تطور برنامج حركة لا فيا كامبيسينا من أجل إصلاح زراعي شامل وشعبي



أتاح تبادل الخبرات والحوار بين المعارف والتحليل الجماعي والدراسات تسليط الضوء على النطاق الحقيقي لظاهرة الاستيلاء على الأراضي. جرى في هذا السياق أيضًا، داخل حركة لا فيا كامبيسينا، تشكيل المشاريع والأفكار الخاصة ببرامج الإصلاح الزراعي، ما أدى إلى تطور مسألة ما نريده واستراتيجيات كيفية تحقيقها. يتتبع هذا المقال المراحل الرئيسة في تاريخ نضال حركة لا فيا كامبيسينا التي أدت إلى تطوير المقترحات والاستراتيجيات حول إصلاح زراعي متكامل وشعبي. من الواضح أن تطور المفاهيم وتعميقها هو نتيجة لسيرورات معينة، جرى تغطيتها أيضًا ضمن هذه النظرة العامة للمحطات التي ميزت تاريخ حركة لا فيا كامبيسينا.

  مع انتهاء حقبة التقويم الهيكلي والسياسات الليبرالية الجديدة، مع ما ترتب نتيجة ذلك من آثار مدمرة على الفقر والنزوح الريفي، اجتمعت المنظمات المؤسسة لحركة لا فيا كامبيسينا في ماناغوا في Managua (نيكاراغوا) في العام 1992 لتحليل الوضع. وحددوا منظمة التجارة العالمية (WTO) والمؤسسات المالية الدولية (IFI) صندوق النقد الدولي (FMI) والبنك الدولي، باعتبارها الجهات الفاعلة الرئيسة في هذه التطورات. خلال العام التالي وُلدت حركة لا فيا كامبيسينا رسميًا، في اجتماع عقد في مونس  Mons (بلجيكا)، بهدف جعل صوت الفلاحين مسموعًا على مستوى الساحة الدولية وتشكيل قوة مضادة قادرة على مواجهة هذه التطورات في المؤسسات الدولية. كان الاجتماع أيضًا فرصة لتقييم الوضع، تسليط الضوء على مظاهر تفاقم هذا الوضع في المناطق الريفية، وهي الفقر والجوع والنزوح. 

 أمام هذا الوضع، كان الهدف هو المطالبة بحق الوصول إلى الأراضي وصنع القرار الزراعي على المستوى الوطني، استنادًا إلى الحق في الغذاء. على مر السنين، اكتسبت حركة لا فيا كامبيسينا القوة، لقد عارضت بشدة القرارات التي فرضتها مؤسسات كبرى مثل منظمة التجارة العالمية بشأن قضايا التجارة والبنك الدولي، والتي سعت إلى تقويض النضال من أجل الإصلاح الزراعي القائم على إعادة التوزيع. بدأت احتجاجاتها تجذب الانتباه، بوجه خاص مع المظاهرات ضد منظمة التجارة العالمية في سياتل عام 1999، حيث انضمت حركة لا فيا كامبيسينا إلى تحالف معارض للتجارة الحرة و”عولمة” القواعد التي لا تفيد سوى أقلية.

