ليبيا: انهيار القطاع الزراعي في غياب الدولة



ليبيا بلد متصحر بدرجة كبيرة، إذ تغطي الصحراء %90 من مساحتها، وهي أرض جذباء تضم كثبانا رملية والغطاء النباتي فيها شحيح جدا، والهطول المطري يكاد يكون معدوما(2).

يعتمد اقتصاد ليبيا أساسا على إنتاج النفط، ولا تزيد مساحة الأراضي المستزرعة عن %1 من مساحة البلاد حسب إحصائيات سنة 2001، وقد تقلصت إلى %0.63 حسب إحصائيات سنة 2007، وفي جميع الأحوال لا تتجاوز الأراضي الصالحة للزراعة نسبة %1.03 من المساحة الكلية للبلاد(3). وحسب ورقة بحثية فإن القطاع الزراعي بليبيا لا يستغل إلا “حوالي %12 من المساحة الإجمالية البالغة 15.4 مليون هكتار صالحة للزراعة”(4).

يشكل القطاع الزراعي بليبيا- حسب تقرير سنة 2010- حوالي %8.2 من إجمالي الدخل الوطني، ويصل عدد العاملين به إلى حوالي %7.5 من الساكنة العاملة اقتصاديا(5).

تتواجد ليبيا بين جارتين (مصر وتونس(6)) أفضل حالا منها، حيث منتوجهما الغذائي من مزارع الخضار والفواكه تغطي السوق المحلي وتصدر للخارج. أما منتوج ليبيا فلا يغطي احتياجات السوق المحلي وليس لديها تصدير  بل استيراد فقط. إذ “تعتمد ليبيا بشكل كبير على الواردات (تصل إلى %90) لتغطية متطلبات استهلاك الحبوب (القمح والشعير في الغالب) والتغيرات في إنتاج الحبوب المحلية لها تأثير محدود على حجم الاستيراد”(7). وتأتي دولة مصر في المرتبة الأولى التي تعتمد عليها ليبيا في توفير الغذاء. وأيضا تعتمد على العمالة المصرية في تشغيل المزارع ونقل الخضروات من مدينة لأخرى.

يقدم الرسم البياني التالي(8) صورة واضحة عن حجم إنتاج الحبوب بليبيا مقارنة بدول شمال أفريقيا الأخرى. والملاحظ أن إنتاج الحبوب قد ازداد بصورة طفيفة في مرحلة الحرب:

وبرغم وجود وزارتين للزراعة إلا أنهما لا تشكلان شيئا على أرض الواقع في غياب الميزانية والتخطيط الاستراتيجي للنهوض بالقطاع وتوقف المشروعات الزراعية الحكومية واعتماد الدولة الليبية على القطاع الخاص فقط(9).

ولمعرفة المزيد من أسباب إنهيار القطاع الزراعي الليبي وتدني نسبة الإنتاج لمستويات دنيا كانت لنا لقاءات عديدة مع مسؤولين بالقطاع الزراعي وخبراء زراعيين وفلاحين. 

نبدأ أول اللقاءات مع محمد علي بوغزيل المسماري مدير الإدارة الفنية بالمصرف الزراعي ومندوب الزراعة الليبية بدول شمال أفريقيا لمتابعة وتقييم المياه وأفادنا بقوله:

“بالنسبة لمزارع مدينة المرج فقد كانت تنتج ما مقداره %65 من احتياجات ليبيا من القمح والشعير. وتدني الإنتاج- حاليا يُعزى لسببين؛ الأول إداري والثاني فني، فالدولة لم تعد تستوعب انتاج المزارعين، والمصرف الزراعي توقف عن القيام بأي دور، وحاليا المصرف متوقف عن القيام بدوره المتمثل في توفير الآلات الزراعية والأسمدة والمبيدات الزراعية والبذور وتقديم القروض، وغيرها من الخدمات التي يُفترض أن يقدمها المصرف الزراعي للمزارعين، بل إنه عاجز حاليا عن توفير مرتبات موظفيه.

