رسالة مفتوحة الى جميع الحكومات والمؤسسات الدولية والدائنين



مبادرة الأسبوع العالمي للتعبئة ضد الديون انخرطت فيها شبكات وجمعيات من الجنوب والشمال منها، تحت شعار “الأسبوع العالمي للتعبئة من أجل إلغاء الديون”، في الفترة الممتدة من 10 إلى 17 أكتوبر 2020. وتغطي هذه الفترة عدة محطات منها ذكرى اغتيال توماس سان كارا، رئيس بوركينا فاسو الأسبق الذي دعا إلى التنصل من الديون، واليوم العالمي للتغذية في 16 أكتوبر، وكذا الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي من 12 إلى 18 أكتوبر، واجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين يوم 14 أكتوبر.

وقد جرى صياغة رسالة ترجمت الى لغات عديدة موجهة للحكومات والمؤسسات المالية والدائنين وجرى عرضها للتوقيعات.

وأحدث موقع الكتروني للمبادرة: https://www.debtgwa.net/ ، وأيضا صفحات على الفيسبوك والتويتر.

كما تم إعداد ملصق بلغات عديدة ومجموعة من الشعارات وعلامات التصنيف (هاشتاغ) التي يمكن استخدامها بشكل واسع.

وعلى جميع المجموعات والمنظمات والشبكات عبر العالم تحفيز المشاركة الكثيفة والواسعة في هذا الأسبوع، وتنظيم مختلف أنشطة التثقيف الشعبي على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، وندوات عبر الإنترنت، وأنشطة فنية وثقافية، إلخ.

 وعلى صعيد منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط/المنطقة العربية، وجب تحفيز مبادرة النداء من أجل إلغاء الديون واتفاقيات التبادل الحر والذي وقع عليه أكثر من 100 جمعية ومنظمة وشبكات من موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن والعراق.

سبق لهذه المبادرة أن نظمت ندوة إلكترونية تعريفيّة يوم 25 يونيو 2020، وأنشأت موقعا الكترونيا : https://callofpeoples.wordpress.com/، ولائحة تواصل إلكتروني تضم جميع المنظمات الموقعة بمنطقة شمال افريقيا الشرق الأوسط/المنطقة العربية. وكان النداء قد اقترح عقد اجتماع موسع للمنظمات الموقعة عليه، ونقاش مختلف مبادرات تفعيل مضمون النداء بشكل جماعي، وعقد منتدى شعبي للمنطقة العربية في آواخر 2020.

وللمساهمة في مبادرة “الأسبوع العالمي للتعبئة من أجل إلغاء الديون”، تمت ترجمة الرسالة المفتوحة الى العربية، وكذا مضمون الملصق. ويجري الاستعداد لتنظيم ندوة إقليمية حول ارتفاع المديونية ببلدان منطقتنا وسبل خلاص الشعوب منها.

رسالة مفتوحة الى جميع الحكومات والمؤسسات الدولية والدائنين

جائحة كوفيد-19 قلبت عالمنا رأسًا على عقب

كان لجائحة كوفيد-19 مستتبعات خطيرة على صحة مئات ملايين البشر وسلامتهم وحياتهم. عبر بقاع العالم، تنحدر المجتمعات إلى أعماق الفقر والهشاشة واللامساواة، وتفقد عددا هائلا من مناصب الشغل في صفوف الأجراء والمستقلين، وكذا سبل العيش، مما يحد أكثر من الوصول إلى الغذاء والمياه والصرف الصحي والسكن اللائق والتعليم والخدمات الصحية وغيرها من الاحتياجات الأساسية. فالتقديرات تشير إلى أن 500 مليون شخص اضافي قد ينحدرون الى براثن الفقر نتيجة الجائحة والانكماش الاقتصادي الذي فاقمته. كما تصاعد عدد حالات العنف وحدته ضد النساء والفتيات والسحاقيات والمثليين وثنائيي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية.

إنها لحظة غير مسبوقة من الأزمات المتعددة الشديدة منها جائحة كوفيد-19، والركود الاقتصادي العالمي، وأزمة الرعاية الصحية، وتصاعد حالات الطوارئ المناخية والبيئية. وعلى الرغم من حجم المعاناة الإنسانية وطابعها الملح، لم تتدخل الحكومات والمجتمع الدولي بشكل ملح لصالح السكان والمجتمعات.

تسلط هذه الظروف الضوء على مشكلة الديون المستمرة التي تعيق عيش السكان، ومحاربة اللامساواة، وإقرار الحقوق الإنسانية، وسيادة الشعوب وحق تقرير مصيرهم، والعدالة الاقتصادية والبيئية وبين الأجناس، والبحث عن حياة أفضل.

