انطلقت الانتفاضة من تونس أواخر العام 2010 ومستهل العام 2011. وبسرعة النار في الهشيم، انتشرت في عموم شمال أفريقيا والمنطقة الناطقة بالعربية. حفزت هذه الانتفاضة الإقليمية نارا كامنة تحت رماد الجزر النضالي الذي دام عقودا تحت سطوة أنظمة مستبدة تخدم مصالح أقليات رأسمالية محلية ومنضبطة لأوامر مؤسسات الرأسمال العالمي.
حفز النضال السياسي نضال فئات طالما ظلت منكفئة على واقع استغلالها دون مقدرة على الاحتجاج ضده.
“مجرد أقنان”، هذا هو الوصف الذي أطلقه أحد مزارعي الشمندر بمنطقة سيدي بنور على الفلاحين الذين يستغلهم مصنع شركة “كوسومار” لتكرير السكر. ففي سياق الحراك الشعبي الذي أطلقته حركة 20 فبراير ومناخ الاحتجاج الإقليمي، دخل فلاحو منطقة دكالة-عبدة المنتمون حسب التقسيم الإداري إلى ثلاثة أقاليم (سيدي بنور، آسفي، الجديدة) في مواجهة مباشرة مع هذا الشركة، ومع الجمعية الصورية التي تقتطع من منتوجهم، بعقد إذعان مفروض من الشركة، لمباركة الاستغلال وتلقي المساعدات الوطنية والدولية. بحسب إحصاءات المركز الجهوي للاستثمار، بلغ عدد المنتجين المتعاقدين مع شركة كوسومار -الذين لديهم رقم الزبون- في موسم 2009/2010 بمنطقة دكالة-عبدة 20.980 فلاحا.
شركة كوسومار
تأسست هذه الشركة عام 1929، وتعد الأولى في قطاع صناعة السكر في المغرب. تبلغ طاقتها الإنتاجية 700,000 طن في السنة. وهي مدرجة منذ سنة 1985 في بورصة الدار البيضاء. تملك مجموعة أونا 55% من رأس مال الشركة. وبلغ دخلها سنة 2005: ثلاثة ملايير و250 مليون درهم مغربي.
بعد الاستقلال، ونتيجة لعجز البورجوازية المحلية عن الانخراط في الاستثمارات الكبيرة وطويلة الأمد، تكلفت الدولة في إطار الاستثمارات العمومية بتسيير ما خلفه الاستعمار الفرنسي من قطاعات اقتصادية. فظهرت سياسة المكاتب الوطنية (المكتب الوطني للاستيراد والتصدير، المكتب الوطني للسكك الحديدية، المكتب الوطني للموانئ، المكتب الوطني للشاي والسكر…)؛ وكلها قطاعات موضوعة على طاولة الخوصصة.
احتكرت الدولة إنتاج السكر؛ وكانت، بمبرر التحكم في الإنتاج والأسعار وحماية السوق الوطنية، ترغم الفلاحين على زراعة الشمندر والقصب السكري في البدء بتحفيزات (أثمان مياه مخفضة، أسمدة مدعمة، تسبيقات مالية، تأطير…) إلا نه سرعان ما تغير الأمر وفسح المجال لأساليب إكراهية وابتزاز لامتصاص عرق صغار الفلاحين مستندة على كونهم مذررين ولضعف تقاليد النضال في ريف السهول المغربية.
بعد استحواذ مجموعة “كوسومار” التابعة لمجموعة “أونا”[*] على معامل السكر في العام 2005، وأضحت الشركة المحتكرة للسكر بالمغرب، داست على النزر القليل من المكتسبات، فتخلصت من اليد العاملة التي أفنت زهرة عمرها في بناء صناعة السكر المغربية، ورمت بكل ما دبجت به في ما سمي بدفتر تحملات تمليكها للمصانع وعملت على تشغيل الوحدات الإنتاجية بمستوي أدنى من طاقاتها وكذبت دعاية عزمها صرف ملايين الدراهم لزيادة الرأسمال المستثمر.
جمعية مغتصبة لتمثيل الفلاحين ومساهمة في الإضرار بهم
هذا وتشترك جمعية منتجي الشمندر إلى جانب شركة كوسومار في استغلال الفلاحين. تعتبر من أغنى الجمعيات وتمثل الفلاحين غصبا عنهم، حيث تنعدم أي فرصة للفلاحين في إعادة انتخاب مكتبها المسير أو محاسبته (تعتبر محاسبة المكتب المسير من بين أهم مطالب الحراك النضالي الجديد لفلاحي سيدي بنور). وتقوم الجمعية بدور سمسرة غير منتج حيث تقتطع درهمين عن كل طن من الشمندر السكري، ولا يعرف الفلاحون أين تصرف كل هذه الأموال ومن المستفيد منها.
انطلاق نضال منتجي الشمندر السكري
في سياق امتداد محلي للحراك السياسي والاجتماعي الإقليمي، والذي اتخذ شكل حركة 20 فبراير، انطلق نضال فلاحي دكالة المنتجين للشمندر.
