المياه في المنطقة العربية والتغيرات المناخية والسيادة الغذائية



تتصدر التغيرات المناخية التحديات التي يواجهها العالم اليوم والمنطقة العربية خصوصا. وقد دلت بيانات “ذا نيو كلايمت إنستتيوت”، الذي فحص بيانات 25 شركة عالمية، أن تلك الشركات تخفق في تحقيق أهدافها للتصدي للتغير المناخي، كما أنها تدلي بمعلومات زائفة بشأن ما تنجز من إنقاص لانبعاثات الغازات، خاصة الكربون 1.

باتت درجات الحرارة الأشد، والظواهر المناخية الجامحة، واقعا مألوفا في العالم العربي.

ولن يقل ما سيعانيه البشر خطورة، إذ يُتوقع تزايد وتيرة موجات الحر، ووتيرة الأعاصير الاستوائية وشدتها، وعواقب ذلك من دمار واسع بكثير من تجمعات السكان، ووفاة الآف البشر كل عام.

باتت درجات الحرارة الأشد، والظواهر المناخية الجامحة، واقعا مألوفا في العالم العربي. حيث كان عام 2010 الأشد حرارة منذ أواخر القرن التاسع عشر، مع بلوغ 19 بلدا درجات حرارة قياسية جديدة. وقد اعتادت العديد من البلدان العربية الآن على حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية في شهور الصيف.

وستشهد بعض السواحل ارتفاع منسوب البحر، وغمر أجزاء واسعة من السواحل، واختفاء مدن وقرى عديدة، ويُتوقع غرق أجزاء كبيرة من الدلتا في مصر، وبالتالي فقدان مئات الآف الافدنة الصالحة للزارعة. وعلى صعيد الصحة، يُرتقب تزايد الأمراض المرتبطة بالمناخ الحار كالملاريا. واقتصاديا سيحدث ضرر بالغ بالزراعة، ارتباطا بالتقلبات الجوية.

كل هذه العوامل المنذرة بعالم مناخي جديد ومتعدد السيناريوهات تضعنا أمام عديد التساؤلات أهمها صمود الموارد الطبيعية وسيادتنا الغذائية 2.

لذلك سوف نتعرض الى هذه المقاربات ضمن هذا المقال التحليلي لواقع المياه والسيادة الغذائية في المنطقة العربية وكيفية تعامل الدول معها.

شح الموارد المائية في المنطقة العربية في مواجهة التغييرات المناخية

يثير هذا العنوان سؤالا أوليا حول مدلولين الشح المائي والتغيير المناخي خاصة في ظل التناقضات التي يشهدها النظام الرأسمالي والمرتبطة بالتغير المناخي.

بالرغم من وجود مصادر طاقة نظيفة، ولا تسبب الانحباس الحراري، متجددة باستمرار، ثمة إصرار من الرأسمالية على الاستمرار في استخدام المصادر غير المتجددة، مثل البترول والفحم، ملوثة ومسببة انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي تغيرات في مناخ الأرض 3. كما أن الشركات الرأسمالية الكبرى المتحكمة بمصير الانسان وحقوقه تأبى أن تفصح عن حجم ما تسبب من تلويث، حيث أوضح تقرير “ذا نيو كلايمت إنستتيوت” أن الشركات التي تم دراسة حالتها ( “أمازون دوت كوم” و”فولكس فاجن” و”جوجل”) مسؤولة عن 5% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالميةـ، ما يعني أنه على الرغم ضخامة بصمتها الكربونية ليس لديها إمكانات هائلة للقيادة في الجهود المبذولة للحد من تغير المناخ.

كما لم يتوقف النظام الرأسمالي عند الزيادة في الإنتاج، بل زحف على ثروات وموارد الدول النامية أو اشباه المستعمرات، حيث تشكل الثروة المائية احدى نماذج سيطرة النظام الرأسمالي عليها رغم شحها وندرتها، لذلك سوف نقف على تبيان حالة المواد المائية بالمنطقة العربية ثم كيفية سيطرة النظام الرأسمالي عليها خاصة بالبلاد التونسية.