  بما أن العديد من المنظمات المؤسسة خرجت من رحم النضال من أجل الإصلاح الزراعي، فإن هذه القضية تمثل إحدى المطالب الرئيسة لحركة لا فيا كامبيسينا منذ إنشائها. في سياق عالمي اتسم بصعود الأفكار الليبرالية الجديدة، وفي سياق كان ينظر إلى الإصلاح الزراعي القائم على إعادة التوزيع من قبل المنظمات الدولية بما في ذلك بعض المنظمات غير الحكومية، كشيء من الماضي، قررت حركة لا فيا كامبيسينا تعزيز النضال من أجل الإصلاح الزراعي. أطلقت في العام 1999، حملة من أجل الإصلاح الزراعي بالتعاون مع شبكة العمل الدولي (FIAN)، وانضمت إليها شبكة LRAN. تمثل الحملة برنامجا لحركة لا فيا كامبيسينا، بالتعاون مع حلفائها، بهدف دعم النضالات المحلية من أجل الإصلاح الزراعي والأراضي وإجراء الدراسات وتبادل الخبرات، والترافع في مجال الأراضي على المستوى الدولي والتأثير على الرأي العام. إنها تعمل أيضا كشبكة تضامن دولية قادرة على الاستجابة لحالات انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالأرض. كان أول عمل قامت به الحملة هو تنظيم الاجتماع الدولي الأول للمزارعين غير المالكين للأراضي  في سان بيدرو سولا San Pedro Sula (هندوراس) في عام 2000. ناقش المشاركون “الإصلاحات الزراعية القائمة على السوق” التي شجعها البنك الدولي، ودور المرأة والحق في الأرض المستمد من الحق في الغذاء. في بنغالور Bangalore (الهند) في العام نفسه، واصلت حركة لا فيا كامبيسينا حول مفهوم السيادة الغذائية (والإصلاح الزراعي)، الذي عُرض للمرة الأولى في مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة في روما عام 1996. وفي ذلك الوقت، بدأت الخوصصة المتسارعة للمياه والاستيلاء على الأراضي من أجل المشاريع الضخمة والإنتاج الواسع النطاق للزراعات الأحادية في الظهور. وقد ركز إعلان بانغالور بشكل خاص على التجارة الحرة المسؤولة عن الهجرة القسرية وتدمير اقتصادات الفلاحين. يحدد النص على قاعدة تحليل الإصلاحات الزراعية السابقة، الاشتراكية والإصلاحات الزراعية التقليدية، حدود توزيع الأراضي البسيط والحلول المقترحة التي ستُعرف فيما بعد باسم الإصلاح الزراعي المتكامل، أو الإصلاح الزراعي الحقيقي، القائم على السيادة الغذائية. وفي هذا الصدد، يجب أن تكون الأولوية لإضفاء الطابع الديمقراطي على الأرض والمياه وحماية الأسواق على إنتاج الغذاء، بدلاً من تصدير المواد الخام.

تقوم النساء بدور حيوي في المناطق الريفية والنضالات. رغم أنهن يشكلن أغلبية الأشخاص الذين ينتجون الغذاء وينقلون المعرفة بالبذور والزراعة والمنزل، فهن أيضاً الأكثر تأثراً بالآثار السلبية، وذلك بشكل غير متناسب. إن الإصلاحات الزراعية التي جرى تنفيذها في الماضي لم تأخذ النساء في الاعتبار بشكل كافٍ. اعترافا بالدور الأساسي للنساء، فقد احتل موضوع المرأة مساحة مهمة في المناقشات منذ تأسيس حركة La Vía Campesina، التي تستند التمثيلية فيها إلى المساواة. على الصعيد العالمي، ربما يمثل La Vía Campesina المنتدى الأكثر أهمية بشأن قضية دور المرأة في إصلاح الأراضي والزراعة. لفترة طويلة، كانت مسألة النسوية مقتصرة على رؤية أوروبية المركز، دون الأخذ في الاعتبار واقع المرأة في البلدان والمناطق الأخرى. في هذا السياق، تطورت “النسوية الفلاحية والشعبية”، نتيجة لتحليل سلط الضوء على النظام الأبوي، والذكورية، والعنصرية، والتمييز الطبقي، باعتبارها أجزاء لا تتجزأ من العنف الهيكلي. الناتج عن الرأسمالية. يجب أن يسير كذلك النضال من أجل البديل دائمًا جنبًا إلى جنب مع خلق علاقات جديدة بين النساء والرجال، لأن هناك صلة وثيقة بين النضالات في هذا المجال وحق الشعوب في الأرض، وأساليب معيشتهم وعاداتهم وإصلاحهم الزراعي. وفي هذا الصدد، تؤكد CLOC Vía Campesina في الإعلان الصادر عن الجمعية النسائية بمناسبة المؤتمر السادس لـ CLOC أننا “[نريد] أن تُبنى العلاقات بين البشر على أساس المساواة؛ بناء تجربة التضامن بين مختلف الشعوب والثقافات، متحررة من الاستعمار، بدون ذكورية وبدون عنصرية. نريد منطقة وعالما خاليا من جميع أشكال العنف، سواء كانت تمييزية أو أبوية، وتنفيذ إصلاح زراعي شامل يضمن للمرأة الوصول الحقيقي إلى الأراضي”. كانت الندوة الدراسية الدولية حول الإصلاح الزراعي والمساواة بين الجنسين، التي نظمت في كوتشابامبا Cochabamba (بوليفيا)، خطوة هامة لأنها مكنت من وضع منهجية محددة للحملة العالمية للإصلاح الزراعي على أساس رؤية متكاملة للنهج القائم على الجندر، وكذلك التكوين الذي يستهدف موضوعات الجندر والأراضي. خلال هذه الندوة جرى طرح أحد الأسئلة حول سبل تحقيق المساواة بين النساء والرجال في سياق الإصلاح الزراعي، قضية رئيسة في ضوء الصراعات الناجمة عن دعوة النساء إلى أن تحمل سندات ملكية الأراضي أسمائهن أيضًا.