حاليا ليبيا تعتمد بنسبة %90 من استهلاكها للخضروات والفواكه على دولة مصر. فإنتاج ليبيا من الخضروات والفواكه واللوزيات وغيرها يغطي فترة زمنية محدودة وهي الفترة الموسمية، على سبيل المثال منتوج التفاح من الجبل الأخضر يغطي السوق المحلي لمدة شهرين وباقي العام يستورد التفاح من دول أخرى، وهذا ينطبق على كل المنتوجات من الفواكه، وبالنسبة للخضروات أيضا المنتوج المحلي يغطي مدة شهر تقريبا وباقي العام نستورد الطماطم من مصر وهكذا.

حركة نقل الخضروات بين المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية مستمرة برغم قلتها، وتأثرت كثيرا فترة الحرب بسبب اعتماد طريق بديلة وهي طريق طويلة، مما زاد من تكلفة النقل وبالتالي ارتفع سعر الخضروات(10) القادمة من المنطقة الغربية. استمر هذا الوضع مدة ثلاث سنوات تقريبا، اليوم تصل بشكل طبيعي ولكن ليست بالكميات المطلوبة بسبب تدني مستوى الإنتاج سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية، وعلى سبيل المثال عندما يبدأ موسم البطاطا الطرابلسية والبرتقال والليمون بالمنطقة الغربية يصل إلينا ويسبب في انخفاض السعر بالسوق ويكون السعر في متناول المواطن.

أما بالنسبة لمزارع الصوبات بالجبل الأخضر فقد توقف أغلبها عن الإنتاج، والمزارع الحالية مساحتها صغيرة لا تذكر. وعلى سبيل المثال مشروع مزارع سيدي رحومة بمدينة المرج توقف نهائيا عن الإنتاج النباتي والحيواني، وكان في السابق ينتج خضروات وشتول زراعية وفاكهة وأيضا الألبان ومشتقاتها .

في هذه الفترة القطاع الخاص فقط هو من يعمل في المجال الزراعي وعلى مستوى الأفراد وبطريقة بدائية وجلهم يقومون بنقل منتوجهم لمدينة بنغازي لأنها سوق رئيسي لبيع الخضروات بالجملة ومن ثم توزيعها على باقي المدن الليبية.

زادت التكلفة الزراعية بشكل كبير وأصبح المزارع يعاني كثيرا من مختلف الجهات، ونبدأها بارتفاع أجرة اليد العاملة وأغلب من يعملون في المزارع الخاصة هم مصريون أو سودانيون أو تشاديون.

ارتفعت أسعار المبيدات الحشرية والأسمدة عشرة أضعاف سعرها السابق قبل الحرب وأصبحت كذلك غير موثوقة المصدر. نفس الشيء بالنسبة إلى سعر البذور الي زاد بطريقة غير معقولة، فالبذور التي كان سعرها 80 دينار أصبح الآن 800 دينار. والآلات الزراعية وقطع غيارها زاد سعرها بشكل كبير وتكاليف المعدات الكهربائية من مضخات ومعدات الري وغيرها زاد سعرها كذلك.

أضحى كل هذا عبئا على المزارع الذي لا يتلقى أي دعم يذكر من الدولة. على سبيل المثال؛ يكلف كيلو الطماطم المُزارعَ دينارا واحدا ويقوم ببيعه بدينار ونصف، في حين أن الطماطم المستوردة من مصر سعرها أقل من هذه التكلفة. وبسبب هذا يتعرض المُزارع الليبي للخسارة. وللعلم فمنتوج الطماطم المحلي أعلى جودة من المستورد. ولا ننسى كذلك غياب رقابة حقيقية على المنتوجات الزراعية المستوردة من ناحية الكم والنوع وحتى من ناحية الرقابة الصحية للأسف.

