المقاومة والبدائل في أفق تحقيق السيادة الغذائية



أ- تونس:

إحياء تجربة التعاضد:

مثلت تجربة التعاضد العمود الفقري للمنوال الإقتصادي الذي اعتُمِد في تونس خلال عقد الستينيّات من القرن الماضي. وقد ارتكز بشكل أساسي على ثنائية إنهاء آليات الاستعمار الإقتصادي المباشر واعتماد مقاربة التخطيط الاقتصادي. تم تطبيق تجربة التعاضد بشكل أساسي في القطاع الفلاحي.

 بعد فشل تجربة الاقتصاد الليبرالي في أولى سنوات الاستقلال، توجهّت تونس إلى تبنّي مشروع التعاضد الاقتصادي والاجتماعي كانخراطٍ تونسيّ في موجة عالمية (دول عدم الانحياز، النموذج الصيني والسوفياتي والخ)، اتسمت آنذاك بمركزية شعارات البناء الاقتصادي الوطني والشعبي في مسار ترسيخ التحرر الوطني من ظلمات الاستعمار. فكان الرهان على أولوية البناء الاقتصادي الذاتي شرطا أساسيا لتحقيق الاكتفاء الغذائي، وهو ما يكرّس في النهاية مطلب السيادة الوطنية.

الّا أنّ تجربة التعاضد انتهت بالفشل لأسباب متعدّدة في نهاية الستيّنات من القرن. فمن جهة كانت هناك مقاومة شديدة من كبار الفلاحين المرتبطين ببعض أجنحة النظام البورقيبي المعارضين لسياسات أحمد بن صالح “وزير التعاضد”، ومن قبل فرنسا التي لم ترتح للسياسات السيادية الجديدة لمستعمَرتها السابقة، فضلاً عن الممارسات البيروقراطية والفوقيّة التي طبعت هذه التجربة.

ورغم تخلّي الدولة رسميًا عن سياسة التعاضد وتفويتها في أغلب الضيعات التعاضدية، وتوجّهها نحو تشجيع الاستثمار الخاصّ في مجال الفلاحة، ما تزال بعض تجارب التعاضد الفلاحي قائمة وتجابه العديد من التحدّيات والصعوبات.

 

الوحدة التعاضدية للإنتاج الفلاحي “المبروكة:”

تأسّست الوحدة التعاضدية للإنتاج الفلاحي «المبروكة» سنة 1963 على أرض فلاحية دوْلية تُقدَّر مساحتها ب 1.124 هكتار، إضافة الى إدماج عدد من الملكيات الخاصة (بمساحة 20 هكتار) في شكل مساهمات المتعاضدين من الفلاحين المحليين والمجاورين لهذه الوحدة التعاضدية[1].

مثلت تعاضدية المبروكة نواة أولى في تأسيس قرية المبروكة المتاخمة لها. وذلك عبر تمتيع السكان المجاورين لها بمساكن اجتماعية (154 مسكنا اجتماعيا تم تمليكها للسكان المحليين)، فضلا عن تركيز مدرسة ابتدائية ومستوصف قصد توفير كافة ضروريات الإقامة الدائمة للسكان المحليين[2].

مقر الوحدة التعاضدية
                              مقرّ الوحدة التعاضدية للإنتاج الفلاحي بالمبروكة – المكناسي – ولاية سيدي بوزيد

إذا كانت الوحدة التعاضدية للإنتاج الفلاحي قد عرفت أوج ازدهارها خلال سنوات الستين، فإنّها تعرضت كغيرها من الوحدات الإنتاجية إلى التهميش والتخلي منذ بداية السبعينيّات على إثر إقرار الدولة إنهاء العمل بالمنوال التعاضدي. فشهدت بذلك بدايات تصفيتها وتخريبها الممنهج.  في تشخيص محيّن لوضعية التعاضدية، نجد أنّها عبارة عن أرض فلاحية بمساحة هائلة تقدر ب 1.124 هكتار، منها قرابة 500 هكتار أرض بور، تحتوي على 4.800 شجرة زيتون محلّ بطاقة إنتاجية جيدة عموما.

