الـ”رُبع نقل” وسيلة مواصلات الأطفال للعمل.. والموت



جنى إيهاب، جثة. تهاني السيد، جثة. جنى أحمد، جثة. روضة أحمد، جثة. شهد محمد، جثة. ملك عادل، جثة. يسرية محمد، جثة. هاجر أحمد، جثة. روان رمضان، جثة. حنان رشاد، جثة. والباقي إما إصابات أو مفقودات في النهر. هذا ما عادت به السلطات المصرية لذوي 25 فتاة، أكبرهن لا يتعدى عمرها 15 سنة، قضين أو أصبن على إثر انقلاب سيارة كانت تنقلهم يوم 21 مايو/ أيار الماضي إلى عملهم في مزارع محافظة المنوفية من منطقة أبو غالب القريبة من القاهرة الكبرى.

ساعات طويلة مرت قبل حسم مصير الفتيات، تناثرت مقاطع الفيديو لأمهات يقفن أمام ضفة النيل ينادين على بناتهن الغرقى، وانتشرت مشاهد صورت قرى كاملة اتشح أهلها بالسواد وهم يشيعون جثامين أطفال لم يرتكبوا إلا الفقر.

على الفور ظهرت تبريرات متعددة لسبب الحادث: ذهب البعض إلى مشاجرة انخرط فيها سائق السيارة وحمّلوه الذنب، والبعض رأى أن تهالك المعديّة وتكرار حوادثها هو السبب، والبعض الآخر اكتفى بترديد دعاوى اعتادت الحكومة على إطلاقها في مثل هذه الحوادث: إما أن السائق يتعاطى المخدرات، أو عامل المعديّة. وبين هذا الرأي وذاك، غابت حقيقة تكرار حوادث موت الأطفال العاملين على الطرق، ومعها تفاصيل مضنية يعيشها ملايين الأطفال في مصر.

مع انتشار أخبار حادثة أبو غالب، تداول عدد كبير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وأخباراً لحوادث سابقة نالت من الأطفال العاملين، قتلت العشرات منهم وأصابت المئات وهم في الطريق من وإلى مزارع كبار المُلاك.

وعلى الرغم من توافر بعض الإحصاءات عن الأطفال العاملين والعمالة الزراعية وبعض فئات العمل غير الرسمي في مصر، إلا أن البيانات الحكومية والدراسات ذات الصلة خلت من عدد الضحايا من الأطفال الذين ماتوا أو أصيبوا على طريق العمل، وبالتالي لم يكن البحث سهلاً وراء ظروف هؤلاء العمال/ الأطفال، أو دوافع ذويهم لتشغيلهم، وعلاقة ذلك بالاقتصاد الزراعي في مصر.

مع ذلك، كان حصر بيانات الأخبار المنشورة على موقع اليوم السابع، أحد أهم الصحف اليومية التي تتناول أحداث المحافظات المصرية، عن أخبار حوادث العمالة الزراعية لعشر سنوات من 2013 لـ 2023، كافية لملاحظة اعتماد العديد من مقاولي الأنفار (مقاول العمالة الزراعية) على السيارات رُبع النقل لتوصيل العمال الأطفال لمواقع عملهم، وكانت تلك السيارات، المخصصة بالأساس لنقل البضائع، صاحبة النصيب الأكبر في إلحاق الضرر بهم، حيث تفردت وحدها بالحوادث المسؤولة عن وفاة 84.93% وإصابة 77.9% من إجمالي الضحايا المرتبطين بتلك الفترة.

يطرح البحث المبدئي هذا العديد من التساؤلات: أين يعمل هؤلاء؟ وما الظروف التي قد تدفع أسرة لتشغيل طفلها؟ وأي قطاع اقتصادي يفضّل عمل الأطفال عن البالغين؟

ربما يكون لدى أم محمد إجابة عن بعض الأسئلة، التي استحال طرحها على العائلات المفجوعة  في  أبو غالب فيما لا زالوا يبحثون عن طفلاتهم حتى اللحظة، فقد شاركتهم هم فقد طفل عامل قبل سنتين، ولا تزال تشاركهم هم تشغيل طفلها الآخر حتى اليوم.

