابته بكسر على مستوى العمود الفقري بمضاعفات خطيرة. ما عدا الأجر القانوني (حوالي 1800 درهم في الشهر كأجر خام) والتصريح في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لا تمنح شركة ديروك امتيازات أخرى، مثل منحة الشهر الثالث عشر، والتقاعد التكميلي، والتأمين الصحي التكميلي، والعديد من منح متعلقة بظروف العمل، أقلها منحة عن أضرار المبيدات الزراعية، ناهيك عن المزايا الاجتماعية الأخرى مثل الأعمال الاجتماعية في مجال السكن والاصطياف، إلخ[7]. وتواصل الشركة ضغطها على العمال والعاملات ليرفعوا مردوديتهم اليومية الى أقصاها في البيوت البلاستيكية التي تتسم بدرجات حرارة ورطوبة عاليتين.

فالدولة في إطار سعيها لمساعدة الرأسمال الكبير الزراعي، أصدرت مدونة شغل جديدة دخلت حيز التنفيذ منذ 2004، قوامها مرونة الشغل، وتبسيط مسطرة التخلص من العاملات والعمال ذوي الأقدمية، وتوسيع الوساطة في التشغيل. كما كرست التمييز في الحد الأدنى للأجور في الفلاحة والصناعة (1800 درهم في الفلاحة مقابل 2500 في الصناعة)، وأيضا في ساعات العمل (48 ساعة مقابل 44 ساعة). وكانت بعض القيادات النقابية قد وقعت مع أرباب العمل ودولتهم اتفاق 26 أبريل 2011 يقضي بالمساواة بين الأجور في جميع القطاعات، وذلك في سياق خوف الحاكمين آنذاك من المظاهرات الشعبية التي اكتسحت شوارع جميع مدن المغرب وقراه ابتداء من 20 فبراير 2011 والمرتبطة بما عرفته المنطقة من انتفاضات شعبية اسقطت برؤوس أنظمة مستبدة بكل من تونس ومصر وليبيا. ولم يطبق هذا الاتفاق الى حدود الآن، بل أنه تكرس من جديد الحيف ضد العاملات والعمال الزراعيين لما وقعت القيادات النقابية لثلاث نقابات (الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب)، في 25 أبريل 2019، اتفاقا مع أرباب العمل ودولتهم[8] ينص على زيادة 5% في الحد الأدنى للأجور ابتداء من فاتح يوليوز 2019 ليصبح الأجر الشهري الخام في القطاع الفلاحي 1900 درهم، مقابل 2700 درهم في القطاع الصناعي، ثم زيادة أخرى بنفس نسبة 5% ابتداء من فاتح يوليوز 2020. وهكذا يزداد الفارق بين الأجر الخام الشهري في الفلاحة والصناعة ليصل الى 800 درهم.

نظرا لهزالة الأجور وضعف الحماية الاجتماعية وتعميم الوساطة في التشغيل، لا تمثل الكتلة الأجرية السنوية نسبة كبيرة في رقم المعاملات السنوية للشركات الفلاحية التي تستفيد، علاوة على ذلك من إعانات وتسهيلات عديدة. فقد كانت هذه الأخيرة تستفيد مثلا من الإعفاء الضريبي طيلة 30 عاما[9]، في حين كانت العاملات والعمال الزراعيون محرومون من التعويضات العائلية طيلة 27 سنة[10].وهذا ما سمح بتراكم أرباح الباطرونا الزراعية وتوسيع ضيعاتهم مقابل تفاقم الأوضاع المعيشية للعاملات والعمال الزراعيين. ويتجسد ذلك على سبيل المثال في دواوير الفقر في منطقتي شتوكة أيت باها وتارودانت التي تتركز فيهما الشغيلة الزراعية (أكثر من 100 ألف عامل وعاملة)، والتي تغيب فيها أبسط شروط الحياة. ومع ذلك، ما فتأت هذه الباطرونا تشدد استغلال العمال، وخاصة العاملات، وتهجم على مكاسبهم، وتحارب العمل النقابي بشكل صريح.

