يعرض هذا الحوار مع العاملة النقابية المطرودة عتيقة الفيزازي صورة أولية لأوضاع عمال/ات الزراعة في اشتوكة ايت باها بمنطقة سوس في المغرب، في سياق مطبوع بتداعيات الاجتياح الروسي لأوكرانيا. ويوضح كيف استغل المستثمرون في المغرب هذا التوتر العالمي لزيادة ارباحهم على حساب شغيلة الزراعة.
إن تفاقم الأوضاع المعيشية لعموم الشغيلة الزراعية ليس وليد زمن الحروب ، بل يمد جذوره عميقا في النظام الرأسمالي القائم على كدح ملايين النساء و الرجال وحتى الأطفال. واقع لن يجري تغييره سوى ببناء ميزان قوى اجتماعي يناهض الحروب الامبريالية ويسعى إلى مجتمع قائم على المساواة و الديمقراطية.
إليكم نص الحوار :
هل هناك وعي في صفوف عاملات الزراعة وعمالها بخطورة ما يقع في أوكرانيا؟ هل يجري نقاش تلك الحرب وتأثيراتها في صفوف العمال- ات وداخل النقابة؟
كان هناك خوف كبير للعمال/ات بالضيعات الفلاحية من الحرب الروسية الاوكرانية، وقد كان عمال وعاملات الزراعة يرون في بدايات الحرب أن الأمور قد تسوء بالنسبة لهم من تأثير الحرب على الحالة الانتاجية، وقد جرى تعزيز هذا التخوف من طرف الباطرونا وباشروا إطلاق إشاعات كالتالي :
- ليس هناك إقبال على السلع وحتى عدم قبولها في السوق الخارجية
- إننا نتحمل الخسائر حاليا ونقوم بدفع الفرق من جيوبنا لكي لا نقوم بتسريح العاملات.
- يجب العمل من أجل الزيادة في المردودية.
- نحن لا نحقق الأرباح.
تم استغلال هذا الأمر جيدا من قبل أرباب العمل والضغط على العمال/ات بحيث استشعرت الشغيلة الزراعية الخوف من المستقبل.
يقوم أرباب العمل بتحميل تكاليف أزماتهم للعمال والعاملات، إذ جرى رفع وثيرة العمل و خَفض أجور غير الرسميين إلى 70 درهم (تقريبا 7 دولار ) أي أقل من الحد الأدنى للأجر بالقطاع الفلاحي. هذا بذات المسوغات: الأزمة وتأثيرها، الذي استغله أرباب العمل بالهجوم على الطبقة العاملة خصوصا غير المنظمة نقابيا.
نظم المكتب المحلي (النقابة الديمقراطية للفلاحة- الفرع الاقليمي شتوكة ايت باها )، نقاشا حول الحرب واتفقنا على توزيع منشور لكن حالت الظروف دون تنفيذ الخطوة. كما اتفقنا على نقاش تأثير الحرب بين أوساط العاملات و العمال الزراعيين لمعرفة المخاطر الحقيقية التي قد تلحقها بنا، ومعرفة حدودها لفهم هذه الحرب و كيف يستغلها أرباب العمل لصالحهم. كان بالفعل النقاش ولكن بين اقلية محدودة وذلك لصعوبة التواصل مع العمال/ات لكثرتهم وقد حاولنا الوصول بهذا النقاش للمنظمين نقابيا منهم.
كيف أثرت الحرب وارتفاع الاسعار على النساء عاملات الزراعة؟
النساء العاملات تأثرن كثيرا وبشكل مباشر من هذه الحرب، لأن اليد العاملة الأكثر في القطاع الفلاحي نساء، ما يقارب 70 % ، وما كان له الأثر الكبير هو تدني الأجور وليس هناك أي زيادة فيها، في المقابل ارتفعت الاسعار بشكل كارثي، وتتحمل النساء القسط العظيم من المسؤولية الأسرية، طبعا دون نفي دور الرجال، فالعاملات الزراعيات هن من يتحمل مسؤولية التسوق وهن في ذات الآن ربات بيوت وعاملات زراعيات. فاليوم الأجرة الخاصة بالعاملات تأثرت، على الرغم من مسؤولية الزوج، فالمصروف اليومي يكون أكثر من جانب المرأة، ما يزيد الضغط عليها أي هناك تأثر نفسي ومادي، تحس النساء بالضغط يقع عليهن، وهذا الأمر أصبح جليا في صفوفهن، بالقول : “لم يعد لنا الوقت ولا المال لشراء ملابس لأنفسنا”. لأن الأسعار زادت والمرأة هي من يجب أن تشتري لنفسها ويكون بالها مشغولا بهذه الأمور الحياتية، تحت ضغط الوضع الاقتصادي المزري الذي تتحمل كلفة تدهوره المرأة العاملة الزراعية بشكل كبير.
هل هناك آثار للحرب في ما يخص مدخلات الإنتاج الزراعي، خاصة الأسمدة والمبيدات؟ هل ارتفعت أسعار هذه المواد؟
بالنسبة للمبيدات و الاسمدة ليس لدي اي فكرة، ولكن هناك أحد الرفاق التقنيين أخبرني بأن ثمن الأسمدة خلال الحرب ارتفع سعرها إلى 100%، وبالنسبة للمواد الكيماوية المستعملة في الفلاحة ارتفع ثمنها أيضا، هذا ما حاولت الاستفسار عنه.
