نظمت شبكة سيادة والمعهد العابر للقوميات وجمعية «نوماد 08» الدورة الثانية من مدرسة الاقتصاد السياسي الفلاحي بتونس في الفترة بين 26 نوفمبر إلى 3 ديسمبر 2024، والتي ركزت على الأسئلة الأربعة للاقتصاد السياسي الزراعي: منْ يعمل ماذا؟ منْ يفعل ماذا؟ منْ يحصل على ماذا؟ ماذا يفعلون بما يُنتج؟
شارك في الدورة وفود من المغرب وتونس ومصر والفلبين، وتُعد الدورة الثانية استمرارًا لسابقتها التي عُقدت في المغرب خلال شهر غشت/أغسطس سنة 2023، التي تناولت مختلف المدارس الفكرية التي تناقش المسألة الفلاحية والبيئية. ويؤطر هذه الدورات التكوينية الأستاذ الباحث في جامعة أمستردام الدكتور جون بوراس.
(ويعد هذا التقرير تغطية اعلامية للدورة التكوينية ولا يعكس بالضرورة وبشكل دقيق تماماً ما قاله المؤطر، وأي أخطاء في المعلومات غير مقصودة وهي مسؤولية موقع سيادة.)
اليوم الأول:
الفترة الصباحية:
في صباح 27 نوفمبر 2024 جرى استعراض ما سبق أن تناوله برنامج المدرسة الأولى بالمغرب، مع إعادة التذكير بالأفكار التي جاءت بها الأسئلة الأربعة التي تناقش الاقتصاد السياسي الفلاحي.
بعدها انتقل الحديث إلى السؤال الأول، منْ يملك؟ مع التركيز على المالكين وسُبُل تملكهم، بما في ذلك الاستحواذ على الأرض وعلى فائض القيمة ما يسمح بمراكمة الثروة للبورجوازية.

بعد الفترة الصباحية، جرى عرض عمل المجموعات التي تناولت قضايا ملموسة تهم الملكية من المنطقة العربية/ شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
كما أعطى جون بعض الأمثلة ذات النتائج السلبية عندما يغيب التحليل الطبقي داخل المجتمع، فمثلًا صعود اليمين المتطرف بهولندا يترافق مع تحميل المسؤولية للمهاجرين عن مشكلات البلاد، مع توقيف المعونات المقدمة للجمعيات التقدمية ومحاصرة التدريس باللغة الإنجليزية لصالح التدريس بالهولندية، ما يعني إقصاءً ممنهجًا للذين لا يتكلمون الهولندية.
هذه الأمثلة تدل على أهمية الاطلاع على علم الاقتصاد السياسي، حتى يفهم الناس دور الطبقات في الصراعات الاجتماعية، إذ تعتبر الماركسيةُ الطبقةَ هي الفاعل وليس الفرد العقلاني، بينما تدافع الليبرالية عن فكرة تعظيم دور الفرد العقلاني (على حساب مفهوم الطبقة) والحصول على الأرباح التي هي خلف النهب والاستعمار، إذ يسعى الفرد العقلاني دومًا لتعظيم الربح والمنفعة.
وقد خلص جون بوراس إلى كون الرأسمالية، كنظام اجتماعي، هي السبب في اللامساواة، وهي أساس النهب.
بخصوص التثقيف الشعبي، أشار جون إلى أن الكثير من المراجع متوفرة بالإنجليزية، لذلك نجد مجموعة قليلة لها القدرة على القراءة في التكوينات التقليدية، وبالتالي يكون هناك تفاوت كبير بين المشاركين والمشاركات في التكوين، غير أن هذا لا يمنع من تقديم لائحة من المراجع لما بعد التكوين بناءً على الأسئلة والمداخلات.
وبخصوص طريقة الاشتغال، يقول جون، لا ننهج الطريقة التقليدية المرتكزة على العمل من الأعلى في سياق التثقيف الشعبي لكن عملنا سيكون دينامي وجماعي.