نظمت تنسيقية فلاحي دكالة عبدة بالحكاكشة وقفة احتجاجية يوم 24 أبريل 2011 شهدت مشاركة أزيد من ألفي فلاح أمام المقر الإداري لجماعة الحكاكشة بإقليم سيدي بنور. وموازاة مع ذلك، نظمت وقفة احتجاجية أخرى بمدينة سيدي بنور شارك فيها حوالي 800 من فلاحي ومنتجي الشمندر السكري.
يوم الإثنين 2 مارس 2011، عاشت مدينة سيدي بنور عرسا نضاليا تاريخيا حيث خرج فلاحو دكالة عبدة في مسيرة حاشدة انطلقت من مقر جمعية منتجي الشمندر في اتجاه معمل السكر كوسومار متجاوزة 15 ألف مشارك. هذا بعد الوقفة التي نظمت يوم 24 أبريل 2011 أمام جماعة الحكاكشة في إطار برنامج نضالي متصاعد في اتجاه مقر جمعية منتجي الشمندر بدكالة و معمل السكر. ندد الفلاحون بالفساد في جمعية منتجي الشمنذر وعلاقتها مع معمل السكر شريكها في عملية طحن الفلاحين المغلوبين على أمرهم و الذين لا يتبقى لهم من حصاد الموسم سوى الديون المتراكمة.
احتج الفلاحون، طيلة المسيرة الحاشدة التي جابت شوارع مدينة سيدي بنور، على استغلال الشركة لكدحهم وعرقهم كما على تواطؤ الدولة مع الشركة، وطالبوها بالتدخل لتحقيق مطالبهم المشروعة.
وفي 2 ماي 2011، كانت مسيرة أخرى انطلاقا من بلدة زاوية سيدي إسماعيل نحو مدينة سيدي بنور. وشارك في هذه المسيرة مناضلون نقابيون وحزبيون ومن حركة 20 فبراير. ضمت المسيرة الآلاف ورفعت نفس الشعارات المنددة باستغلال كوسومار وتواطؤ الجمعية الممثلة للفلاحين.
قبل هذه الخطوات النضالية، قام الفلاحون بمقاطعة زراعة الشمندر. وهو شكل من أشكال الإضراب ضد الشركة التي تستفيد من أي زيادة في المحصول، بينما لا يجني الفلاح سوى الكدح وتراكم الديون. فمن أصل 195 ألف هكتار التي كانت مبرمجة للموسم الفلاحي الحالي لم يغط الفلاحون الذين قرروا زراعة الشمندر إلا مساحة 7700 هكتار، وهو ما يمثل نسبة الثلث تقريبا. وتذكر هذه الوضعية حسب الفلاحين بأزمة السكر لسنة 1981 عندما قاطع الفلاحون زرع الشمندر مجبرين الدولة على استيراده من مصر.
أدى إضراب الفلاحين عن زراعة الشمندر إلى انخفاض الإنتاج خلال الموسم الفلاحي 2011- 2012 إلى 103 آلاف طن، بعد ان كان 147 ألف طن في الموسم السابق.
مطالب الفلاحين
تأتي هذه التحركات النضالية تعبيرا عن سخط المزارعين عما آلت إليه وضعية الفلاح بهذه المنطقة من تهميش وفقر واحتقار بسبب الديون المتراكمة على فلاحي الجهة التي بلغت 766702 درهم. هذا علما أن الدولة قد قامت بإعفاء الفلاحين من الديون المستحقة من طرف صندوق القرض الفلاحي، لكن فلاحي المنطقة لم يشملهم هذا الإعفاء. وتتكون هذه الديون من شطر عادي زيادة على الديون المتعثرة، إضافة إلى الديون الميؤوس من سدادها بسبب ارتفاع كلفة إنتاج الشمندر السكري والذي لم يوازيه أي ارتفاع في ثمن المنتوج منذ عدة سنوات، في ظل غياب مراقبة أسعار المواد الفلاحية ، ما جعل الفلاحين ضحية للمضاربين والسماسرة.
كما يحتج الفلاحون ضد استبداد الشركة واستئثارها بتحديدَ أسعار كل عمليات الإنتاج ؛ فهي التي تحدد أثمان الشراء، وتتحكم في الأوزان ونسبة الحلاوة والأوساخ.. وهو مجال للمزيد من نهب عرق الفلاحين ورزقهم، فأميتهم لا تسمح لهم بضبط المقاييس والنسب المئوية ما يفسح المجال أمام السماسرة وتقنيي الشركة للتلاعب بهم.
