موريتانيا: كورونا تفاقم آثار الأزمة الرأسمالية على صغار منتجي- ات الغذاء



اقتصاد تابع ومتخلف

موريتانيا بلد غني الموارد ومتخلفٌّ الاقتصاد. يعود هذا، فضلا عن قساوة ظروف الطبيعة (معظم البلد صحراء)، إلى طبيعة اندراجه في الاقتصاد العالمي من موقع التابع.

يشكل هذا النموذج الاقتصادي القاعدةَ المادية لتركيب فوقي مكوّن من استبداد سياسي غير مستقر (انقلابات وفساد بالغ) وبنية اجتماعية مشوهة موروثة عن ما قبل الاستعمار ومرسخة من طرفه: استمرار الممارسات الرِقِّيَّةُ، وزن القبيلة في بنية الدولة والتنافس السياسي، تبعية سياسية مطلقة للمستعمر السابق (فرنسا).

الاقتصاد الموريتاني متخلف جدا، سواء بمعيار موقعه من قسمة العمل الدولية المحددة إمبرياليا، حيث يقع في قاع السلسلة الصناعية العالمية، محصورَ الدور في مد المراكز الإمبريالية بالمواد الخام (حديد، ذهب،…) حيث شكلت منتجات الصيد والتعدين نسبة %98.1 من إجمالي الصادرات في العام 2017، أو بمعيار التنمية الاجتماعية لسكان البلد (نسب فقر مرتفعة، بطالة، قطاع صحي رديء…).

يتبوأ صغار منتجي- ات الغذاء مقدمة من يقع على كاهلهم- هن هذا الهيكل الاقتصادي والهرم الاجتماعي، وضعٌ فاقمه الانتشار العالمي لفيروس كوفيد- 19 الذي صنفته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية. لكن لا يمكن عزو أوضاع صغار منتجي الغذاء إلى الجائحة بحد ذاتها، بقدر ما يجب استجلاء ذلك من عقود من الإفقار الممنهج ونزع الملكية ونهب البلد وغزوه من طرف الرأسمال المعولم، فضلا عن آثار الأزمة البيئية الكارثية وتدمير سياسات التقشف النيوليبرالية للخدمات الاجتماعية (خاصة الصحة).

لذلك، لا يمكن الحديث عن تضرر صغار منتجي- ات الغذاء جراء كورونا وحسب، دون إلقاء نظرة إلى الخلف التاريخي (الاقتصادي والاجتماعي والسياسي).

أسهمت الأوضاع المذكورة أعلاه، متضافرة مع سياسة تقشف قاسية مفروضة من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، في تردي الأوضاع الاجتماعية لغالبية سكان البلد إلى الحضيض. إذ أن مؤشرات البلد الاجتماعية من بين الأدنى في العالم، إذ تقع موريتانيا في المرتبة 153 ضمن 186 بلدا في دليل التنمية البشرية في العام 2014، وتراجعت إلى المرتبة 157 سنة 2019.

انتشار واسع للفقر

لا يزال الفقر منتشراً على نطاق واسع في موريتانيا حيث يعيش 50.6 % من السكان في فقر متعدد الأبعاد وفقاً لتقرير التنمية البشرية لgعام 2019، بالإضافة إلى أن 31 % من السكان يعيشون بدخل تحت خط الفقر يبلغ 1.90 دولاراً في اليوم معادل القوة الشرائية.

فاقمت الأزمة الاقتصادية التي فجرها كوفيد- 19 هذا الوضع، حيث تفيد التقارير الحكومية بزيادة معدلات الفقر والفقر المدقع (وقوع 127 ألف من الأسر تحت خط الفقر، وتعرض 163 ألف شخص جديد هذه السنة لانعدام الأمن الغذائي، مع التأثيرات الأولى للجائحة).

بطالة جماهيرية

تسجل البطالة ارتفاعا حيث قُدرت نسبتها على الصعيد الوطني بـ %12.8 عام 2014 مقابل %10.1 عام 2012… وارتفع المعدل ليصل سنة 2019 إلى %11.7. فيما تشير تقارير منظمة العمل الدولية إلى أن نسبة البطالة في موريتانيا بلغت 30%، وهي واحدة من أعلى النسب على المستوى العالمي.

