تسارع الاستحواذ على الأراضي
لطالما شكل طرد المزارعين الفلاحين الناجم عن تقدم المشاريع الاستخراجية موضوع نقاش لفترة طويلة. رغم ذلك، فإن النطاق الحقيقي لعمليات الاستحواذ على الأراضي هذه لم يتضح إلا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع تضاعف عدد الحالات في أعقاب الأزمة المالية وأزمة الغذاء في عام 2008. فمن ناحية، أدت أزمة الغذاء إلى قيام البلدان المستوردة للمواد الغذائية التي لديها إمكانية الوصول إلى رأس المال (بوجه خاص الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط) إلى الاستثمار في الأراضي الصالحة للزراعة من أجل ضمان الأمن الغذائي لبلدانهم، على حساب السكان المحليين. من ناحية أخرى، منذ الأزمة المالية، يبحث رأس المال متعدد الجنسيات عن أشكال جديدة أكثر استقرارًا وأمانًا للاستثمار. ضمن هذه الرؤية المالية للعالم، تُعتبر الأرض والمياه من الموارد النادرة، الضرورية لبقاء الإنسان، ما يعني أن قيمتها سترتفع على المدى الطويل.
تشير التقديرات أيضًا إلى أن أسعار السلع الغذائية سترتفع، بسبب النمو الديموغرافي وارتفاع الزيادة في استهلاك اللحوم في بلدان مثل دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين) والاستخدام التدريجي للأراضي لتغذية الحيوانات أو العلف الحيواني أو تطوير مشاريع البنية التحتية العملاقة وإنتاج الطاقة وغيرها. يُضاف إلى ذلك واقع أن النظام الرأسمالي، القائم على النمو المستمر، خلق شهية نهمة لا تشبع للمواد الخام، مثل النحاس والذهب والألومنيوم والمعادن المستخدمة في إنتاج الطاقة، مثل النفط والغاز. على الرغم من عدم الاستقرار، فإن التوقعات تشير إلى ندرة هذه المواد، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. إن الرواسب المعدنية، التي كانت تعتبر في الماضي غير اقتصادية وغير مربحة بسبب انخفاض تركيزها، يجري استغلالها اليوم على نطاق واسع، ما يتيح للصناعة الاستخراجية الاستيلاء على مناطق جديدة غنية بالتنوع البيولوجي.
ما هو الاستحواذ على الأراضي؟ | تجري السيطرة على الأراضي: |
هناك عدة تعريفات للاستحواذ على الأراضي. التعريف الذي اقترحته منظمة Ecoruralis الرومانية هو الأكثر شمولاً: “الاستيلاء على الأراضي هو السيطرة (من خلال الملكية أو الإيجار أو الامتيازات أو العقود أو الحصص أو ممارسة السلطة) على مساحات من الأراضي أكبر من الممارسة المحلية، من قبل أشخاص أو كيانات عامة أو خاصة، وطنية أو أجنبية، بأي وسيلة (“قانونية” أو “غير قانونية”) لأغراض المضاربة أو الاستخراج أو السيطرة على الموارد أو تسليعها على حساب الفلاحين المزارعين/ات والزراعة الإيكولوجية وإدارة الأراضي والسيادة الغذائية وحقوق الإنسان.” | – بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الملكية أو التأجير أو الامتيازات أو العقود أو السلطة. – من قبل أي فرد أو كيان، بما في ذلك المستثمرين من القطاعين العام والخاص، الأجانب والمحليين. – بأية وسيلة كانت، سواء أكان ذلك امتثالاً للتشريعات المحلية أم لا. – لأغراض المضاربة أو الاستخراج أو السيطرة على الموارد أو تسليعها، بما في ذلك الزراعة الصناعية وتربية الماشية والتعدين والبنية التحتية واسعة النطاق وحماية الطبيعة أو مشاريع السياحة وإنتاج الطاقة. |
يُعد “الحفاظ” على الطبيعة الذي تستهدفه بعض المشاريع من بين أحدث أشكال الاستيلاء على الأراضي، حيث يُمنع السكان المحليين من الوصول إلى مواطنهم التقليدية واستخدامها في الصيد أو الجمع أو صيد الأسماك أو استخدام الأخشاب، مثلا. لذلك يبدو أن هذه العمليات لم تتسارع وتيرتها فحسب، بل امتدت أيضًا إلى المزيد من الأراضي التي كان يديرها السكان المحليون سابقًا بموجب القانون العرفي، حيث كان المزارعون/ات يملكون الأراضي. الأكثر من ذلك، أنها تغطي مناطق جديدة أكثر من أي وقت مضى، مثل البحار. تشهد أفريقيا بلا شك أكثر أشكال الاستيلاء على الأراضي حدة بفضل وفرة الموارد الطبيعية بأسعار منخفضة للغاية.