بما أن العديد من المنظمات المؤسسة خرجت من رحم النضال من أجل الإصلاح الزراعي، فإن هذه القضية تمثل إحدى المطالب الرئيسية لحركة لافيا كامبيسينا من إنشائها.

في الواقع، بين الشعوب الأصلية بوجه خاص، حيث يجري التحكم في العلاقات وفقًا لرؤية كونية على أساس التكامل بين الطبيعة والكائنات البشر، بين المجتمعات وداخل المنزل، بين النساء والرجال، يثير هذا الطلب الخوف من “عمل النساء لصالح البنك العالمي” وأن تتم خوصصة أراضي المجتمع عبر سندات ملكية الأراضي الفردية. شكلت هذه الندوة فرصة للنساء لتأكيد التزامهن بالدفاع عن حيازة الأراضي المجتمعية. لكن، من الواضح أنه على مستوى الحقوق العرفية، هناك العادات داخل المجتمعات، وهو ما يطرح التساؤل حول تحسين وتغيير الدور الذي تلعبه المرأة في الأسرة والمنظمات، فضلا عن مشاركتها. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط هذا النقاش أيضًا بمسألة دور الدولة. فمن ناحية، يجب أن تضمن حقوق الإنسان مع أخذ الإجراءات وتطبيق القوانين التي تضمن المساواة للمرأة (في مسائل، مثلا، المشاركة أو ملكية الأراضي أو الميراث أو الحقوق الاجتماعية أو الحماية من العنف). يجب الاعتراف بأن الأطر القانونية قد أحرزت تقدما كبيرا على هذا المستوى: فالعديد من البلدان لديها قوانين ضد العنف، تعترف بالمساواة بين المرأة والرجل في مسائل الميراث، إلخ. ومن ناحية أخرى، تعيد الدولة إنتاج نظام الأبوية وعدم المساواة. بينما تكافح المنظمات من أجل استقلال الإدارة وعاداتهم، من الضروري تحديهم بقوة بشأن دور المرأة داخلهم. لذلك، فإن النضال من أجل مساواة المرأة لا يستهدف فقط الإطار القانوني والمجتمع؛ هي أيضا تستهدف النظام الأبوي المعمول به داخل الأسر، المجتمعات والمنظمات. جميع المنظمات الأعضاء في منظمة La Vía Campesina ومنظماتها الإقليمية بالإضافة إلى منظمة La Vía Campesina Internationale  تعمل على تحقيق هذا التغيير من “الداخل”. تعد المساواة بين القادة، باتباع نهج قائم على النوع الاجتماعي والانتقال داخل المنظمات والأسر نفسها، عناصر مهمة للتغيير. أطلقت النساء في منظمة La Vía Campesina  Internationale  حملة “أوقفوا العنف ضد النساء!”، تنديدا بالعنف الزوجي وداخل الأسرة باعتبارها واحدة من الأشكال الرئيسية لانتهاك حقوق المرأة الإنسانية. يجب أن تجري الحملة ليس فقط من قبل النساء ولكن أيضًا من قبل الجميع. تصف الإطارات التالية تجربتين للنضال الذي تقوده المنظمات ضد السلطة الأبوية في فضائتهم الخاصة وعاداتهم. 

