مزرعة عمّ صالح الجميلة



أتيحت لي في الخامس والعشرين من سبتمبر فرصة زيارة مزرعة عم صالح ونجله إبراهيم، برفقة ثلاثة من الأصدقاء المصريين وزميل جاء معي إلى مصر من أوروبا. تقع المزرعة على أطراف مدينة الإسماعيلية، وهي صغيرة نسبيًا، قوامها هكتار ونصف، لكن ترى العين فيها مزيج ذكي للغاية من مختلف المحاصيل وأشجار الفواكه والماشية والخراف والماعز، وعمل مُخلص قادر على تحويل هذه المساحة الزراعية الصغيرة إلى مزرعة منتجة وصامدة في وجه التغيرات والمصاعب والتحديات. في المزرعة أشجار مانجو كثيرة، والكثير منها يمر بعملية تهجين؛ إذ يجري تجربة أصناف جديدة بأشكال مبتكرة، وهي أصناف مقاومة لآثار تغير المناخ التي تتعرض لها مزارع المانجو في الإسماعيلية. إلى جانب المانجو هناك بالطبع أشجار النخيل. ووجدنا في المزرعة أيضًا صوبة لإنتاج الفراولة. تُزرع الفراولة بالتناوب مع الذرة. ولقد رأينا أيضًا في مزرعة عم صالح بعض الأبقار – التي أراها لنا بكل فخر – وواحدة منها مهجنة بنسبة 50% مع بقرة فريزية من هولندا. مازحنا عم صالح حول هذه المسألة، وقلت له أنا 100% هولندي من فريزيا على عكس هذه البقرة الهجينة. ثم رأينا الماعز والخراف، بالطبع عملية تحضير السماد البلدي من فضلات الحيوانات لدعم هذا الإنتاج الرائع من الفواكه والخضراوات.

اللافت أن المزرعة ليس فيها مساحة شبر لم تمتد إليها يد العناية. هناك خضراوات وشجيرات أينما نظرت، ومساحات لإنتاج علف الحيوانات. وينتج صالح وأولاده أيضًا شتلات تُباع لمزارع أخرى، ومنها مزارع استصلاح كبيرة المساحة. والريّ ضروري كل الضرورة لهذه المزرعة كما هو الحال في سائر المزارع حولها، ويُخطط له بكل عناية. ويزرع عم صالح محاصيله ويروي أشجاره عن طريق الغمر. ويستخدم الري بالتنقيط في صوبة الفراولة وحدها؛ إذ قال لنا إن التنقيط لا يصلح لأشجار المانجو.

ومن التقنيات الزراعية المدهشة التي رأيتها هنا استخدام قراطيس من الورق لحماية ثمرات المانجو وهي صغيرة، بما يمنع عنها الحشرات والآفات دون الحاجة إلى مبيدات. إنها تقنية رأيتها في الصين أيضًا، وتحتاج إلى الكثير من ساعات العمل لكنها تُنتج ثمرات مانجو جميلة ثقيلة الوزن تامة الصحة.

هذه المزرعة جزء من شبكات أكبر منها بكثير. فرعاة الماشية يمرون عليها كثيرًا، فتأكل أبقارهم ما يبقى في الأرض بعد الحصاد وتسمّد التربة في مرورها. كما يستعين عم صالح بثيران الرعاة لتخصيب الأبقار. وهناك أيضًا نمط للتعاون القائم مع التجار عبر دوائر مختلفة للتجارة: فالفراولة والمانجو تُصدّر إلى دول عربية وإلى أوروبا ويُباع بعضها في مصر أيضًا.

المدهش أن هذه المزرعة الصغيرة قادرة على توليد الدخل الذي يكفل ستة أفراد؛ فالمزرعة كما قال صالح قادرة على مواجهة تقلبات الأسواق. بعض السنوات يكون الدخل الوارد منها أفضل، وبعض السنوات يضيق الحال، لكنها في العموم تعود على العائلة بدخل جيد. يشعر صالح ونجله إبراهيم بالفخر بما يفعلان، والكيفية التي تمكنا من خلالها عن طريق المزرعة والعمل فيها من دعم العائلة.

في الماضي، استفادت هذه المزرعة من قوانين الإصلاح الزراعي المصرية، لكن الآن – كما هو الحال بالنسبة للمزارع الصغيرة الأخرى – تُظهر أنها ما زالت قادرة على الإسهام في توليد فرص العمل في الريف، وعلى توفير الدخل لمن يعملون فيها. هذه المزارع تسهم في إطعام البلد بأسره، وأنا على ثقة من أن الإنتاجية الزراعية لهذه المزرعة وغيرها من المزارع الصغيرة تفوق كثيرًا إنتاجية الأرض في المزارع الكبرى المتخصصة التي رأيناها على طريق القاهرة-الإسماعيلية.

هي باختصار مزرعة جميلة، تستحق أن نُقدّرها وندعمها في السياسات الزراعية. هذه المزرعة الصغيرة ومثيلاتها هي مستقبل مصر.

يان داو فان در بلوخ

  • ترجمة: عمرو خيري

يان داو فان در بلوخ هو أستاذ علم الاجتماع الريفي في جامعة فاخينينغن في هولندا، ومؤلف كتاب: “الفلاحون وفن الزراعة“.

عمرو خيريAuthor posts

باحث من مصر، حاصل على الدكتوراه في مجال الإيكولوجيا البشرية والتاريخ البيئي، جامعة لوند، السويد.