في العام 2012، كشفت التنسيقية الأوروبية – فيا كامبيسينا أن الاستيلاء على الأراضي وتمركزها لا يؤثر فقط على بلدان الجنوب. في الواقع، بعد تفكك النظام الاشتراكي في أوروبا الشرقية، بدأت عمليات جديدة أدت إلى الاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع. تعاني، اليوم، بلدان هذه المنطقة من مستويات قصوى من التمركز، على غرار تلك الموجودة في البرازيل وكولومبيا. وفي الوقت نفسه، بدلا من أن تقوم الدولة بواجبها في الاعتراف بأراضي الأجداد وحمايتها لصالح السكان الأصليين والمنحدرين من أصول أفريقية في الأمريكيتين وغيرهم من السكان الإثنيين التقليديين، فإنها تشارك بشكل متزايد وأكثر نشاطًا في عمليات الاستحواذ على الأراضي وتركزها هذه، مما يعزز هذه الظواهر.
ما هو حجم الاستحواذ على الأراضي؟
بينما يعيش المزارعون على مساحة 2.2 هكتار من الأراضي في المتوسط في جميع أنحاء العالم، يصعب تخيل حجم الاستحواذ على الأراضي. وليس نادرا أن تتضمن هذه العمليات المتعلقة ببيع ومنح امتيازات الأراضي التي تغطي عشرات الآلاف من الهكتارات، وأحيانًا مئات الآلاف أو حتى ملايين الهكتارات أو أكثر. من الصعب الحصول على فكرة عن الحجم الحقيقي لعمليات الاستيلاء على الأراضي. أولاً، بسبب نقص البيانات الرسمية والغموض الذي يحيط بهذه المعاملات. ثانيًا، هناك تعريفات مختلفة جدًا للمقصود بالاستيلاء على الأراضي. نتيجة لذلك، يمكن افتراض أن المدى الحقيقي للاستيلاء على الأراضي يتجاوز الحقائق المعروضة في هذه الدراسة.
ووفقًا للبيانات التي نشرتها غرين (GRAIN)، تم الاستيلاء على ثلاثين مليون هكتار من الأراضي حتى عام 2015. مع ذلك، فإن هذا الرقم يتعلق فقط بمشاريع إنتاج المحاصيل الغذائية على مساحات تزيد مساحتها عن 500 هكتار (على الرغم من أنه يشمل المحاصيل الغذائية لإنتاج الوقود الزراعي مثل الصويا وقصب السكر وزيت النخيل أو الحبوب للماشية). هكذا، لا يشمل هذا الرقم الأنواع الأخرى من المنتجات الزراعية (مثل القطن) أو الأراضي التي تشغلها صناعة التعدين والسياحة والأخشاب والمشاريع الضخمة (السدود الكهرومائية والبنية التحتية). على سبيل المقارنة، تبلغ المساحة الزراعية الإجمالية في فرنسا حوالي 27 مليون هكتار. يظهر تحليل للبلدان التي تسجل أعلى مستويات الاستيلاء على الأراضي أن معظمها يواجه مشاكل خطيرة تتعلق بسوء التغذية والجوع بين سكانها، كما هو الحال في إثيوبيا وجنوب السودان.