فاقمت الحرب ظاهرة التضخم وغلاء أسعار مواد الغذاء. ما آثار هذه الظاهرة على القدرة الشرائية للعمال- ات؟
بالفعل تضرر العمال بارتفاع الاسعار خصوصا أن الغلاء طال مواد تغذية بعينها أساسية ويعتمد عليها الأُجراء في حياتهم اليومية. ارتفاع كان في بعض المواد بنسبة 50 % . وبفعل هذا الغلاء استغنى قسم منهم عن شراء بعض هذه المواد لعجزه عن اقتنائها. الغلاء مفرط جدا والأجور لا تعرف زيادة خصوصا أن الدولة لا تعمل بالسلم المتحرك للأجور، كما أن الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي لا يطبق بحيث تتقاضى أغلب العاملات أجور أقل بكثير مما هو معترف به قانونا. كذلك يجب ألا ننسى أن عمال/ات الزراعة الذين يشتغلون بدون أوراق قانونية يجري استغلالهم أبشع استغلال، ولا يتقاضون حتى الحد الأدنى للأجور، وهؤلاء معرضون للاستغلال أكثر من غيرهم.
كل هذه العوامل تجعل من القدرة الشرائية الضعيفة أصلا تزداد ترديا. تتراءى كل هذه الأمور بين صفوف الأجراء من خلال النقاشات بين العاملات والعمال في أماكن العمل.
هل يربط العمال- ات تدهور قدرتهم الشرائية بهذه الحرب، أم بعوامل اخرى؟ ما هذه العوامل؟
هناك عوامل اخرى بكل تأكيد مسؤولة عن تدهور القدرة الشرائية للعمال، وعلى رأسها بالأساس وبشكل رئيس، تمييز الدولة بين الأجور في القطاعين الصناعي والفلاحي. مع العلم أن لشغيلة الزراعة ساعات أطول وبأجور أقل، وفي ظروف مزرية بسبب المبيدات التي لها آثار صحية وخيمة، ما ينتج عنه تعب و جهد إضافي وبروز أمراض كثيرة تتطلب مصاريف إضافية تهضم قسما من أجورهم الضئيلة أصلا. عموما، العمل في الزراعة لا يوفر القدرة على العيش الكريم بالأجر المتحصل عليه حاليا.
هناك تهميش لهذه الشرائح من قبل الدولة غير المكثرتة لوضعهم والمتواطئة مع أرباب العمل الذين يعملون على خفض الاجور وتكثيف ساعات العمل وهو ما تم تكريسه عبر التذرع بتأثير الحرب في أوكرانيا.
أصلا القدرة الشرائية للعاملات والعمال الزراعيين كمواطنين ضعيفة وقد زاد التذرع بالحرب في أوكرانيا مفاقمتها.
لن تؤثر الزيادة الهزيلة المتفق عليها في الأجور (5%) في اتفاق الحكومة والنقابات في أبريل 2022 في شيء، أمام الارتفاع الفاحش لكل أسعار المواد الغذائية.
قد يسبب هذا الارتفاع المهول للأسعار والأجر المتدني في توقف الناس عن توفير المواد الأساسية للعيش.
كلمة أخيرة
بالنسبة لكلمتي الأخيرة، فيمكنني القول أنه مع جائحة كورونا جرى تحميل الكلفة الاقتصادية و الاجتماعية للطبقة العاملة وتعد النساء العاملات الأكثر تأثرا ، ويستغل أرباب العمل والدولة أي أزمة لتكريس الحكرة على الطبقة العاملة. مثلا في ظل جائحة كورونا ارتفع إنتاج الفلاحة خلال السنة الأولى حسب تصريحات المسؤولين، ولكن أيضا تمت الزيادة في ساعات العمل دون الزيادة في الأجر.
فالتعاون بين السلطة وأرباب العمل عبر القوانين، يجري استغلاله في أي أزمة لصالح أرباب العمل وأيضا الدولة بمراكمة الأرباح على حساب كدح عمال وعاملات الزراعة. وهذه مسألة أصبحت واضحة للعيان، سواء في ظل كورونا أو الحرب الحالية.
إنهم يستغلون الأزمات لتعزيز سياسات التقشف على حساب جيوب الكادحين، ومهتمون أكثر بزيادة الأرباح، دون توجيه أصبع الاتهام الى الشركات الكبرى والمنظومة الرأسمالية. إنهم يستهدفون العامل الضعيف بزيادة في المردودية و ساعات العمل، ولكن الأجور تبقى جامدة في مكانها. باختصار يحملون الطبقة العاملة تكلفة أي مصيبة عالمية.
عتيقة الفيزازي/ المغرب: عاملة زراعية ونقابية
- الحوار أعلاه مأخوذ من الملف الذي اصدرته شبكة سيادة حول: الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها على الغذاء في بلدان شمال أفريقيا
- يمكنكم الاطلاع على الملف كاملا وتحميله من الرابط
