“مؤسسات الأمم المتحدة وصغار منتجي الغذاء زمن الحرب” – دراسة جديدة



شهدت المنطقة العربية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حروباً وصراعات مسلحةً، أودت بحياة عشرات الآلاف، ودفعت الملايين إلى هوة عوزٍ وجوع عميقة،  ودمرت قدرة شعوبها على الإنتاج، خاصة مقومات الإنتاج الزراعي التي يمتلكها صغار الفلاحين، في بلاد يعتمد سكانها بشكل رئيسي على الزراعة لتأمين جزء كبير من غذائهم.

كان للاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003آثارٌ بالغة الخطورة على اقتصاد  البلد الزراعي، فقد شهد منذ لحظات الغزو الأولى استهدافًا ممنهجًا، حيث دمرت العديد من مراكز إنتاج البذور وتهجينها، والبنى التحتية لشبكات الري والسدود، وسببت القنابل الكيمياوية المحرمة تلويث مصادر المياه، وجرفت العمليات العسكرية مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية(1).

وشهد العراق موجات جفاف عنيفة، من جراء بناء تركيا سدودا على منابع نهري دجلة والفرات الرئيسية، وقطع  إيران مسار عدد من روافد نهـر دجلة وتحويلها إلى الداخل الإيراني، مستغلةً ظروف الحرب، ما دفع آلاف الفلاحين إلى هجرة أراضيهم(2).

ضاعفت أعمال العنف، ونشاط التنظيمات الجهادية في العراق، معاناة الفلاحين. يشير تقرير للمنظمة الدولية للهجرة إلى سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مساحات زراعية شاسعة، ما بين العامين 2014 و2017، فيما دمر التنظيم جزءاً كبيراَ من تلك المساحات عندما أضطر إلى مغادرتها، ما أدى إلى تراجع القدرات الزراعية في العراق بنسبة 40%.(3)

وفي عام 2006، ألحق اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة خسائر فادحة بالبنية التحتية الزراعية، حيث دمرت جرافاته آلاف الدونمات من الأراضي، وخربت شبكات الري، والآبار، وهدمت وأحرقت مزارع الماشية والأغنام. كما تسببت الاعتداءات المستمرة على الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، وتوسيع البؤر الاستيطانية، في تقليص قدرة صغار الفلاحين الفلسطينيين على إنتاج الغذاء.

لا تزال المنطقة العربية تعاني من جراء الحروب والصراعات المسلحة، والتدخلات الأجنبية، في العديد من البلدان، في اليمن وسوريا وليبيا والصومال والسودان ولبنان، وفي فلسطين  حيث تمارس قوات الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي وغربي، عمليات إبادة جماعية، وخطط لتصفية الوجود الفلسطيني في المنطقة.

على مدى أكثر من خمسة عشر شهرًا، استهدفت آليات جيش الاحتلال الإسرائيلي البنية التحتية الزراعية، إبان القصف الجوي المكثف، ثم الاجتياح البري للقطاع، عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.

 كان الاجتياح فرصة عظيمة لاستكمال وإتمام التدمير الممنهج للزراعة وكافة الأنشطة المرتبطة بها، من تربية ماشية ودواجن، وصيد، ومناحل. هذا التدمير مارسه الاحتلال على مدى سنوات للقضاء على كل أوجه السيادة الغذائية لصغار الفلاحين في غزة، والتي مكنتهم من العيش تحت الحصار لقرابة عقدين من الزمن.  

فيما واجهت الضفة الغربية حرب إبادة مماثلة لما حدث في القطاع، مع الأيام الأولى لسريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في 19 يناير/كانون الثاني 2025، هذا قبل أن تخرق إسرائيل الاتفاق وتستأنف حربها على قطاع غزة في 18 مارس/آذار 2025.

امتدادًا للحرب على غزة، كثفت إسرائيل هجماتها على لبنان في محاولة لمنع حزب الله من مساندة المقاومة الفلسطينية، وتدمير قدراته العسكرية، عقب استهداف صواريخ حزب الله للداخل الإسرائيلي. وبعد نحو عام من القصف المتبادل، بدأت إسرائيل عملية عسكرية برية، أوائل أكتوبر/تشرين الأول من العام 2024، اجتاحت خلالها الجنوب اللبناني.

أدت الحرب الإسرائيلية على لبنان إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ونزوح غالبية الأسر الفلاحية، وانهيار قدرة صغار الفلاحين على إنتاج  الغذاء.

وفي السودان، تسبب الاقتتال بين جيش البرهان ومليشيات الجنجويد بقيادة حمديتي،إلى تدهور القدرة الإنتاجية لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية، المروية والفيضية والمطرية والعشبية في العديد من ولايات السودان. كما تسبب في فقدان الرعاة لنسبة كبيرة من ماشيتهم، ما أوقع الملايين في براثن الجوع الحاد.

وسط هذا الدمار، تزداد أهمية التساؤل حول الدور الذي قامت وتقوم به مؤسسات الأمم المتحدة الإغاثية، في تلك البلدان في زمن الحرب، ومدى نجاعته. وهل استطاعت أن تخفف معاناة الملايين الذين يتضورون جوعًا، وما العون الذي قدمته لصغار منتجي الغذاء من الفلاحين لدعم استمرار قدرتهم على الإنتاج.

لا يمكننا الإجابة على هذه التساؤلات إلا بفهم الأطر والمحددات التي تعمل من خلالها الأمم المتحدة، والتوازنات الدولية التي تحكم عمل التنظيم الأممي، وتتحكم في توجيه أنشطة وبرامج ومبادرات مؤسساته، بما فيها المؤسسات الإغاثية.

أحمد خليفة

للاطلاع على الدراسة وتحميلها: اضغط\ي هنا


1- جعفر بهلول جابر الحسيناوي، الأبعاد السياسية والاقتصادية للاحتلال الأمريكي للعراق وانعكاساتها على دول الجوار، كلية العلوم السياسية،جامعة النهرين، العراق، 2013، الفصل الثاني، ص 90، .91 

2- المصدر السابق

3- المنظمة الدولية للهجرة، “المناطق الريفية في نينوى: إرث الصراع على الاقتصادات والمجتمعات الريفية في سنجار وسهل نينوى”، الموقع الرسمي للأمم المتحدة، 2019.

أحمد خليفةAuthor posts

صحفي وباحث مصري، متخصص في القضايا العمالية والفلاحية.