تعاني ليبيا من شح المياه وتلوثها(11). وأغلب المزارعين يقومون بحفر الآبار واستخدام المياه الجوفية(12) في الري، ومزارع القمح والشعير تعتمد على مياه الأمطار.

تتوفر المياه الجوفية لمزارع مدينة الكفرة(13) في الجنوب، ونجحت زراعة الفراولة والمانجة، ولكن المشكلة في درجات الحرارة العالية، ويؤدي هذا إلى فقد كبير في المياه نتيجة التبخر، فلو قارنا كمية استهلاك المياه نسبة إلى الإنتاج سنجد فاقدا كبيرا في المياه، والتكلفة أعلى من قيمة المنتوج نفسه سواء كان خضارا أو فواكها.

يعاني الشمال من شح المياه الجوفية(14) رغم أن الطقس مناسب جدا للزراعة من ناحية رطوبة التربة وجودتها واعتدال درجات الحرارة فنحن نتمتع بمناخ البحر الأبيض المتوسط.

نحن في ليبيا نحتاج إلى “دولة” وتخطيط سليم للنهوض بالقطاع الزراعي. فقد سبب غياب الدولة إنهيارا في القطاع، وهناك حادثة تجلى فيها إنهيار الدولة فقد قامت منظمة الغذاء العالمي (منظمة الفاو) بتزويد ليبيا بحبوب من بنك الحبوب الدولي بناءً على طلب من مؤسسات الدولة الليبية وجمعية المزارعين. بعد أن خاطبناها لتزويدنا باحتياجاتنا من معدات وآلات زراعية وجميع ما يحتاجه المزارع، باعتبار ليبيا دولة ملتزمة بدفع اشتراكاتها السنوية في منظمة الأمم المتحدة وتقدم في هبات ومساعدات لعديد الدول. ولم تكن تلك المساعدات مشروطة بل مجانية ، إلا أن حجم الإعانة(15) ليس بالحجم الكبير. قُدرت الكمية بـ 3000 قنطار من القمح ودخلت البلاد فترة الحرب عام 2016- 2017، من بنك الحبوب الدولي. قُسمت الشحنة إلى نصفين، خصص جزء منها للمنطقة الغربية وصل عن طريق ميناء طرابلس وجزء آخر للمنطقة الشرقية وصل عن طريق ميناء الاسكندرية بسبب إغلاق ميناء بنغازي نتيجة الحرب. ودفع المزارعون المستفيدون عشرة دنانير لجمعية المزارعين المشرفة على تسليم الحبوب للمزارعين، تغطي فقط تكلفة النقل. استفاذت كل مزرعة من 10 قنطار، وبهذه الطريقة جرى إحياء المنتوج الزراعي من الحبوب، ولكن نتيجة لغياب الدولة ما حدث كان كارثيا بجميع المقاييس، فقد تصرف فيها البعض وباعها بعد استلامها من الجمعية الزراعية أو استُعملت كعلف للمواشي في غياب الرقابة والمتابعة الزراعية، وهذا حدث في فترة الحرب عام 2016 .

زاد الوضع سوءً بسبب عدم تداول الحبوب بين المزارعين بشكل صحيح فعندما يستعمل المزارع جزءً من منتوج أرضه من القمح والشعير كبذور في العام التالي في نفس الأرض فلن يكون هناك انتاج يذكر بل سيتحول المنتوج للأسف إلى ما يشبه الشوفان البري.

 للأسف قطاع الزراعة ينقصه مهندسون ومرشدون زراعيون. كذلك توقف عمل المعامل الزراعية التي توجه المزارع من أين يشتري الحبوب المناسبة لمنطقته وتربته .