الاستفزازات ضد النقابيين والنقابيات

تأسس المكتب النقابي التابع للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الاتحاد المغربي للشغل) داخل شركة ديروك في سنة 2012 لتحسين شروط الاستغلال والدفاع عن حقوق العمال والعاملات. ومع تكثيف التعبئة لتوحيد صفوف الشغيلة في الضيعات ومحطة التلفيف، تصاعدت الاستفزازات ضد النقابيات والنقابيين من قبل مسؤولي شركة ديروك، وحاولوا فرض وتيرة عمل جهنمية عليهم. وهكذا أقدمت على طرد الحداوي نور الدين والبوهالي عبد المومن، عضوا المكتب النقابي لعمال ومستخدمي ديروك التابع للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الاتحاد المغربي للشغل)، في شتنبر 2018، بمبرر رفض العمل والتحريض على رفضه وضعف المردودية. وهذا ما يبين أن طردهما تعسفي له اسباب نقابية. ثم جاء طرد عتيقة الفيزازي، في 18 أكتوبر 2018، بمبرر غيابها أثناء يوم الأحد، وهو يوم عطلة أسبوعية تستفيد منه طيلة فترة عملها في هذه الشركة منذ 2005. وهو أيضا طرد تعسفي لأسباب نقابية. ومباشرة بعد طرد هؤلاء النقابيين، قامت شركة ديروك، ولفترة، بضغوطات وتعسفات وترهيب ضد العاملات والعمال في الضيعات ومحطة التلفيف حتى لا يتوسع التضامن مع المطرودين الثلاث الذي بدأوا اعتصامهم أمام مقر الشركة منذ 23 أكتوبر 2018. وكل هذا إنما يبين انتهاك إدارة ديروك بشكل سافر لحرية العمل النقابي المنصوص عليها في مدونة الشغل، وتعنتها في قبول مطالب المطرودين وإرجاع كل واحد منهم الى مكان عمله واحترام الحق النقابي.

عمر أزيكي

عضو الفرع الجهوي سوس ماسة

02 يونيو 2020


[1] – موقع شركة ديروك. معطيات سنة 2017. https://www.duroc.ma/fr/a-propos/une-success-story

[2] – معطيات موقع شركة ديلاسوس. http://www.delassus.com/

[3] – ديلاسوس تعيد توجيه قلب انتاجها. جريدة ليكونوميست. 11/05/2017. https://www.leconomiste.com/article/1012229-delassus-se-reoriente-sur-son-coeur-de-metier

[4] – صرحت مديرة الموارد البشرية في جوابها على رسائل الاحتجاج الدولية بشأن طرد النقابيين بتاريخ 16 يناير 2019، بأن شركة ديروك تشغل أكثر من 4325 عاملاً على مدى 12 شهرا متواصلة في السنة.

[5] – موقع شركة ديروك. https://www.duroc.ma/fr/a-propos/lovework

[6] – انظر البيانات النقابية التي تنشر على صفحة “اللجنة التنظيمية للنقابة الوطنية للعمال الزراعيين فرع اشتوكة أيت باها” على الفيسبوك.

[7] – أنظر رسالة الفرع الاقليمي شتوكة آيت باها للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الاتحاد المغربي للشغل) الجوابية لمديرة الموارد البشرية بإدارة شركة ديروك الى المتضامنين الدوليين مع النقابيين المطرودين، على صفحة “اللجنة التنظيمية للنقابة الوطنية للعمال الزراعيين فرع اشتوكة أيت باها” على الفيسبوك، بتاريخ 20 يناير 2019.

[8] – نص اتفاق الحوار الاجتماعي 2019-2021 على الرابط

[9] – استفاد القطاع الفلاحي من الاعفاء الضريبي الكامل منذ سنة 1984. وابتداء من 2014، اعتمدت الدولة منهجية تدريجية تستجيب لضغوطات كبار الفلاحين، بحيث لم تفرض الضريبة برسم السنة المالية 2014 سوى على الشركات الفلاحية التي يفوق أو يساوي رقم معاملاتها السنوي 35 مليون درهم، وإرجاء تلك التي يفوق او يساوي 20 مليون درهم إلى فاتح يناير 2016، وتلك التي يفوق أو يساوي 10 مليون درهم إلى فاتح يناير 2018. ويجب انتظار 2020 حتى تشمل تلك التي يفوق أو يساوي 5 مليون درهم.

[10] – ظل العمال الزراعيون محرومين من التعويضات العائلية طيلة 27 سنة، أي منذ صدور القانون رقم 1.81.179 بتاريخ 8 أبريل 1981 الذي يتضمن الأمر بتطبيق نظام الضمان الاجتماعي على المشغلين والعمال بمؤسسات الاستغلاليات الفلاحية والغابوية والمرافق التابعة لها. ولم يصدر قرار مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتمكين العمال الزراعيين من التعويضات العائلية إلا في ماي 2008، وذلك بفعل تعبئة واسعة لشغيلة القطاع الفلاحي ساهمت فيها الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي بشكل حاسم.

الصورة مأخوذة من صفحة النقابة على الفيسبوك

عمر أزيكيAuthor posts

نقابي وعضو سكرتارية شبكة سيادة\ المغرب.