في قرية دمشاو هاشم، إحدى قرى شرق نيل المنيا، تداهمنا مسألة عمل الأطفال حتى قبل الوصول للبلدة نفسها. على طريق الذهاب تقابلنا سيارات رُبع نقل تحمل عدد كبير من الأطفال متجهين نحو الظهير الصحراوي للمحافظة. وعند مدخل القرية تجد عشرات الأطفال، مع كل منهم صُرة قماشية فيها بعض الخبز والجبن، كمن ينتظروا وصول حافلة الرحلة المدرسية، لكنها تحملهم كعمال زراعيين في صحراء الصعيد، حيث قيظ الصيف وصقيع الشتاء.

التقيت أم محمد وكانت لتوها عائدة من مدخل البلدة حيث رافقت ابنها لمحطة مقاولي الأنفار. كان صوتها لا يزال مخنوقاً من المشوار، الطريق من المنزل للمحطة ليس طويلاً، لكنه دائماً ما يحفز مخاوف حقيقية ترهق الأم العزباء المُعيلة.

“لو بأيدي مكنتش وديت حد من ولادي للشغل وهما لسه صغيرين، لكن مفيش حل تاني، كدة موت من الجوع وكدة موت من التعب”، بهذه الكلمات بدأت السيدة الأربعينية قصتها مع عمالة الأطفال وتشغيل أبنائها في المزارع المترامية على الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا. تقول أم محمد: “تزوجت دون الـ14 عامًا وكان زوجي يكبرني بـ 14 عام آخرين. ولدت سبعة أطفال، أربعة بنات وثلاثة ذكور، وبعد آخر ولادة بأيام توفي زوجي تاركًا لي الأبناء وديون علاجه، لم يكن أمامي حل إلا إرسال ابني للعمل في المزارع مقابل يومية من 30-50 جنيه (من 0.6 إلى 1.1 دولار أمريكي)، كي استطيع تربية باقي أخواته، وإلا موتنا جميعاً من الجوع”.

تغالب أم محمد البكاء وتكمل حديثها: “في البداية كان يعمل ابني في المزارع القريبة من بيتنا أو في القرى المجاورة، الأمر كان أسهل، أحيانًا كان يصاب بالمرض من حرارة الشمس وبرد الشتاء، أو يصاب بجرح بسيط في يده أو قدمه، لكن في النهاية كان حي، ولما قلت الزراعات في البلد أصبح لم يعد أمامنا إلا الشغل في المزارع الجديدة في الطريق الصحراوي”.

تستذكر أم محمد أحداث العامين الأخيرين وكأنها وقعت بالأمس: كبر ابني وصار عمره 12 سنة، أصبح يذهب يومياً للعمل مع مقاولي الأنفار في الأراضي الزراعية. يبدأ اليوم مع ضوء الفجر، أوقظه وأحضر صرة فيها رغيفين خبز وبعض الجبن أو البيض المسلوق. اربطهم في ملابسه جيداً وإلا أسقطهم من صندوق سيارة رُبع نقل بلا سقف أو مقاعد.

حال محمد نفس حال رفاقه من أطفال القرية. ينتظرون المقاول على المحطة، وينقلون في صندوق عربة رُبع نقل. الصندوق طوله 3.5 متر وعرضه أقل من 2 متر، ومع ذلك يكدس المقاولون أكثر من 60 طفل في السيارة الواحدة.

في صيف 2022 كانت السيارة ممتلئة أكثر من المعتاد، حتى أن حركتها صارت أثقل وأبطأ. يومها ساد قلب أم محمد مشاعر ثقيلة لم تفسرها إلا قبيل الليل. فجأة تعالت صرخات ونحيب في القرية. تقول أم محمد إنها على الفور تيقنت أن مكروهاً أصاب ابنها. “في الشوارع كنا بنجري أمهات وآباء بنصرخ. معرفناش أي حاجة إلا إن العربية النقل انقلبت بالعيال. جرينا على المستشفى، هناك قالولي إن محمد وخمس أطفال ماتوا، والباقي متصابين. مات ابني وهو شقيان”.

تتراوح تقديرات عمالة الأطفال في مصر بين 1.6 و2.6 مليون طفل، ففي الوقت الذي قدّر المسح القومي لعمالة الأطفال الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الذي كان آخر إصدار له عام 2010 عدد الأطفال العاملين بـ1.6 مليون طفل، أصدر المجلس القومي للأمومة والطفولة تصريحات وتقارير تقر بأن عدد الأطفال العاملين في مصر حتى عام 2019 وصل لما يزيد عن 2.6 مليون طفل، يعمل 63.8% منهم في القطاع الزراعي.

