تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل بالسودان اتحادٌ مطلبي مناضل واسع، مفتوح العضوية، يضم كافة أبناء الجزيرة والمناقل وبناتها، بكافة فئاتهم وأعراقهم وتنوعهم، باستثناء عناصر حزب المؤتمر الوطني ومن ساهم في تدمير المشروع واضطهاد إنسانه وتدمير مقدراته. ولا يتبنى التحالف سوى البرامج التي تجيزها العضوية عبر مؤتمر عام.
سرد تاريخي
تأتي الأرض في مقدمة عوامل الصراع السياسي والاجتماعي بالسودان، فـ”فالأراضي هي مفتاح الثروة والسلطة سواء تم استغلالها لغايات الزراعة أو لرعاية المواشي أو لم يتم استغلالها مثل النفط والمياه الجوفية 1“. وقد أصدرت السلطة منذ وقت مبكر ترسانة قوية تضمن احتكار ملكية الأرض وتسهيل الاستئثار بها أمام رأس المال، إذ أصدرت “قانون الأراضي غير المسجلة عام 1970، والذي كان قمعيا أكثر من القوانين الاستعمارية، حيث خول للحكومة استعمال القوة من أجل حماية «أراضيها»، إضافة إلى أنه شجع على تكديس الأراضي من قبل أقلية مستثمرين من الأغنياء (محليون وأجانب). أدى كل هذا إلى عزل المزارعين-الرعاة عن حواكيرهم التقليدية، ومنع الشرعية الرسمية والحقوق القضائية التي تمتعت ملكية الأراضي التقليدية بها، إضافة إلى أنه ألغى ضمنيا جميع الحقوق والدخل المرتبطة بالمياه، والأراضي ورعاية المواشي 2“.
أدى سيرورة نزع الأراضي إلى تكديح صغار المزارعين- ات، إذ قوضت القوانين والمراسيم منذ سبعينيات القرن العشرين “حقوق المجتمعات المحلية وصغار المزارعين والرعاة بالنسبة لملكية الأراضي، لصالح تمليك المستثمرين الأغنياء، محليين وأجانب، ومجموعات النخبة، مساحات شاسعة من الأراضي للزراعة الآلية. وقد عزز ذلك من الشعور بالإهمال والتهميش والاضطهاد الاجتماعي، حيث أُرغمت المجموعات المنزوعة أراضيها إما على العمل وفق أجور ضعيفة وغير مستقرة، أو الهجرة إلى المراكز الحضرية 3“. هذه هي الخلفية التاريخية والاقتصادية لنضال مزارعي- ات السودان وانخراطهم- هن في فعاليات الثورة المجيدة.
كانت بداية تحالف مزارعي الجزيرة بعد الهجمة الشرسة على المشروع من قبل الرأسمالية الطفيلية من أجل إدخاله تحت مظلة الرأسمالية العالمية وتفكيك دوره الاجتماعي والخدمي القائم منذ تأسيسه إلى اليوم.
تصدى كل شرفاء المزارعين لتلك الهجمة الشرسة بسلاح التنظيم وفضح مخططات النظام وأعوانه، مستندة إلى إرث نضالي كبير من نضالات الحركة الزراعية عبر تاريخها العريق، من رفضها لكل أشكال تدجين حركة المزارعين وجعلها بوقا للنظام الاستعماري وانتزاع حقوقها في تنظيم يمثلها ويلبي طموحاتها بحشد 50 ألف مزارع- ة في ميدان عبد المنعم، ونيلها اعتراف الحاكم العام بأنها الممثل الوحيد للمزارعين عبر اتحادهم المنتخب… وتواصلت نضالات المزارعين ضد الدكتاتوريات منذ عقود إلى الانقاذ وساهمت بإسقاط الحكم العسكري.
ينادي المزارعون المناضلون بتكوين جسم يعبر عنهم ويدافع عن حقوقهم ضد الرأسمالية الطفيلية وأذرعها في النظام. فأُسِّس تحالفُ مزارعي- ات الجزيرة والمناقل كمُعبر عن تطلعات جماهير المزارعين- ات. وكان لا بد من استمرار النضال عبر التحام أبناء المزارعين وشبابهم مع التحالف بتكوين جسم مساند للتحالف يمتاز بوجود شباب لديهم سهولة في الحركة واستخدام أساليب نضالية جديدة عبر مخاطبات في الجامعات والأسواق والتجمعات الزراعية، إضافة إلى البعد المعرفي وتنوير المزارعين عبر الدراسات والبحوث.
استمر تحالف مزارعي الجزيرة يعمل كجسم في كل المهام والمعارك عبر التنظيم والعمل الدعائي للمؤتمرات والوقفات الاحتجاجية ورفع القضايا ضد الرأسمالية الطفيلية، والتشهير بأساليب النظام في كل مكان مما أدى إلى الاعتراف بتحالف المزارعين من كل الكيانات السياسية والجماهيرية كممثل وحيد للمزارعين.
تم الإعلان عن التحالف بمدينة “الحصاحيصا” وكانت الشرارة الأولى تجمع داخل دار النظام البائد (دار المؤتمر الوطني).
نضال التحالف من أجل الأرض
انطلق التحالف في نضاله وسعيه الحثيث لانتزاع حقوق بسطاء المزارعين في عام 2009 كان هناك أكبر مؤتمر لطرح قضايا المزارعين الشرفاء، حيث أقام التحالف بطيبة الشيخ عبد الباقي مؤتمرا حضره (الصادق المهدي ومملثو حزبه “حزب الأمة” وحسن الترابي وممثلو حزبه “المؤتمر الشعبي” وجيمس واني عن “الحركة الشعبية” وسليمان حامد وممثلو “الحزب الشيوعي” وأسماء محمود وممثلي “الحزب الجمهوري”، وكل قيادات حركة المزارعين الشرفاء)، وأقيم مؤتمر آخر بقرية فارس الكتاب بدار شيخ عبدالله خليفة ود حماد.
