مداخلة “عمر أزيكي” في الندوة الإلكترونية حول جائحة كورونا والنضال من أجل السيادة الغذائية



يبدو أن المآسي الإنسانية التي ستنتج عن تفشي جائحة كورونا ستكون كبيرة جدا. وترتبط حدة مستتبعاتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية بالطبقات الاجتماعية. فالفئات الشعبية هي التي تعاني بالدرجة الأولى من غياب خدمات الصحة العمومية والأدوية وغلاء المعيشة والبطالة الناتجة عن الكساد. 

أبان انتشار فيروس كورونا عن ترابط الأزمة الصحية بكافة أبعاد أزمات الرأسمالية الأخرى: المالية (انهيار البورصات العالمية)، والاقتصادية (تراجع الإنتاج وكساد)، والبيئية (حدة التغيرات المناخية وتدمير التنوع الأحيائي)، والسياسية (حكومات استبدادية وتأزم مؤسسات الرأسمال العالمي)، وأزمة الهجرة (توسعها في جميع القارات)، ثم الأزمة الغذائية. وترتبط هشاشة المناعة الصحية وتواتر ظهور الأوبئة بتحويل الفلاحة من نشاط ينتج غذاء صحيا وبيئيا إلى قطاع لتحقيق الأرباح على حساب تسميم البشر والطبيعة. فالرأسمالية دمرت الفلاحة المعيشية المنسجمة مع محيطها، وأتلفت الغابات، واستنزفت ثروات البحار. واستحوذت الشركات متعددة الجنسيات على الموروث الجيني الذي راكمه الفلاحون الصغار طيلة قرون والتنوع الأحيائي الذي أغنوه في سيرورة الانتقاء الطبيعية لأنواع البذور والأشجار وسلالات الماشية والدواجن. وجرى تعميم الأصناف المعدلة في المختبرات وفق منطق كثافة الإنتاج (الإنتاجوية). وتشكل هذه الأنواع أساس الزراعة الأحادية المدمرة للأرض، وتقنيات الإنتاج التي تستعمل الأسمدة الكيماوية والمبيدات السامة، والأعلاف الصناعية والهرمونات والمضادات الحيوية في تربية الحيوانات، وأيضا في تربية الأسماك التي توسع فيها مجال الاستثمار. وهينت التجمعات الرأسمالية الكبرى على سلاسل الإنتاج النباتي والحيواني ومسالك التوزيع والاستهلاك. وسهلت عولمة النقل والمواصلات، وكذا حملات الإشهار (وهي أحد أدوات الرأسمالية الفعالة) على تغلغل نظام غذائي موجه أكثر فأكثر نحو استهلاك المنتجات الصناعية.

وهكذا تنامت المجاعة التي يعاني منها أكثر من 820 مليون شخص في العالم، وإن كانت الأرقام لا تعكس حقيقة سوء التغذية في بلدان الجنوب خصوصا لدى الأطفال والنساء، ومستتبعاتها المباشرة في انتشار الأمراض. كما احتدت التبعية الغذائية لغالبية بلدان الجنوب بفعل سياسات فلاحية تدعم كبار الرأسماليين الذين ينتجون لتصدير ما تطلبه الأسواق العالمية وفق قسمة العمل الدولية، واستيراد مواد الاستهلاك الأساسية وفق بورصات المضاربة في الغذاء. وهذا هو الواقع الذي تعيشه بلدان منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط التي أصبحت من كبار المستوردين عالميا للمواد الغذائية. وشهدت طيلة 40 سنة الماضية انتفاضات الخبز التي كانت تندلع كلما ارتفعت أسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي، كانت آخرها تلك الناتجة عن الأزمة الغذائية في 2007-2008 في سياق الأزمة الرأسمالية العالمية. وكانت ضمن مقدمات الانتفاضات الشعبية التي شهدتها غالبية بلدان منطقتنا منذ نهاية 2010 واستمرت حتى بداية 2020 حيث فرضت ضرورات الحظر الصحي عدم مواصلة الاحتجاجات في الشوارع.