تحول مركز البحوث الزراعية، الوحيد المعتمد في منظمة الفاو،  إلى مخطط سكني، ومقر الشرطة الزراعية في المرج احتله أحد المواطنين وسكن فيه مع عائلته، والمشتل الآلي الذي كانت طاقته الإنتاجية تقدر بعشرة آلاف شتلة يوميا من شتول أشجار الغابات تحول إلى مكان لخردة السيارات، والمزارع في الجنوب مثل مشروع منطقة السرير رفعت الدولة يدها عنها ليقوم صاحب رأس المال بإيجار الدوائر الزراعية وزراعتها وبيع المنتوج بطريقة تجارية صرفة .

بالنسبة للحلول نحتاج للتخطيط الزراعي ووضع فترات زمنية لإنجاز المشاريع الزراعية وإحياء المتعثرة منها ودعم المزارعين وتوفير حبوب محسنة من بنك الحبوب الدولي”.

حدثنا عبد الرحمن عيسى عن الأوضاع الزراعية في ليبيا بقول:

“أثَّر الإنقسام السياسي على جميع مقومات الدولة ومنها الأمن الغذائي، ففي ظل عدم وجود دولة مستقرة وعدم وجود رئيس للدولة وانعدام للنظام، وغياب الخطط الخاصة بالقطاع الزراعي وكذلك غياب الدعم بالكامل، أصبح قطاع الزراعة مهملا.

مؤخرا أصبح القطاع الخاص هو السائد وتوقفت جميع المشاريع الزراعية الحكومية عن العمل. كانت أعلى إنتاجية وصلتها ليبيا من القمح والشعير هي أربعمائة ألف طن في السنة، بينما احتياجات ليبيا من القمح كسلعة استراتيجية ما يقارب من مليون ونصف طن.

يوضح الرسم البياني أسفله(16) تطور مرود الهكتار الواحد من الحبوب في ليبيا مقارنة بدول شمال أفريقيا:

حاليا لا يتجاوز انتاج ليبيا من الحبوب مائة وخمسون ألف طن من الحبوب. لهذا هناك عجز كبير بين ما تحتاجه البلاد من الحبوب وبين ما تنتجه، وهذا العجز يتم تغطيته من خلال استيراد القمح والشعير من الخارج، وهذا يشكل عبئا كبيرا على خزينة الدولة(17)، ولا مفر منه حاليا للأسف. ويصعب كثيرا تقدير حجم هذا العبئ بسبب صعوبة الولوج إلى المعلومة والأوضاع السيئة من قبل الحرب، فحكومة الشرق مثلا لا تمتلك البيانات اللازمة لمقارنتها بوضع ماقبل الحرب.

أما بالنسبة للمنتوج الزراعي من الخضروات لتغطية السوق المحلي ، بمجرد أن يقوم أي شخص بجولة داخل سوق الخضار المحلي سواء في برقة أو طرابلس أو الجنوب الليبي سيجد أن معضم الفواكه مستوردة من الخارج. ويصل استيراد الخضروات إلى %75 نتيجة غياب الدعم وعدم الاهتمام بقطاع الزراعة ودعم الفلاح، مما أدى لعزوف الكثير من الفلاحين عن زراعة مزارعهم، وساد السوقَ مجموعةٌ من السماسرة ليسوا مزارعين ولا فلاحين بل تجار لا هم لهم سوى الربح، والشراء بأقل الأثمان والبيع بأعلى الأسعار، فأغلب الموجودين حاليا هم تجار وليسوا فلاحين حقيقيين والسبب هو إهمال الدولة.

وهناك تبادل في المنتوجات الزراعية بين الشرق والغرب ولكنه تبادل ضعيف والسبب ضعف الإنتاج”.