يجب أن نضع في اعتبارنا أيضًا أن الاستحواذ على الأراضي يسير جنبًا إلى جنب مع الاستيلاء على المياه. وهذا يشمل، مثلا، السقي اللازم للإنتاج الزراعي واسع النطاق لضمان محاصيل دائمة لسوق التصدير، أو الكميات الكبيرة من المياه التي تعتمد عليها صناعة التعدين. تحتاج صناعة التعدين أيضًا إلى كميات كبيرة من الطاقة، مما يؤدي إلى بناء مشاريع ضخمة لإنتاج الطاقة مثل محطات الطاقة الكهرومائية، وهو نشاط يؤدي بدوره إلى الاستيلاء على الأراضي وعمليات الإخلاء. بالإضافة إلى ذلك، يجري أيضا الاستيلاء على مصادر المياه بشكل متزايد لتعبئتها وبيعها. رغم أن حجم هذا النوع من الاستيلاء غير معروف أو مقدر كمياً بما فيه الكفاية، إلا أن هناك العديد من الأمثلة المُوثقة جيداً على عواقبه الوخيمة.
ماسا كوني Massa Koné، التقارب العالمي للنضال من أجل الأرض والمياه في غرب أفريقيا
سابقا، كانت الأراضي تُدار جماعيا ولا يمكن بيعها. كان كل شخص يعيش بشكل مستقل بمحاصيله في أرضه الخاصة، وكان النهر خاصا بالصيادين. كان القانون العرفي يؤكد على التعايش المتناغم بين المزارعين والصيادين ومربي الماشية والأشخاص الذين يعيشون على الأرض. كان على الجميع مراعاة الأعراف المجتمعية، وبما أن الحق الوحيد الممنوح هو حق الانتفاع، كان على الجميع الاهتمام بما هو ملك له.
بدأ الاستيلاء على الأراضي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وصل الناس إلى أراضي المجتمع المحلي بآلات ثقيلة. في البداية، اعتقد بعض الناس أن الحكومة تُرسل المساعدة، ولكن في الواقع كانت الحكومة قد باعت الأرض لمستثمر أجنبي. لذا بدأ الناس في التمرد. احتلوا الأرض وتظاهروا وأرسلت الحكومة الشرطة. أصيب العديد من الناس، وتعرض بعضهم للضرب حتى الموت، وألقي آخرون في السجن.
ما يحدث في مالي يحدث أيضًا في بقية دول المنطقة. فعبر التشريعات، تُنتزع الأراضي من أفقر الناس الذين يعيشون عليها لخدمة مصالح المستثمرين والأكثر ثراءً. فالقانون مُصمم لتحويل الأرض إلى آلة استغلال، لجني الأرباح، دون أي اعتبار لعادات وممارسات الناس والمجتمعات التي تعيش على الأرض. في مالي، تم تعديل قانون الأراضي لإنشاء قانون جديد يؤمم الأراضي. واليوم، تمتلك الدولة الأرض ولا تحتاج إلى استشارة المزارعين/ات لتنفيذ المشاريع. يجري الاستيلاء على الأراضي بثلاث طرق: أولاً، من خلال امتيازات التعدين؛ ثانياً، من خلال امتيازات استغلال الأراضي التي تتراوح مدتها بين 30 و80 عاماً الموقعة بين الحكومة والشركات الأجنبية أو شركات من دول أخرى، لإنتاج الحبوب والنخيل والسكر؛ ثالثاً، من خلال سندات الملكية التي تملكها الحكومة التي تضارب عليها. وفي جميع الحالات الثلاث، تكون الحكومة متواطئة.
