مداخلة “مراد بن حسين” في الندوة حول جائحة كورونا والنضال من أجل السيادة الغذائية



نقول بكل وضوح إن جائحة كورونا لم تكن الا ورقة التوت التي سقطت لتفضح نتائج الخيارات الليبرالية التي اعتمدتها الدولة التونسية خاصة في العقود الثلاثة الأخرة. والتشخيص في الحقيقة ينطلق قبل ذلك بكثير لكن لا يسعنا الوقت لذلك … هذه السياسات التي كانت خاضعة لإملاءات خارجية لكسب شرعية سياسية بدأت تظهر نتائجها بعد امضاء تونس على ما يسمى اتفاقية 1995 و التي تهم أساسا القطاع الصناعي. هذه الاتفاقية أدت الى تفكيك 40 % من النسيج الصناعي واندثار تام لمنظومات صناعية  وفقدان 400 الف موطن شغل بصفة مباشرة حسب ارقام المعهد الوطني للإحصاء .

نفس النتائج تقريبا سنراها في الفلاحة عبر المصادقة على اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق؛ او ما يعرف بالأليكا، التي تتضمن 12 بندا؛ والتي في خضم الرفض الشعبي لها جرت تجزئتها و تضمينها في تشريعات وإجراءات إدارية وقعت المصادقة عليها، و بذلك تصبح مسألة التوقيع على هذا الاتفاق مجرد اجراء بروتوكولي … هذه الاتفاقية و حسب بعض الخبراء ستتسبب في فقدان 250 الف عائلة لمصدر رزقها، وهنا نتحدث على تدمير ممنهج لوحدات الإنتاج المحلي المكونة أساسا من صغار و متوسطي الفلاحين.

طبعا هذه الجائحة يجب ان تكون فرصة تاريخية لإعادة تنظيم القطاع الفلاحي؛ وليس المطلوب تدخلات لحل الإشكاليات اليومية فقط، و هي فرصة لإعادة الهيبة لهذا القطاع بمزيد من العدالة الاجتماعية خاصة وان هذه الجائحة جاءت لتؤكد ان صغار ومتوسطي الفلاحين أولا، و ثانيا و ثالثا لأن الذي استطاع ان يتجاوز و يعمل في ظل هذه الظروف الاستثنائية و الصعبة هم هؤلاء، الذين حافظوا على وتيرة انتاج عالية جدا رغم كل التحديات، ورغم الظروف الصعبة المحيطة بهم و هي كالآتي:

_ عدم توفر اليد العاملة بسبب الإجراءات الصارمة للحجر الصحي العام.

_ الخوف من الوباء خاصة وان تنقل العاملات والعمال الفلاحيين يتم باستعمال بعربات جماعية اضافة الى غياب وسائل الوقاية؛ بما في ذلك عند كبار المستثمرين الذين اكثروا اراضي الدولة التي ينص كراس شروطها على توفير وسائل الوقاية للعمال.

_ منع القوات الأمنية و العسكرية الفلاحين من التنقل الى الأسواق المركزية. خاصة وان هذه الأسواق ليست متركزة بالقرب من مراكز الإنتاج ولا من الجهات المتميزة بانتاجها الفلاحي.

_ تزامن هذه الفترة مع جني الغلال و الخضر البدرية والفصلية التي عادة ما تشهد كثافة في المحصول. وهنا يصطدم الفلاح باشكالية عدم استعاب السوق لهذه المنتوجات نظرا لانخفاض المقدرة الشرائية للمواطن و غلق الحدود مع البلدان التي كنّا نتعامل معها.

_ اشكالية الفلاحين غير المقيمين في ولاياتهم، والذين يجدون صعوبات كبرى في التنقل لضيعاتهم و اراضيهم خوفا من مصادرة اوراق سياراتهم.

