مشاركة شبكة سيادة في منتدى نيليني الثالث بسريلانكا 2025



شاركت شبكة سيادة في النسخة الثالثة لمنتدى نيليني من الفترة الممتدة من 4 الى 14 سبتمبر 2025 في مدينة كاندي بسيرلانكا. ضم المنتدى حوالي 700 مشارك ومشاركة من 101 بلدا في العالم، منهم- هن 45 مشاركة ومشارك من المنطقة العربية: مصر ولبنان وفلسطين والمغرب والسودان واليمن والجزائر وموريتانيا وتونس. وإذا كانت النسخة الأولى سنة 2007 والثانية سنة 2015 قد عرفت تمثيلية محدودة لمنطقتنا بمشاركة سيدة واحدة في كل سنة، فإن نسخة 2025 جسّدت حضوراً أوسع.

 طيلة مدة المنتدى جرت نقاشات موسعة حول عدة مداخل رئيسية لمسألة السيادة الغذائية، حيث نُظمت نقاشات جماعية شملت محاور متعددة كان جوهرها الوثيقة السياسية وما تضمنته من أفكار ومنظورات للعمل.

شكلت سنوات التسعينات علامة فارقة في رد فعل الحركات الاجتماعية المناضلة ضد العولمة الليبرالية والعسكرة وتعديات الرأسمالية على المكاسب الاجتماعية للطبقة العاملة، حيث برزت حركات نضالية متباينة اتخذت لها تعبيرات مختلفة مثل: المنتدى العالمي الاجتماعي والمسيرة العالمية للنساء والحركة الزباتية وحركات العاطلين وحركة نهج الفلاحين/ لافيا كمبسمينا…إلخ. في سياق تصاعد الحركات المناهضة للنيوليبرالية، استطاعت فتح ثغرة في جدار الرأسمالية، وتنظيم الملايين من الكادحين- ات وتوعيتهم- هن عبر الأدب التقدمي المناضل بالذود عن المكاسب وتوسيعها.

عززت هذه الديناميات العالمية منظمات النضال محليا بطاقات شابة مناضلة، وأغنت المكتبة اليسارية بأدب تقدمي نقدي للرأسمالية، وقدَّمت منظورات وبدائلا للنضال. كان السياق العالمي حينها يسير في اتجاه معاكس تماما حيث انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي وفقدان المشروع الاشتراكي للمصداقية ورجحان ميزان القوة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية والميل العام نحو فقدان الثقة في النضال ضد الرأسمالية. رغم كل عوامل الإحباط السياسية تصاعدت المقاومة الشعبية من أسفل ضد النيوليرالية.

جاء منتدى نيليني لسنة 2025 في سياق أكثر تعقيدا من سنوات التسعينات وبداية الألفية الثالثة حيث: موجة صعود اليمين النيوفاشي ومعاداة الأقليات والمهاجرين وحرب إبادة صهيونية في غزة علاوة على أزمة بيئية ورأسمالية عميقة، مرفوقة بتفكك منظمات النضال العمالية من نقابات وجمعيات وأحزاب، وإحباط معنوي معمم لطلائع النضال بالإضافة إلى إفساد ممنهج لما تبقى من منظمات المجتمع المدني بإغراقها في التمويلات والبرامج.

رغم كل هذا المناخ المشكك في القدرة على المقاومة الشعبية، يشهد العالم صعودا نضاليا متناميا في بلدان عدة لعل أبرزها: ثورة النيبال ونضالات اندونيسيا والاضراب المتواصلة في فرنسا والحركة المعارضة لترامب في أمريكا، وتنامي التضامن الدولي مع غزة، وغيرها.

إن تنظيم منتدى نيليني بهذا الحجم في السياق الحالي، خطوة مهمة ومشجعة يمكن البناء عليها، والانطلاق الفعلي في تجسيد مبادئها العامة في بلداننا مع شركاء النضال، رغم النقائص والعثرات. إن الخطوة الأولى لمواصلة النضال في هذا السياق المأزوم قد انطلقت فعليا، وعلينا الالتفاف حولها وتوحيد الجهود من أجل مشروع السيادة الغذائية.

كان منتدى نيليني بسيرلانكا، لسنة 2025، محطة لقياس معنويات النشطاء من مختلف البلدان، عبر نجاح الحدث وإتاحة الفرصة للعديد من المضطهدين- ات من التعبير عن منظوراتهم السياسية للقضايا المطروحة، وقد كان المنتدى بوتقة لتلاقي تجارب وخبرات دولية مكافحة ضد الرأسمالية أغنت الورقة السياسية والإعلان الختامي للمنتدى بأفكار تُبقي على أمل البناء والعمل الجماعي لضحايا الرأسمالية.

بدأ التحاق الوفود المشاركة يوم 4 سبتمبر 2025 من مختلف بلدان العالم، وقد شكلت المشاركة الواسعة للنشطاء والأكاديميين وفعاليات المجتمع المدني وصغار منتجي- ات الغذاء فرصة لتبادل وجهات النظر الفكرية والسياسية حول مسألة السيادة الغذائية. وتجدر الإشارة إلى أن المنتدى كان من المقرر تنظيمه في الهند، لكن رفضت حكومة ماندي اليمينية الترخيص لهذا الحدث بالتنظيم داخل أراضيها، لأسباب سياسية لعل أبرزها وجود دينامية نضالية لصغار الفلاحين بهذا البلد.