بالنسبة لنا، يشكل إصلاح الأراضي الاعتراف بالأراضي المجتمعية وضمان حقوقنا العرفية. نحن نناضل بطريقتين: المناصرة والعمل المباشر. أولاً، ننقسم إلى مجموعات بحثية لدراسة القضايا المختلفة. بالنسبة لنا، كان علينا دراسة القانون. اكتشفنا أن المادة 43 من قانون الأراضي العرفية تعترف بالحقوق العرفية في الأراضي. ولتغيير السياسات، وضعنا مذكرة تجمع كل الجوانب. على هذا الأساس، اقترحنا سياسة قروية تضم 153 مادة. وفي الوقت نفسه، كانت هناك عملية المبادئ التوجيهية لمنظمة الأغذية والزراعة. نظمنا أنفسنا حتى نتمكن من المشاركة في عملية الصياغة بهدف وقف الاستيلاء على الأراضي. واستخدمنا ذلك كمرجع لوضع مشروع قانون. ولكننا أيضًا "نمارس السياسة". بالنسبة لنا، السياسة تعني العمل المباشر:
المظاهرات والإضرابات والحواجز. إننا نحتل الأراضي التي جرى الاستيلاء عليها بموجب امتياز وبيعها. مثلا، في قضية تتعلق بـ 20,000 هكتار، نجحنا في طرد الشركة متعددة الجنسيات، المملوكة لرأس المال الجنوب أفريقي والصيني. وفي قضية أخرى، تمكنا من إقناع الحكومة بإلغاء عقار تبلغ مساحته 800 هكتار، ولكن القضية ذهبت بعد ذلك إلى المحكمة، والتي حكمت في النهاية لصالح الشركة. نحن الآن نواصل النضال. وتعد قافلة غرب أفريقيا من أجل الأرض والمياه وبذور المزارعين/ات نشاطًا مهمًا آخر. إنها تجمع خمسة عشر بلدًا في المنطقة الفرعية وهدفها هو توعية الناس بالاستيلاء على الأراضي والمياه والبذور وتعبئتهم للمقاومة.
لقد دخلنا السجن وتعرضنا للضرب، لكننا مستمرون. إننا نناضل لأننا مقتنعون بأننا سننتصر.
- تجربة مالي: الاستيلاء على الأراضي والإصلاح الزراعي كدفاع عن الأراضي والحقوق العرفية
المزارع الصغيرة المستبعدة من الأسواق
إن الانفتاح المتزايد لأسواق الأغذية الزراعية هو جانب آخر يجب أن يؤخذ في الحسبان على نطاق عالمي. وصل تركز السلسلة بأكملها إلى مستويات غير مسبوقة، مما خلق ضغوطاً قوية على الاقتصادات الزراعية. ونتيجة لعمليات الاندماج والاستحواذ، يتناقص عدد الشركات المهيمنة على حلقات السلسلة، مما يفسح المجال أمام زيادة التكامل، من الإنتاج إلى البيع بالجملة والتصدير والاستيراد. ويتجلى ذلك من خلال التطورات في إنتاج وبيع المدخلات الزراعية (المبيدات والأسمدة والبذور) وفي إنتاج وتسويق مواد الغذاء.
تمارس قوة الأسواق العالمية والمحلية ضغوطاً على أسعار بيع إنتاج الفلاحين، مما يؤدي إلى تدهور المعايير البيئية وظروف العمل، وفي الوقت نفسه زيادة تكلفة المدخلات. وسوق البذور والكيماويات الزراعية مثال جيد على ذلك. وفي الوقت الحاضر، لا تزال الغالبية العظمى من البذور التي تستخدمها المزارع الصغيرة هي بذور تقليدية. ومع ذلك، هناك بعض الاتجاهات المثيرة للقلق. على سبيل المثال، تهيمن ست شركات على 75% من سوق الكيماويات الزراعية، التي تقدر قيمتها بحوالي 54 مليار دولار أمريكي في العام 2013. وقد احتكرت هذه الشركات الكيميائية أيضًا سوق البذور التجارية، التي تسيطر عليها الآن بنسبة 60%، بينما تستحوذ على 100% من سوق البذور المعدلة وراثيًا. تتركز المناقشات الآن على عمليات الاندماج بين ستة من أكبر سبعة فاعلين: مونسانتو Monsanto وباير Bayer ، وكيم تشاينا ChemChina وسينجينتا Syngenta وداو Dow ودوبونت DuPont. بدون تدخل الحكومة، لن يسيطر على السوق سوى ثلاثة فقط. لذلك ليس مستغربًا أن تتطلب البذور التجارية كميات كبيرة من المواد الكيماوية الزراعية، وأن يجري بيع الاثنين كـ”حزمة واحدة”.