تمثل بورتو أليغري تغييرا آخر من حيث تطوير البرامج والنضال من أجل الإصلاح الزراعي الشامل. في العام 2006، عقدت منظمة الأغذية والزراعة المؤتمر الدولي للإصلاح الزراعي والتنمية القروية (CIRADR)، الذي شاركت فيه الدول الأعضاء. سبق هذا المؤتمر منتدى “الأرض والإقليم والكرامة”، الذي نظمته لجنة التخطيط الدولية للسيادة الغذائية (IPC) بالتعاون مع المنظمات التي شاركت في إنشاء منتدى المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بشأن السيادة الغذائية في روما في العام 2002. أتاح المنتدى، بوجه سياق تعزيز رأس المال في المناطق القروية، لمنظمات جديدة ناشئة عن عمليات النضال الدفاعي الإقليمي بالظهور والمشاركة. وكان من بين هذه المنظمات، منظمات من أفريقيا متضررة بشدة من موجة الاستيلاء على الأراضي (التي كانت تحمل اسمًا آخر في ذلك الوقت) والشعوب الأصلية والصيادين والرعاة الرحل والسكان المدافعين عن أراضيهم ضد المشاريع الضخمة الجديدة والتعدين وخوصصة البحار والصيد الجائر أو خوصصة الأراضي العامة والمجتمعية.  فقد ساعد تكامل هذه المنظورات الجديدة على توسيع مفهوم الإصلاح الزراعي المتكامل ليشمل الإقليم، الذي يتكون ككل من الأرض والمياه والتنوع البيولوجي والهواء والعلاقات الاجتماعية، ولكن أيضًا في توسيع طرق فهم العالم والحياة بالإضافة إلى ثقافات مختلفة. مكّن أيضا منظور الشعوب الأصلية، المرتبط ارتباطًا وثيقًا بأساليب حياتهم، من تعزيز الارتباط مع أمنا الأرض. كانت هذه أيضا بداية المناقشة حول الإيكولوجيا الزراعية كوسيلة للتغلب على حالة الاعتماد على المدخلات المتزايدة التكلفة، لصالح الإنتاج السلس مع أمنا الأرض. بهذه الطريقة، جرى توسيع وتعميق مفهوم الإصلاح الزراعي كجزء من السيادة الغذائية من خلال اعتماد منظور يقوم على أساس إقليم يعيش فيه الفلاحون والشعوب الأصلية والصيادون الحرفيون وجامعو الثمار والرعاة الرحل معًا، في بلدان الشمال والجنوب. ستشكل هذه الرؤية لاحقاً أساس المفاوضات حول المبادئ التوجيهية بشأن حكامة نظم الحيازة. كان المنتدى أيضا فرصة لتعزيز الإصلاح الزراعي كحل للمجتمع ككل وتجذيره في الحق في الغذاء، وكحل للعدالة الاجتماعية ومكافحة الهجرة والبطالة. بالتالي، فإن الإصلاح الزراعي المتكامل لا يركز فقط على السيطرة على الأراضي والموارد الإنتاجية وتوزيعها، بل أيضاً على الزراعة الإيكولوجية والصحة والثقافة وإضفاء الطابع الديمقراطي على إدارة المعارف والتعليم والضمان الاجتماعي، من بين أمور أخرى، على النحو المُبين في الإعلان الختامي للمنتدى.

حول لجنة التخطيط الدولية للسيادة الغذائية (IPC)

لجنة التخطيط الدولية للسيادة على الغذاء (أو IPC) هي منصة عالمية مستقلة تجمع أكثر من 800 منظمة تمثل النساء والرجال الذين يمارسون إنتاج الغذاء على نطاق صغير وصيد الأسماك الحرفي وتربية الماشية البدوية والعمل في المناطق القروية والشعوب الأصلية، بهدف تعزيز السيادة الغذائية على المستوى الإقليمي والعالمي (القائمة التفصيلية للمنظمات مدرجة في الدليل الشعبي حول المبادئ التوجيهية، المشار إليه في القائمة الببليوغرافية). تحظى هذه الحركات الاجتماعية بدعم المنظمات غير الحكومية، مثل FIAN، وأصدقاء الأرض الدولية، والمركز الدولي Crocevia، وPANAP، وTerra Nuova، وصندوق التنمية النرويجي، والتجمع الدولي لدعم عمال صيد الأسماك، وCenesta.

شكل المؤتمر الدولي لمنظمة الأغذية والزراعة لحظة مهمة لإتاحته الفرصة لإعادة وضع الإصلاح الزراعي في قلب الأولويات الدولية. كما توضح صوفيا مونسالفي من شبكة المعلومات والعمل الدولية بشأن أولوية الزراعة: “في ذلك الوقت، لم يكن أحد يتحدث عن الإصلاح الزراعي. كان الموظفون والعديد من المنظمات غير الحكومية ينظرون إلينا على أننا ديناصورات، لأن الإصلاح الزراعي لم يكن أولوية في نظرهم. كان الإصلاح الزراعي شيئًا من الماضي.” رغم أن الاستيلاء على الأراضي لم يكن قد ظهر للعيان بعد في مؤتمر بورتو أليغري، إلا أن الحدث وضع الأسس لصياغة سياسات أخرى تتعلق بالأراضي والموارد الطبيعية القائمة على السيادة الغذائية.

انطلاقًا من مفهوم الإقليم، فإن النظر في الوظيفة الاجتماعية والبيئية للأرض والبحر والموارد الطبيعية في سياق السيادة الغذائية يجعل من الممكن أيضًا توسيع مفاهيم طبيعة أنظمة حيازة الأراضي. يجب أن تأخذ دمقرطة هذه الموارد في الحسبان جميع الجهات التي تتقاسم الأرض، الأمر الذي يثير مسألة المساواة في الحقوق من حيث النوع الاجتماعي والبعد المشترك بين الأجيال. يوفر التنوع الجغرافي والثقافي مجموعة متنوعة من الاستجابات. هناك حاجة إلى إدراج مناقشة الإصلاحات الزراعية السابقة، التي أدت فيها الملكية الخاصة إلى تركيز جديد وسريع للأراضي عبر البيع والتجميع. هناك حيث تسود ممارسات النقل الأصلية أو العرفية أو ممارسات القانون العرفي السائدة، فإن الإصلاحات الزراعية المقترحة على أساس الحيازة الجماعية للأراضي.