تشكل ندرة الموارد المائية أحد أهم التحديات الرئيسية في المنطقة العربية على مدى العقود الماضية. فجميع بلدان المنطقة تقريبا تعاني من ندرة المياه العذبة، حيث أن المتوفر لديها يقع دون خط الفقر المائي بكثير-وفقـا لتقديـرات البنـك العالمي لعـام 2016. إذ بلغت حصـة نصيـب الفـرد في الجزائـر وتونـس وسـوريا 289 متـراً مكعبـاً ســنويا، ومن المرتقب تفاقم الحالة بفعل ما بدأ يظهر من آثار جلية على المناخ في المنطقة. تتوقع نماذج تغير المناخ حدوث انخفاض كبير في توفر الموارد المائية العذبة بسبب تراجع معدلات هطول الأمطار في معظم أنحاء المنطقة، وارتفاع درجات الحرار وزيادة تواتر وحدة الظواهر المناخية المتطرفة. وسيكون لهذه الآثار انعكاسات جسيمة على إدارة الموارد المائية. حيث أطلقت الإسكوا المبادرة الإقليمية لتقييم آثار تغير المناخ على الموارد المائية وقابلية تأثر القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية، وهي أول تقييم متكامل يجرى في النطاق العربي. ويظهر التغيير العام في الحرارة في نهاية القرن ارتفاعا في متوسط درجة الحرارة السنوية في المنطقة العربية بمقدار 01 إلى 03 درجات مئوية كما هوا مبين في الشكل أسفله.

أما التساقطات فستشهد المنطقة العربية انخفاضا حادا حيث يبين الرسم أسفله انخفاض متوسط التساقطات الشهري بحلول نهاية القرن إلى 08-10 ملم في المناطق الساحلية، ولاسيما حول جبال الأطلس غربا والأحواض العلوية لنهري دجلة والفرات شرقا 4.

التغيرات المناخية
التغير في متوسط المتساقطات (مم/شهر) للفترة الزمنية 2046- 2065

كما سيؤدي استهلاك المياه المتزايد الى تراجع ملحوظ في كمياتها، فقد تضاعف في القرن الماضي مثلا مستوى الاستعمال البشري للمياه مرتين مقارنة بمعدل النمو الديمغرافي، فيما يوجد حاليا بالمناطق الجافة وشبه الجافة أكثر من ملياري نسمة، وتضم هذه المناطق لوحدها نصف أعداد فقراء العالم. علاوة على أن 82% من سكان القارة الأفريقية يجتاحهم الجفاف كما تشير بعض الدراسات الى تعذر حصول ما يزيد عن مليار و500 مليون فرد على المياه الصالحة للشرب وسيتضاعف العدد ليصبح أكثر من 3 مليار بحلول سنة 2050 5.

ومن المتوقع كذلك أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى خفض مساحات الأراضي الصالحة للزراعة في شمال أفريقيا، وتقصير مدة مواسم النمو وتقليل المحاصيل. وسيؤدي انخفاض هطول الأمطار السنوي المتوقع في هذه المنطقة في القرن الحادي والعشرين إلى تفاقم هذه الآثار، لا سيما في المناطق شبه القاحلة والقاحلة المعتمدة على الري. كما تشكل حالات الجفاف والفيضانات أكثر الأحداث المناخية شيوعاً في شمال أفريقيا وتمثل تهديداً مباشراً للأرواح وسبل العيش. إضافة إلى ذلك تتركز الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية الرئيسية في بلدان شمال أفريقيا على طول المناطق الساحلية. ويبلغ مجموع السكان القاطنين في حدود 100 كم من الساحل والذين يعانون مباشرة من تغير المناخ 68.8% الجزائر، 65.1 % المغرب، 84 % تونس 6.