وفي هذا السياق أوضح جون العلاقة الوطيدة بين النظرية والممارسة مؤكدًا على أن الاعتماد على الممارسة دون نظرية سيسقطنا في التجريبية، أما العمل التجريبي بدون نظرية فسيسقطنا في الفهم المحدود، فالتجريبية ترصد ماذا يحدث، وفي غياب النظرية لا يمكن الجمع ما بين مختلف الظواهر في المجتمع، ما يؤدي إلى التجزيئية، أما الاستغراق في التنظير دون ربطه بالتجربة سيسقطنا في الدوغمائية والعصبوية دون القدرة على العمل في إطار تعددي.

والسؤال الرئيسي هو كيف نبني التعدد وننظم الاختلاف؟ وكيف نختلف عن الليبرالية التي تسمح بوجود وجهات نظر متعددة لكنها مشوهة لأنها لا تعبر عن اختلافات حقيقية داخل المجتمع، بل مجرد تلاوين تعبر عن مصالح الرأسمالية؟
ومن الناحية الثانية، تقليديًا هناك طريق واحد للتغيير بالنسبة لحزب اشتراكي أو شيوعي يتبنى منظورًا أحاديًا.
لذلك عندما نفكر في البدائل علينا أن نحدد فيما نفكر؟ كيف وعن ماذا نفكر؟ وعليه سنسعى إلى الربط بين المفهوم والممارسة.
في الاقتصاد السياسي لدينا أربعة أسئلة أساسية:
منْ يعمل ماذا؟
منْ يفعل ماذا؟
منْ يحصل على ماذا؟
ماذا يفعلون بما يُنتج؟
هذه الأسئلة مترابطة فيما بينها، وعندما نفكر فيها ككل مترابط، سيقودنا التفكير إلى فهم تطور قوى الإنتاج.
فهناك علاقة بين الإنتاجية والرأسمال المتوفر، إذ ترتبط الإنتاجية باستعمال الطاقة والمواد الأوَّلية والمبيدات…إلخ وكلها خدمات وسلع مدفوعة، وهو ما يقودنا حتمًا إلى مناقشة التكلفة البيئية للإنتاج.
وهناك مسألة يجب التنبيه عليها، هي أن تركيز النقاش على التحليل الطبقي للمجتمع فقط غير كافٍ، بل يجب أيضًا إدراج عناصر تقاطعية أخرى كالجندر، والعرق، والدين، والتاريخ …إلخ.
الفترة الزوالية
يشير جون إلى أن النظام الغذائي العالمي حقق إنتاجًا هائلًا، وأن الأرقام مذهلة لكن هناك الكثير من التناقض بين الوفرة والجوع.
والجوع هنا يرتبط أساسًا بالعجز عن شراء الغذاء، ويعود ذلك إلى كون الطعام أصبح سلعة لتحقيق الربح، ويتواصل التناقض بسبب تواجد أغدية غير صحية ومسببة في الأمراض.

وتساهم الزراعة الرأسمالية في إنتاج 40 % من الغازات الدفيئة، ورغم التكلفة الاجتماعية والبيئية لهذه المنظومة الغذائية فإنها أنتجت أرقامًا غير مسبوقة من تراكم الثروات ومن اللا تكافؤ لصالح أقلية من البشر، وبموازاة ذلك يتم هدر 30 % من الغذاء بعد إنتاجه.
تسببت الزراعة الرأسمالية في زيادة عدد العاطلين عن العمل ومَنْ يشتغلون في ظروف هشة، كما يُعد النظام الغذائي العالمي المرتكز على المدخلات الكيميائية إلى جانب الصناعات العسكرية المدمرة أحد القطاعات الأكثر مساهمة في مراكمة الثروة.
**
يشير جون في تقييم موضوعي إلى كون الرأسمالية سلبية وإيجابية في الوقت نفسه، فالجانب الإيجابي يتجلى في الإمكانية الواسعة في الإبداع والابتكار بسبب التخمة الكبيرة في الإنتاج، وفي هذا السياق فالرأسمالية تُعد إيجابية لكن هذا الجانب الإيجابي يرافقه الدمار، بسبب التكلفة البيئية الضخمة.
لقد وفرت المنظومة الرأسمالية الغذاء لكن بتكلفة كبيرة من قبيل انقراض بعض الأصناف الحيوانية والنباتية إلى حد أننا نتكلم عن الانقراض السادس للكائنات الحية، فعلى سبيل المثال تسببت المبيدات، وهي حيوية بالنسبة للزراعة الرأسمالية، في اختفاء حشرات النحل بالتدريج.