وفاة الابن الأول قبل سنتين لم تغير ما بدا وكأنه مصير محتوم. قالت أم محمد: “العمل الزراعي في القرية تقريباً انتهى. المُلاك القدام بوّروا الأرض وتحولت لأراضي مباني. مفيش حل قدام اللي بيشتغل في الفلاحة إلا المزارع الجديدة برا البلد وعن طريق مقاول أنفار”.

وتكمل: “ابني الأول طلع من التعليم ونزل يشتغل في الفلاحة من الفجر لأول الليل، وفي الآخر مات، محدش عرض علينا أي تعويض، حتى المقاول ما حضرش العزاء. بعد نهاية عزاء ابني، اختفى الجميع لم يتبقى إلا الفقر والحاجة، بيتنا في أوقات كثيرة مكانش فيه حتى قطعة خبز يابسة، مقاول الأنفار ما يقبلش يشغل ستات، بيقولوا اليومية بتاعتنا غالية ومشاكلنا كتير، في النهاية مكانش فيه أي حل إلا إن ابني التاني ينزل نفس الشغل”.

وفقًا لمنظمة العمل الدولية يقدر عدد الأطفال العاملين في مصر في الفئة العمرية 5 – 14 بما يقرب من 80.6%، بينما الفئة العمرية 14 ـ 17 تقدر بـ 19.6% من إجمالي الأطفال العاملين.

يكمل مدير مركز العدالة الإجتماعية بالمنطقة الريفية بشمال الجيزة، حمدي معبد، وصف ما بدأته أم محمد، وقال إن “الزراعة أصبحت عبء على صغار المزارعين بسبب ارتفاع أسعار البذور والأسمدة، وهو ما تسبب في تغيير الخريطة الزراعية، التي اقتصرت على المزارع الكبيرة، حيث يمتلك 4.8% من كبار الملاك 92% من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تتوزع الـ8% الباقية على 95.2% من الفلاحين، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن مركز الأرض لحقوق الإنسان.

تغير شكل خريطة الملكية وتبوير الأراضي الزراعية زاد من معدلات الفقر في الريف المصري من ضمن ارتفاع معدلات الفقر عموماً في مصر، والتي قُدرت وفقًا للإحصاءات الرسمية الصادرة عن البنك الدولي والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2015 بـ 27.8%، بينما قفزت إلى 32.5% عام 2018. تشير هذه الأرقام إلى أن شريحة كبيرة من السكان تعيش تحت خط الفقر، وتشير التقارير الرسمية إلى أن 6.2% من المصريين يعيشون في فقر مدقع، أي أنهم يعيشون على دخل يومي يقل عن دولار واحد، ومن المتوقع زيادة هذه المعدلات بعد ارتفاع التضخم وانهيار الجنيه المصري أمام الدولار.

يقول مقاول أنفار بمنطقة النوبارية بالبحيرة، رفض ذكر أسمه: أعمل في هذه المهنة أنا وأشقائي وأبي منذ عشرات السنوات، نتفق مع أصحاب المزارع الموجودة بمنطقة الصالحية الجديدة والنوبارية بدايةً من طريق البحيرة الزراعي والصحراوي وصولاً لحدود الإسكندرية على أن نجمع لهم عمالة من الأطفال، لزرع وجمع المحاصيل من الفاكهة والموالح، مقابل أجر يومي يتلقاه الطفل أو أسرته كل أسبوع. أحصل مقابل ذلك على عمولة عن كل طفل لا تتعدى الجنيهات القليلة، مقابل المسؤولية عن جمع الأطفال ومتابعتهم وتوفير وسيلة نقل وعودتهم لأسرهم.

أوضح المقاول كذلك الميزة النسبية التي يراها كبار الملاك في تشغيل الأطفال وليس البالغين، يقول إن يومية الأطفال مقارنة بالبالغين تصل إلى الثُلث، حيث تتراوح يومية الطفل بين 30- 50 جنيه (من 0.6 إلى 1.1 دولار أمريكي)، بينما تصل للبالغ 100-150 جنيه  (من 2.2 إلى 3.3 دولار أمريكي)، إضافة لسهولة السيطرة على الأطفال وقلة متطلباتهم وسهولة نقلهم في عربات أقل تكلفة.

وفقاً للبيانات التي جمعناها من الحوادث المنشورة على “اليوم السابع” على مدار عشرة سنوات فإن معدلات الإصابة في البالغين تكاد تتساوى مع الأطفال، بينما تزداد نسبة الوفيات في الأطفال، لأسباب متعددة يشرحها طارق زاهر مدير مؤسسة مقاومة عمالة الأطفال بالبحيرة.