لتسليط الضوء أكثر على وضع السيادة الليبية على موارد الغذاء كان لنا لقاء مع الاستاذ شعبان المهشهش مدير الشؤون الإدارية والمالية بقطاع الزراعة بمدينة الأبيار، وقدم لنا الإفادة التالية:

“هناك تذبذب في الإنتاج وتفاوت كبير بين مدينة وأخرى، ومع هذا فإن السمة الوحيدة المشتركة بينها هي تدني مستوى الإنتاج سواء في مدينة الأبيار أو المرج وغيرها من المدن، لأسباب كثيرة: 

* عدم توفر الحبوب المحسنة(18)، فالبذور الموجودة في السوق حاليا تُتداول محليا وهي إنتاج محلي، نحن نفتقر للبحوث الزراعية وعملية تداول البذور بدائية جدا، بمعنى المزارع يبيع كامل المحصول ويذهب ويشتري البذور من مدينة أخرى.

* لا توجد مزارع في ملكية الدولة. فجميع مزارع مدينة الأبيار هي ملك لأفراد وتعتمد في الري على مياه الأمطار. عكس مزارع الجنوب الليبي التي تعتمد على شبكات الري الصناعي مثل مدينة سبها والكفرة ومنتوجها الزراعي ممتاز وجزء من من القمح والشعير يوجَّه للمطاحن والجزء الآخر أعلاف للمواشي والدواجن.

منتوج ليبيا من القمح والشعير يصل إلى %60 سنويا والباقي يستورد، وتذهب للمطاحن وأعلاف للحيونات، وأنا هنا اتحدث عن القطاع الخاص فلا دور للقطاع العام في إنتاج القمح والشعير. وبالنسبة للخضروات لا يغطي المنتوج المحلي احتياجات السوق، لهذا نحن نستورد الخضروات من مصر وحركة انتقال المنتوجات الزراعية بين شرق البلاد وغربها وجنوبها مستمرة ولم تتوقف، ولا يوجد تنافس بسبب قلة المنتوج.

ليبيا تنقصها السيادة على الغذاء في ظل الزيادة في النمو السكاني وارتفاع نسبة استهلاك الغذاء سنويا. من الضروري جدا أن تتخذ الدولة خطوات استراتيجية على المدى الطويل لدعم القطاع الزراعي، وهنا يأتي دور المصرف الزراعي ولكنه للأسف مثقل بالديون ويعجز عن تقديم الدعم المباشر للمزارع، أما المجالس البلدية فميزانياتها مخصصة للبنية التحتية من طرق وغيرها ولا توجد مخصصات مالية لدعم القطاع الزراعي”.

لاستكمال الحديث عن سيادة ليبيا على القطاع الزراعي كان لنا لقاء مع أحد المزارعين الذي حدثنا عما يعانيه المزارع. أفادنا عطية العبدلي صاحب مزرعة في مدينة الأبيار الموجودة في الجبل الأخضر:

“جميع المزارع في مدينة الأبيار تعتمد على مياه الأمطار لري مزارع القمح والشعير ولا توجد شبكة ري، الكل يعاني من شح المياه ونقص المعدات، لا يوجد أي دعم من أي نوع من الدولة للمُزارع منذ فترة طويلة تعود إلى بداية تسعينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا.

أصحاب الأراضي الزراعية هم من يقوم بشراء الحبوب وتأجير الآلات الزراعية وفي حال لم يكن الموسم جيدا تكون الخسائر كبيرة ولا أحد يعوض خسائر المزارع، وهذا يتكرر كثيرا في ظل الجفاف السائد بالمنطقة.

تتراوح مساحة مزارع مدينة الأبيار من 80 إلى 100 هكتار. في السابق كان بها مزارع لوز وعنب، وكانت الدولة تشتري المحصول بالكامل ولكن مع مرور الوقت وتوقف الدعم انتهت هذه المزروعات نتيجة الآفات وعدم توفر الأسمدة وجفاف المياه، وتحولت جميع المزارع لزراعة القمح والشعير وبلغ سعر القنطار من الحبوب 200 دينار، أما نصف القنطار فقد بلغ سعره 130 دينار. وفي حال أراد المزارع بذر 60 قنطار من الشعير يكلفه الأمر قيمة استئجار آلات الحرث آلف دينار، هذا فضلا عن قيمة الحبوب. أي أن العملية مكلفة والربح غير مضمون بسبب الاعتماد على مياه الأمطار وضعف جودة الحبوب، وهذا فاقم خسائر المزارع. لهذا قام عدد كبير من أصحاب الأراضي بتأجيرها والعزوف عن حرثها”.