رغم ذلك، في المناطق والقرى التي تُزرع فيها المحاصيل في الأراضي الخاصة، هناك أيضًا مناطق جماعية ومجتمعية يرعى فيها مربو الماشية حيواناتهم. يعتمد الرعاة الرحل أيضًا على هذه الأراضي للرعي العابر. وبالمثل، فإن غابات المانغروف والمسطحات المائية هي للاستخدام الجماعي. بهذا المعنى، إذا انطلقنا من رؤية تقوم على التعايش داخل الإقليم، فإن الإصلاح الزراعي لا يجب أن يهدف فقط إلى إعادة تقسيم الأراضي الخاصة، بل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أيضًا العادات وأشكال الاستخدام، سواء في الشمال أو الجنوب. تدعو منظمات أخرى إلى إصلاح زراعي لصالح التعاونيات والشراكات والمجموعات لتجنب منح سندات الملكية الخاصة. في أماكن أخرى، فإن النضال يستهدف نظام حيازة الأراضي في أيدي الدولة أو البلدية، الذي يمنح حق الانتفاع إلى التعاونيات لإنتاج الغذاء، وذلك على غرار الاقتراح الذي طرحته نقابة (SAT) (نقابة عمال الأندلس) في إسبانيا.

تطالب حركة لا فيا كامبيسينا بحق الشعوب في تقرير أشكال التنمية الخاصة بها. لا يوجد لدى حركة لا فيا كامبيسينا أي موقف واحد بشأن هذه المسألة، باستثناء تعزيز المناقشة وتبادل الخبرات في مجال الإصلاح الزراعي.

يوضح فيديريكو باتشيكو Federico Pacheco “في الأندلس، أتاح النضال في الماضي إمكانية مصادرة الأراضي ومنحها للتعاونيات لاستخدامها. اليوم، هناك ضغط قوي من أجل أن يجري خوصصة هذه الأراضي، بمعنى أن تقوم التعاونية أو أعضائها يشترون الأرض بشكل فردي. هذا سيعني إتاحة الأرض للسوق. لكننا نناضل ضد هذا الأمر. أن تبقى الأرض عامة وأن يُمنح حق استخدامها فقط “. من ناحية أخرى، فإن “تأميم” الأراضي في العديد من البلدان الأفريقية، ومصادرة المجتمعات المحلية، كانت المجتمعات، استُخدم كذريعة للاستيلاء على الأراضي. كنتيجة، تطالب المنظمات في هذه البلدان بأولوية القانون العرفي على قانون الدولة. في مناطق أخرى، تُنفَّذ الزراعة من قبل مجموعات خاصة. في رومانيا، على سبيل المثال، أدت تجربة التعاونيات التي أنشأتها الدولة، في الواقع، إلى نزع الملكية، وهو ما يفسر اقتراح التوزيع الخاص لضمان حصول الشباب على الأراضي بوجه أخص. رغم ذلك، فمن من الممكن القيام بأنشطة التسويق من خلال التعاونيات. وبالتالي هناك أشكال مختلفة لحيازة الأراضي: جماعية، أو مجتمعية أو المملوكة للقطاع الخاص أو التعاونية أو المملوكة للدولة مع حق الانتفاع.  تختلف المقترحات حسب كل ثقافة وتاريخ وإقليم. 

تطالب حركة لا فيا كامبيسينا بحق الشعوب في تقرير أشكال التنمية الخاصة بها. لا يوجد لدى حركة لا فيا كامبيسينا أي موقف واحد بشأن هذه المسألة، باستثناء تعزيز المناقشة وتبادل الخبرات في مجال الإصلاح الزراعي. الأكثر من ذلك، بِغض النظر عن نوع الإصلاح، لا يمكن اعتبار هذه المسألة ثابتة. بل ينبغي النظر إليها على أنها عملية تتطور باستمرار، تتطور وتتكيف مع التجارب وعلى أساس الخبرات وعمليات صنع القرار الجماعية على مستوى الأقاليم.

