يعرض هذ المقال لعدد من المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بقضايا الغذاء. وكما هو الحال مع مختلف المصطلحات فإن بناء المفاهيم وسردها يعكس ما خلفها من علاقات القوة ويوجه الأنظار أو يبعدها عن جوهر القضية الحقيقي وبالتالي يحدد اتجاهات النضال والفعل الاجتماعي اللازمين للتدخل لمواجهة الظلم وانعدام العدالة. فعلى سبيل المثال عندما يجري تعريف “الجوع” بأنه نقص الغذاء وحسب، تتجه الأنظار فورا إلى الطرق التي يمكن بها زيادة الإنتاج الغذائي- الزراعي، ولكن حينما يتضمن تعريف الجوع الإشارة بوضوح إلى أن الأرض تنتج بالفعل ما يكفي سكانها من الغذاء فلابد وأن نلتفت إلى علاقات القوة الإمبريالية والتي تجعل الدول عاجزة عن اطعام مواطنيها حتى في الحالات التي تنتج فيها الدول ذاتها ما يفيض عن حاجاتها. ومن أهم النقاط التي ينبغي الالتفات لها أيضاَ، هي الصبغة البيروقراطية الباردة المدعية كذباً للحياد والتي صبغت بها المؤسسات الدولية – مثل تلك التابعة للأمم المتحدة – العديد من المصطلحات للدرجة التي تجعل مفاهيم مثل “سوء التغذية” و “سلاسل القيمة” وغيرها تبدوا وكأنها مجرد وقائع محايده، وكأنها لا تخفي في طياتها جبالاَ من الظلم والاستغلال.
الأونروا
هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى. تقدم الوكالة “المساعدة والحماية وكسب التأييد للاجئي- ات فلسطين في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك إلى أن يجري التوصل إلى حل لمعاناتهم- هن”. وتشتمل خدمات الوكالة التعليمَ والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح[1].
أُسِّست الأونروا بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي- ات فلسطين. وبدأت الوكالة أولى أعمالها في الأول من شهر مايو/ أيار عام 1950. إذ حلت محل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين التي أنشئت في سنة 1948.
تُعرف الأونروا لاجئي- ات فلسطين بأنهم: أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو/ حزيران 1946 ومايو/ أيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام ١٩٤٨. وبما أن أبناء لاجئي- ات فلسطين مؤهلون أيضا للتسجيل لدى الأونروا، فإن حوالي خمسة ملايين وتسع مائة ألف لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا.
في مطلع هذا العام اتهمت إسرائيل 12 من موظفي الأونروا بالمشاركة في عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والتي قادتها المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الإسرائيلي. نفت المنظمة صحة هذه الاتهامات، لكنها أنهت عقود الموظفين المتهمين[2]، وعلى أثر هذه الاتهامات علقت عدة دول تمويلها للأونروا من بينها الولايات المتحدة وفرنسا، وبريطانيا. في 18 مارس/ آذار 2024 رفضت سلطة الاحتلال دخول المدير العام للوكالة فيليب لازاريني لقطاع غزة. تواصلت اعتداءات إسرائيل على المنظمة حيث تعرض عدد من موظفيها للتعذيب الذي شمل الإيهام بالغرق والتهديد بالاغتصاب في أحد مراكز الاحتجاز الإسرائيلية في أبريل/ نيسان الماضي[3].
النفط مقابل الغذاء
في أعقاب حرب الخليج وبعد اجتياح العراق للكويت في أغسطس/ آب 1990، فرضت العقوبات الدولية حظراً شاملاً على صادرات العراق من النفط، بالإضافة إلى جزاءات أخرى، مما أدى إلى نقص كارثي في الاحتياجات الأساسية للسكان أستمر لنحو سبعة سنوات. في العام 1995 صدر قرار مجلس الأمن رقم 986 بشأن العراق وتضمن بنده السابع السماح للعراق بتصدير جزء من نفطه مقابل الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية من الأدوية وغيرها للشعب العراقي، وهو ما عُرف بـ”برنامج النفط مقابل الغذاء”. وبعد مفاوضات امتدت لأكثر من عام، وقعت حكومة العراق مذكرة تفاهم مع الأمين العام للأمم المتحدة سمحت لهذا البند من الاتفاقية بدخول حيز التنفيذ حيث وصلت في 1997 أول شحنات الغذاء إلى العراق[4].