من خلال ما ذكره المسؤولون بقطاع الزراعة فان الوضع شبه منتهٍ، ورفع الدولة يدها عن دعم القطاع الزراعي منذ فترة طويلة تعود إلى بداية التسعينات من القرن الماضر وما مرت به البلاد من أحداث بداية من ثورة 17 فبراير إلى ثورة الكرامة والحرب على الإرهاب والانقسام السياسي كل هذه الأحداث ألقت بظلالها على القطاع وزادت من سوء أوضاع المواطنين مما سبب عزوفا كبيرا لدى المزارعين عن إستثمار الأراضي الزراعية، وتحول جزء كبير منها لمخططات سكنية للأسف الشديد.

لا أحد يستطيع إيجاد حلول فورية وسريعة لتحسين الأوضاع الزراعية في ليبيا وتحقيق السيادة الغذائية. يحتاج الوضع لدولة مستقرة وميزانيات كبيرة ودعم المزارعين بشكل مباشر، مع ضرورة رقابة إدارية ومتابعة لكل مرحلة من مراحل المخطط الذي يضعه خبراء في المجال الزراعي من وزارة الزراعة والمصرف الزراعي.

كما أن ليبيا دولة شاسعة المساحة، لهذا لا بد من الاعتماد على الإدارة المحلية وإلغاء المركزية في التعامل مع المشاريع الزراعية وإحياء المشاريع المتوقفة .

هدى أحمد العبدلي – ليبيا

المقال أعلاه مأخوذ من مجلة سيادة – العدد الخامس: “الحرب والسيادة الغذائية في المنطقة العربية“. يمكنكم\ن الاطلاع على العدد وتحميله من: الرابط

– انهيار الدولة واقع غير قابل للشك وكان أحد أسباب أزمة الزراعة والغذاء في ليبيا. تناولت ورقة بحثية صادرة عن شمس الهدى نجاح ونسيمة طويل أسباب ذلك الانهيار: “وجب القول إن التدخل الأجنبي تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان في ليبيا كان له كبير الأثر في تأجيج الحرب داخل ليبيا، خاصة وأن ليبيا أصبحت ميدانا جيوبوليتيكيا لصراع القوى الدولية، هذا التأثير الذي بدوره كرس لكل أشكال الأزمات بدءا بالأزمة الأمنية وصولا إلى أزمة الغذاء والجوع التي يعاني منه الشعب الليبي”. [19- 03- 2023، “إشكالات الأمن الغذائي في ليبيا، قراءة في دور الفاعل الخارجي”، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية”، جامعة عمار تليجي- الأغواط].

[2] – 2010، اللجنة الشعبية العامة للصحة والبيئة، الجماهيرية العربية الليبية، “التقرير الوطني الرابع حول تنفيذ اتفاقية التنوع الحيوي”، طرابلس.

[3] – المرجع نفسه.

[4] – شمس الهدى نجاح ونسيمة طويل، مرجع مذكور.

[5] – المرجع نفسه.

[6] – “أما ليبيا ، فوارداتها الإقليمية تأتي أساسا من تونس… وتسورد منها على وجه الخصوص “المعجنات الغذائية”، ومنتجات “صناعات الخبز والحلويات والبسكويت: إلى جانب “السكاكر” التي تمثل الحصة الأكبر من هذا الدفق التجاري”. [“مؤهلات سلاسل القيمة الإقليمية في شمال أفريقيا: التشخيص القطاعي”].