مؤكَد أن الاقتصاد السياسي الجيد ينظر للرأسمالية من جانبيها الإيجابي والسلبي، لكن العديد من المحللين يرون اليوم أن هذه الثنائية لم تَعُد ممكنة بالنسبة للرأسمالية، حيث أصبح الجانب السلبي هو الطاغي.
تاريخيًا انكسرت دورة الإنتاج مع نمو حجم المدن، بعدما أصبح الناس يستهلكون دون أن تعود الفضلات إلى التربة كما يحدث في الريف، وبالتالي لم تكن هناك إمكانية لتعويض الدورة الطبيعية بعد غياب التسميد الطبيعي، فتم البحث عن مواد لتغذية التربة مثل الفوسفات، وبعد ذلك جرى الاعتماد على الأسمدة الكيميائية.
مع تطور الرأسمالية أصبح التباعد متعاظمًا بين مكاني الإنتاج والاستهلاك، وطرح الفضلات، وهذا ما يسمى بالصدع الأيضي.
وأصبح هناك تغيّر في التباعد الزمني والمكاني بالنسبة للإنتاج: تباعد مكاني وتقارب زمني، وهذا مرتبط بتدفقات الطاقة التي سمحت بتقليل زمن الإنتاج، ولا شك أن الدورة التي فرضتها الرأسمالية لن تستمر وستنهار.

ولفهم الأمر يجب توضيح أن هناك ثلاثة أنواع من الدورات الإنتاجية:
- دورة إنتاج بسيطة: هامش ضعيف بين المدخلات والإنتاج.
- دورة إنتاج انكماشية: تبدأ صغيرة وتصبح أكثر صغرًا.
- دورة إنتاج مُوسّعة: حيث يحقق الإنتاج فائضًا ويتم إعادة استثمار الفائض وهكذا دواليك.
والحالة الثالثة هي التي تنطبق على الرأسمالية وتقود إلى الأزمات، فالرأسمالي ينتج لتحقيق الربح ويؤدي فائض الإنتاج إلى الضغط على الأجور وكذلك إلى الاستعمار لفتح الأسواق الخارجية.
وهنا يمكن القول إن التحدي الأكبر هو كيف نؤطر النضالات مجتمعة دون تجزؤ، وفي كل حالات النضال، سواء المحلي أو الإقليمي والدولي، يجب استحضار منطق الطبقة، وهو ما يُمكِّننا من مواجهة المنظومة ككل، ودون ذلك لا يمكن بناء بديل شامل.
ويجب أن ننطلق من واقعنا أثناء بناء البدائل وليس من الأماني المجردة، وهذا يعني أنه ليس من الضروري الوصول إلى حلول كاملة ونهائية، إذ يجب الاستغناء عن منطق كل شيء أو لا شيء.
إن تخيّل بديل آخر للرأسمالية يقتضي تغيّر علاقات الملكية، وتخيل هذا البديل لا يعني وضع لائحة من التمنّيات ولكن وضع هذه العلاقات تحت مجهر التحليل والبحث عن كيفية التغيير.
ثلاثة أنواع للملكية:
- الملكية الخاصة: وتعني عمليًا إقصاء الآخرين من التمُّلك الذي يرتكز أساسًا في يد البورجوازية ويَفصل المنتجين عن إنتاجهم.
- الملكية المشاعية: وهي ملكية جماعية مشتركة.
- ملكية الدولة وهي خليط بين الصنفين السابقين.
اليوم الثاني:
لمنْ ملكية الأرض؟
ما دور الإنتاج؟
ما شكل الملكية؟
ما البديل؟
بعد مناقشة عمل الورشات، قدَّم جون بعض الخلاصات، حيث أكد أهمية توسيع النقاش حول الملكية وعلى ضرورة ربط القضايا الملموسة التي طُرحت بالقضايا النظرية، فمثلًا بخصوص الأرض، لا يتعلق الأمر بملكيتها فقط ولكن يرتبط أيضًا بعناصر أخرى كالماء والبذور والعلاقات الاجتماعية…إلخ.