جميع بلدان المنطقة تقريبا تعاني من ندرة المياه العذبة، حيث أن المتوفر لديها يقع دون خط الفقر المائي بكثير-وفقـا لتقديـرات البنـك العالمي لعـام 2016.

رغم مؤشرات ندرة المياه التي تشهدها منطقة شمال افريقيا باتت وضعية البلاد التونسية تبعث عن القلق وتنذر بمستقبل مخيف فيما يتعلق بالموارد المائية واستعمالاتها. إذ بلغ البلد مستوى الإجهاد المائي سنة 1994 بموارد متوفرة تعادل 532 متر مكعّب سنويا للفرد الواحد. ويتوقع أن ينخفض هذا المنسوب إلى 360 متر مكعّب سنة 2030 وإلى 150 متر مكعّب سنة 2050. نتحدث هنا عن إمكانات مائية متواضعة جدا، علما أنّ ربعها 4/1متأتي من موارد جوفية غير متجددة. أما المتجددة فهي بصدد التقلص نتيجة التغيّر المناخي. كما نلاحظ أيضا تدهورا واضحا لجودة المياه بسبب ارتفاع نسب الملوحة والتلوث الناجم عن الأنشطة الصناعية واستعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية في قطاع الفلاحة 7.

التغيرات المناخية والمياه

رغم هشاشة وضعية الموارد المائية في المنطقة العربية لم تكف أطماع الرأسمالية عن الاتجار وتحقيق الأرباح وتحويل الأزمات إلى استراتيجيات ربحية. فالبلاد التونسية لم تكن في منأى عن خيارات النظام الرأسمالي في وقت يعاني فيه قطاع المياه من أزمة هيكلية تمظهرت في اتساع دائرة العطش في كامل الجمهورية. ونجد مقابل ذلك تطورا كبيرا في وحدات تعليب المياه المعدنية من 04 وحدات سنة 1994، إلى 29 وحدة سنة 2020. تعود أسباب ذلك على فتح القطاع المياه أمام المستثمرين الخواص وتخلي الدولة على مسؤولية تنظيم القطاع، ما نتج عنه بروز مفارقات وحالة من الغبن الاجتماعي خاصة لدى الأشخاص الذين يقطنون قرب منابع المياه، دون إمكانية الحصول على حاجياتهم منها.

السيادة الغذائية بين واقع التغييرات المناخية واجهاد النظام الرأسمالي

تمثل السيادة الغذائية استراتيجية بديلة، من أجل مقاومة النظام الحالي لهيمنة منطق التجارة الدولية والشركات الكبرى والعابرة للقوميات على أدوات إنتاج الغذاء، ونهب الأراضي والإضرار بالبيئة 8.

ليس الغذاء اليوم أقل وطأة عن الموارد المائية في المنطقة العربية، فالماء والغذاء متلازمان. لكن السؤال هو الى أي مدى يمكن تحقيق مقومات السيادة الغذائية في ظل التغييرات المناخية وتوحش النظام الرأسمالي. إن للتغييرات المناخية تبعات كبرى في مجال الزراعة تؤثر على النظم الإيكولوجية والفوائد التي توفرها للمجتمعات. كما ويؤثر ذلك بصورة متزايدة على إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيواني، والموارد الزراعية من التربة والمياه.

ورغم أن المنطقة العربية، لا تسهم إلا بنسبة 4.5% من غازات الاحترار العالمي، تدفع الثمن الأكبر من جراء تغير المناخ 9. وسوف تكون أكثر المناطق عرضة لهذه التأثيرات لأنها تضم أغلب المناطق جفافا وحوالي 75% من المساحات المزروعة فيها تعتمد على المطر. وستنخفض كمية الأمطار خاصة في المشرق العربي بحدود 10 إلى 30% في السنوات القادمة مع تباين في توزعها وشدتها مع ازدياد في وتيرة دورات الجفاف. كذلك ستنخفض المحاصيل الزراعية في المناطق المطرية في الوطن العربي بحوالي 50% بحلول 2050 10.