[7] – 19- 03- 2023، شمس الهدى نجاح ونسيمة طويل، “إشكالات الأمن الغذائي في ليبيا، قراءة في دور الفاعل الخارجي”، المجلة الأكاديمية للبحوث القانونية والسياسية”، جامعة عمار تليجي- الأغواط.

[8] – ديسمبر 2018، الأمم المتحدة- اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، “مؤهلات سلاسل القيمة الإقليمية في شمال أفريقيا: التشخيص القطاعي”.

[9] – جاء الانقسام السياسي والحرب الداخلية والتدخل الخارجي لتزيد من تفاقم الوضع، تشير شمس الهدى نجاح ونسيمة طويل في ورقتهما بحثية إلى هذا التضافر بقول: “… إن متغيرات التدخل الأجنبي والأزمة الغذائية واختراق السيادة الوطنية في ليبيا متغيرات متلازمة لبعضها البعض”. وحتى بعد انفراج نسبي للأزمة لا زال الوضع الغذائي والزراع قاتما: “… وعلى الرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر عام 2020 وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في مارس 2021؛ غير أن هناك أجزاء من اتفاق وقف إطرق النار من الصعب تنفيذها، ألا وهي انسحاب القوات الأجنبية المسلحة والميليشيات التي عرقلت عملية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية أواخر ديسمبر 2021، كما لا يزال هذا الوضع القائم يؤثر على الأفرد والمجتمعات ويقف عائقا أمام تحقيق الأمن الغذائي”.

[10] – “… وبما أن الأمن الغذائي يتأثر بتضاؤل فرص الحصول على الغذاء بسبب ارتفاع معدلات البطالة، في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، بلغ متوسط تضخم أسعار المواد الغذائية حوالي %3، تم احتواؤه في سقف الأسعار الذي حددته وزارة الاقتصاد، كما حددت أيضا أسعار الجملة في نوفمبر 2021، حيث قُدر سعر 100 كلغ من دقيق المخابز بـ 190 دينارا ليبيا، بينما أفاد الخبازون بشراء الدقيق مقابل 227 دينارا للقنطار من التجار بسبب نقص الدقيق بأسعار مدعومة.. علاوة على ما سبق ساهمت… الأزمة الأوكرانية في ظهور تحديات جديدة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير في منتصف فبراير عام 2022، حيث أدت هذه الأزمة إلى زيادة الأسعار العالمية لدقيق القمح بنسبة %19، هذا ما جعل ليبيا من أكثر المناطق تضررا، أين ارتفع سعر دقيق القمح بنسبة %15، وباعتبار أن ليبيا تتزود بـ %75 من احتياجت قمحها من روسيا وأوكرانيا، فقد كان لها تأثير بالغ على واقع الأمن الغذائي بليبيا.”. [شمس الهدى نجاح ونسيمة طويل، مرجع مذكور].

[11] – “لا توجد أنهار طبيعية في البلاد، ولا إدارة لمصادر المياه المحدودة المعتمدة على الأمطار قليلة والمخزون الجوفي؛ فقد سبب النشاط الزراعي والمشاريع التنموية في انخفاض كميات المياه المتاحة وإلى تردي نوعيتها”. [“التقرير الوطني الرابع حول تنفيذ اتفاقية التنوع الحيوي”، مرجع مذكور].

[12] – “تعتبر المياه الجوفية المصدر الرئيسي لموارد الجماهيرية البيئية وتساهم بأكثر من %97 من إجمالي الاستهلاك”. [“التقرير الوطني الرابع حول تنفيذ اتفاقية التنوع الحيوي”، مرجع مذكور].

[13] – “يعتبر حوض الكفرة أهم الأحواض المائية بالجماهيرية”. [“التقرير الوطني الرابع حول تنفيذ اتفاقية التنوع الحيوي”، مرجع مذكور].