انطلقت المبادرة الأهلية لإعادة استغلال التعاضدية منذ سنة 2011. وتكونت من مجموعة من المعطلين عن العمل أصيلي قرية المبروكة، ممّن يمثلون الجيليْن الثاني والثالث من أبناء قدامى المتعاضدين. ارتكزت المبادرة المواطنية لأهالي قرية المبروكة على ثنائية مركزية تتلخص في فكرة أولى مفادها: ضرورة إنصاف الجيل الأول للمتعاضدين وذويهم، بأن يتمّ تعويض الشغورات الحاصلة منذ تأسيس الوحدة التعاضدية عبر انتداب أفراد ممثلين لأغلب عائلاتهم. وهو مطلب شرعي ومشروع استنادا الى النصوص التأسيسية للوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي. فيما تستند الفكرة الثانية على ضرورة استكمال الاستغلال الشعبي للوحدة التعاضدية، نظرا لإمكانياتها الإنتاجية الهائلة وتوجيهها نحو مقتضيات تدعيم التنمية المحلية والجهوية. تقترح هذه المبادرة المواطنية مواصلة خيار الانتظام صلب هياكل الوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي، لعدم توفر إمكانية النشاط «القانوني» ضمن هياكل أخرى، مع العمل على تنقيح بعض الفصول القانونية للأطر المنظمة لنشاط هذه الوحدات 1984 لتتماشى وخصوصية التجربة ولإتاحة مرونة أكبر في استغلالها والتصرف فيها وفقا لخياراتهم الإنتاجية المتوسطة والطويلة المدى. علاوة على طبيعة الأطر التنظيمية الممكنة لمواصلة استغلال الوحدة التعاضدية للانتاج الفلاحي «المبروكة»، تناول النقاش كذلك استراتيجيات استغلال هذه الأرض الفلاحية الدولية في أفق مقاربة مشروع السيادة الغذائية. وقد ارتكزت هذه المقاربة على العناصر التالية:

مركزية الحق في الولوج الى مختلف الموارد الطبيعية من قبل صغار ومتوسطي الفلاحين وجمهور المعطلين عن العمل.

اعتماد شكل التنظم التعاضدي. ففضلا عن جوانبه القانونية، فإنّ في ذلك إشارة الى مركزية مبدأ العمل المشترك والأفقي الجماعي أين تطغى المصلحة الاجتماعية على المصلحة الاقتصادية، وأين تصير عملية الإنتاج الاقتصادي في خدمة الفلاح المنتج لا العكس.

لن يقتصر المنوال الاقتصادي الذي تطرحه هذه المبادرة على انتاج الزياتين، نظرا لاحتواء الوحدة التعاضدية على 4800 شجرة زيتون منتجة، بالرغم من عائداتها المادية الهامّة. بل سينفتح هذا المنوال على خيارات إنتاجية أخرى بالنظر لتوفر مساحات أراض بور ستمكن من تدعيم توفير الاحتياجات الغذائية الضرورية على المستوى المحلي والجهوي.

التفكير في اعتماد زراعات قمح وشعير من الأصناف المحلية وفقا لأساليب الإنتاج المحلي التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه. وهو ما سيساهم في بدايات العمل على تقليص العجز في إنتاجية هذا القطاع على المستوى المحلي.

الانخراط في مقاربة الفلاحة البيولوجية والقطع مع استعمال المبيدات والأدوية الكيميائية، بهدف ضمان الحفاظ على استمرارية خصوبة الأرض وتوفير منتوجات غذائية صحية لجمهور المستهلكين.

العمل على إرساء نموذج «مسالك التوزيع القصيرة» في ظل مقاربة تُرسّخ مبدأ العلاقة المباشرة بين المنتج (الوحدة التعاضدية للإنتاج الفلاحي) والمستهلك. وهو ما سيقضي على ظواهر الوساطات والاحتكارات ويساهم في تكريس حق الحصول على الغذاء باعتماد أسعار مقبولة.

العمل على تركيز دورات تكوينية لفائدة أهالي المبروكة (المتعاضدون المستقبليّون) في تقنيات الإنتاج الفلاحي، فضلا عن إجراءات تسيير الوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي. ليكون لهذا المشروع حاضنة شعبية[1].