على سبيل المثال يتواصل تقلص الأراضي المثمرة والأراضي المخصصة للزراعات الكبرى في تونس بفعل التغيرات المناخية، و يُتوقع انخفاض محاصيل الحبوب في البلاد مع حلول عام 2030 بحوالي 30٪، فيما ]توقع تراجع الأراضي المثمرة بحوالي 50٪ مع نهاية هذا القرن 11.

رغم أن المنطقة العربية، لا تسهم إلا بنسبة 4.5% من غازات الاحترار العالمي، تدفع الثمن الأكبر من جراء تغير المناخ

كما تعتبر هذه التغيرات المناخية عالية المخاطر من الدوافع الأساسية التي حدت بالفلاحين المزارعين المهمشين إلى محاولة التحكم في هذه المخاطر بتبني عديد ومن الممارسات خصوصا في ظل ندرة المياه على غرار الخضوع المزمن للمداواة الكيمائية، يمكن القول إن الفئات الاجتماعية الأكثر عرضة لآثار هذه التغيرات هي صغار ومتوسطي الفلاحين. ولئن كانت إعادة منوال التنمية لبلدان المنطقة العربية قد أدى إلى اختلال التوازن التنموي وإلى تفقير سكان كما وكيفا، فإن التغيرات المناخية ونقص المياه وضعف حوكمتها عوامل أدت بدورها إلى بروز مسارات تفقير خاصة في ظل غياب دور الدولة ورعايتها لهاته الفئات. اذ تعتبر البلاد التونسية النموذج الأمثل لمعاناة صغار الفلاحين في مواجهة التغييرات المناخية دون برامج مساعدة من الدولة.

حيث أن الفلاحة في تونس ما زالت مسألة عائلية بالأساس، فقرابة 75 % من المستغلات الفلاحية مساحتها أقل من 10 هكتارات، أي أن صغار الفلاحين هم العمود الفقري للقطاع، والمشكلة أنهم الأفقر والأقل قدرة علو الحصول على تمويلات. علاوة على ذلك يعاني هؤلاء الفلاحون من مشكلة البذور الهجينة لعدم تأقلمها مع التغييرات المناخية وكلفتها المرتفعة باستمرار، وهيمنتها على السوق تعني من جهة حرمان صغار الفلاحين من البذور الكافية لزراعة أراضيهم وتحسين أوضاعهم، ومن جهة أخرى ارتفاع تكلفة المنتجات الفلاحية، ما يرهق القدرة الشرائية لأغلب المواطنين.

هذا الجانب هو الأقل خطورة في الموضوع، فنسبة مهمة من هذه البذور مهجنة وعقيمة (OGM)، أي أنها تستعمل لمرة واحدة ولا يمكن تخزينها. كما أظهرت تجارب عدة بلدان أن بذور الشركات العملاقة هذه تفقِر التربة تدريجيا، ما يجعل الفلاحين يستعملون الأسمدة أكثر فأكثر. في تونس مثلاً ارتفع معدل الأسمدة من 5 كيلوغرام للهكتار الواحد مطلع ستينات القرن الماضي إلى 25 كيلوغراماً أواسط تسعيناته. وينبه عدة فلاحين وخبراء زراعيين منذ سنوات إلى ظهور أمراض جديدة تصيب الزراعات التونسية، وتستوجب استعمالاً مكثفاً للأدوية 12. لذلك نجد أنفسنا في مقاربات لا تخدم صالح الفلاح الذي يسعى جاهدا إلى المحافظة على موروثه الزراعي تحقيقا لسيادته الغذائية من جهة وبين الدولة ومصالحها التي تسعى في كل محاولاتها إلى اجهاد كاهل الفلاح وتضعه أمام خيار وحدا وهو التخلي عن مورد رزقه والهجرة.

