نداء عاجل لإنقاذ الثورة والشعب السوداني



تعبر لافيا كامبيسينا، في ظل تفاقم الأزمة السياسية والإنسانية في السودان، منذ اندلاع الحرب العبثية في 15 أبريل 2023، عن تضامنها الكامل مع الشعب السوداني في نضاله البطولي من أجل الحرية والسلام والعدالة. واجه السودان الذي نال استقلاله في 1956، بعد عقود من النضال ضد الاستعمار البريطاني، العديد من التحديات من بينها نزاعات داخلية وأنظمة استبدادية وفساد مستشرٍ.

في عام 2019، ثار الشعب السوداني ضد نظام الرئيس عمر البشير، في ثورة سلمية عُرفت باسم “ثورة ديسمبر”. بعد تضحيات عظيمة، نجحت الثورة في الإطاحة بالبشير، لكنها عجزت عن تحقيق التغيير المأمول، حيث ما يزال عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي يعصف بالبلاد. مثّلت ثورة ديسمبر نتيجة مباشرة لعقود من الحرمان والقمع عانها الشعب السوداني، وبخاصة الشباب الذين سادت بينهم البطالة بنسب عالية، وبالتحديد المزارعين منهم، حيث يشكلون 61% من القوى العاملة بالبلاد. أضرت التوجهات السياسية للحكومات المتعاقبة بالفلاحين، حيث ركزت على خدمة مصالح المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات، والتزمت بإملاءات البنك الدولي بخصخصة الأراضي.

عانى الشعب السوداني، وبخاصة الشباب، من استشراء الفساد في كل قطاعات الدولة، وعاش لعقود تحت نير حكم عسكري قمع الحريات الأساسية ومنع الناس من ممارسة حقوقهم الديمقراطية. أثار هذا الوضع إحساس عام بالإحباط واليأس دفع سائر قطاعات المجتمع، وبصفة خاصة الشباب إلى الخروج إلى الشوارع للمطالبة بتغيير حقيقية وإصلاحِ جذري.

ارتفع سقف التوقعات خلال تلك الفترة، بتشكيل حكومة مدنية قادرة على تلبية أماني السودانيين، ومن بينهم الفلاحين الذين شكلوا لجانً لاسترداد الأصول العامة للدولة مثل المشاريع والأراضي الزراعية لتصبح ملكية عامة لا تخضع بعد لسيطرة النخبة الحاكمة. ولكن قوات الجيش استمرت في السيطرة على منشآت الدولة. وبدلا من الانتقال إلى حكومة مدنية ديمقراطية اشتدت النزاعات الداخلية والخلافات السياسية، بُغية تحقيق مصالح النخبة العسكرية المرتبطة بالقوى العالمية والإقليمية.

في الخامس عشر من أبريل 2023، اندلعت حرب أهلية دامية عقب فشل المفاوضات بين المجلس العسكري الذي كان يُدير المرحلة الانتقالية وقوات المعارضة. تحولت الحرب الممتدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى نزاع على السلطة بين الحزبين المتحاربين. نتج عن ذلك انفلات أمني خطير وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

تعقد الوضع السياسي أكثر، وتعمقت الانقسامات الداخلية مع استمرار الحرب في السودان بفضل الدور الذي لعبته قوى إقليمية ودولية في تأجيج النزاع بدعم طرف على حساب آخر بما يخدم مصالحها الخاصة. تتهم بعض المصادر فاعليين أجنبيين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالتدخل لإضعاف السودان وتقسيم ثرواته. وتشير الاتهامات إلى أن تلك القوى الخارجية تدعم الفصائل المتحاربة لتحقق أهدافها الجيوسياسية الخاصة.

سببت هذه الحرب مأساة إنسانية مروعة، فقد راح ضحيتها عشرون ألف انسان، وأُصيب خمسون ألف آخرون، ونزح أكثر من ثمانية مليون عن منازلهم. دُمرت البنية التحتية كلها تقريبا، ونُهبت الأسواق والمزارع، وتعطلت الأرزاق، فساءت الأحوال المعيشية أيما سوء.

يكابد السودان اليوم أزمة إنسانية خطيرة تتصف بـنقص حادِ في الغذاء والمياه والأدوية فضلا عن تدهور الخدمات الصحية وانعدام الأمن. يوجد أكثر من 24.7 مليون إنسان في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، من بينهم 14 مليون طفل. أما المستشفيات فيعمل عدد منها بأدنى من طاقته بكثير، فيما توقف الباقي عن العمل تماما، ويستدعي وضع الأمن الغذائي إعلان حالة طوارئ عاجلة.

تُدين حركة طريق الفلاحين الدولية – لا فيا كامبيسينا بشدة هذه الحرب العبثية، المُمولة والمدعومة من قوى إقليمية لا تعمل سوى لتحقيق مصالحها الخاصة الضيقة، كجزء من مخطط إمبريالي لإضعاف السودان وعرقلة مساره الثوري. تستهدف تلك القوى المُقدرات الاقتصادية للبلاد بما فيها الأراضي الزراعية والمشاريع الحيوية مثل مشروع الجزيرة والمناقل، الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الزراعي السوداني.

لا تمثل هذه الحرب، حسبما نراها، سوى استمرارٍ للسياسات النيوليبرالية التي فُرضت على السودان منذ 1989، والتي أدت إلى خصخصة القطاع العام وتدمير البنية التحتية الزراعية والصناعية. أفقرت هذه السياسات الفلاحين والعمال الزراعيين، دافعة إياهم إلى حافة الهاوية، حيث صودرت أراضيهم وانتُزِعت منهم محاصيلهم.

  • الإنهاء الفوري للحرب، ووقف التدخلات الخارجية التي تُغذي الصراع،
  • إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وقادة لجان المقاومة،
  • تشكيل حكومة مدنية تمثل إرادة الشعب السوداني وتُعبر عن تطلعاته،
  • الانتهاء من وضع دستور دائم يعكس تطلعات السودانيين ويضمن العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة.

ونناشد كل القوى التقدمية والحرة حول العالم بالتضامن مع الشعب السوداني في نضاله. من الضروري، من أجل إيقاف الحرب، الضغط على الأنظمة التي تدعم استمرارها، ودعم الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي سلمي يعيد الاستقرار للسودان ويضمن الأمان والكرامة لكل مواطنيه.

إن نضال الشعب السوداني هو نضال من أجل الحرية والكرامة والعدالة، معنية به الإنسانية بأسرها. اليوم، يُظهر الشعب السوداني مرونة واصرارا يُحتمان علينا الوقوف بجانبه في هذه الأوقات العصيبة.

عاش نضال الشعب السوداني! عاش السودان الحُر الأبي!

لا فيا كامبيسينا | 22 مايو 2024

ترجمة: هدير أحمد

البيان الأصلي على: الرابط