في أبريل/ نيسان 1998 أقر مجلس الأمن توصية من الأمين العام للأمم المتحدة برفع الحد الأقصى من النفط العراقي المسموح بتصديره من ملياري دولار إلى نحو خمسة مليارات لتوسيع نطاق البرنامج. لكن صناعة النفط في العراق في هذه اللحظة لم تكن قادرة على تلبية هذا التوسع، وبناء عليه سمح البرنامج للعراق باستيراد معدات وقطع غيار لتطوير صناعة النفط لديه بقيمة 300 مليون دولار زيدت فيما بعد إلى 600 مليون دولار. عقب الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 تصاعدت مجددا الأزمة الإنسانية إذا امتد الحظر على العراق ليشمل قطاع النقل مما أثر بشكل جوهري على عمليات نقل وتوزيع الغذاء[5].
بحلول العام 2005 كانت شبهات الفساد قد تصاعدت بالفعل حول البرنامج، وحول دور موظفي الأمم المتحدة في السماح لشركات بعينها بالاستفادة من النفط العراقي نظراَ لعمل أقربائهم لديها بالإضافة إلى تلقي الرشاوي والعمولات. وفي سبتمبر من نفس العام تسلم مجلس الأمن تقرير لجنة فولكر بشأن الفساد في البرنامج وناقشه بحضور الأمين العام كوفي عنان، ولم يكن هذا هو التقرير الأول من نوعه، وانتهت الأمم المتحدة إلى أن البرنامج “يحتاج بصورة ماسة إلى إصلاحات واسعة لتفادي الفساد وتعزيز المسؤولية والأداء الإداري والسلوك الأخلاقي”[6]. في ديسمبر 2017 أنهى العراق التزامه بالبند السابع من قرار مجلس الأمن رقم 986، وبذلك انتهى برنامج النفط مقابل الغذاء[7].
المساعدات الغذائية
تشير إلى تقديم المساعدة والدعم في شكل طعام أو مواد غذاء للأفراد أو الجماعات التي تعاني من نقص في الغذاء أو تواجه أزمات غذائية. تقدَّم هذه المساعدات عادةً من قبل الحكومات، المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة. وفي بلدان مثل نيجيريا وجنوب السودان واليمن، قام برنامج الأغذية العالمي بالفعل بخفض الحصص الغذائية حتى يتمكن من الوصول إلى المزيد من الناس. وهذا بمثابة الأخذ من جائع لإطعام جائعين أخرين. في العام الماضي ارتفعت تكلفة تقديم المساعدات الغذائية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود.[8] ومن المفترض أن يتجاوز مفهوم تقديم المساعدات مسألة تقديم المعونات الغذائية، إذ ينطوي على فهم أكثر شمولاً لاحتياجات البشر الغذائية على المدى البعيد ولمختلف النُّهج المطلوبة لتلبية تلك الاحتياجات.
وفي حالات عدة فإن الشكوك تدور حول دور محتمل لبرامج المساعدات الغذائية في زيادة الاعتمادية/ التبعية الغذائية، فقد استخدمتها الحكومات كوسيلة سهلة للتخلف عن رفع مستويات إنتاج الطعام محليا، وأثرت على جدوى التوسع في زراعة بعض المحاصيل الأساسية لتحقيق السيادة الغذائية. كما قد لا تصل المعونات في الوقت المناسب أو بالصورة المناسبة فتؤدي إلى تفاقم الأزمات الغذائية[9].
وبشكل عام فإن المعونات الغذائية تتدفق من دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية كتصريف لفائض الإنتاج، خاصة في مجالات الحبوب والألبان. وبذلك تحافظ دول الشمال العالمي على أسعار هذه السلع في أسواقها المحلية عن طريق تصريفها في صورة معونات غذائية لدول الجنوب العالمي[10]. في الوقت ذاته كثيراً ما يؤدي تدفق السلع المدعومة إلى أسواق الجنوب إلى انهيار أسعار هذه السلع في السوق المحلية وبالتالي ينصرف المزارعون- ات المحليون- ات عن زراعة بعض السلع الغذائية المهمة مثل القمح.