يعاني هؤلاء الفلاحون من مشكلة البذور الهجينة لعدم تأقلمها مع التغييرات المناخية وكلفتها المرتفعة باستمرار، وهيمنتها على السوق

عمل النظام الرأسمالي، على غرار التغييرات المناخية التي ساهمت بشكل كبير في احباط كل محاولات تحقيق السيادة الغذائية. على تركيع أنظمة الحكم في البلدان النامية عبر خلق نظام زراعي يقوم على الاستخراجية خاصة في شمال افريقيا. يؤدي هذا النموذج الفلاحي والصناعي والتجاري والتصديري، المرتكز على الإنتاج الكثيف والزراعة الأحادية والاستهلاك الحاد للماء، في المناطق القاحلة مثل الصحراء، الى استنزاف المياه الجوفية الثمينة وغير المتجددة. علاوة على ذلك، يشكل تحويل الأراضي الصالحة للزراعة من إنتاج الغذاء إلى إنتاج الطاقة (الوقود الحيوي أو الوقود الزراعي) والزهور والمنتوجات الموجهة للاستخدام التجميلي في بلدان أوروبا (مثل ثمار الجوجوبا في تونس) تصديرا لمياه افتراضية 13.

كما أن للمنطقة المغاربية دور جيو-استراتيجي فيما يخص القطاع الاستخراجي لقربها من القارة الأوروبية وثراء باطن أرضها. فالجزائر هي ثالث أكبر مزود لأوروبا بالغاز، في حين أن المغرب وتونس فاعلان مهمان للغاية في إنتاج الفوسفات، المستخدم في التسميد الزراعي مغذيا بذلك الرأسمالية الزراعية العالمية. علاوة على ذلك، تصدر تونس والمغرب كميات كبيرة من المنتجات الزراعية إلى أوروبا. تنعكس هذه الأهمية الاستراتيجية في محاولات رأسمال الشمال للسيطرة على هذه الموارد 14.

ويعد هذا النظام الغذائي جزءا من النمط الاستخراجي للتراكم والاستحواذ الذي وضع الاستعمار أسس بنياته في البلدان المغاربية/ شمال إفريقيا في القرن التاسع عشر استجابة لمتطلبات المراكز الحضرية في بلدان الشمال عامة. يعتمد هذا النمط من التراكم والاستحواذ بدوره على تسليع الطبيعة وخصخصة الموارد الطبيعية، وما ينتج عنهما من تدهور بيئي خطير.

تعدد المحاولات مقابل فشل التأقلم

تغير المناخ أصبح اليوم واقعا، يجب التكيف مع عواقب الظواهر المناخية حتى نتمكن من حماية الناس والمجتمعات، بالإضافة إلى بذل كل ما بوسع الحكومات والدول لخفض الانبعاثات وإبطاء وتيرة الاحتباس الحراري. بالنظر إلى حجم التغيرات المناخية، وحقيقة أنها ستؤثر على العديد من مجالات الحياة، يجب أن يتمّ التكيف معها أيضا على نطاق أوسع. يتعين على اقتصاداتنا ومجتمعاتنا ككل أن تكتسب قدرة أكبر على الصمود في مواجهة التأثيرات المناخية، وسيتطلب هذا جهودا واسعة النطاق، وسيتعين على الحكومات إعادة هيكلة برامجها 15. ولكن بالرغم من مساعي الخبراء لإثبات هذه الحقيقة وإعطاء التوقعات الدقيقة التي يمكن أن يصبح عليها المناخ اليوم فإن جل النظريات التي توالت على انظار الحكومات لم تحقق التكيف مع هذه التغيرات. حيث سارعت أغلب البلدان إلى تنظيم الملتقيات لحلحة وضعيتها البيئية لكن دون جدوى، فجل الحلول تكون مجرد ردة فعل على الظواهر الطبيعية.