صحة مخرَّبة

لم يتعدَّ مجموع نفقات الصحة، حسب منظمة الصحة العالمية، %3.8 من الناتج القومي الإجمالي لعام 2014، وانخفض إلى %1.7 سنة 2020. في حين الإنفاق الشخصي المباشر على الصحة %49.55 من الدخل.

أسهم هذا في تردي واقع الخدمات الصحية، حيث أن أكثر من نصف الولادات في المناطق الريفية تجري بلا رعاية قابلات ماهرات، ولا تزال الوفيات النفاسية التي تبلغ 602 حالة لكل 000 100 مولود حي… تمثل ما يقارب ضعف النسبة في السنيغال (317 حالة).

أمن غذائي مهدد

أدى رهن اقتصاد البلد لمتطلبات السوق العالمية إلى انعدام السيادة الغذائية، ورهن الأمن الغذائي بالاستيراد والأسعار العالمية، كما تهدد آثار الاحترار بانخفاض انتاج الغذاء الذي يساهم صغار المنتجين- ات بحصة كبيرة منه. لكن الإنتاج الزراعي والرعوي لا يغطي الحاجات الغذائية المحلية حيث تستورد موريتانيا 70 في المئة من غذائها من الخارج، وتبلغ نسبة الغذاء من واردات البلد %14 سنة 2017. وتبلغ نسبة الاعتماد على استيراد الحبوب سنة 2017 حسب منظمة الصحة العالمية %64.

وسيفاقم انقطاع سلاسل التوريد العالمية الوضع، فقد كان اضطراب التجارة الدولية وسلاسل الإمداد الغذائية من أبرز تبعات هذه الأزمة، ما جعل الحديث عن الأمن الغذائي يعود من جديد وبقوة، خصوصا بعد المخاوف التي أثارها وضع بعض الدول القيود على مبيعاتها الخارجية لإعطاء الأولوية للتموين المحلي.

أدرجت منظمةُ الأمم المتحدة للأغذية والزراعة موريتانيا في عداد “الدول منخفضة الدخل” التي ستواجه- إثر جائحة كوفيد- 19- درجة مرتفعة من التعرض لخطر صدمات الإمداد، إضافة إلى مخاطر مرتفعة من صدمات الطلب بسبب عجزها ّعلى توفير حماية اجتماعية كافية للفقراء إزاء عواقب فيروس كورونا [تقرير 2020].

من أجل نضال ذو أفق مغاربي

شهدت موريتانيا موجات نضال لصغار منتجي- الغذاء منذ الاستقلال، وعلى رأسهم- هن البحارة وصغار الفلاحين- ات المدافعين- ات عن شروط عيشهم- هن وبمقدمتها ملكية الأرض، التي يسعى البنك العالمي إلى جعلها سلعة عبر إصلاح قوانين العقار، إضافة إلى احتجاجات متواترة ضد العطش.

إن نضالا فعالا ضد التخلف الاقتصادي والركود الاجتماعي والتبعية للمراكز الإمبريالية، لن يستقيم دون اندراج كفاح صغار منتجي- ات الغذاء في موريتانيا ضمن فضاء أوسع، يشكل الإطار المغاربي أهم محاوره. إطار يفتح أفقا للنضال والتغيير أوسع من الإطار القطري الضيق للبلد، وانفتاحا على النضالات المغاربية والإفريقية والعربية. فقط إطار جغرافي وسياسي وحضاري واسع مثل هذا يسمح بالتكامل الاقتصادي الحقيقي بين الشعوب، بدل قسمة العمل المفروضة من طرف المراكز الإمبريالية. وسيكون لموريتانيا بفعل موقعها المغاربي والإفريقي والعربي دور كبير في تضافر نضالات صغار المنتجي- ات وطبقة الأجراء ضد الاستعباد الإمبريالي وأنظمة مستبدة تحكم طوق هذا الاستعباد على أعناق شعوب المنطقة.

علي أموزاي

باحث – المغرب

هذا المقال، ملخص دراسةٍ ستصدرها شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية عمّا قريب.

جرى نشر هذا المقال في العدد الأول من مجلة ” سيادة” : رابط تحميل المجلة هنا

علي أموزايAuthor posts

عضو جمعية أطاك المغرب/ الشبكة الدولية لإلغاء الديون غير الشرعية، وشبكة سيادة.