قد لا تساعد التوجهات العامة للسياسات الفلاحية الرسمية في تونس، التي أثبتت انحيازها الدائم لفائدة منطق الخوصصة والاستثمار الخاص على حساب صغار ومتوسطي الفلاحين، على إتاحة امكانيّة واسعة لتحقيق مطلب مواصلة الاستغلال الشعبي للوحدة التعاضدية للإنتاج الفلاحي «المبروكة». الا أنّ الأهم باعتقادنا يكمن في أنّ هذه المبادرة، وبغض النظر عن احتمالات تطورها المستقبلي، بصدد التأسيس لنقلة نوعية في تصوّر مآلات استغلال الأراضي الفلاحية الدولية ومجمل الموارد الطبيعية. وهو ما من شأنه أن يساهم في خلق وتسريع نموّ وعي شعبي يجعل من قضايا العقارات الفلاحية الدولية، وآفاق السياسات الفلاحية في تونس مركز الاهتمام مستقبلا.

ب- المغرب:

التنظم النقابي في صفوف الفلاحين الصغار والعمّال الزراعيين:

 

تأسست النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل في 23 يونيو 2012، وعقدت مؤتمرها الوطني الأول في 23 يوليوز 2018. ويندرج هذا التطور التنظيمي ضمن تاريخ نضالي طويل بدأ منذ سنة 1992 بتعبئة الفلاحين الصغار بسد أولوز دفاعا عن حقوقهم في التعويض عن نزع ممتلكاتهم واستغلال ما تبقى لديهم من أراضي بورية وغابات، وتأسيس أول مكتب نقابي فلاحي ضمن نقابة الاتحاد المغربي للشغل في 23 مارس 2002. وقد توسعت النقابة بمناطقَ أخرى. كما قادت نضالات عديدة للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين دفاعا عن حقهم في الأرض والماء والثروات الطبيعية. وتعتمد النقابة استراتيجية التثقيف حول القضايا الكبرى التي تمس الحق في الثروات الطبيعية في مواجهة هجوم الرأسماليين على الثروات، الأرض، المياه والغابات، من خلال تنظيم ندوات نقابية إقليمية وجهوية، وتوسيع نشاطها الإعلامي على أصعدة وطنية، إقليمية ودولية.

أمّا فيما يخصّ العمّال الزراعيّين، فقد شهدت منطقة السوس ـ ماسة، على سبيل المثال، نضالات نقابية متصاعدة منذ سنة 2007 وقد حققت نضالات العاملات والعمال الزراعيين بالمنطقة مكاسب مادية ومعنوية، أساسا بشركات تصديرية ومحطات للتلفيف. من أهمّها: تطبيق بعض مقتضيات مدونة الشغل، نذكر منها الحد الأدنى للأجر الفلاحي، وفرض احترام الحرية النقابية، التسهيلات النقابية، تحسين نسبي لوسائل النقل، احترام كرامة المرأة والتحسيس بمسائل الصحة والسلامة. كما تطورت الممارسة النقابية الكفاحية وتوسع الوعي النقابي وتكرّست تقاليد التضامن العمالي. وتركزت هذه النضالات في السنوات الأخيرة أساسا لصد هجوم أرباب العمل على الحق النقابي بعديد من الشركات الفلاحية الكبرى، أجنبية كانت أم مغربية.

بعض الأمثلة عن مقاومة الاستحواذ والسلب

  مقاومة بيع أو كراء الأراضي: يرفض عديد من المزارعين الصغار والمتوسطين بيع أو كراء أراضيهم لفائدة المقاولين الأجانب والمغاربة، لأن هؤلاء المزارعين يدركون جيدا هول معاناة من فرطوا سابقا في أراضيهم لصالح كبار الملاكين. وهناك نماذج عديدة لمن باعوا أراضيهم أو قاموا بكرائها، وهم الآن يشتغلون فيها بأجر يومي وبشروط مُجحفة. وهذه الويلات جعلت الآخرين يتشبثون بأراضيهم وبحقولهم وإن كانت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية تتدهور بشكل سريع، ما يقوض أسس صمودهم للحفاظ على أراضيهم.