[14] – من أسباب شح المياه أيضا المشاريع الزراعية: “فقد أدى السحب المائي الجائر للمياه الجوفية بالمناطق الساحلية من سهل الجفارة بمعدلات تتجاوز المعدل الطبيعي للتغذية إلى انخفاض المنسوب المائي (1 إلى 3 متبر في السنة)… واللافت للنظر أن الموارد المائية بحوض مرزق تواجه تحديا كبيرا يتمثل في ازدياد الطلب من جانب قطاع الري في المزارع الخاصة… وإن الاستهلاك المحلي الكلي للموارد المائية بالحوض يمثل حوالي %41 من إجمالي استهلاك الجماهيرية للمياه”. [“التقرير الوطني الرابع حول تنفيذ اتفاقية التنوع الحيوي”، مرجع مذكور]..

[15] – أدت الحرب إلى نزوح كبير استوجب تدخل برنامج الغذاء العالمي: “قال وجدي عثمان، المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في ليبيا: “يعاني الليبيون الذين اضطروا إلى الفرار من منازلهم وأصبحوا الآن نازحين، خاصة في بنغازي، من عواقب الصراع الدائر”. وأضاف: “إنهم يعيشون هذا الشتاء في ظل ظروف قاسية بدون غذاء أو رعاية طبية أو كهرباء وهم في حاجة ماسة للمساعدة”… في عام 2016، يخطط برنامج الأغذية العالمي بمساعدة شريكته الوكالة الليبية للوصول إلى 70,000 شخص على الأقل شهرياً في ليبيا. وهذا يشمل النازحين داخلياً والمجتمعات المضيفة واللاجئين وملتمسي اللجوء. ويخطط البرنامج لتوسيع نطاق عمليته تدريجياً في ليبيا مع تلقيه المزيد من التمويل، للوصول في نهاية المطاف إلى حوالي 210,000 شخص بحلول الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة”. [29- 01- 2016، https://unsmil.unmissions.org/node/100040665]

[16] – ديسمبر 2018، الأمم المتحدة- اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، “مؤهلات سلاسل القيمة الإقليمية في شمال أفريقيا: التشخيص القطاعي”.

[17] – حسب تقرير الأمم المتحدة- اللجنة الاقتصادية لأفريقيا ديسمبر 2018 “مؤهلات سلاسل القيمة الإقليمية في شمال أفريقيا: التشخيص القطاعي”؛ سجلت ليبيا عجزا قياسيا سنة 2013 بلغ أكثر من مليار دولار، وانخفض سنة 2016 إلى ما يقارب 400 مليون دولار.

[18] – لم يكن إنتاج البذور يوما جيد: “مر نشاط إنتاج البذور المحسنة في ليبيا بعدة محاولات سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص، ولكنها غير منتظمة وغير مستمرة نظرا لأن المكونات الأساسية لإنتاجها وإكثارها لم تكتمل في الصورة النهائية إلى حد الآن، وهي هيكل الإنتاج وجهة الرقابة والتشريعات، ومن أهم المشاكل والصعوبات التي تواجهها: ضعف البنية الأساسية للمؤسسات البحثية وأجهزة الإرشاد، عدم توفر العدد الكافي من العناصر الفنية المدربة في هذا المجال، إهمال إنتاج البذور المحلية وتحسينها والاعتماد على البذور المستوردة المحسنة، ارتفاع تكلفة إنتاج البذور المحسنة واحتكار تقنيات الصناعة من قبل المؤسسات والشركات العالمية. [“التقرير الوطني الرابع حول تنفيذ اتفاقية التنوع الحيوي”، مرجع مذكور].

مصادر أخرى:

  1. افاق التنمية الزراعية بمشاريع الهيئة التنفيذية لمنطقة الجبل الاخضر ـ ليبيا (المقومات والمعوقات)
  2. دراسة مشكلة تدني الانتاج وعزوف المنتفعين من مشاريع الجبل الأخضر الزراعية .
  3.  تقرير مفصل عن احتياجات بلدية المرج في مجال الزراعة والثروة الحيوانية .