ومن أهم الانتقادات الموجة لبرامج المعونات الغذائية أيضا أنها تؤدي إلى تغير في الأذواق والأنماط الغذائية للسكان المحليين، وهو ما قد يؤثر على حالة التغذية لديهم إذ يقللون من استهلاكهم لبعض الأغذية الأكثر فائدة مثل البقول، لصالح استهلاك المزيدً من القمح. وفي عدة بلدان كانت المعونات الغذائية والغذاء المدعوم وسائل لبناء شبكات من الفساد المحلي ورفع المستوى الغذائي لطبقات أو مجموعات بعينها وحرمان الأخرين[11].
الاعتمادية/ التبعية الغذائية
يتم تقدير مدى التبعية الغذائية بقدرة الدول على انتاج حاجاتها من الغذاء، وبالتالي مدى العجز في ميزان المدفوعات الغذائية بين ما تصدره وما تستورده. تعاني أغلب الدول العربية من عجز هيكلي في ميزان مدفوعاتها الغذائية مع العالم ومع أوربا بالتحديد. لكن من المهم أيضاً النظر لما هو أبعد من ميزان المدفوعات، ففيما يجري تشجيع دول العالم الثالث على تصدير السلع الغذائية ذات الاستهلاك الشره للمياه إلى أوربا، تقبع هذه الدول في حالة من التبعية الغذائية إذ تعجز عن انتاج احتياجاتها من السلع الاستراتيجية مثل القمح والحبوب والبقول. ويترتب على التبعية الغذائية تبعات سياسية واقتصادية وثقافية متراكمة. إذ تفرض الدول المركز على الدول التابعة شروطها السياسية أو ما يعرف بالمقايضة بالقرارات السياسية مستخدمة التلويح بقطع الإمدادات الغذائية. كما يتضمن إبقاء هذه الدول كأسواق لسلع دول الشمال المصدرة وسيلة لإغراق الدول التابعة في الديون لشراء حاجاتها الاقتصادية[12].
لا يمكن فصل جذور مسألة التبعية الغذائية عن الميراث الاستعماري، الذي أسس بشكل هيكلي للتبعية الغذائية من خلال تعمد تدمير المعرفة والممارسات الزراعية المحلية. كذلك تعمد القضاء على تنوع المحاصيل التقليدي لصالح التخصص في زراعة محصول نقدي واحد أو اثنين على الأكثر، على أن تكون هذه المحاصيل في شكلها الأولي بحيث يجري تصديرها لتغذية الصناعات المختلفة في الدول الحاكمة[13].
وفي المنطقة العربية، شهدت حقبة ما بعد الاستعمار محاولات متعددة لتحقيق الاستقلال الغذائي من خلال تجارب الإصلاح الزراعي في عدة دول ربما أبرزها تجارب الجزائر ومصر وتونس والمغرب بدرجات مختلفة من النجاح. ولكن ومع تصاعدت سياسيات التحولات النيوليبرالية في الثمانينيات انتهت محاولات الاكتفاء الذاتي للغذاء، إذ تم وقف دعم الانتاج المحلي وألغيت الأشكال المختلفة من التعاونيات الزراعية، وتحولت الدول عن مفاهيم الاستقلال الغذائي والاكتفاء الذاتي إلى التوجه إلى سياسات “الأمن الغذائي” والتي لا تهتم سوى بالحصول على الغذاء من أي مصدر سواء بالاستيراد أو الإعانات الغذائية أو عبر إنتاج الاستثمارات المحلية التي تقع في أيدي عدد قليل من المستفيدين، وكانت النتيجة تحولات كبرى في النظم الغذائية و ارتفاعا في أمراض التغذية نتيجة ازدياد التبعية الغذائية[14].