على الرغم من كل الخطابات الرنانة حول الاستدامة، فإن استخدام المواد الكيماوية الزراعية في جميع أنحاء العالم آخذ في الازدياد. ومن الواضح أيضًا أن الشركات لها مصلحة خاصة في تنفيذ القواعد التي تجرم البذور التقليدية.

ما هي المشاكل التي تواجه البحار والمياه الداخلية وغابات المانغروف؟
إن التبادلات المتزايدة بين لافيا كامبيسينا والمنظمات التي تمثل الرجال والنساء الذين يمارسون صيد السمك أو الصيد على السواحل (الجمع) تجعل من الممكن وضع “الاستيلاء الأزرق” في قلب النقاش. من الواضح أن هذا الاستيلاء يعمل من خلال نفس آليات الاستيلاء على الأراضي. فالمجتمعات المحلية والصيادون وجامعو الأسماك يفقدون بشكل متزايد السيطرة على الموارد الطبيعية، سواء في المياه الداخلية أو البحار أو غابات المانغروف. يتسبب الصيد الصناعي في الإفراط في صيد السمك ويدمر دورات التكاثر الطبيعية للموارد السمكية، ما يترك العديد من الصيادين دون مصدر رزق. تحرم الخوصصة المتزايدة للشواطئ (للمشاريع السياحية، على سبيل المثال)، من جهة، و”حماية” النظم الإيكولوجية من قبل بعض هيئات الحفاظ على البيئة من جهة أخرى، الرجال والنساء الذين يصطادون الأسماك من الوصول المادي إلى هذه المناطق. يؤدي التوسع السريع في تربية الأحياء المائية، بما في ذلك منتجات مثل الجمبري للتصدير، إلى تدمير غابات المانغروف، وهي نظم إيكولوجية أساسية لتكاثر الحياة البحرية ومجتمعات الصيد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جريان المياه المتولدة عن الجريان السطحي للمياه شديدة التسمم، ما يؤدي إلى اختفاء النظم الإيكولوجية الطبيعية. على الرغم من أن غابات المانغروف محمية دوليًا لأنها من أغنى النظم الإيكولوجية من حيث التنوع البيولوجي وأهمها لعزل الكربون، إلا أن تدميرها مستمر.
من هم الفاعلون في عملية الاستحواذ على الأراضي؟
على مدى السنوات العشرين الماضية، تغير الفاعلون بشكل عميق. فمن هم الأشخاص الذين يقفون وراء “رأس المال”؟
من الصعب تحديد مصادر هذا النوع من الاستثمار لأنه غالبًا ما يستند إلى شبكة معقدة من فاعلين مختلفين. يستحيل غالبًا تحديد مصدرها الجغرافي لأنهم فاعلون متعددو الجنسيات، يغيرون موقع مقارهم الرئيسة وفقًا لحاجاتهم (التهرب الضريبي، الحماية القانونية من خلال الاتفاقيات الدولية، والامتيازات، إلخ). أيضا، يكمن وراء الاستثمار تحالف غير مرئي كامل من الفاعلين – صناديق مختلفة ومتنوعة، تنتمي هي نفسها إلى صناديق أخرى، رغم ذلك، من الممكن تحديد الفاعلين المشاركين في الإنتاج والتسويق، على سبيل المثال لا الحصر، الشركات الكبرى في الأعمال التجارية الزراعية والبذور والمدخلات الكيميائية، والصيد الصناعي والتعدين والأخشاب.
لدى معظم الشركات متعددة الجنسيات مصلحة راسخة في تعزيز النظام الحالي التي من خلاله تستفيد على المستوى الاقتصادي شركات محدودة في أغلبها، أي أنها تعمل بفضل رأس المال. مع ذلك، يمكن أن تجري الاستثمارات في الأراضي والمياه مباشرة من خلال الأموال والاستثمارات من الجهات المالية مثل البنوك وشركات التأمين أو صناديق التقاعد.