يفسر طارق ذلك بأن نسبة عمالة الأطفال في الزراعة تساوي نسبة عمالة الكبار، وبالتالي فإن حجم الإصابات والحوادث تتساوى في كثير من الأحيان، لكن هناك أزمة في تسجيل إصابات الأطفال بسبب عدم امتلاكهم هويات شخصية، وعدم رغبة الأهالي وأصحاب المزارع في تسجيل إصابة الطفل طالما حصل على تعويض مالي، بينما في حالة الوفيات لا يملك أحد خيار إخفاء المعلومات الخاصة بالطفل، كما أن هشاشة أجساد الأطفال تجعلهم عرضة للموت أكثر من الكبار.

وتؤكد التقارير أن الأطفال العاملين معرضون لخطر الأذى الجسدي والعقلي، كما يتعرض تعليمهم للخطر وتتقيد حقوقهم، وتصبح فرصهم في المستقبل محدودة.

توافق نورا، مزارعة بإحدى قرى شمال الجيزة، الآراء الواردة في التقارير الدولية حول خطورة عمالة الأطفال، وتقول: كنت أتمنى ألا يعيش أبنائي المعاناة التي سبق وعشتها في طفولتي، حيث كنت أعمل في المزارع القريبة من منزلنا. تعرضت خلال تلك التجربة لأسوأ أشكال العنف بدءاً من العقاب البدني ومروراً بالتحرش والإيذاء من مقاولي الأنفار وأصحاب المزارع وحتى الأطفال الأكبر سنًا، لكن الظروف الآن أقسى وأسوأ من أيامنا. إذ ترسل نورا وأقاربها وجيرانها أبنائهم للعمل في المزارع الكبيرة  على الطريق الصحراوي بالبحيرة، فجرًا ولا يعرفون عنهم شيئًا إلا بعد المغرب.

تستكمل نورا: لا أحد بيننا يعرف برامج وطنية أو ما شابه، لا أحد يحاول مساعدتنا بأي طريقة، جميعنا يعرف جيداً أن عمل الأطفال وهم في سن صغيرة خطر، نعرف جيدًا أن ابنائنا يتعرضون للعنف من المقاول، وصاحب المزرعة، ونعلم أن البنات الصغار يتعرضون للتحرش والعنف، لكن المعرفة لا تغنينا عن إرسالهم للعمل، نحن أمام خيارين أحلاهما مر، إما عمل ابنائنا في هذه الظروف الصعبة، أو الجوع والمرض.

“بروح الشغل في الجبل عشان أجيب شنطة وكتب وهدوم ليا ولأختي” بهذه الكلمات بدأ الطفل معتز حديثه متلعثماً. معتز عمره 12 سنة، ويدرس في الصف السادس الابتدائي، ويعمل طيلة فترة الصيف وأيام العطل الرسمية من السادسة صباحاً حتى بعد العصر في محافظة البحيرة، حيث المزارع الضخمة المخصصة لتصدير الفواكه إلى دول الخليج وأوروبا، والموزعة على طول الطريق في النوبارية وغيرها من المناطق.

يحكي لنا معتز، الذي بدأ العمل الزراعي بعد تعطل أبيه عن العمل عقب إغلاق مصنع كان يعمل فيه، عن يومه كعامل زراعة: نستيقظ بعد أذان الفجر، نخرج من منازلنا للطريق العمومي في السادسة صباحًا، يجمعنا رجل من قريتنا في عربة رُبع نقل، لا يوجد بها مقاعد، تكون مزدحمة للغاية، عددنا لا يقل عن 30- 40 طفل، ذكور وإناث، نتناول الفطور في الطريق، لأنه لا يُسمح لنا بوقت راحة بعد الوصول للجبل للعمل في المزارع، بعد ساعتين سفر بالسيارة، نبدأ العمل في زرع الخضروات، أو جني الفاكهة.. نتعرض للضرب المبرح إن اشتكينا، أو طلب أحدنا الذهاب للحمام، أو رفع ظهره من الأرض، وإذا تعب أحدنا يخصم المقاول نصف اليومية.

