دراسة : تصدير التمور والتكلفة المائية للعملة الأجنبية: سياسات زراعية تسير بالموارد المائية في منطقة قبلي نحو النضوب



دراسة جديدة للمرصد التونسي للمياه بالشراكة مع المرصد التونسي للإقتصاد حول مفهوم البصمة المائية.

“تمثل الفلاحة الواحية مصدرًا عريقا للتنمية المحلية والجهوية، الأمر الذي مكّنها من مواصلة ارتقائها التدريجي على الصعيد الوطني، لتنضمّ بذلك إلى مصافّ القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية خلال القرن الماضي.خلال تلك الفترة من تطوّر قطاع التمور، شهدت زراعة أشجار النخيل بشكل خاص طفرة ملحوظة، حيث تضاعف إنتاج التمور خمس مرات فقط خلال ثلاثة عقود ، ويواصل ارتفاعه بشكل سنوي، ليبلغ اليوم 6,6% من الإنتاج الفلاحي الوطني.

لقد اكتسبت زراعة النخيل زخما وقيمة متزايدين بالتوازي مع نمو الصادرات، التي تشمل اليوم 60% من الإنتاج الجملي للتمور، حيث حقّقت، مثلا سنة 2015، مداخيل بقيمة 234 مليون دولار، مستحوذة بذلك على 24% من قيمة تجارة التمور على الصعيد العالمي .تمثل منطقة قبلي المعروفة أيضًا باسم “واحة نفزاوة”، 60% من المناطق الواحيّة. ويعدّ القطاع الفلاحي فيها، الذي يضم 34.000 منتجا للتمور ، ثاني أكبر مزوّد لفرص العمل بعد قطاع الخدمات، حيث استقطب 34,4% من السكان الناشطين اقتصاديا في المنطقة سنة 2018، أي ما يعادل 16.023 عاملا في القطاع الفلاحي . ومع ذلك، فإن وضع الموارد المائية في المنطقة لا يتماشى مع الإنجازات الفلاحية التي يتم الاحتفاء بها كل عام. وفي هذا السياق نبهت المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بقبلي من أن الوضع الحالي يمس من حق الأجيال القادمة في النفاذ للمياه.

حيث تعتبر قبلي أكثر الجهات إفراطا في استغلال مائدتها المائية الجوفية العميقة بالرغم من محدوديتها الكبيرة.هذا ويتمّ حاليا استغلال الموارد بما يتجاوز الإمكانات المتجددة المتاحة لمائدة المياه الجوفية العميقة. ونظرًا لأن القسم الأكبر من هذه المائدة ذو طابع أحفوري، فإن قدرتها على توليد المياه ضئيلة جدًا، ممّا يعني أنّ الإفراط في استغلالها يشكل تهديدا حقيقيا لديمومة مواردها.رغم أنّ انتاج التمور يستفرد بالمرتبة الثانية في صادرات المنتجات الفلاحية التونسية، الا أنه يحتل أيضا المرتبة الثانية من بين المنتجات الفلاحية الوطنية الأكثر حاجة لتصدير المياه الزرقاء الافتراضية . تمثّل المياه المصدّرة سنويا ، والمقدرة بـ 300 مليون متر مكعب، قرابة نصف الإمكانات المائية لجميع المناطق الواحيّةالتي تقدر بنحو 651,6 مليون متر مكعب سنويًا . في هذا السياق، يثير هذا القطاع الفلاحي عديد التساؤلات حول مدى تأثيره على موارد جهات الجنوب.وينضاف إلى ذلك الآثار المترتبة عن التغيرات المناخية في الوقت الراهن وفي المستقبل، التي ستترجم فعليا بتراجع موارد المياه التقليدية بنحو 28% في تونس بحلول عام 2030 . وبالتالي، فإن التعارض القائم بين تنمية هذا القطاع وتوفّر المياه يمثل مسألة بالغة الأهمية.

ويحقّ لنا التساؤل بشأن مستقبل قطاع التمور بدءا بالحلقة الأولى من سلسلة إنتاجه وهي زراعة نخيل التّمر، أو ما يسمّى أيضًا بزراعة البلح. وتمثل هذه الحلقة 99,95% من الاحتياجات المائية لسلسلة تشمل في مرحلة موالية حصاد المنتوج وتعبئته قبل تسويقه في هذا السياق، وبالإرتكاز على تقييم أثار التنمية الفلاحية على الموارد المائية في منطقة قبلي، تهتم هذه الورقة التحليلية بالقضايا المتعلقة بتوجهات النماذج التنموية الراهنة على ضوء حقيقة الأوضاع المائية بالجهة. وبشكل عام، فإنّ مضمون هذه الورقة يتحدد من خلال الاجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية، وهي: إلى أي مدى تأخذ السياسة التنموية للواحات بعين الاعتبار مسألة المحفاظة على الموارد المائية ؟ ما مدى خطورة التوجهات والممارسات الزراعية الحالية على الموارد المائية؟ وما هي الحلول المقدّمة للتوفيق بين الأهداف التنموية والحفاظ على الموارد؟

بقلم كلّ من Zoé Vernin ومنى هلالي

مراجعة وتنسيق: إيمان اللواتي وعلاء مرزوقي

يمكنكم\ن الاطلاع على الدراسة وتحميلها من الرابط