وفي هذا السياق أكد جون أن الملكية في الاقتصاد السياسي لا ترتبط بسبُل الإنتاج فحسب، لكنها ترتبط أيضًا بالتكنولولجيا والبِنية التحتية…إلخ.

اليوم الثالث:
الفترة الصباحية
تُعد المسألة الزراعية ودورها ومكانتها في تطور القوى المنتجة، من الأساسيات في الاقتصاد السياسي الفلاحي، وفي الوقت الحالي يحدث ضغط على النشاط الزراعي بالنسبة إلى صغار المنتجين بسبب انخفاض قيمة المنتجات وارتفاع ثمن المدخلات.
في مراحل تاريخية سابقة، كان العمل الزراعي والفلاحي بشكل عام مُحرِّكًا للعمل الثوري، وفي حالات أخرى كان عاملًا للثورة المضادة، ويرجع السبب في ذلك إلى مدى استفادة الفلاحين من عائد الإنتاج وإلى العلاقة بين كُلفة المدخلات وثمن البيع، أي هل يؤدي الإنتاج الذي يحصل عليه الفلاحون إلى تحسين وضعهم؟ أم يفعل العكس ويؤدي إلى إفقارهم؟
هنا يدور الحديث عن الإنتاج وليس إعادة الإنتاج، وما يفسر ذلك هو اعتبار الإنتاج بالقيمة التبادلية (أي القيمة في السوق) وليس بالقيمة الاستعمالية (من خلال الاستهلاك المباشر).
وليست الارض هي المُحدِّد الوحيد لقيمة الإنتاج، ففي الهند مثلًا، هناك فلاحون أصحاب أرض، لكن الأكثر ثراءً هم منْ يملكون تكنولوجيا الوصول إلى الماء، وإذن أثناء الحديث عن الملكية بالنسبة للفلاحين لا يكفي الحديث عن الأرض فحسب بل أيضًا نضيف إليها الري، والتكنولوجيا، وإمكانية تصنيع المواد المُنتَجة.
فبسبب عجز جزء كبير من الفلاحين عن القدرة على مواصلة الإنتاج، يتعرضون لعملية «بلترة» أي يتحولون من فلاحين إلى عمال. وعندما يحتاج رأس المال إلى الموارد دون الحاجة إلى العمل، أي إلى عمال، نحصل على فائض من العمال وهو ما يسمى بالفائض النسبي من السكان، وهذا الفائض يُستعمل للضغط على الأجور وهو ما سمّاه ماركس بجيش احتياط بالنسبة للرأسمالية.
وجزء من هؤلاء العمال يهاجرون، حاليًا، عبر الأبيض المتوسط، لاستغلالهم من قِبَل الرأسمال والذي يتخلص منهم بسهولة عندما تنتهي حاجته منهم.
وقد كان ماركس وبعده لينين يتوقعان اختفاء طبقة الفلاحين وانتشار المزارع الكبيرة في ظل الرأسمالية، ولذلك يرفض جزء مهم من اللينينيين مفهوم «السيادة الغذائية» لأنها لا تسمح بإطعام الطبقة العاملة، كما يرى (كانريست فيد) وأن الاعتماد على صغار المزارعين لا يمكن أن يطعم الكوكب، خاصة أن التيارات الأكثر حماسة للسيادة الغذائية يدركون أن النقابات لا تهتم بها.
الفترة الزوالية
الانطلاق في عمل المجموعات للإجابة على السؤال الثاني: منْ يفعل ماذا؟ ثم العودة إلى البدائل للإجابة على السؤال أعلاه.
وتخللت هذه الفترة نقاشات جماعية بين المشاركين والمشاركات وطرح أسئلة حول طبيعة البدائل المتاحة في السياقات الحالية من الوضع العام في ظل الرأسمالية اليوم.

اليوم الرابع:
الفترة الصباحية
يؤكد جون بوراس أن ماركس ولينين، قالا باختفاء الفلاحين، لذا يعتبر معظم الماركسيين اللينينيين أن حل المسألة الزراعية يكمن في الإنتاج الكبير مع استعمال المواد الكيميائية دون الأخذ بعين الاعتبار الأضرار الأيكولوجية ولا حتى الفصل بين مواقع الإنتاج والاستهلاك (الصدع الأيضي) لكن هناك اللينينيين الأيكولوجيين الذين يتبون مفهوم السيادة الغذائية.