يحتج الفلاحون، كذلك، ضد ارتفاع كلفة الماء وارتفاع أثمان الوقود الماء المطرد. فقد شهدت تلك السنة زيادة في أثمان الماء من 45 درهم إلى 55 درهم. وجرى تبرير الزيادة بمخلفات فيضانات السنة الفارطة التي فرضت إصلاح شبكة الري المخربة. ولارتفاع أسعار الماء وجه آخر من أوجه مأساة مزارعي الشمنذر السكري، فهم مرغمون على زراعة هذه المادة في ظل تواطؤ خطير بين الشركة المحتكرة لقطاع السكر “أونا” والمصالح المكلفة بتدبير مياه الري. فسعر مياه سقي زراعات أخرى غير الشمندر وقصب السكر مرتفعة جدا تصل إلى 75 درهم للساعة الواحدة عوض 55 درهم حاليا للساعة لزراعة الشمندر. وهي طريقة غير مباشرة لإكراه فلاحي المنطقة على الاقتصار على زراعة الشمنذر السكري. إنه شكل آخر من أشكال القنانة فالفلاح ليس حرا (رغم تغني الدولة بخطاب الليبرالية الاقتصادية) في اختيار نوع زراعته.
ويطالب الفلاحين بجملة مطالب منها
– الزيادة في أثمنة شراء منتوج الشمندر السكري باعتماد سعر ينطلق من 500 درهم للطن كحد أدنى.
– وزن العربات المحملة بالمنتوج يجب أن يتم بميزان مضبوط يتمكن السائقون وممثلو المنتجين من رؤية شاشته بشكل واضح مع تسجيل الوزن في ورقة التسليم. ووضع كشف يومي لكافة الحمولات التي استقبلها المعمل.
– ضبط عملية قياس نسبة السكر في الشمندر بقياس كافة العينات ووضع كشف يومي خاص بها مع مراعاة صدقية معايير القياس والقيام إلى القياس في الحقل.
– تخصيص كافة حصة تفل الشمندر عن كل طن من الشمندر المسلم لفائدة المنتجين مباشرة، وبثمن 500 درهم للطن.
– حذف النسبة المئوية التي تطبقها شركة كوسومار على أثمنة عوامل الانتاج [الأسمدة، الأدوية…]
– زيادة نسبة 40% في الثمن بالنسبة ل 20 يوما الأولى من القلع ونسبة 30% بالنسبة لـ 20 يوما الأخيرة.
– تحديد نسبة الأوساخ في حد أقصى لا يتجاوز 5%؟
– نقل المنتوج في ظرف لا يتعدى 48 ساعة من القلع مع تعويض المنتج في حالة التأخير، ثم حذف الحمولات المختلطة.
– عدم فوترة أدوية معالجة النجيليات من عائلة les Fops مع توفير مختلف أنواع الأدوية وبالكميات الكافية في مختلف نقط التوزيع والقطع مع ذريعة نفاذ المخزونات.
– عدم الاقتطاع من مستحقات المنتجين لفائدة الجمعية المسماة جمعية منتجي الشمندر، مع حذف البند المتعلق بذلك مع العقدة بفعل تعارضه مع قوانين الحريات العامة الجاري بها العمل.
– احترام مبادئ الشفافية فيما يتعلق بخصائص مختلف أنواع البذور المسلمة للمنتجين، وأثمنة شراء منتوج الشمندر السكري من المنتجين، وأسعار مختلف عوامل الانتاج المسلمة للمنتجين من طرف شركة كوسومار (البذور، الأسمدة الأوريا، الأدوية…).
– اتخاذ كافة الاجراءات الوقائية والزجرية في مسببات ظاهرة التلوث، سواء ما تعلق بالهواء أو الفرشة المائية أو التربة.
علي أموزاي\ المغرب
المصادر:
1. “تقرير المركز الجهوي للاستثمار- جهة دكالة” 2010.
2. ” مزارعو الشمندر بدكالة عبدة ينتفضون ضد كوسومار … التأكيد على استمرار المظاهرات والتوجه إلى القضاء”، محمد الطالبي، جريدة الاتحاد الاشتراكي 06 ماي 2011.
3. “فلاحو دكالة يمتنعون عن زراعة الشمندر”، أحمد ذو الرشاد (الجديدة)- موقع جريدة الصباح، 14 نوفمبر 2014.
4. “جهة دكالة-عبدة: وفرة المخزون المائي والتأمين متعدد المخاطر أهم مميزات انطلاقة الموسم الفلاحي الحالي”، http://bayanealyaoume.press.ma، 13 أكتوبر 2013.
5. “الفلاح المغربي مدافع … عن نفسه، كفاح فلاحي دكالة -عبدة ضد الرأسمال الكبير”، جريدة المناضل- ة، 13 مايو 2011.
6. شهادات استقاها كاتب المقال مباشرة من الفلاحين في زيارة إلى مدينة سيدي بنور، حضر خلال لجمع عام لتنسيقية الفلاحين، شهر ماي سنة 2011.
[*] يوم 25 مارس 2010، أعلنت المجموعة إنها ستقوم بإعادة تنظيم، بما في ذلك دمجها مع الشركة الوطنية للاستثمار والانسحاب من بورصة الدار البيضاء، وفي يوم 31 ديسمبر2010، تم اندماج مجموعة أونا في الشركة الوطنية للاستثمار.
صورة الواجهة من الانترنت
من ملف : نضالات صغار منتجي- ات الغذاء الوجه الخفي لانتفاضات شعوب شمال أفريقيا 2011