لا يمكن فصل مفهوم التبعية الغذائية عن مفهوم السيادة الغذائية منظوراُ إليه بصفته “دعوة إلى إعادة تسييس جماهيري لسياسات الغذاء، من خلال دعوة البشر لأن يستخلصوا بأنفسهم ما يريدون للحقّ في الغذاء أن يعنيه في جماعاتهم، مع مراعاة احتياجات الجماعة، والمناخ، والجغرافيا، وتفضيلات الطعام، والمزيج الاجتماعي والتاريخ”[15]
سلاسل القيمة
سلاسل القيمة الغذائية هي سلسلة النشاطات والعمليات المختلفة التي تدخل على الطعام منذ مرحلة الإنتاج الأولى (الزراعة) وحتى وصوله إلى المستهلك النهائي. وفي إطار نظام الغذاء العالمي في القرن الواحد والعشرين والمحكوم بالشركات العابرة للقوميات والمدعومة بمؤسسات التمويل الدولية واتفاقات التجارة الحرة وغيرها من الإجراءات النيوليبرالية، تدفع سلاسل القيمة الغذائية المنتجين- ات الأوليين- ات من العمال- ات المهاجرين- ات وعمال- ات المزارع، وصغار الملَّاك إلى علاقات السوق التي تنظّمها التجارة الزراعية الدولية. وبهذا يُسيطَرُ عليهم، بوصفهم- هن مورّدي- ات مُدخَلات ويُستغَلونَ بحيث تتحقق لهم- هن أقل استفادة ممكنة في سلسلة القيمة[16].
وبطبيعة الحال فإنه في ظل نظام الرأسمالية الزراعية العالمي فإن سلاسل القيمة تحدد اليد العليا للشركات العابرة للقوميات والمدعومة بتمويلات ضخمة تمكنها من فرض شروطها على المُنتِج الأولي بل وتحدد للمزارع ما عليه أن يزرعه، وهي في الأغلب تدفع الدول التي يعاني سكانها من سوء التغذية إلى زراعة المحاصيل التي لا يمكن استهلاكها إلا في أوساط من يتمتعون بتغذية جيده بالفعل. إذ يرسّخ نموذج الصادرات الزراعية ظاهرة “المزرعة العالمية” التي تتطلَّب من المنتجين- ات توحيد معايير السوبرماركتات العالمية. يدعم حلقةَ الاستغلال هذه هيكلٌ متكامل من سياسات التكييف وقوانين حماية الملكية الفكرية، ومعايير الجودة العالمية، والسلاسل السلعية العالمية العابرة للدول.
وفي ظل علاقات الاستغلال هذه يُسلَب صغار الملَّاك أملاكَهم باسم مزايا منظومة الغذاء العالمية، ويجبر الفلاحون على اتفاقات غير عادلة للزراعة التعاقدية (حيث يمد وسطاء تجاريون المزارعين- ات بالبذور والمدخلات الزراعية الأخرى مقابل ضمانات بتسليمهم المحاصيل عند الحصاد). ويدرك العمال- ات المهاجرون- ات والفلاحون- ات البسطاء أن ما يزرعونه سوف يستهلك في أماكن أخرى من العالم لا يستطيعون الوصول إليها[17].
تنادي منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بالعمل على تأسيس سلاسل قيمة مستدامة، بما في ذلك الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.[18]
الجوع ونقص الغذاء
يعاني نحو 600 إلى 800 مليون إنسان من الجوع حول العالم. وتعرف منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) الجوع بأنه “إحساس جسدي غير مريح أو مؤلم بسبب عدم كفاية استهلاك الطاقة الغذائية. يصبح مزمنًا عندما لا يستهلك الشخص كمية كافية من السعرات الحرارية (الطاقة الغذائية) على أساس منتظم ليعيش حياة طبيعية ونشطة وصحية”[19]. ويتم استخدام مؤشر نقص التغذية كمقياس للجوع. وقد أثر الجوع على نحو %9.2 من سكان العالم في عام 2022 مقابل %7.9 في عام 2019 وأغلبهم من دول العالم الثالث في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وأسيا [20]
عندما يصل شخص ما إلى حالة شديدة من نقص الغذاء (أو ما يعرف بنقص التغذية المزمن أو الحاد)، فهذا يعني أن الطعام قد نفد وظل الإنسان يومًا أو أكثر دون تناول الطعام. إن حجم أزمة الجوع ونقص الغذاء العالمية الحالية هائل. تشير تقديرات برنامج الأغذية العالمي- من 78 دولة يعمل فيها (حيث تتوفر البيانات) إلى أن أكثر من 333 مليون شخص سيواجهون مستويات حادة من نقص الغذاء في عام 2023، ويشكل هذا ارتفاعا مذهلا بنحو 200 مليون شخص مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كوفيد- 19[21]. ويواجه ما لا يقل عن 129,000 شخص المجاعة في بوركينا فاسو ومالي والصومال وجنوب السودان.