شكل منتدى نييليني، خطوة أخرى في توسيع نطاق التبادلات مع عدد من المنظمات، والذي نُظم في مالي بناء على دعوة من شبكات IPC وبمشاركة منظمات لم تكن عضو في حركة لا فيا كامبيسينا والمنظمات الإقليمية الأفريقية ومنظمات حماية البيئة ومنظمات الصيادين، بالإضافة إلى المنظمات الجديدة التي تمثل المدن. جرت بفضل تبادل وجهات النظر حول العلاقة القروية – الحضرية علاقات جديدة من التضامن، لا سيما كيفية إنتاج غذاء صحي وبأسعار معقولة للجميع وكذلك استصلاح الأراضي. لم يقتصر الأمر على تمكين منتدى نييليني من إبراز الحركة، الآخذة في الاتساع، المؤيدة للسيادة الغذائية فحسب، بل أيضًا تغيير مفهوم حركة لا فيا كامبيسينا للعلاقات القروية الحضرية وتحويلها إلى عملية إصلاح زراعي. بوجه الأزمة الاقتصادية والبطالة وبهدف ضمان توفير الغذاء الصحي وبأسعار معقولة، ظهرت حركات لاستصلاح واحتلال الأراضي البور في المدن والمناطق شبه الحضرية من أجل إنتاج الغذاء. تكونت مساحات للتبادل والتفكير بين المدن والأحياء حول إنتاج الغذاء.  برزت المزيد من مبادرات الشراء التضامني المباشر، بما في ذلك المحلية والتضامنية في الزراعة (الزراعة المدعومة من المجتمع المحلي، CSA، النموذج الفرنسي).

تقوم هذه الشراكات على تحالف بين المستهلكين والمزارعين أو التعاونيات. يقوم المستهلكون باستثمار لدعم المزارع أو التعاونية، وفي المقابل، يوفر المزارع أو التعاونية للمستهلكين المواد الزراعية البيئية على مدار السنة. يأخذ حساب المساهمة بعين الاعتبار التكاليف الحقيقية للإنتاج الزراعي الإيكولوجي، وهو إنتاج زراعي بيئي لائق للمزارعين/ات وعمالهم/اتهم، ويسمح بالاستثمار في الموارد الإنتاجية اللازمة. تبرز أشكال أخرى من العلاقات المباشرة مثل السلال العضوية، حيث تقدم التعاونيات سلة أسبوعية من المنتجات المحلية والموسمية. ومن خلال طرح أسئلة حول نوع الغذاء الذي يريدونه، تولد روابط جديدة وحركات جديدة. كما أنه يلفت الانتباه إلى آثار الرأسمالية على الزراعة شبه الحضرية. والأكثر من ذلك، فإن هذا النهج يوسع نطاق الاستراتيجية، لأن الكفاح من أجل الإصلاح الزراعي والسيادة الغذائية لم يعد مجرد شأن ريفي: إنه يتعلق بالمجتمع ككل. 

 إن الوظيفة البيئية للأراضي والأقاليم هي محور مطالب التغيير. بوجه تلوث الموارد الطبيعية والمواد الغذائية والاعتماد على الشركات متعددة الجنسيات وارتفاع أسعار المدخلات، بدأت المنظمات في نقاش واقع بأن هذه الأشكال من الإنتاج كانت بمثابة “إعادة النموذج المهيمن للإنتاج إلى الوطن”. بهذا المعنى، لا يُنظر إلى الإيكولوجيا الزراعية على أنها شكل بديل للإنتاج فحسب، بل يُنظر إليها أيضًا على أنها التطبيق العملي للتغيير: بناء أنظمة إنتاج مستقلة في مواجهة نموذج الإنتاج المهيمن. تمثل الإيكولوجيا الزراعية إذا شكلاً من أشكال مقاومة وتفكيك الاعتماد على البذور التجارية والمبيدات والأسمدة المكلفة. وهي تتيح إمكانية بناء واستعادة المعارف المرتبطة بعلاقة مستدامة بين الطبيعة والبشر، استنادًا إلى معارف الأجداد والثقافة والتنوع الإقليمي. في الواقع، لدى الغالبية العظمى من المنظمات برامج تهدف إلى تعزيز الزراعة الإيكولوجية أو “الزراعة التقليدية” أو “الزراعة منخفضة التكلفة”. تشمل هذه البرامج، مثلا، إنتاج البذور وتوزيعها وبيوت البذور وإنتاج المدخلات الطبيعية في المزارع والزراعة المختلطة، وتناوب المحاصيل أو الزراعة البينية. ثمة عنصر مهم آخر هو إضفاء الطابع الديمقراطي على توليد المعرفة من خلال تبادل الخبرات “من مزارع إلى مزارع”، سعياً إلى الاستقلالية عن العلوم الزراعية التقليدية القائمة على استخدام الكيماويات الزراعية.

