في 30 مارس من كل سنة يخلد العالم، إلى جانب الشعب الفلسطيني، ذكرى حفازة للنضال ضد الاستيلاء على الأرض. في هذا اليوم من العام 1976 انتفض سكان قريتي عرابة وسخنين ضد قرار الاحتلال الصهيوني مصادرة 21 ألف دونم من الأراضي. كانت تلك أول انتفاضة لفلسطينيي أراضي 1948؛ الذي صادرت سلطات الاحتلال الصهيوني أكثر من مليون دونم بين العامين 1948 و1972، فضلا عن ملايين أخرى جرى الاستيلاء عليها إبان نكبة 1948.
استمر الاستيلاء على أراضي الشعب الفلسطيني منذ العام 1976 ومعه استمر إصرار القوى الرأسمالية الكبرى على تدمير الأرض، ومعهما استمر نضال الفلسطينيين ضد الاستحواذ على أراضيهم ونضال شعوب العالم ضد تدمير البيئة.
مسألة الأرض بوتقة تلاقي نضالات الشعوب وحركات النضال من أجل عدالة مناخية وكل المعنيين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحق في النفاذ للأرض وموارد الطبيعة.
تتوجه تلك النضالات ضد جعل الأرض موردا يدخل ضمن دائرة التداول النقدي، ما يجعلها مُدخَلا ضمن مدخلات أخرى لتحقيق الأرباح على المستوى القومي والعالمي.
تُضيق المساحات المتروكة للشعوب ولصغار منتجي الغذاء، مع كل استيلاء على الأرض من طرف الشركات المتعددة الجنسيات والبرامج الفلاحية الرأسمالية، التي تحول الغذاء إلى سلعة وتستولي على مقدرات الشعوب وخبرتها الموروثة عن قرون من الانتقاء للبذور وتقنيات الزراعة المحلية، الذي يجري تحويلها إلى مختبرات الشركات المتعددة الجنسيات وتُسجَّل كبراءة اختراع حصرية.
تقع مسألة الأرض في صلب المشروع الرأسمالي- النيوليبرالي، الذي تسعى من خلاله النخب الحاكمة، في العالم كله، إلى تجاوز أزمتها التاريخية البنيوية التي تفجرت منذ سنة 1972، وتعمقت مع أزمة 2007- 2008، عبر “نزع الملكية”: نزع ملكية الأراضي، خصخصة القطاعات العمومية وخيرات الأرض من مياه ومعادن وطاقة، والهجوم على حقوق الشغيلة وصغار المنتجين.
وليس عبثا أن المحاولات الأولى لترسيم يوم سنوي للدفاع عن قضايا البيئة، واشتداد نضال الشعب الفلسطيني ضد التعديات الصهيونية على الحق في أراضيه، قد تزامنت مع انطلاق تلك الأزمة التاريخية للرأسمالية.
إننا في شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية، نضع مسألة الحق في النفاذ إلى الأرض في صلب اهتمامات مشروعنا حول السيادة الغذائية في المنطقة. فلا مجال للقطع مع التبعية الغذائية وتحقيق السيادة الغذائية دون نزع قدرة الشركات متعددة الجنسيات ورأس المال المحلي على الاستيلاء على المصدر الأول للغذاء: الأرض.
وفي هذا السياق تشرع الدولة المغربية في تمليك الأراضي الجماعية والتي سيستحوذ عليها عمليا، في نهاية المطاف، رأس المال الكبير. وتتمثل الخطوة النوعية الثانية في وضع ترسانة قانونية تسمح للشركات المغربية برأس مال أجنبي أو الشركات المساهم فيها بأسهم أجنية، بالحصول على أراض زراعية بدون أي قيود، وذلك عكسا للقاعدة السابقة التي كانت تمنع الأجانب من تملك الأراضي. وكل هذا في أطار تشجيع النموذج الزراعي التصديري المدمر للأرض والماء والبيئة والمفقر لصغار المزارعين ومفرض استغلال اليد العاملة.
أما في تونس فتطرح اليوم مسألة أراضي الدولة في سياق أزمة اقتصادية خانقة في البلد قد تمهد إلى خصخصة هذه الأراضي واستحواذ الشركات الرأسمالية عليها.
وفي موريتانيا، تجري مقاومة تفويت الأراضي للمستثمرين الخليجيين وغيرهم من الشركات الرأسمالية الكبرى، كما وقع في منطقتي البراكنة و الترارزة وباقي الاراضي في عموم البلد التي تجذب الاستثمار الرأسمالي.
أما في السودان، فيناهض صغار المزارعين في منطقتي الجزيرة والمناقل القوانين المشرعة لاستحواذ الشركات الدولية الأوربية والصينية على أراضيهم، ولاتزال هذه المعارك متواصلة إلى اليوم.
إنه هجوم رأسمالي معمم على كل منطقتنا، يستدعي منا تنظيم مقاومة موحدة تشمل كل المنظمات المناضلة في منطقتنا وكل حلفاء النضال، ولهذا فنحن في شبكة سيادة نناضل من أجل:
- القطع مع منظور اقتصادي واجتماعي يرهن حق شعوب المنطقة في الغذاء بالسوق العالمية وبالقدرة على شراء ما هو حق طبيعي أولي؛ أي الغذاء.
- حق الشعب الفلسطيني في استرجاع أراضيه المسلوبة وحقه، إلى جانب كل شعوب المنطقة، في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي، وندين قرار الكيان الصهيوني بتصنيف عدة مؤسسات غير حكومية فلسطينية كـ”منظمات إرهابية” وضمنها اتحاد لجان العمل الزراعي التي نعتبره حليفا استراتيجيا لبناء بديل السيادة الغذائية بمنطقتنا.
- حق صغار مزارعي الغذاء في الولوج إلى الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الأرض والمياه والبذور. ولن يتحقق ذلك دون جعل الأرض حقا مشاعا للجميع، ونزع صفة الملكية الخاصة عنها، هذه الصفة التي تجعل من الأرض سلعة تُطرح في السوق ليشتريها القادر على أداء مقابلها؛ أي الشركات المتعددة الجنسيات ورأس المال المحلي.
- نناضل كذلك من أجل عدالة مناخية وزراعية، وضد تدمير البيئة لصالح مشاريع رأسمالية، ومن أجل انتقال بيئي وطاقي تتحمل الدول الكبرى الملوِّثة والشركات المتعددة الجنسية كلفته، وليس تحمليها للشعوب وصغار المنتجين كما هو الحال مع الانتقال الطاقي المقترح من طرف تلك القوى.
شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية
30 مارس 2022