مقاومة زراعة بعض الأصناف: يرفض العديد من الفلاحين بمنطقة مولاي بوسلهام زراعة الفواكه الحمراء داخل حقولهم، رغم قدم الزراعة بالمنطقة، أما بمنطقة العوامرة فأشكال المقاومة أكثر تجليا، حيث أن أغلب الفلاحين لا يزالون يتعاطون زراعاتهم القديمة كالبطاطس، الفول السوداني والحبوب.

ـ        مقاومة الاستحواذ على المياه:

 شهدت مختلف مدن المغرب ومناطقه خلال السنوات الأخيرة احتجاجات على قلّة الماء واستحواذ الشركات الكبرى على مصادره. كانت أبرزها انتفاضة العطش بمدينة زاكورة التي شهدت مظاهرات عفوية صيف 2017 خرجت من الأحياء الشعبية الأكثر تهميشا، وجابت ربوع زاكورة تنديدا بالعطش والاستهتار غير المقبول بصحة المواطنين (ارتباط ملوحة الماء بأمراض ارتفاع ضغط الدم). وقد توجت الاحتجاجات بمسيرة شعبية حاشدة يوم 8 أكتوبر 2017 جابت أنحاء مختلفة من المدينة وصولا إلى العمالة، فوُجِهت بالاعتقالات التعسفية (31 معتقلا بينهم ثمانية قاصرين).

  ضربت اميضر مثالا في المقاومة والصمود في وجه اعتداءات شركة معادن اميضر (تابعة للمجموعة الملكية) واستنزافها الثروة المائية والرملية والمعدنية، فخاضت عديد النضالات بدءا بمظاهرات 1986 وصولا إلى الاعتصام البطولي الذي خاضوه في جبل ألبان منذ 2011 إلى حدود سبتمبر 2019، بتأطير من “حركة “على درب 96”. 

الاّ أنّ هذه النضالات التي تشهدها منطقتنا، ليست معزولة عمّا تعيشه عديد البلدان بالجنوب العالمي. ففي ظلّ تكريس عولمة الاقتصاد الرأسمالي عبر فرض اتفاقيات التجارة والتبادل الحرّ، تواجه منذ عقود شعوب آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينيّة، وتحديدا صغار الفلاّحين والبحّارة، نفس التحدّيات بتعبيرات مختلفة. وهو ما حتّم العمل على تشبيك هذه المقاومات واعطائها بدورها الطابع العالميّ المطلوب.

بروز الحركة العالمية لصغار الفلاحين والبحارة والعمال الزراعيين: 

تأسست حركة نهج المزارعين (“فيا كامبيسينا”) الدولية في ماي 1993 بسياق التعبئة ضد جولات مفاوضات الاتفاق العام حول التعريفات الجمركية والتجارة 1986-1994 المُفضية إلى تأسيس منظمة التجارة العالمية بمراكش (1 جانفي 1995)، التي سترعى تحرير التجارة وعولمة السياسات الفلاحية على المستوى العالمي. كما نُظّمت حملات ضد مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى G7 بباريس شهر جويلية 1989 بمناسبة الذكرى المئوية لاندلاع الثورة الفرنسية، والتي تمت خلالها المصادقة على نداء الباستيل لأجل إلغاء ديون العالم الثالث.

اتصّف الإطار العام المؤسس للحركة بتواتر وكثافة الحملات المناهضة للنموذج الفلاحي المالي، والتجاري، والصناعي والتصديري، وضد جميع المؤسسات الدولية التي تشرف عليه وضد الشركات متعددة الجنسيات، فعملت الحركة لأجل عولمة بديلة، ممّا عزّز صورتها ومنحها صيتا واسعا. وهي الآن تتشكل من 182 منظمة محلية ووطنية بــ 81 دولة بإفريقيا، آسيا، أوروبا وأمريكا، وتجمع حوالي 200 مليون من المزارعين والمزارعات، البحارة، الذين لا يملكون أرضا، والنساء، والشباب بالقرى والأرياف، والسكان الأصليين، والمهاجرين، والعاملات والعمال الزراعيين.