بالنسبة لأولئك الذين يعانون من مستويات متوسطة من نقص الغذاء، فإن الحصول على الوجبة التالية أمر لا يمكن التنبؤ به. وقد يضطرون إلى التضحية باحتياجاتهم الأساسية الأخرى، فقط ليتمكنوا من تناول الطعام.
بلغ عدد من يعانون من نقص التغذية في المنطقة العربية نحو 59.8 مليون شخص في عام 2022، وهو ما يمثل %12.9 من إجمالي عدد السكان، متجاوزاً بكثير المتوسط العالمي البالغ %9.2. ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة %75.9 منذ عام 2000. وفي البلدان منخفضة الدخل والبلدان العربية الأقل نمواً، عانى ثلث السكان تقريباً من الجوع. وكانت معدلات نقص التغذية في البلدان التي تشهد نزاعات أعلى بنحو أربعة أضعاف مقارنة مع البلدان التي لا تشهد نزاعات[22].
وبالرغم من أن التغيرات المناخية تمثل تهديدا شديدا لقدرة الناس على إطعام أنفسهم، فإن السبب النهائي للجوع في العالم لا يرجع بالأساس إلى نقص ما ينتجه العالم من الغذاء، بقدر ما يعود إلى طبيعة العلاقات الإمبريالية والرأسمالية التي تحرم الفقراء من القدرة على الوصول إلى الطعام حتى في بعض الدول التي تنتج بالفعل- أو القادرة على إنتاج- ما يفيض عن احتياج سكانها من الغذاء مثل بنجلادش والسودان وغيرها[23].
سوء التغذية
يشير مصطلح سوء التغذية إلى حالتين مختلفتين، حيث يشمل حالة نقص الغذاء (الجوع بدرجاته المختلفة) وحالة زيادة الوزن والسمنة نتيجة لرداءة الغذاء الذي يمكن الحصول عليه. فحينما يعاني الأشخاص من نقص مزمن في الغذاء إلى درجة التضحية بالاحتياجات الأساسية الأخرى فإنهم عندما يحصلون على الطعام يأكلون ما هو متاح بسهولة أو ما هو أرخص ولا يمكنهم بحال توفير تكلفة الحصول على الفواكه أو الخضروات الطازجة. وبالرغم من شيوع الاعتقاد بأن سكان المدن هم الأكثر عرضه لتناول الأطعمة المصنعة كثيفة الطاقة والتي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة والسكريات والملح، إلا أن الإحصائيات تشير إلى أن سكان الريف أيضاً عرضه لسوء التغذية وهم مضطرون لاستهلاك الأطعمة فائقة التجهيز حتى وإن فصلتهم عدة ساعات عن أقرب المناطق الحضرية. وفي عام 2021 لم يتمكن أكثر من 3.1 مليار شـخص فـي العالـ- أي %42 من البشر من تحمل كلفـة نمـط غذائي صحي[24].
وحتى في الحالات التي يمكن فيها الحصول على غذاء كافي لتلبية الاحتياجات الأساسية من السعرات الحرارية، فإن افتقاد الأطعمة للعناصر الغذائية الأساسية يؤدى إلى تغيرات فسيولوجية ويرفع من نسب الإصابة بأمراض مختلفة أهمها مرض السكري[25]. ويمكن أن يؤدي نقص التغذية لدى الأطفال إلى التقزم (عدم كفاية الطول بالنسبة لعمر الطفل) والهزال (عدم كفاية الوزن) وهو مقياس لنقص التغذية الحاد.