في العام 2011، أدى نشر تقرير صادر عن المنظمة غير الحكومية GRAIN وعقد المؤتمر الدولي “أوقفوا الاستيلاء على الأراضي!” في نييليني (مالي) إلى تسليط الضوء على الحجم الحقيقي للظاهرة التي طالما نددت بها المنظمات دون أن يتم تصنيفها على هذا النحو. كانت استجابة وسائل الإعلام والمنظمات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية واسعة النطاق. كما دفعت موجة الاستيلاء على الأراضي المجتمعات المحلية إلى تنظيم نفسها على المستوى الوطني للتعامل مع التهديدات، خاصة في القارة الأفريقية. في غرب أفريقيا، توجد بالفعل العديد من المنظمات التي تناضل من أجل إصلاح الأراضي، أما في الشرق، فيظهر الدفاع عن الأراضي، حيث كان الفلاحون يمتلكون الأراضي ويعيشون على أساس النظم العرفية. خلال النضال من أجل الأراضي، أصبح الدفاع عن الأراضي عنصرًا أساسيًا. عقدت الحملة العالمية للإصلاح الزراعي مؤتمراً في بوكيت تينجي Bukit Tinggi حول موضوع “الإصلاح الزراعي والدفاع عن الأرض في القرن الحادي والعشرين: التحديات والمستقبل”، وكان فرصة لتحليل العمليات في ضوء الأزمات الحالية حول العالم. كما أتاح فرصة لزيادة الوعي بآثار تغير المناخ على الزراعة، وإثارة قضية السيادة الغذائية القائمة على الإصلاح الزراعي والدفاع عن الأراضي كحلول لمواجهة التحدي المناخي. 

تمثل الإيكولوجيا الزراعية إذا شكلاً من أشكال مقاومة وتفكيك الاعتماد على البذور التجارية والمبيدات والأسمدة المكلفة. وهي تتيح إمكانية بناء واستعادة المعارف المرتبطة بعلاقة مستدامة بين الطبيعة والبشر، استنادًا إلى معارف الأجداد والثقافة والتنوع الإقليمي.

وقد أتاحت المداولات فرصة لإجراء تحليل مفصل لآليات الاستيلاء على الأراضي وحددت عددا من العوامل، بما في ذلك “الاقتصادات الخضراء والزرقاء”، والدفع مقابل خدمات النظام الإيكولوجي وآليات خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها REDD/REDD+. شجعت الحكومات كل هذه العوامل في قمة ريو + 20 في عام 2012، وهي تستغل الأزمات من أجل تكثيف النموذج الزراعي الحالي. في العام 2006 في بورتو أليغري، كانت المطالب موجهة بوضوح إلى الدولة، داعية إلى “إعادة تنشيط الدولة” بسبب تجربة التكيف الهيكلي التي أدت إلى تفكيك الدولة ودورها في الاقتصاد. ودورها في الاقتصاد. ولكن في بوكيت تينجي Bukit Tinggi ، كان السياق مختلفًا. جرى تحديد الدول كجهات رئيسة في تعزيز قبضة رأس المال من خلال سن القوانين والتشريعات. حتى في ظل دولة تقدمية، كما هو الحال في أمريكا اللاتينية، حيث تحسنت الاحتياجات الأساسية ووضعت السياسات الاجتماعية، ظلّت عمليات الإصلاح الزراعي هامشية. شهدت هذه السنوات بالمقابل زيادة في عدد مشاريع التعدين والزراعة الأحادية والتجريم.. بالتالي، دون أن نضع جانبا الحاجة إلى الدعوة على مستوى السياسات الوطنية والدولية، تناولت المناقشات مسألة استقلال المنظمات، كيفية تحقيق ذلك، وعززت فكرة أن الحركة الاجتماعية القوية فقط هي وحدها القادرة على ممارسة الضغط الكافي لاستعادة الدول. وفي هذا الصدد، لا بد من صياغة تحالفات وتوحيد جميع القوى، مع تعزيز الممارسات والنضال من الأسفل.