يرى الماركسيون الأيكولوجيون أن تغيير علاقات الإنتاج لا تكفي بل يجب إدخال البُعد الأيكولوجي في مسألة الإنتاج.
ينتقل جون الى مناقشة العلاقة بين الملكية والعمل ويخلص إلى وجود ترابط بينهما وأن منْ يملك ماذا يحدد منْ يفعل ماذا. ومسألة منْ يفعل ماذا ليست عملًا عشوائيًا، إنما نتيجة لخصائص الرأسمالية العالمية. فمثلًا تجمُّع العمال بمكان ما يستجيب لحاجيات الرأسمالية في هذا المكان من العالم، وأمور مثل العمل غير القانوني أو البطالة…إلخ تخضع في الاقتصاد الرأسمالي للعرض والطلب، وفي نفس السياق يُنظَر للهجرة «غير الشرعية» على أنها مجرد هفوات قانونية.
تعمل الرأسمالية على إقناع الناس بأن العمل الهش والبطالة طبيعيان، بينما الأمر ليس كذلك. لذا فالمهمة الاولى بخصوص العمل تكمن في عدم التطبيع مع هذه الأفكار.
لا يمكن الحسم بشكل مطلق في مصير الناس ومستوى عيشهم بعد تقليص عددهم في القطاعات الأوَّلية (الزراعة والصيد أي الإنتاج قبل التصنيع) أي كيف سيكون حالهم، جيدًا او سيئًا. إنه يعتمد على الظروف المحيطة بالعملية وطريقة تقليص عدد الناس، مثال: الفلاحون في الصين الذين انتقلوا الى الحضر ليشتغلوا كعمال، لم تتدهور وضعيتهم رغم بقاء عائلتهم في قراهم، بالعكس تحسنت وضعيتهم وجاء عمال زراعيون من بلدان أخرى مثل مينيمار ليحلوا مكانهم، وهؤلاء العمال الزراعيون الجدد كانت شروط حياتهم أسوء في بلدانهم الأصلية، إذن لا يؤدي تغيير الانتماء الطبقي بالضرورة إلى الإفلاس، فكل شيء يرتبط بالسياق.
ما اعتقده ماركس بخصوص اختفاء الفلاحين لم يحدث، والمرجح أنهم لن يختفوا. والسبب أنهم يمارسون نوعًا من الاستغلال الذاتي (هنري برينستين 2010) بإطالة ساعات العمل للرفع من الإنتاجية، ويستمرون في هذه الاستراتيجية من أجل البقاء.
وهناك سبب آخر: الرأسماليون يدفعون أجورًا وقد يتعرضون للإفلاس، بينما يعمل الفلاح الصغير في أرضه بمرونة كبيرة (ساعات عمل طويلة، تشغيل أفراد العائلة…إلخ)، أيضًا يعود استمرار صغار المزارعين إلى استغلالهم لعمال زراعيين مهاجرين، وختامًا، يرتبط استمرار المزارعين الصغار بتوفير اليد العاملة الرخيصة.
على كل حال، من الضروري إظهار العلاقات الاجتماعية التي تنتج السلع وفي أي ظروف يجري إنتاجها، إذ غالبًا ما يتم الفصل بين السلع والمنتجين، فنحن نستهلك سلعًا دون أن نربط استهلاكنا بظروف الإنتاج، وهذا ما يُسمى بـ «تصنيم السلعة». إنها مهمة للتفكير عندما نفكر في البدائل.
لقد قال لينين إن بعض الفلاحين الصغار قد يستمرون بسبب القدرة على العمل الموازي، أي يصبح الفلاح نصف بروليتاري، وهو ما أسماه الكاتب التنزاني عيسى شيفجي بـ «البلترة الجزئية»، كما تحدث برينستين عن طبقات الفلاحين بدلًا من طبقة الفلاحين، أما كاوتسكي فيقول إن الزراعة الصغيرة ستستمر لكنها ستخضع لرأس المال، وحاليًا ينتج صغار الفلاحين 70% من الغذاء العالمي.