تعاني المنطقة العربية من كلا الحالتين من سوء التغذية (نقص الغذاء ورداءته)، إذ يعاني %9.5 من الأطفال من زيادة الوزن المرتبط بفقر الدم ونقص المغذيات الأساسية بينما بلغت نسبة السمنة لدى البالغين %27.6 في عام 2016، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي. وقد أدى تضخم أسعار الغذاء في المنطقة العربية إلى عجز %8 من سكان الدول العربية عن تحمل تكلفة نمط غذائي صحي في عام 2021[26].
الفاو
منظمة الأغذية والزراعة (Food and Agriculture Organization- FAO) وهي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة تقود الجهود الدولية للقضاء على الجوع. وتهدف الفاو إلى “تحقيق الأمن الغذائي للجميع والتأكد من أن البشر يحصلون بانتظام على ما يكفي من الغذاء عالي الجودة لقيادة حياة نشطة وصحية”[27]. تعمل الفاو في 130 دولة حول العالم، وتضم في عضويتها 194 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي
تأسست الفاو عام 1945 وكان مقرها المؤقت واشنطن إلى أن نُقِل إلى روما في وقت لاحق. تمثلت المهمة الأولى للفاو في إجراء مسح شامل لحالة الجوع ونقص الغذاء حول العالم، ولا تزال المنظمة أحد أهم مصادر المعلومات في ما يتعلق بإحصائيات الجوع، ونقص الغذاء، وسوء التغذية، والزراعة. شملت برامج الفاو الأولى إجراء الأبحاث المسحية حول أنماط ومساحات الأراضي المزروعة بالإضافة على برامج مكافحة الجراد والآفات الزراعية وتطوير البذور.
وتعمل الفاو حالياً عبر عشرة برامج أساسية (تسمى بالأجهزة الدستورية للفاو) وهي: مصايد الأسماك، الموارد الوراثية للأغذية والزراعة، الإنتاج النباتي ووقاية النباتات، الإنتاج الحيواني والصحة الحيوانية، الإحصاءات، الزراعة، السلع والتجارة، الغابات، تنمية الأراضي والمياه، وسياسات الأغذية والتغذية [28]. كما يتضمن عملها عدة مكاتب منها مكتب حالات الطوارئ والقدرة على الصمود، مكتب تغير المناخ والتنوع البيولوجي والبيئة، مكتب أهداف التنمية المستدامة وغيرها. فيما تبلغ الميزانية السنوية العادية للمنظمة نحو مليار دولا أمريكي يضاف إليها المساهمات الطوعية من الدول الأعضاء لتغطية تكاليف الحالات الطارئة بقيمة تقارب ملياري دولار[29].
برنامج الأغذية العالمي
برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة هو أكبر المنظمات الإنسانية في العالم المتخصصة في التدخل في حالات الطوارئ لتقديم المساعدات الغذائية لإنقاذ أرواح من يعانون في النزاعات والحروب أو بسبب كوارث تغير المناخ. وينطلق البرنامج في عمله بالتأكيد على أنه “في عالم ينعم بوفرة غذائية، حيث يجري إنتاج ما يكفي من الغذاء لإطعام كل من على هذا الكوكب، يجب أن يكون الجوع شيئًا من الماضي. ومع ذلك، تتسبب النزاعات وتغير المناخ والكوارث وعدم المساواة- ومؤخرًا جائحة كورونا- في أن واحدًا من بين كل تسعة أشخاص على مستوى العالم لا يزالون ينامون جوعى وهو ما يضع ملايين الناس تحت خطر المجاعة”[30].
يعمل البرنامج في 120 دولة ومنطقة في العالم لتقديم “الطعام المنقذ لحياة الأشخاص”، كما يعمل بشكل خاص على تحسين التغذية لدى النساء والأطفال، ودعم المزارعين- ات أصحاب الحيازات الصغيرة من أجل تحسين إنتاجيتهم- هن وتقليل خسائرهم- هن، ويسعى لمساعدة البلدان والمجتمعات على الاستعداد للصدمات المناخية والتعامل معها.
يعاني البرنامج من نقص في التمويل إلى الدرجة التي دفعته لخفض الحصص الغذائية التي يقدمها في عدة دول، حيث ارتفعت في العام الماضي تكاليف التشغيل الشهرية للبرنامج بمقدار 73.6 مليون دولار أمريكي عن متوسطها في عام 2019.