على سبيل الختام

ما يمكن قوله إن الرأسمالية لا تعبأ بصحة البشر ولا بمستقبل الأجيال القادمة، أنها مدفوعة نحو الربح، حيث انتهجت بلدان الشمال أساليب الربح والاستثمار، والفوائد الاقتصادية والاجتماعية الأوسع للتكيف مع تغير المناخ واضحة للغاية. أصدرت اللجنة العالمية للتكيف تقريراً يدعو الحكومات والشركات والمجتمعات المحلية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز تدابير التكيف. ويخلص التقرير إلى أن الاستثمار بقيمة 1.8 مليار دولار عبر خمسة مجالات رئيسية -أنظمة الإنذار المبكر، والبنية التحتية المرنة، والزراعة، وحماية الاشجار، وإمدادات المياه المرنة -من عام 2020 إلى عام 2030، يمكن أن ينتج فوائد بقيمة 7.1 مليار دولار 16. اذن فالشركات الرأسمالية العالمية ليست غايتها حماية الشعوب والمجتمعات من تأثيرات التغييرات المناخية وانما تحمل برامجها واقعا سيعصف بحياة الفئات العريضة من شعوبنا التي تتكالب عليها عوامل التسلّط والحرمان من الداخل والخارج، فلا سبيل إذا للتحرر سوى ببديل اجتماعي وحدوي يضمن لنا عدالة مناخية وسيادة غذائية .

  • المقال أعلاه مأخوذ من العدد الثالث لمجلة “سيادة” الكفاح من أجل العدالة المناخية والسيادة الغذائية.
  • الاطلاع على العدد كاملا وتحميله من الرابط.

هوامش

  1. موقع أرقام، الشركات العالمية الكبرى تفتقر للشفافية في تعهداتها المناخية، https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1533315
  2. تغير المناخ في العالم العربي، كما يرونها، https://blogs.worldbank.org/ar/arabvoices/through-their-eyes-climate-change-arab-world-arabic دورتى فيرنر،
  3. https://revsoc.me/economy/lrsmly-wltgyr-lmnkhy-0/، الاشتراكي، الرأسمالية وتغير المناخ،
  4. تقرير المياه والتنمية الثامن أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه في المنطقة العربية، الأمم المتحدة،2020،
  5. عزيز الأطرش، واقع المياه في المنطقة العربية، المياه في المنطقة العربية من الملك العام إلى الخصخصة، ص 28.
  6. نزرع الغد، التكيف مع تغير المناخ في شمال أفريقيا: الظروف المناخية المستقبلية وحلول إدارة المحاصيل والمياه، https://www.biosaline.org/ar/events/
  7. الموارد المائية: تعطيش صغار الفلاّحين خدمة للزراعة الرأسمالية التصديرية https://www.siyada.org/ar/siyada-board/ شبكة شمال افريقية للسيادة الغذائية،
  8. صقر النور، مفهوم السيادة الغذائية، شبكة افريقيا للسيادة الغذائية، https://www.siyada.org/ar/siyada-board
  9.  عمر عبد الرازق، التغير المناخي هل تختفي الزراعة من المنطقة العربية؟، https://www.bbc.com/arabic/in-depth-59209252 
  10. Workshop on: Climate Change Adaptation in the Agricultural Sector Using Integrated Water Resources Management (IWRM) Tools،Response measures with climatic changes in agriculture sector.
  11. احصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
  12. شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية، التغيّرات المناخية في تونس بين المقاربات المؤسساتية وتأثيراتها على الفلاحين https://www.siyada.org/ar/siyada-board
  13. Allan, J.A 2003. “Virtual water – the water, food and trade nexus: useful concept or misleading metaphor Water International 28 4-11.
  14. الفلاحة التصديريّة تقوّض السيادة الغذائية وتحاصر صغار الفلاحين في تونس والمغرب، شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية، https://www.siyada.org/ar/siyada-board /
  15. التكيف مع تغير المناخ، الأمم المتحدة،
  16. Emna Navarro، الحاجة إلى التكيف مع التغيرات المناخية , https://www.project-syndicate.org/commentary/need-to-boost-climate-adaptation-immediately-cop25-by-emma-navarro-2019-11/arabic