وفي ظل أزمة تفشي كورونا بمنطقتنا، نرى أن المنتجين المباشرين يخاطرون بحيواتهم وهم يواصلون نشاطهم. لكن الرأسماليين في الزراعة يستهترون بأرواح البشر ولا يوفرون الوقاية والسلامة الصحية لأجرائهم سواء خلال تنقلهم الى العمل أو داخل وحدات الإنتاج. هذا في الوقت يستفيدون فيه من دعم الدولة ومختلف التسهيلات في أداء الضرائب والقروض والتحملات الاجتماعية. ويعاني صغار الفلاحين والبحارة والرعاة والعاملات والعمال الزراعيين من غياب أو هزالة الإعانات، وغياب الخدمات الصحية العمومية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وتراجع الدخل، وفقدان الشغل.

لذا فنحن في شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية نطالب بسلسلة من الاجراءات العاجلة التالية وطيلة فترة الاستثناء الصحي:

1) بالنسبة لصغار الفلاحين والبحارة والرعاة والغابويين والعاطلين والعاطلات في القرى:

  • صرف تعويضات شهرية لا تقل عن الحد الأدنى للأجر في القرى طيلة فترة الاستثناء الصحية.
  • رفع مبلغ هذه التعويضات حسب عدد الأطفال في الأسرة.
  • تعميم نظام الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية وتسهيل مسطرة الاستفادة من المعاشات بشكل منتظم.
  • إلغاء ديون الفلاحين الصغار.
  • منح جميع أنواع الدعم للأنشطة المعيشية في الزراعة (في السهول والجبال والغابات والواحات)، وتربية المواشي والدواجن، والبحر. وتشجيع استهلاك منتجاتها عبر تنظيم أسواق مباشرة ومحاربة السماسرة والمحتكرين.

2) بالنسبة للأجيرات والأجراء الذين فقدوا عملهم في قطاعي الفلاحة والبحر:

  • صرف الأجور الشهرية كاملة.
  • –  أداء مستحقات صناديق الحماية الاجتماعية للأجراء.
  • – إلغاء ديون الاستهلاك والقروض الصغرى.

3) بالنسبة لجميع المنتجين المباشرين في الفلاحة والبحر:

  • خلق أو رفع تمويل صندوق خاص بدعم أثمان مواد الاستهلاك الرئيسية (حبوب وقطاني وزيوت وسكر وغاز البوتان وغيرها).

تحمل الدولة لنفقات الأسر في:

  • وسائل الوقاية المستعجلة من فيروس كورونا
  • الأدوية وجميع الخدمات الطبية
  • استهلاك الماء، والكهرباء، والربط بالاتصالات، ومستحقات الكراء الشهري
  • تربية وتعليم الأولاد[1].

أكيد أن اشتداد تردي الأوضاع المعيشية والصحية والنفسية، سيغذي من جديد الانتفاضات الشعبية التي ستجد أشكال التعبير في سياق الحجر الصحي. وسنعمل في شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية على أن ينخرط صغار الفلاحين والبحارة والرعاة والغابويين والعاملات والعمال الزراعيين في هذه الدينامية النضالية القادمة.

وسنواصل في الشبكة نشاطنا وحملاتنا من أجل:

  • التثقيف الشعبي
  • تقوية روابط التضامن والتنظيم
  • التنديد بالقمع وضرب حرية التعبير
  • التشهير بنموذج الإنتاج والاستهلاك السائد
  • بديل السيادة الغذائية.

شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية                المعهد العابر للقوميات بأمستردام (TNI)


[1] – نداء شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية بخصوص اليوم العالمي للنضالات الفلاحية، 17 أبريل/نيسان 2020.

رابط الندوة على اليوتيوب: اضغط هنا