يتذكر معتز حادثة تعرض لها أثناء عودته بعدما انقلبت السيارة على الطريق وأصيب هو وعدد من الأطفال بكسور، يقول: كانت السيارة ممتلئة بالأطفال وقليل من الكبار، لم يكن هناك متسع للحركة أو الجلوس على الأرضية، بقينا واقفين أكثر من ساعة ونصف وبالقرب من أحد الرياحات (متفرعات الأنهار) في الطريق انقلبت السيارة، “كنا زي الحمام الطائر كل واحد فينا راح في حته، أغلبنا أصيب بكسور في اليد والرجل، وفي منا عربيات الاسعاف شالته عشان كان غرقان دم، روحونا البيوت ودفعوا لأمي ثمن ثلاث يوميات، رجلي خفت، لكن لغاية دلوقتي بحلم باللى حصل كل يوم”.

أطفال
تصوير محمد الكاشف

ويؤكد العديد من الخبراء والمؤسسات الدولية على حقيقة أنه لا يمكن مقاومة عمل الاطفال الا بتوفير الحماية الاجتماعية لهم ولأسرهم وتوفير فرص عمل ودعم حقيقي للأسر، وهو ما قامت به بالفعل منظمة العمل الدولية بالتنسيق مع اليونيسيف ووزارتي الزراعة والقوي العاملة المصرية بالدمج بين الجانب التوعوي للأسر عن مخاطر عمالة الأطفال، وتوفير دعم مادي لعدد من السيدات الذين يعمل اطفالهم في الزراعة تخصص لتأسيس مشروعات صغيرة توفر لهم دخلاً مناسباً، وتمكنت تلك الخطة بالفعل في خفض معدلات عمالة الأطفال وزيارة وتيرة إعادتهم للمدارس.

يتقاطع حديث نورا مع الانتقادات التي وجهها مدير الجمعية المصرية للحقوق الجماعية، عبد المولى إسماعيل، حول غياب الأولويات في “الاستراتيجية الوطنية للقضاء على عمالة الأطفال”، وغياب الرؤية الحقيقية حول أهمية الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما وأن الفقر يلعب الدور الأساسي في ظاهرة عمالة الأطفال، وبالتالي فإن القضاء على الفقر، وبسط برامج الحماية الشاملة، ودعم الفلاحين، وتوفير دعم لتنمية المشاريع الصغيرة، وإعادة النظر في منظومة التأمين والدعم الشامل، كلها عوامل تساهم في مكافحة عمل الأطفال.

بعيداً عن الانتقادات الموجهة للتعامل مع مسألة عمل الأطفال بشكل مجرد عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أبرمت منظمة العمل الدولية اتفاقية مع الحكومة المصرية لمكافحة عمل الأطفال من خلال استراتيجية وطنية بدأت عام 2019 وتستمر لـ 2025.  شكلت بموجبها وزارة القوى العاملة لجنة مشتركة للتنفيذ، تقوم على عدة محاور أهمها استراتيجية “الممارسة والمنع” التي حصلت على 95% من إجمالي التمويل المخصص للاستراتيجية كلها.

وكانت قد أو ضحت مروة صلاح عبده، المنسقة الوطنية للخطة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال، في تصريحات صحفية أنه تم تحديث القرار رقم 118 لسنة 2003 للإسراع بالقضاء على عمل الأطفال، وفقًا لما ورد باتفاقية منظمة العمل الدولية 182 لسنة 1999 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال، والتي توجب على البلدان المصدّقة على الاتفاقية وضع قائمة بالأعمال الخطرة المحظورة على الأطفال تحت سن 18 بالتشاور مع أصحاب العمل والعمال لإصدارها تشريعياً وتنفيذ العمل بها.

وأضافت أن  وزارة القوى العاملة تحرص على تحديث ومراجعة  القوانين والقرارات كافة لمواكبة  المستجدات وأحدث المعايير الدولية، حيث أُعِدَّت مسودة  لتعديل القرار  118 لسنة 2003 بشأن تحديد نظام تشغيل وتدريب الأطفال والظروف والأحوال التي يتم فيها التشغيل، وكذلك الأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغيلهم فيها وفقا لمراحل السن المختلفة.

حتى كتابة هذه السطور تعكف الدولة على التصريح عن المزيد من الخطط والاستراتيجيات والقوانين للحد من عمل الأطفال، غير أن من قابلناهم لا يبدو أنهم ينتظرون الكثير من تلك التصريحات، فبقدر فداحة المشكلة، غير أن حلها يستلزم تغيرات كبيرة في التوجهات الاقتصادية للدولة، وفي البنية القانونية خصوصاً المرتبطة بسوق العمل وبيئته، وكذلك في الحماية الاجتماعية للأطفال بصفتهم شريحة اجتماعية هشة تتعرض للاستغلال المضاعف.

المصدر الأصلي للمقال على: الرابط