  في عام 2016، انعقد مؤتمر دولي حول الإصلاح الزراعي في مارابا Marabá بالبرازيل في ذكرى مذبحة إلدورادو دوس كاراخاس  Eldorado dos Carajás التي وقعت هناك قبل عشرين عامًا. كان هذا الاجتماع أيضًا فرصة لمناقشة الاستراتيجيات. مرة أخرى، تغير السياق التاريخي. العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، مثل باراغواي وهندوراس والبرازيل، في نفس وقت انعقاد الاجتماع، كانت قد شهدت انقلابًا أعقبه استيلاء على السلطة من قبل نخب وطنية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمصالح رأس المال، مثلا في بارغواي وهندوراس وأيضا في البرازيل التي يقام فيها الاجتماع.  قدمت حركة الفلاحين بدون أرض لأول مرة مفهوم الإصلاح الزراعي الذي لم يكن فقط مفهوم الإصلاح الزراعي الذي لم يكن إصلاحًا زراعيًا متكاملاً فحسب، بل كان أيضًا إصلاحًا زراعيًا شعبيًا من القاعدة إلى القمة. وهو يقوم على بناء تحالف شعبي واسع النطاق بين المناطق القروية والحضرية، بهدف الضغط من أجل التغيير. يعني أيضًا تغيير النموذج الزراعي، بدءًا من الممارسات الاجتماعية والإنتاجية. هذا هو الأساس اللازم لتحقيق توازن في القوى التي ستمكننا من استعادة الدولة حتى تتمكن من الاضطلاع بدورها في تنظيم إمداد المجتمعات بالغذاء الصحي. بما أن “لا فيا كامبيسينا” فضاء غير متجانس، فإن مفاهيم تختلف مفاهيم دور الدولة اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على السياقات التاريخية والسياقات السياسية والثقافية. هكذا، إذا كانت الأولوية تمثل بالنسبة للبعض الترافع، فإن البعض الآخر يريد تعزيز استقلالية منظماتهم وحركاتهم. مع ذلك، من الناحية العملية، تعتمد كل منظمة على مجموعة من الاستراتيجيات، بما في ذلك الممارسة من أجل التغيير وبناء التحالفات وتقوية التحالفات وتعزيز التواصل والنشر، مع العمل في الوقت نفسه على الدعوة على مستويات السياسات الدولية والإقليمية والوطنية. 

الإصلاح الزراعي

 يمثل الشباب مستقبل الزراعة. إلا أن استحالة الوصول إلى الموارد الإنتاجية والفقر في المناطق الريفية تشكل بعض الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانتقال إلى المدن أو مغادرة بلدهم. وقد أنشأت جميع المنظمات تقريباً فضاءات لإشراك الشباب في نضالاتهم. في العديد من الحالات، كان الشباب رواداً في إحياء استراتيجيات مثل وسائل الاتصال البديلة أو الفنون كشكل من أشكال النضال. اعتبار الإصلاح الزراعي ليس فقط وسيلة اقتصادية بسيطة لإعادة التوزيع، بل أيضًا كقوة دافعة لتغيير العلاقات الاجتماعية نحو مجتمع خالٍ من جميع أشكال الاضطهاد، وحيث لا تهيمن الأغلبية على الأقليات، فإن الشباب يغذون النقاش من خلال إثارة قضايا جديدة، مثل التشكيك في النظم الأبوية. ويشمل ذلك أيضًا عمليات صنع القرار داخل المجتمعات المحلية والأسر، وكذلك الوصول إلى الأراضي والموارد الإنتاجية. أطلق بعض الشباب في البرازيل موضوعًا جديدًا داخل منظمة MST . وقد فتح النقاش حول الإصلاح الزراعي داخل هذه المنظمة جدلا حول حقوق المثليات والمثليين… يقوم الشباب من خلال الثقافة والموسيقى والفن والمسرح بإثارة وتعزيز الحاجة إلى معالجة هذه القضية. يوضح القائد الوطني ديلويك ماثيوس Delweck Matheus: “هذه مواضيع قيد الإنشاء، إنها عمليات نقاش شعبي. ليس لدينا موقف مغلق ونهائي. إنه شيء جديد للغاية يخلق ثقافة داخل المنظمة للحديث عنه. هذا الموضوع هو جزء من النقاش حول الإصلاح الزراعي الشعبي، المبني من الأسفل إلى الأعلى، كجزء من العمليات الجماعية”. الأكيد أنه سيجري تناول هذا الموضوع مرة أخرى في المستقبل على مستوى حركة لافيا كامبيسينا، لأنه جزء من بناء علاقات اجتماعية خالية من جميع أشكال القمع. 

المقال أعلاه هو جزء “مُحرر” من الفصل الرابع في دراسة: “نضالات لا فيا كامبيسينا من أجل الإصلاح الزراعي والدفاع عن الحياة والأرض والأقاليم”، وعنوانه الأصلي: (سيرورة جماعية: المراحل التاريخية وتطور برنامج حركة لافيا كامبيسينا من أجل إصلاح زراعي شامل وشعبي). يمكنكم\ن الرجوع إلى الدراسة الأصلية من: الــرابــط