على المستوى المحلي، تتدخل العديد من الجهات الفاعلة (محامون أو الوسطاء) في عملية الشراء وشراء الأراضي وتقنينها، قبل بيع الأرض إلى شركة متعددة الجنسيات. غالباً ما يتم دعم تلك الجهات من قبل السلطات المحلية “لضمان استمرارية” هذه العمليات. يساعد التركيز المتزايد لسلطة السوق التي تمتلكها هذه الشركات متعددة الجنسيات في التأثير على السياسات ويشكل تهديدًا للديمقراطية. على الرغم من زيادة تدويل تدابير السياسات لا تزال الأنظمة تؤدي دورًا أساسيًا. في العديد من الحالات، هناك ارتباط وثيق للغاية بين مصالح الأطراف الفاعلة على المستوى الحكومي وتلك الخاصة بالنخب الوطنية والشركات المتعددة الجنسيات.
تشكل سلطة تغيير القوانين واللوائح شرط مهم لتعزيز عمليات رأس المال. وأيضا، يأخذ دعم هذه العمليات شكل إعفاءات ضريبية أو إعانات أخرى أو غير ذلك من الإعانات المباشرة أو غير المباشرة بفضل المال العام. أنهم يستخدمون حتى النظام القضائي واحتكار قوات الأمن (الشرطة والجيش، وفي بعض الحالات القوات شبه العسكرية) لتجريم المظاهرات والطرد القسري والتهديد وحتى القتل بهدف إسكات الاحتجاجات وكبح المقاومة. يتلقى تطبيق القواعد الدستورية دعمًا قويًا من المؤسسات المالية الدولية والتعاون الدولي في مجال تنمية الدول. في الوقت نفسه، تقدم البنوك الوطنية الدعم المالي في شكل أموال وائتمانات منخفضة الفائدة، أو التدخل من خلال التأثير على السياسة العامة. إن إحدى الاستراتيجيات الشائعة هي إنشاء تحالفات، غالباً ما تكون خفية بين الجهات الفاعلة العامة والخاصة لكسب النفوذ في المستويات العليا وإقناع النخب الوطنية بـ الفوائد التي تقدمها هذه المشاريع. يقومون أيضًا كفاعلين “مثقفين” الذين من خلال تحليلاتهم وأبحاثهم وصياغة السياسات العامة بالترويج للأيديولوجية النيوليبرالية الليبرالية الجديدة، باستعارة خطاب مكافحة الفقر والجوع. يمثل التمويل حافزًا يُمنح بموجب شروط تحددها هذه الجهات الفاعلة. إلى جانب التركيز المتزايد وممارسة تأثير على الرأي العام، فإن وسائل الإعلام والتواصل الجماهيري أيضًا تعتبر أيضًا فاعلاً رئيسا في هذه التحالفات. في هذا الصدد في العديد من البلدان، هناك تداخل بين المستثمرين الذين لا يسيطرون فقط على الأعمال الزراعية الصناعية والمشاريع الاستخراجية، ولكن أيضًا الصحف والتلفزيون والقنوات التلفزيونية. وصل الأمر في بعض الحالات إلى دعم الانقلابات ضد الحكومات التقدمية، كما يتضح من الحالات الأخيرة في البرازيل وهندوراس وتجريم القوى التقدمية وتشويه صورتها. بناءً على هذا التحليل، من الواضح أن البانوراما التي تتطور فيها هذه المنظمات تغيرت: ولدت في الأصل من عمليات النضال ضد كبار ملاك الأراضي غير المنتجة، مارسوا السلطة السياسية والاقتصادية على المستوى المحلي وأصبحوا الآن في مواجهة تحالف بين عدة جهات يصعب تحديدها وتعريفها. على حد تعبير المزارعين /ات الرومانيين/ات. “اليوم، لم نعد نعرف من هم جيراننا”.
المقال أعلاه هو جزء “مُحرر” من الفصل الثاني في دراسة: “نضالات لا فيا كامبيسينا من أجل الإصلاح الزراعي والدفاع عن الحياة والأرض والأقاليم”، وعنوانه الأصلي: (قراءة السياق الحالي: تسارع الاستيلاء على نظام الأغذية الزراعية) يمكنكم\ن الرجوع إلى الدراسة الأصلية من: الــرابــط