أهم مظاهر الأزمة الغذائية في تونس (المستهلك)
تمثلت الأزمة الغذائية في البداية بندرة المواد الأساسية كالحليب والسكر ومشتقات الحبوب. وهي متواصلة إلى اليوم خاصة بالنسبة للسميد والطحين وكذا العلفة (غذاء الماشية) وهي مواد مدعمة، حيث احتكار الدولة تجميع الحبوب وتوجيهها نحو التحويل وتوزيعها، وذلك عبر الديوان الوطني للحبوب. وهذه المنظومة الموروثة من الستينيات، والتي كانت تهدف لتحديد الأسعار، تحولت الى ريع لثلة من شركات تمارس بدورها الاحتكار والمضاربة في شكل كارتال تحت حماية الدولة.
اما المظهر الثاني فهو ارتفاع الأسعار وتذبذبها، خاصة بالنسبة للحم والغلال والخضر، وذلك لأسباب متعلقة بالتوزيع سنعرج عليها لاحقا.
اما المظهر الأخير الذي أردت الإشارة اليه وهو الأخطر حسب رأيي ، فيتعلق بتوقف نشاط الاقتصاد الشعبي وتقريبا كامل آليات التشغيل الهش وغير المهيكل، مما يترك شريحة واسعة جدا من التونسيات والتونسيين دون مدخول، تعتمد في عيشها اليوم على تضامن شعبي وعلى الإعانات والمساعدات.
وضعية الريف والفلاحات والفلاحين امام الجائحة (المنتج)
حلت الأزمة الصحية في بداية الربيع، وهي فترة تعرف ديناميكية خاصة في المجال الريفي، حيث تدخل منتوجات البدرية السوق (les primeurs)-وهي موجهة عادة للتصدير-، وتبتدئ تحضيرات موسم الحبوب، ويكثر تنقل “الذكارة” بين نفزاوة والجريد لتلقيح التمور، ويخرج مربو الماشية بقطيعهم للتعشيب… وبحلول شهر رمضان، تنشط ايضا قطاعات اخرى مثل تربية الدواجن.
كان من اهم استتباعات الحجر الصحي وحظر التجوال تقييد حركة كامل منتجي الغذاء من فلاحين وصيادين ومربي الماشية، وشل ديناميكيات الريف؛ ما اثر سلبا على الانتاج والتسويق. ثم اعلنت الدولة سن تراخيص للتجول سرعان ما تحولت الى آليات للرشوة والفساد.
جرى كذلك غلق اسواق الجملة 4 ايام في الأسبوع؛ مما ضاعف صعوبة التسويق وزاد من سلطة “الهباط” على الفلاح. و”الهباطة” هم الوسطاء الذي يتحكمون في السوق؛ مسالك التوزيع، وفي أسعار البيع والشراء. علما أن الفلاح مجبر على توجيه منتوجه لسوق الجملة وتكبد مشقة النقل الملقاة على عاتقه، ثم انتظار قرار الهباط بقبوله أو لا، وكثيرا ما يضطر لإتلاف منتوجه او العودة به. كانت لهذا الاجراء نتيجتان : تدني أسعار البيع لدى الفلاحين وارتفاع اسعار الشراء لدى المستهلكين وتذبذبها حتى بعد الرجوع عن القرار واعادة فتح الأسواق.
كان لقرار غلق أسواق الدواب ايضا عواقب وخيمة على صغار ومتوسطي الفلاحين، فهم يلجؤون عادة الى بيع نعجة او اثنتين لتمويل نشاطهم او لمجابهة الأزمات. بحظر التجوال واحتكار العلفة وارتفاع اسعارها وغلق الاسواق، يجد الفلاح نفسه في وضعة كارثية، فهو لا يستطيع اطعام ماشيته ولا الخروج بها للرعي كما لا يستطيع بيعها.
اخيرا، نجد ايضا من بين اهم استتباعات الحجر الصحي، غلق محلات المدخلات الفلاحية (البذور المهجنة، الأدوية، …). فتجار المدخلات حلقة اساس في الانتاج، لأن انماط الانتاج السائدة اليوم تحتاج باستمرار الى مدخلات من مختلف الأنواع، اغلبها مورد. من ناحية اخرى، يجب التنويه الى انه في غياب خطوط تمويل من الدولة ومن البنوك، اصبح تجار المدخلات اهم مقرضي الفلاحين.
ما يعيشه الريف التونسي اليوم من مشاكل هو نتيجة للإجراءات الصحية التي سنتها الحكومة لوقف انتشار الفايروس؛ والتي سببت تعطيل الإنتاج والتسويق. في الحقيقة، نلاحظ غياب أي اجراء موجه للريف او للفلاحين كمنتجين أساسيين للغذاء وعدم اكتراث تام بالأزمة الغذائية الحالية -التي ستشتد حتما- فتوفير الغذاء ليس من أولويات الحكومة، بل نجده في أولويات المجتمع المدني عبر التضامن وجمع الإعانات وتوزيعها.
توجهات الحكومة (الدولة)
تراهن الحكومة بكل وضوح على القطاعات المصدرة (خدمات، سياحة، استخراج…) حيث إنها طمأنتها منذ بداية الأزمة بتخصيص خطوط تمويل ضخمة “لدعم القطاعات المتضررة”. ويأتي هذا الرهان ذلك ويتأتى ذلك لهذا الرهان بدفع مزدوج من المؤسسات المالية العالمية، خاصة صندوق النقد، ومن الأقلية الريعية المحلية، فكلاهما يحث على التضحية بالمرافق العمومية والموظفين والأجراء والفلاحين؛ وطبعا مجمل غير المهيكلين لإنقاذ الاقتصاد التونسي من الافلاس -حسب قولهم-. لكن مثل هذا الرهان في تونس اليوم، ان عبر على شيء، فهو يعبر عن الهوة التي تفصل الفئة الحاكمة والقريبة من الحكم عن بقية البلد وواقعه وقيمه واستطلاعاته.
المعهد العابر للقوميات (TNI) شبكة شمال افريقيا للسيادة الغذائية
في البحث عن مداخل للاقتصاد البديل
بوادر ثقافة اقتصادية وتنظيمية بديلة في تونس
Revoir le modèle économique tunisien
La paysannerie, une force de résilience face au COVID-19
Politiques agricoles et souveraineté alimentaire. Etat des lieux (Résumé)