يحدق بعاملات الزراعة وعمالها بالمغرب خطر الموت وهم يشتغلون لضمان سير وحدات الإنتاج الفلاحي ومحطات تلفيف الخضر والفواكه وتعبئتها. ففي أواسط يونيو/حُزيران 2020 كُشفت بؤرة وبائية بثلاث وحدات لإنتاج الفواكه الحمراء وتصديرها بمنطقة لالّة ميمونة بإقليم القنيطرة (شمال غرب البلاد على الساحل الأطلسي) سجلت أزيد من 900 حالة حاملة لفيروس كورونا المستجد.
ويزداد كل يوم احتمال بروز بؤر وبائية في القطاع الفلاحي، ما يهدد بانتشار سريع وكاسح لجائحة كورونا في العائلات والأحياء العمالية. فشروط العمل في الضيعات الفلاحية ومحطات التلفيف، حيث امتداد العمل زهاء 8 ساعات باليوم (الساعات القانونية)، والاستعمال الكثيف للمبيدات الكيماوية السامة، وغياب وسائل الوقاية والسلامة، تجعل حجم الأمراض المهنية هائلا وسط عمال الزراعة والنساء منهم بشكل خاص، وتزيد هشاشة صحتهم وضعف مناعتهم بوجه فيروس كورونا أو غيره من الأوبئة. هذا علاوة على شروط العيش في أحياء البؤس العمالية في المناطق الزراعية الكبرى حيث تغيب مرافق البنية التحتية من مستوصفات، وقنوات صرف صحي، وربط بشبكة الماء الصالح للشرب، وسكن لائق. كما أن الحد الأدنى الخام للأجر الفلاحي (1994 درهما في الشهر) يقل بنسبة 42% عن نظيره في القطاع الصناعي (2828 درهما في الشهر)، ليس بأي وجه كافيا لتلبية حاجات عاملات الزراعة وعمالها الأساسية من تغذية ووعلاج، في سياق الحجر الصحي وارتفاع الأسعار، وغياب الخدمات العمومية أو ضعفها، و برامج السكن الاجتماعي، إلخ. وهذا ما يدفع غالبيتهم إلى الاستدانة (قروض الاستهلاك والقروض الصغرى) التي تزيد من استنزافهم.
ولا يحرص أرباب عمل الزراعة سوى على توسيع هامش ربحهم، مستهترين بأرواح العاملين/ات لديهم. فمعظم وحدات الإنتاج لا تلتزم بتدابير الوقاية الصحية، و لا بتوفير الكافي من كمامات ومواد تعقيم، ولا باحترام مسافات التباعد الآمنة في أماكن العمل، كما أن العدد المسموح في وسائل نقل الاجراء خارق لشروط السلامة.
ويستغل أرباب العمل جائحة كوفيد-19 لتقليص عدد العاملات والعمال ذوي الأقدمية أو النقابيين/ات، وفرض وتائر عمل شديدة، ويلجؤون أكثر فأكثر إلى شركات وساطة في التشغيل.
ويعد تقليص الأجور الفعلية المباشرة (الحد الأدنى للأجور) وغير المباشرة (ما يسميه أرباب العمل التحملات الاجتماعية)، وكذا مرونة الشغل وتكريسها في قوانين، من بين المطالب الرئيسية للمقاولات الأجنبية وكبار الرأسماليين المحليين لتدعيم “الاستثمار” وتحسين مناخ الأعمال. وقد تضمنت مدونة للشغل التي وضعتها الدولة سنة 2004 عديدا من المقتضيات التي تنص على عقود شغل محددة المدة، والوساطة في التشغيل، والتشغيل المؤقت، والمقاولة من الباطن. وقد استغل أرباب العمل الشروط الاستثنائية التي فرضتها جائحة كرورنا لتعميق هذه المرونة من خلال إصدار قانون جديد (الجريدة الرسمية بتاريخ 6 غشت 2020) يسمح بتعميم إبرام عقد الشغل محدد المدة في عديد من القطاعات الإنتاجية، وضمنها القطاع الفلاحي، ويضرب مكسب استقرار الشغل.
وقد مكنت الدولة المقاولات المتأثرة بالأزمة الناجمة عن جائحة كورونا من التصريح بأجرائها المتوقفين مؤقتا عن العمل كليا أو جزئيا جراء تفشي كوفيد-19، ومن الاستفادة من تأجيل أداء اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي دون احتساب غرامات التأخير، وذلك عن الفترة الممتدة من فاتح مارس إلى 30 يونيو2020. وسيستفيد هؤلاء الأجراء المتوقفون مؤقتا عن العمل من تعويض شهري جزافي قدره 2000 درهما عن تلك الفترة، لكن شريطة أن يكونوا مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي برسم شهر فبراير/شباط 2020. وهذا يعني حرمان مئات آلاف أجراء القطاع الخاص من هذا التعويض، حيث ان عدد الأجراء المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالقطاع الفلاحي لم يبلغ سوى 275.311 أجيرا سنة 2018، في حين يفوق عدد عاملات الزاعة وعمالها 900 ألف.
تقع خطورة جائحة كورونا وتكاليفها على عاملات الزراعة وعمالها من خلال تردي شروط عملهم ودخلهم. فالدولة تحرص أولا على ضمان سير النموذج الزراعي التجاري والصناعي والتصديري ودعمه من أجل ضمان أرباح أقلية من الرأسماليين الكبار (شريحة 1% من السكان). ولا تعتبر إفقار عاملات الزراعة وعمالها وصغار الفلاحين/ات والرعاة ومربي الماشية والبحارة سوى أضرارا هامشية تدبرها بطريقتها، وتلجأ الى قمع ممنهج لأشكال الاحتجاج التي تخوضها مختلف هذه الشرائح الشعبية من أجل تحسين أوضاعها. كما أن احتداد تبعية البلد الغذائية هي أيضا مجال لاغتناء هذه الشريحة من كبار الرأسماليين الذي يستوردون الغذاء الرئيسي من حبوب وقطاني وغيرها.
تصعب وضعية الحجر الصحي التي يفرضها فيروس كورونا العمل النقابي المباشر في الميدان على عاملات الزراعة وعمالها، كما تصعب التضامن وأشكال التنسيق النضالي. لكن جائحة كورونا أبانت على ضرورة مواصلة المعارك بجميع الأشكال الممكنة ضد الأقلية التي تستغل هذه الجائحة لتوسيع استحواذها على خيرات البلاد، وضد دولتها التي تدعمها وتشدد قمع الحريات.
إن النضال من أجل تغيير نمط الإنتاج والاستهلاك الرأسمالي المسؤول عن جميع مصائبنا الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وإرساء بديل السيادة الغذائية، أصبح أشد إلحاحا من أي وقت مضى.
عمر أزيكي
عضو السكرتارية الإقليمية لشبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية
جرى نشر هذا المقال في العدد الأول من مجلة ” سيادة” : رابط تحميل المجلة هنا