تمحورت تدخلات فيا كامبيسينا وحملاتها حول مفهوم “السيادة الغذائية” الذي عرّفته سنة 1996 على أنه حق كل دولة في الحفاظ على قدرتها على إنتاج غذائها الأساسي وتطويره، مع احترام التنوع الثقافي والانتاجي. وتستوجب السيادة الغذائية حماية الثروات الطبيعية، خاصة الأرض، المياه والبذور. كما ترفض فيا كامبيسينا تحرير التجارة وبرامج التقويم الهيكلي التي تشرف عليها المنظمات المتعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

تدافع فيا كامبيسينا عن إصلاح زراعي تقوده الحركات الاجتماعية وتحفزه من الأسفل، وتسعى إلى عكس المنطق الهرمي والعنصري والأبوي ويمكن تلخيص طرق نضال الحركة فيما يلي:

  • لا ينبغي اعتبار المثل الأعلى للإصلاح الزراعي ضرورة خاصة بالفلاحين وبمطالبهم لوحدهم كشريحة. على العكس من ذلك، إنه حل اجتماعي لمشاكل المجتمع ككل. من هذا المنظور، لن يرى الإصلاح الزراعي النور إلا إذا جرى إدراجه ضمن مطالب أكثر شمولية، تتبناها أرضية تجمع قطاعات شعبية واسعة مناضلة ببلداننا. لن يربح الفلاحون وحدهم المعركة من أجل إصلاح زراعي ومن أجل التغييرات بالقطاع القروي.
  • يجب أن تكون التغييرات التي نقترحها بما يتعلق بالزراعة وملكية الأراضي والتنمية القروية جزءاً من مشروع شعبي جديد لشعوبنا، مشروع سيسوده نظام اقتصادي، اجتماعي وسياسي جديد.
  • تكمن القوة الملموسة للفلاحين والشعب عموماً بقدراتهم على التنظيم من الأسفل، داخل القبائل والمجموعات السكانية. كما أنها تكمن باستعدادهم الدائم للنضال لأجل أهدافهم وحقوقهم، سواء من خلال النضال المباشر أو عبر التعبئة الجماهيرية الكبرى.
  • من الضروري إيجاد أشكال جديدة من منظمات وجمعيات وتعاونيات، تجمع المزارعين والسكان القرويين حول موضوع التدبير الاقتصادي المنتج، وتدبير التنمية القروية بانسجام مع التقاليد الثقافية والتنظيمية لشعوبنا، وعلى أساس مبادئ المساعدة المتبادلة والتعاون الزراعي.

باختصار، يجب أن يُبنى النضال لأجل السيادة الغذائية على حركة من التنظيمات المبنية من الأسفل وبصورة أفقية على المستويات المحلية والجهوية، والابتعاد عن نمط التنظيم المركزي السائد بتجارب منظمات النضال التقليدية القائم على بنيات هرمية أو عمودية مرتبطة بجهاز تنفيذي يحتكر القرار بآخر المطاف. ومن هنا ضرورة العمل على تشكيل تحالفات وائتلافات بصورة دينامية تضمن التسيير الذاتي والاستقلالية التنظيمية، على المستويات الدولية، الإقليمية والوطنية.

هكذا، فإنّ السيادة الغذائية لا يمكن اختزالها فقط بتلبية استهلاك محلي بمنتوجات محلية وصحية. كما أنها لم تعد مجرد مطلب. إنها مفهوم بقلب النضال، ثوري، شامل، تحرري، مستقل، يدفع نحو التغيير، متعدد التخصصات والأبعاد وديمقراطي بالعمق. وأكثر من هذا، فالسيادة الغذائية لا تخص أوساط الفلاحين وحدهم، بل تسير أبعد من ذلك، وتحمل بطياتها، انطلاقا من المسائل الزراعية والغذائية، الأسس الضرورية لبناء مجتمع آخر، وطريقة أخرى للعمل وتصورنا لحياتنا المشتركة بالمجتمع. إذ تندرج السيادة الغذائية بدينامية وبصيرورة تـُكتسب ولا تـُـقرّرُ بمراسيم.


[1] حوار مع السيد عمارة غابري من متساكني قرية المبروكة وعامل سابق بالمحكمة العقارية بسيدي بوزيد، المكناسي، أوت 2018[1] المصدر السابق

[1] المصدر السابق

المقال أعلاه مأخود من الدراسة التالية : اضغط هنا.