بدأت النقاشات حول الأجندة السياسية في إطار مجموعات وتحالفات مختلفة حيث كانت الوثيقة السياسية هي بوصلة المنتدى الفعلية، وجرى إغناء محتوياتها على مدار ثمانية أيام كاملة من النقاشات الجماعية.

منتدى نيليني فضاء عالمي مفتوح يطرح القضايا الرئيسية للسيادة الغذائية في العالم (عبر كل منطقة أو تحالف موسع)، ويتدارس سبل التعاون النضالي والكفاحي من أجل تحقيقها، وذلك عبر بناء حركات قاعدية لصغار الفلاحين والفلاحات وعموم صغار منتجي- ات الغذاء، وتعزيز التضامن بين هذه الحركات ضد الشركات المتعددة الجنسية وأيضا ضد العقيدة النيوليبرالية التي تفرضها المؤسسات المالية المانحة: صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية ونادي باريس…إلخ.

المستيكا هي من أبرز فقرات المنتدى الترفيهية، وهي شكل فني نضالي رمزي ابدعته حركة النضال الاجتماعي، ويجري خلاله تقديم ثقافة أو تراث لشعب معين من الشعوب المضطهَدة، وقد كانت فقرات منتدى نيليني 3، تفتتح على وقع الميستيكا، حيث ينخرط فيها الحاضرون- ات أحيانا سواء على خشبة المسرح أو من أماكنهم. إنها تعبير فني جميل عن التنوع الثقافي للشعوب الذي يجري تسليعه يوميا.

نظم منتدى نيليني حوالي 17 رحلة ميدانية موزعة على التراب السيرلانكي، زار خلالها المشاركون-ات، مجموعة من القرى والسواحل، حيث جرى الاطلاع على تجارب ميدانية مهمة، منها تجارب للصيادين –ات والاطلاع على نضالاتهم وخبراتهم في التنظم والمقاومة، علاوة على زيارات أخرى شملت السكان الأصليين في بعض القرى. الرحلات الميدانية تجربة ملموسة عاشها المشاركون واكتشفو خلالها جزء يسير مما يكابده صغار منتجي الغذاء بسيرلانكا، ضد تدمير بيئتهم وآليات مقاومتهم لها.

جرى تنظيم يوم تضامني مع فلسطين تخللته مسيرة رمزية شارك فيها نشطاء من سيرلانكا حصريا بعد أن جرى منع الوفود العالمية من المشاركة فيها من طرف السلطات السرلانكية. كانت المسيرة تعبير صادقا من الشعب السريلانكي للتضامن مع ضحايا الإبادة الصهيونية في غزة، كانت المسيرة بالقرب من AICD مكان انعقاد المنتدى في مدينة كاندي، حيث جابت الشوارع المحيطة حاملة لافتات تضامنية وأيضا رموزَ جثامين في إشارة لحجم المأساة التي يتعرض الشعب الفلسطيني أمام انظار العالم.

وفي وجه المنع، اكتفت الوفود الأجنبية والعربية بالاحتجاج داخل المدرج الرئيس لمقر المنتدى، حيث رددت الشعارات المعادية للمذبحة والمناصرة للضحايا، ورفعت الأعلام الفلسطينية، وأُعطيت الكلمات لعدد من النشطاء للتعبير عن تضامنهم- هن وإدانتهم- هن للإبادة الصهيونية الهمجية.

يرى المشاركون- ات أن قضية فلسطين جوهرية في النضال من أجل الحق في تقرير المصير، ورفض الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية وتشريد فلاحيها وسكانها الأصليين وتدمير محاصيلها علاوة على السطو على زراعتها وبذورها ومائها… إلخ. وشدد المشاركون- ات على المزيد من التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى أن ينال حريته وأرضه… وأضاف نشطاء آخرون ضرورة التضامن مع كل الشعوب التي تتعرض للاضطهاد والمذابح، على غرار ما يتعرض له الشعب الفلسطين، مثل الشعب السوداني.

نيليني فرصة تاريخية أمام الحركات الاجتماعية من أجل ربط الوشائج والعمل الجماعي والتعاون على ملفات بعينها في مشروع السيادة الغذائية سواء في المنطقة العربية أو باقي المناطق. إن الحركات الاجتماعية المناهضة للنيوليبرالية تفتح لنا أفقا للتعاون النضالي، وهي سمة مفقودة في منطقتنا نظير عقود من غياب أي تقاليد للتعاون والعمل المشترك. إن نيليني 3 فضاء موسع يمكننا الانطلاق منه، كل من قضاياه الراهنة التي يراها ذات أولوية في منطقته أو بلده، علينا في المنطقة العربية/شمال إفريقيا /الشرق الأوسط، الانطلاق الفعلي نحو هذا المسعى، ونحن في شبكة سيادة سنعمل قصارى الجهد من أجل تحقيق هذا التعاون النضالي.

علي أزناك – المغرب

علي أزناكAuthor posts

باحث ومنسق شبكة سيادة.