وبالرغم من صعوبة رفض أو نقد مسألة تقديم المساعدات الغذائية في حالات الكوارث والنزاعات والحروب، إلا أن نفس الانتقادات الموجهة لمسألة المساعدات الغذائية (والتي أُشيرَ إليها في تعريف المساعدات الغذائية أعلاه) تنطبق إلى حد بعيد على عمل مختلف المنظمات الدولية في هذا المجال.
يوسف رامز – مصر
المقال أعلاه مأخوذ من مجلة سيادة – العدد الخامس: “الحرب والسيادة الغذائية في المنطقة العربية“. يمكنكم\ن الاطلاع على العدد وتحميله من: الرابط
المراجع
[1] المصدر موقع منظمة الأونروا https://www.unrwa.org/ar/who-we-are#slideshow-0
[3] صحيفة الشرق الأوسط https://shorturl.at/4xHdZ
[4] نسخة محفوظة من مختلف الوثائق المتعلقة ببرنامج النفط مقابل الغذاء http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/Neftmokaba/index.htm
[6] https://news.un.org/ar/story/2005/09/43562
[8] برنامج الأغذية العالمي https://ar.wfp.org/global-hunger-crisis
[9] Singer, Hans W. (1988): Food aid: Pros and cons, Intereconomics, ISSN 0020-5346, Verlag Weltarchiv, Hamburg, Vol. 23, Iss. 2, pp. 79-83, https://doi.org/10.1007/BF02927027
[10] فرانسيس مورلاپيه وجوزيف كولينز، 1983، صناعة الجوع، عالم المعرفة، الكويت، صـ 327
[11] Singer, Hans W. (1988): Food aid: Pros and cons, Intereconomics, ISSN 0020-5346, Verlag Weltarchiv, Hamburg, Vol. 23, Iss. 2, pp. 79-83, https://doi.org/10.1007/BF02927027
[12] رباب الشوك، 2010، التبعية الغذائية العربية والأمن القومي العربي الأسباب والأثار، رسالة ماجيستير، جامعة الشرق الأوسط
[13] فرانسيس مورلاپيه وجوزيف كولينز، 1983، صناعة الجوع، عالم المعرفة، الكويت، صـ 93
[14] صقر النور، نحو انتقال عادل في القطاع الزراعي بشمال أفريقيا، شبكة سيادة file:///D:/2023%20Arch/Hamza%20Papaer/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9%20%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B0%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9/%D9%86%D8%B3%D8%AE%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9.pdf
[15] فيليب مكمايكل، 2021، أنظمةٌ غذائية ومسائل زراعية، سلسة التغيّر الفِلاحي والدراسات الفلّاحية، ترجمة ثائر دياب وحلا ميا، ص 93
[16] مرجع سابق
[18] https://www.fao.org/sustainable-food-value-chains/what-is-it/sfvc-vocabulary/ar/
[19] https://www.fao.org/hunger/ar/
[20] منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف( وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية. 2023، موجز عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم. التوسع الحضري وتحويل النُظم الزراعية والغذائية والأنماط الغذائية الصحية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. https://www.fao.org/publications/home/fao-flagship-publications/the-state-of-food-security-and-nutrition-in-the-world/ar
[22] https://www.fao.org/neareast/news/details/un-report-warns-that-hunger-in-arab-countries-reached-its-highest-in-the-year-2022-since-the-last-two-decades/ar
[23] فرانسيس مورلاپيه وجوزيف كولينز، 1983، صناعة الجوع، عالم المعرفة، الكويت
[24] – منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف( وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية. 2023، موجز عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم. التوسع الحضري وتحويل النُظم الزراعية والغذائية والأنماط الغذائية الصحية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. https://www.fao.org/publications/home/fao-flagship-publications/the-state-of-food-security-and-nutrition-in-the-world/ar
[25] https://www.fao.org/hunger/ar/
[26]https://www.fao.org/neareast/news/details/un-report-warns-that-hunger-in-arab-countries-reached-its-highest-in-the-year-2022-since-the-last-two-decades/ar
[27] https://www.fao.org/about/about-fao/ar/
[28] https://www.fao.org/unfao/govbodies/gsb-subject-matter/subject-matter/ar/