المقدمة
تمثل زراعة المحاصيل السكرية المصدر الرئيس لتوفير السكر في مصر، وقد عرفت مصر مبكراً زراعة قصب السكر في صعيد مصر باعتبار مناخه أقرب للمناطق الاستوائية التي تزرع قصب السكر في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولذلك يعد القصب من أقدم المحاصيل التي عرفتها مصر، كما بدأت مبكرا منذ القرن التاسع عشر في صناعة السكر وراكمت خبرات في الزراعة والصناعة بحيث أصبحت تملك العديد من المميزات النسبية في هذا المجال والتي نقلتها للعديد من دول العالم، بل لقد وصلت خبرات شركة السكر التابعة للقطاع العام إلى تصنيع المعدات وقطع الغيار بالكامل على عكس العديد من الصناعات الأخرى التي تعتمد على مكونات من الخارج.
لذلك عندما بدأ الانفتاح الاقتصادي كانت أولوية صندوق النقد الدولي وتوابعه تدميرَ كل مقومات التنمية المستقلة وزيادة روابط مصر بالاقتصاد العالمي والخضوع لتقسيم العمل الدولي والتوقف عن إنتاج عدد من السلع لصالح المزيد من الاستيراد والاعتماد على الخارج كما حدث في صناعة الغزل والنسيج وأيضا مع صناعة سكر القصب. وفُكِّكت الزراعة المصرية ودُمرت الأصناف المصرية ومُنع الإكثار المحلي للبذور وشُجع الاعتماد على البذور المستوردة والتي لا تزرع إلا لموسم واحد فقط.
لذلك استُهدفت صناعة قصب السكر لأنها راكمت خبرات عبر عقود تؤهلها لأن تكون صناعة مستقلة في غير حاجة إلى الاستيراد. بدأ الهجوم على القصب كمحصول كثيف الاستهلاك للمياه وضرورة إحلال البنجر بدلاً منه كمصدر لصناعة السكر. وخلال تلك الفترة سادت استراتيجية المحاصيل التصديرية التي روج لها يوسف والي(1) وهي سياسات الصندوق الاي تفرض إنتاج الفراولة والكانتلوب للتصدير وبالعائد نستورد القمح والذرة والمحاصيل الأخرى.
على مدى عقود تعرضت زراعة القصب وصناعة السكر منه لهجوم وإهمال متعمد، لصالح إدخال زراعة البنجر وصناعة السكر منه. لذلك نرى أن المحاصيل السكرية وعبر عقود كانت ساحة للتدخلات من أجل تعميق التبعية الغذائية وتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي وتوابعه.
رأينا أهمية دراسة ومتابعة أوضاع زراعة وصناعة قصب السكر على مدى السنوات الماضية، وكذلك زراعة وصناعة البنجر وكيف زادت الفجوة الغذائية من السكر وزاد الاعتماد علي الخارج لتغطية ما يقرب من 25% من احتياجات مصر من السكر مع كل ما تشكله من ضغط على توفير النقد الأجنبي اللازم للاستيراد من ناحية وزيادة عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات من ناحية أخرى.
كما عرضنا لأوضاع النساء في الزراعة المصرية ومدى إتاحة وصولهن للموارد أو أقصائهن. تعرضنا أيضا لتنظيمات منتجي- ات القصب بأشكالها ومستوياتها المختلفة ودورها في الدفاع عن حقوق منتجي- ات القصب والمحاصيل السكرية.
كما عرضنا لموضوع متوسط استهلاك الفرد سنوياً من السكر وهل الشعب المصري شره في استهلاك واستخدام السكر أم لا؟ ولذلك عرضنا لمتوسط الاستهلاك على المستوى العالمي ثم على المستوى العربي. وعرضنا لتضارب البيانات بين المصادر المختلفة في مصر. وفندنا توجهات الحكومة في الحفاظ على سعر السكر في السوق والتي تشمل البورصة السلعية وإدراج السكر فيها وهل هو حل للأزمة؟ ثم لاعتبار السكر ضمن سبع سلع استراتيجية أخرى والتهديد بفرض تسعيرة إلزامية له، وضغوط المستوردين وأصحاب مصانع التعبئة، ونماذج من قضايا الفساد التي أثيرت خلال الشهور الماضية لتوضح من هم سبب الأزمة والمستفيدين منها.
وأخيراً عرضنا لتأثير أسعار السكر على المواطن وكيف انعكس التضخم خلال السنة الأخيرة على أسعار سلة الطعام والشراب من ناحية، وأسعار مجموعة المحاصيل السكرية من ناحية أخرى. وفي النهاية وصلنا لكيف أدت سياسات التبعية إلى دفع منتجي- ات القصب للإحجام عن زراعته ومحاصرة صناعة القصب لصالح تعميق التبعية للشركات الدولية والسوق العالمي الذي يغطي ربع احتياجات مصر من السكر حالياً.
اعتمدت الدراسة على المصادر الرئيسية للبيانات وخاصة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية، إضافة إلى الدراسات المنشورة في الدوريات العلمية ثم مصادر الإعلام كمصدر ثانوي.
لقد حاولنا تركيز الضوء على آليات التبعية في المحاصيل السكرية وكيف جرت خلال الخمس عقود الأخيرة. ونتمنى أن نكون وصلنا إلى توضيح الموقف من سوق المحاصيل السكرية في مصر.
إلهامي الميرغني – مصر
- يمكنكم\ن الاطلاع على الدراسة كاملة وتحميلها من: الرابط
1- يوسف أمين والي موسي ميزار (2 أبريل 1930 – 5 سبتمبر 2020) أحد قيادات الحزب الوطني الديمقراطي المنحل ووزير سابق للزراعة واستصلاح الأراضي. خريج كلية الزراعة، أصبح وزيرًا للزراعة في 1984 [وكيبيديا].