وجرى تنظيم مؤتمر آخر بطيبة الشيخ عبد الباقي، وأقيمت الكثير من الأمسيات النضالية والندوات، كان أشهرها بقرية ودالضو، وأول مؤتمر (سمي “يوم الأرض”) بقرية تنوب من قرى الجزيرة يوم 21 أكتوبر، متزامنا مع احتفالات الشعب السوداني بثورته. ومنذئذ صار مؤتمر الأرض يقام مع ذكرى أكتوبر من كل عام، وأقيم بعده مؤتمر آخر للأرض، بطيبة الشيخ عبد الباقي حيث تصادم التحالف مع الأجهزة الأمنية الساعية إلى منع قيام المؤتمر. وانتصر التحالف بانعقاد مؤتمره في الجزيرة والمناقل يوم الأرض بقرية معيجنة، مصطفى بدار الشيخ المناضل الأمين محمد الأمين أول رئيس اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل. تدخلت قوات الأمن لمنع المؤتمر بكل الطرق، فباءت مساعيها بالفشل، حمت المؤتمر جماهير المزارعين وخرج بمقرارت مؤتمر معيجنة.
وبعده أقيمت ندوات في كل قرى الجزيرة والمناقل بقصد توعية الفلاحين لمعرفة حقوقهم وانتزاعها من حكومة الانقاذ، مثل قانون 2005 السيء السمعة الذي رهن الأرض بمعنى التمويل. قاومه مزارعو الجزيرة والمناقل بالندوات التوعوية والوقفات الاحتجاجية. وتكونت لجنتان، لجنة تاج السر مصطفى، وهي لجنة مشكلة من النائب العام ولجنة عبد الله عبد السلام. هزم التحالف اللجنتين وأوصت اللجنتان بإلغاء قانون 2005 وما ترتب عليه.
الاستيلاء على الأرض في الجزيرة والمناقل
أصبح الاستيلاء على الأرض ظاهرة عالمية، فعلى سبيل المثال أن هناك أكثر من 600 ألف فدان من أراضي مشروع الجزيرة والمناقل قد تم عرضها للبيع لبنك المال المتحد، وذلك بقرار من إدارة مشروع الجزيرة والمناقل بتاريخ يناير 2012، وقد جرى وقف البيع بقرار محكمة الطعون الإدارية بمدني بدعوه رفعتها لجنة ملاك الأراضي، وبدعم من تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل وهناك أيضاً مليون فدان 1000000، ومنها 450 ألف فدان داخل مشروع الجزيرة، قد مُنحت للصين من الأراضي الزراعية في ولاية الجزيرة لمدة 99 سنة، فيما يبدو مقابل ديونها. وقد تصدى تحالف المزارعين للحكومة السودانية والصين.
أحرز التحالف الكثير من النجاحات بعد التصدي للكثير من القضايا التي تضر مصالح المزارعين- ات، ولا شك أن مشروعا كهذا سيكون مستهدف داخليا وخارجيا، وقد يشعل فتيل الحرب. لكن ما يجعلنا نطمئن أن المزارعين ومن يتقدم صفوفهم من (تحالف المزارعين) قادرون على العمل من أجل استرداد حقوقهم وقادرون على هزم الرأسمالية بكل قوتها وجبروتها وأجهزتها التي اشترتها من (حكام وحكومات)، لأن إيمانهم بقضيتهم أكبر، وأكيد سيظهر الحق وسينتصر على كل باطل فمن لم ترهبه السجون والمعتقلات وكل ما بداخلها من عذاب، قادر أن يحقق النصر.
ويخوض تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل حاليا نضالا ضد “مسودة قانون مشروع الجزيرة للعام 2021″، الذي قال عنه الأستاذ حسبو إبراهيم عضو سكرتارية التحالف: “جميع عيوب قانون 2005 الذي يرفضه المزارعون وانه يجافي رغباتهم ومصالحهم، معتبرا ان هذا القانون سيعيد المنطقة الى ما قبل التاريخ… وأنه أورد “أشياء مخلة” عن ملكية الأرض، واعتبر هذه الأرض ملكاً للحكومة بما فيها أرض الملاك المستأجرة وهذا الافتراض غير وارد علماً بأن هذه الأرض غير مستأجرة منذ عام 1960 4“.
فاطمة أحمد عبد الباقي – السودان
هذا المقال مأخوذ من العدد الثاني لمجلة سيادة: “الأرض وآفاق السيادة الغذائية”
لقراءة وتحميل العدد كاملاً من: هنا
هوامش
1 – “الأرض والنزاع في السودان”، شبكة حقوق الارض والسكن، 1 يوليوز 2006، http://www.hic-mena.org/arabic/news.php?id=o21maA==#.YPFGRe3PzIU.
2 – المرجع السابق.
3 – “تسييس ملكية الأرض في السودان”، تسييس ملكية الأرض في السودان (كاتب سوداني)، 18 مارس 2018، https://www.alquds.co.uk/%EF%BB%BFتسييس-ملكية-الأرض-في-السودان/.
4 – “تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل يتحفظ حول قانون مشروع الجزيرة الجديد”، 7 يوليوز 2021، https://www.suna-sd.net/read?id=716998.