تنفق دول الجنوب العالمي أكثر من 300 مليار يورو سنويًا على تسديدات الدين العام الخارجي للدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وللبنوك الخاصة، وللمضاربين والمستثمرين في السندات وغيرها من الأوراق المالية الحكومية. هذه الأموال ضرورية للاستثمار العام في الرعاية الصحية الحيوية لمكافحة كوفيد-19، والمساعدة الاقتصادية للأفراد والأسر والمجتمعات المتضررة والضعيفة والمهمشة، وبناء اقتصادات تكون قاعدة لأنظمة أكثر عدلا وأكثر إنصافًا وأكثر مقاومة للمناخ وأكثر استدامة.

بالنظر إلى ملحاحية الأزمة التي نواجهها وخطورتها، كانت التدخلات لمعالجة مشكلة الديون، في أحسن الأحوال، غير كافية بشكل كبير، وفي كثير من الحالات كانت تؤدي إلى نتائج عكسية.

كان صندوق النقد الدولي قد أعلن في أبريل 2020 عن برنامج الإعفاء من ديون كوفيد-19، وبأنه سيستخدم 500 مليون دولار لتغطية عدة أشهر من إلغاء تسديدات الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي من قبل 28 بلد. وحتى الآن، ألغى صندوق النقد الدولي ستة أشهر من تسديدات الديون، بإجمالي 250 مليون دولار. ويؤكد صندوق النقد الدولي بأنه يهدف في نهاية المطاف إلى تغطية تسديدات فترة عامين، لكن ذلك سيعتمد على ما إذا كان سيتلقى تعهدات من الحكومات الأعضاء في “الصندوق الاستئماني للمساعدة في حالات الكوارث والاستجابة لها” أم لا. وفي الواقع، لم يُلغ صندوق النقد الدولي ديونه. فقد تم استخدام مساهمات العديد من البلدان الغنية في الصندوق الاستئماني لسداد ديون هذه البلدان البالغ عددها 28 بلدا إزاء صندوق النقد الدولي.

في نفس الشهر، أطلقت حكومات مجموعة العشرين الكبار مبادرة وقف تسديد خدمة الديون، والتي لا تعني إلغاءً بل مجرد تأخير لمدة ثمانية أشهر في تسديدات الدين العام تصل إلى 12 مليار دولار، وفقط 73 بلدا تم اعتبارهم مؤهلين للاستفادة من ذلك التأجيل. وضمن هذا المبلغ، تم تعليق 5.3 مليار دولار فقط من الديون الثنائية لـ 43 بلدا، وجميعها مستحقة الآن بين عامي 2022 و2024.

ولحدود الآن، رفض الدائنون الخواص إلغاء أو تعليق جزء من الديون التي يطالبون بها. ونفس الأمر ينطبق على بنوك التنمية متعددة الأطراف، مثل البنك العالمي، التي لم تلغ أيضا الديون.

وفي الوقت نفسه، وضع كل من البنك العالمي وبنك التنمية الأفريقي وبنك التنمية للبلدان الأمريكية وبنك التنمية الآسيوي ما مجموعه 205.5 مليار دولار من القروض رهن الاشارة لتدابير التدخل فيما يخص كوفيد-19. ومنح صندوق النقد الدولي أكثر من 88 مليار دولار في شكل قروض طارئة على مدى الأشهر الستة الماضية إلى 81 بلدا. إنها محاكاة ساخرة أن تجد بلدان الجنوب العالمي نفسها مع مزيد من الديون لمواجهة الأزمات المتعددة. فمشكلة الديون المذهلة تتجاوز استنزاف الخزائن العامة لمواجهة الاحتياجات الكبيرة وجوانب الهشاشة.

يعد جزء كبير من هذا الدين غير مشروع، أقرض بشكل غير مسؤول وغير عادل بدافع الإقراض المفترس، ويستخدم لتمويل المشاريع والسياسات الضارة، ولا يفي بالمتطلبات القانونية والديمقراطية، ويخضع لشروط مرهقة وغير عادلة، ويتم التعاقد عليه من قبل الشركات الخاصة ولكن تتولاه الحكومات أو يتم إبرامه عبر ضمانات عمومية للأرباح الخاصة والضائعة أو المسروقة.

كما تسببت الشروط السياسية المرتبطة بالقروض، بما في ذلك التخفيضات في الخدمات العامة والحماية الاجتماعية والخصخصة وبرامج التقشف الشديدة، في أضرار مماثلة لخدمة الديون، إن لم تكن أكبر منها، وخصوصا بالنسبة للنساء والفتيات والسكان الأصليين والأشخاص والمجتمعات الأفقر والأكثر ضعفاً. وأدت هذه الظروف إلى تفاقم النزاعات الاجتماعية وتجريم الفقر والعسكرة والقمع.