_ غياب الأدوية. وحتى إن وجدت فهي باهظة الثمن، علاوة على ان بعض الفلاحين يعانون من فقدان بعض التجهيزات التي كانوا يستأجرونها لتساعدهم في العمل.

_ غلق بعض الأسواق الجهوية و المركزية.

_ بعض الفلاحين من مربي الابقار والاغنام يعانون مشكلة فقدان الاعلاف، نظر لغلق بعض المعامل. وبالتالي نقص الاعلاف يؤثر مباشرة على الابقار والاغنام سواء فيما يخص اللحم او مردودية الحليب.

_ تغييب الفلاحين واستثناؤهم من اي إجراء او دعم حكومي لا سيما ان هذا القطاع  يوفر 10 % من الناتج الإجمالي المحلي، في حين ان قطاع السياحة الذي لا يوفر الا 5 % ترصد له قروض ضعف القروض البنكية التي يتحصل عليها القطاع الفلاحي.

_ الشروط التعجيزية التي تعتمدها البنوك لإسنادهم قروضا. بل حتى من تحصل منهم على قروض لا تُعْطاهُم فترة إمهال لتسديدها خاصة في هذه الفترة… عادة الفلاح ذو عزّة نفس وانفة وروح تضحية، ولا يطلب امتيازات على غرار بقية القطاعات. لكن هذا لا يمكن ان يتواصل او ان يجري اتخاذه ذريعة لاستغلالهم.

و عليه نقترح مجموعة من الحلول للحد من تداعيات هذه الأزمة:

_ الغاء ديون صغار الفلاحين.

_ اعفاء ضريبي لصغار ومتوسطي الفلاحين في الاسواق المركزية.

_ تمتيع اليد العاملة الفلاحية من اجراءات استثنائية في مستوى الحماية والتغطية الاجتماعية. وايضا في مستوى الوقاية الصحية في مواطن الشغل.

_ سن تعريفة استثنائية لاستهلاك الكهرباء و الوقود.

_ جدولة مديونية الجمعيات المائية لدى الشركة التونسية للكهرباء والغاز.

_ تفعيل اعتمادات ورصدها لصندوق تعويض الاضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية بالنسبة لصغار ومتوسطي الفلاحين وصندوق الراحة البيولوجية للبحارة.

_ مراجعة اسعار قبول الحبوب بما يضمن نجاح موسم الحصاد واستمرارية الانتاج الوطني.

_ تحديد سقف اعلى لهوامش ربح موردي و مزودي الأعلاف بما يراعي خصوصية الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد و يساهم في الضغط على حلقة الانتاج وانصاف المنتج والمستهلك على حد سواء.

_ اعتماد خطة وطنية في المجال الفلاحي قائمة على توجيه السياسات الفلاحية حسب الاقاليم لتحصيل المنتوجات الفلاحية الحيوية مثل الحبوب واللحوم  والخضروات ومنح تشجيعات للفلاحين مقابل التوجه لزراعة هذه المنتوجات.

_ حسن استغلال اراضي الدولة التي تحولت الى مدخل لتكريس الزبائنية و التهمت الرصيد العقاري من الاراضي الفلاحية بتكريس ليبرالية الريع، التي تخضع لمنطق الهبة والكراء لكبار المستثمرين على حساب المزارعين الصغار الذين يحرمون من الولوج الى الأرض. يكفي ان نذكر انه عند استقلال تونس، كانت مساحة الاراضي الفلاحية المملوكة للدولة 828 الف هكتار، اي اكثر من 10 في المئة من المساحة الصالحة للزراعة. الأهم من ذلك، انها من اكثر الاراضي خصوبة وانتاجية. بعد سنوات من سوء التصرف اصبحت مساحتها في حدود 500 الف هكتار (ثلثاها تقريباً يتصرف بهما مستثمرون خواص. أمّا الثلث الآخر فتتصرف به الدولة مباشرة) في المستغَلات الكبيرة ذات الإمكانيات الضخمة.