والسؤال المطروح، هو هل يمكن أن نجد حلولًا من داخل الرأسمالية ودعم المزارعين الصغار أم أن الحل يجب أن يكون من خارج الرأسمالية؟

في إطار التحضير للمنتدى العالمي للجنة التخطيط الدولية للسيادة الغذائية عام 2025 في الهند هناك نقاش لمقترح الخروج من الرأسمالية، غير أن الأفكار ليست ناضجة بما يكفي، فـ”القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد” وفق تعبير غرامشي.
تعتمد الرأسمالية على التسليع المعمم للحياة اليومية، والسلعة تُنتج وتُباع لتحصيل الربح، وفي السلعة يكمن ثمن العمل وأيضًا ثمن المواد الخام ثم الضرائب التي تُدفع لإنتاجها، ومُا يبقى بعد خصم هذه التكاليف هو الربح.
تعمل الرأسمالية العالمية على تضخيم الأرباح بتوسيع هامش الربح وتضييق حصة المنتجين في اتجاه حصرها فيما يكفي لإعادة إنتاج القوة البيولوجية فقط (أي ما يكفي لإطعام العمال فقط).
وما يساعد على تعاظم أرباح الرأسماليين هو عدم احتساب الكُلفة البيئية، وهي بدون مقابل مادي بالنسبة للرأسمالية، والرأسماليون يتعاملون مع الثروات على أنها هبة من الطبيعة، ولذلك لا يأخذون بعين الاعتبار التكلفة البيئية، وكل هذا سمح بالمزيد من مراكمة ثروة الرأسماليين خصوصا في ظل النيوليبرالية.
وهنا انتقل جون إلى مناقشة ماذا يفعل الرأسماليون بالدخل والأرباح، وأوضح أن معظم الناس سيجيبون أن الدخل يُنفق على الحاجيات الأساسية، لكن على العموم يتم إنفاق الأرباح على الاستهلاك والترفيه، وإعادة الانتاج المُوسّع للرأسمال عبر:
– المزيد من التراكم داخل البلد.
– استعمال الأموال وإعادة إدخالها في دورة رأس المال في مكان آخر.
ويمكن أن تُحصل المراكمة عن طريق المضاربات المالية الصرفة، أو عبر إنتاج السلع.
تتدخل الدولة لفرض الضرائب التي لا تأخذ بعين الاعتبار حجم المداخيل المحصل عليها، أي أن الضريبة لا تزداد مع تزايد المداخيل، بالعكس فالرأسمالية في طورها الراهن تعفي الأغنياء من الضرائب وتُحمِّل أعباءها للفقراء، كما يتحملون أعباء الضريبة على القيمة المضافة بسبب أعدادهم الكبيرة مقارنة مع الأغنياء، بما يعني أن نسبة الاستهلاك الواسعة داخل المجتمع تعود للطبقات الشعبية.
في أي شيء تُستعمل هذه الضرائب؟ في إعداد البِنيات التحتية وتوفير الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم…إلخ، غير أن الدولة تتراجع في توفير هذه الخدمات مقابل الزيادة من النفقات لصالح إعداد المجال للاستثمار، وعندما تفشل الدولة في توفير هذه الخدمات فإن الطبقات الشعبية هي منْ يتحمل تكلفتها.

في الفترة الزوالية: عمل المجموعات
جاء عمل المجموعات للإجابة على الأسئلة التالية:
ماذا نفعل بالبضاعة؟ وماذا نفعل بالمداخيل؟ ما دور الضرائب وما الكُلفة البيئية؟
اليوم الخامس:
قال جون إن هنري برينستين يشير (في كتابه الطبقة والتغير الفلاحي) إلى حتمية اختفاء الفلاحين، أما ماركس فقد اعتمد على منطق وجود أزمات دورية في الرأسمالية، بالإضافة إلى التناقض بين العمل ورأس المال، واستنتج من ذلك حتمية الثورة.
إن في خاصية توسُّع الرأسمال الدائم يكمن ضعفه وسقوطه، غير أن الرأسمال تمكَّن من إعادة إنتاج نفسه لحد الآن، ولقد عملت الرأسمالية على خلق النزاعات والحروب أثناء الأزمات لكنها أيضًا طورت التكنولوجيا.