علاوة على ذلك، فإن ديون بلدان الجنوب ومديونيتها هما في نفس الآن نتيجة وأداة للهيمنة، تقلص قدرة البلدان والسكان على تطوير برامجهم الاقتصادية، وتقوض المؤسسات السيادية والسيرورات الديمقراطية.

ويتناقض كل هذا مع حقيقة أن سكان بلدان الجنوب العالمي غالبًا ما دفعوا الديون التي تم أبرمت باسمهم، وجرت التضحية بأموالهم وسبل عيشهم وأمنهم ورفاهيتهم وأحيانًا حياتهم، كما جرت التضحية بصحة الكوكب.

وكل هذا يتناقض مع الحجم الكبير للديون الاجتماعية والتاريخية والبيئية المستحقة على سكان الجنوب عبر قرون من نهب واستخراج الموارد الطبيعية واستغلال اليد العاملة، مثل العمل المنزلي والرعاية المجاني الذي تضطلع به النساء.

نحن نطالب بأكثر من “تخفيف عبء الديون”، نحن نطالب بالعدالة المتعلقة بالديون.

ندعو قادة العالم والحكومات والمؤسسات المالية العامة والخاصة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وعادلة وطموحة، وفقًا لالتزاماتهم ومسؤولياتهم، وإلى الالتزام بما يلي:

1 – الإلغاء غير المشروط لتسديدات الديون الخارجية العامة من جانب جميع المقرضين – الثنائيين ومتعددي الأطراف والخواص – لجميع البلدان التي تحتاجها على مدى السنوات الأربع المقبلة على الأقل، كتدبير فوري وبرنامج واضح نحو هدف إلغاء غير المشروط للديون المستحقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومات المقترضة لديها القدرة على التوقف عن سداد ديونها، ولكن لا ينبغي أن تواجه أي عقوبات وهي تقوم بذلك.

2 – توفير الموارد المحررة من عبء الديون لتلبية الاحتياجات الفورية للرعاية الصحية الأساسية والشاملة، والحماية الاجتماعية، والخدمات والحقوق الأخرى، وضمان سلامة الأشخاص والمجتمعات ورفاهيتهم، وتقديم المساعدة الاقتصادية والهيكلية للأفراد والأسر والمجتمعات المتضررة والضعيفة والمهمشة، واتخاذ إجراءات عاجلة فيما يخص المناخ، وبناء اقتصادات عادلة، وحماية الحقوق الإنسانية، وتعزيز العدالة على صعيد النوع والعرق والبيئة، ومقاومة التغيرات المناخية بشكل يتوافق مع صحة الكوكب.

3- القيام بعمليات تدقيق الديون العمومية – في نفس الآن تدقيق تقوم به الحكومات وتدقيق مستقل يجريه المواطنون والمواطنات – لإجراء فحص دقيق لطبيعة هذه الديون والغرض منها وشروطها وأحكامها واستخدامها الفعلي، وكذا لمستتبعات السياسات والبرامج التي دعمتها هذه الديون، وفحص عميق للتغييرات في سياسات الإقراض والاستدانة والتسديد لمنع إعادة تراكم الديون غير المحتملة وغير المشروعة.

4 – إطار عادل وشفاف ومتعدد الأطراف لحل أزمة الديون (تحت رعاية الأمم المتحدة وليس في المجالات التي يهيمن عليها المقرضون) يتعامل مع الديون غير المشروعة وغير المحتملة.

5 – فحص عميق على الصعيدين الوطني والعالمي، وتغيير سياسات وممارسات الإقراض والاستدانة والتسديد لمنع إعادة تراكم الديون غير المحتملة وغير المشروعة، وتعزيز المؤسسات والسيرورات الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان وتقرير مصير الشعوب.

6- الاعتراف بسمو حقوق الإنسان وتطبيقها وما يقابلها من التزامات من جانب الدول والمجتمع الدولي والجهات الفاعلة الخاصة، بما في ذلك مسؤولية كل دولة خارج الحدود الإقليمية عن آثار الفعل أو الامتناع الذي تقوم به المقاولات والمضاربين والمستثمرين الخاضعين لولايتها.

7- التعويض عن الأضرار التي تلحق بالبلدان والشعوب والطبيعة نتيجة ابرام الديون غير المحتملة وغير المشروعة واستعمالها وتسديدها والشروط المفروضة لضمان استردادها.

نسعى لإيجاد حل حاسم وشامل لمشكلة الديون في إطار التحول العميق في الأنظمة الاقتصادية والمالية التي تتطلبها الأزمات الحالية بشكل عاجل.