عبر السبُل المتبعة تتمكن الرأسمالية من حل صعوباتها وكبواتها لكن سرعان ما تتسبب في أزمات جديدة، مثل بطالة العمال، وبالنسبة للرأسمالية هناك أيضًا تناقض صارخ يكمن في كون كبار المزارعين يعارضون تاريخيًا المنافسة الخارجية وتحسين شروط عمل العمال الزراعيين.
في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، هناك توجه نحو رفع الإنتاجية وتوزيع الإنتاج بشكل عادل، ومن أجل الزيادة في الإنتاجية يتم اللجوء إلى الإنتاج الزراعي الصناعي الكيميائي، وقد تحقق ذلك في روسيا في فترة سابقة والصين وكوبا، وحتى الآن هناك ماركسيون يرون أن المستقبل لهذا النموذج.
كتب هنري برينستن: هل تطور القوة المنتجة يؤدي دائمًا الى التقدم؟ وقال إن هناك نقصًا في التحليل التقليدي للاقتصاد السياسي الماركسي فيما يخص المسالة البيئية، لكنه لم يقدم إجابة عن الأضرار البيئية التي يسببها الإنتاج الزراعي الكيميائي، ومع ذلك قال إن مستقبل البشرية في الإنتاج الكبير الكيميائي، غير أن ماركسيين آخرين لا يتفقون معه.
مع العلم بأن ماركس لم يتطرق بشكل كافٍ للمسألة البيئية، ويعتبر جون بيلامي فوستر”J B Foster” مؤسس التيار البيئي في الماركسية.
تشكِّل المسألة البيئية إحدى التناقضات الكبرى في الإنتاج الرأسمالي: تناقض بين توسُّع رأس المال عبر الإنتاج الكثيف والطبيعة، وتلجأ الرأسمالية إلى مجموعة من الإصلاحات والحلول مثل الاعتماد على الطاقة الكهربائية في وسائل النقل لكنها تخلُف أيضًا كوارث بيئية جديدة.
كما تقدم الشركات الرأسمالية بعض الحلول الأخرى كالتعويض عن الانبعاثات الغازية مثلًا بشراء أراضٍ في دول كغرب إفريقيا وتحويلها إلى محميات، مع توقيف النشاط الإنساني والاقتصادي بها، مما يسبب في تهجير السكان الذين لم يَعُد بوسعهم القيام بأي نشاط.

تشير نانسي فرايزر (Nansy Frarser) إلى كون الرأسمالية سببت في الأزمة الأيكولوجية بشكل عمدي، وفي المقابل قالت إن الاشتراكية أيضًا تسببت في الأزمة البيئية بشكل عرضي.
فالمنطق الرأسمالي المرتكز على منطق التراكم أو ما تسميه بـ «إعادة إنتاج الرأسمال اللامتناهي» يتسبب في التدمير البيئي، وتوصلت إلى النتيجة التالية: لا تستطيع الرأسمالية إيجاد حلول للأزمة البيئية بينما يمكن ذلك في ظل الاشتراكية، شريطة أخذ الصدع الأيضي بعين الاعتبار.
يدافع الماركسيون البيئيون على مفهوم السيادة الغذائية الذي يعني الحق في اختيار نوع الإنتاج وأن تكون مدخلاته ومخرجاته متقاربة.
البدائل يمكن أن تبدأ بمبادرات محلية صغيرة ولكن يجب طرح محاسبة الملوثين عبر الضرائب، ودفع الدَين الأيكولوجي، وهناك منْ يطرح أن هذه الحلول غير مُجدية ولا حل إلا بتغيير شامل وأن البديل النهائي هو الاشتراكية الأيكولوجية، وهذا يقتضي تحليلًا طبقيًا يدرج في طياته عناصر أخرى مثل الجندر والعرق والدين وكل أشكال الاضطهاد.
اليوم السادس:
خلال اليوم السادس تحدث المشاركون عن الدولة ودورها واختتمت الدورة بلقاء تقييمي أكد فيه المشاركون والمشاركات على نوعية التكوين وأهميته وقدموا مقترحات لتطوير العمل.
صباح اليوم الموالي غادر المشاركات والمشاركون مقر التكوين.



العربي الحفيضي- المغرب