تبعات جائحة كورونا والجفاف وتوسع الفقر والبطالة تتحملها الفئات الشعبية
يشهد المغرب خلال هذه الفترة من السنة الحالية أزمة جفاف حاد لم يعرف مثيلا لها منذ ثلاثين سنة. ويُنذِر انعدام التساقطات المطرية خلال هذا الموسم 2022-2023 بتبعات اقتصادية وخيمة على الفئات الشعبية. فقد بلغ متوسط الدخل الفردي بالوسط الحضري 2083 درهم وبالوسط القروي 1297 درهم شهريا، حسب بحث قامت به المندوبية السامية للتخطيط مباشرة قبل كوفيد. ودائما حسب معطيات المندوبية لسنة 2019، بلغت نسبة ذوي الدخل المنخفض 12,7% على المستوى الوطني، و6,8% في الوسط الحضري و22,9% في الوسط القروي. وإجمالاً، يعد 4,5 مليون شخصا فقيرا حسب مقاربة الفقر النسبي، ويعيش ثلثاهم (66,4٪) في الوسط القروي. ولا أدلَّ على ذلك، عاملات وعمال الزراعة الذين يتقاضون حدا أدنى للأجر لا يتجاوز 1994 درهما.
أكيد أن تردي الأوضاع الاجتماعية زادت حدة مع الأزمة الصحية وفقدان مئات آلاف مناصب الشغل. وسيساهم الجفاف الحاد في تفاقم أوضاع القرويين من صغار المزارعين ومربيي الماشية، وتهدد بفقدان القطعان، بسبب نفوقها أو بيعها للتخلص من أكلاف قوتها. سيفاقم الجفاف أوضاع البؤس بالقرى وسيدفع بالآلاف للنزوح نحو المدن وتضخيم صفوف طالبي الشغل، ما سيضغط من جديد على أجور العاملين خصوصا بالمزارع الرأسمالية الكبرى.
الاستراتيجية الفلاحية لدعم الرأسماليين الكبار
تأتي الرؤية الاستراتيجية الجديدة للقطاع الفلاحي الجيل الأخضر 2020-2030، لتدعيم ركائز سياسات فلاحية تصديرية مستندة على دعم عمومي لكبار الرأسماليين محليين وأجانب. هذا في الوقت الذي أبانت فيه حصيلة مخطط المغرب الأخضر 2008-2018 على تفاقم التبعية الغذائية البنيوية، حيث أن معدل تغطية الصادرات للواردات الغذائية لم يكن في المعدل سوى في حدود 52% في تلك الفترة.
ومن خلال هذه الاستراتيجية الجديدة، تروم الدولة توسيع الفلاحة التصديرية، وتوفير شروط الربح الخاص من خلال تيسير الاستحواذ على الأراضي ونهب الثروة البحرية واستنزاف الفرشة المائية، عبر أوراش لصالح الرأسمال الكبير تنجز بتعاون وثيق بين الدولة والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
توفر هذه الأهداف الاستراتيجية أرضية مناسبة لما يطلق عليه “مناخ الأعمال”، بإعادة هيكلة وتوزيع الوعاء العقاري وتأهيل يد عاملة زراعية وتركيزها في مشاريع رأسمالية عملاقة من ضيعات فلاحية ومزارع أسماك معدة للتصدير بالأساس.
ارتفاع الأسعار وغلاء تكاليف العيش
تعاني الفئات الشعبية من ارتفاع مهول لأسعار مواد الاستهلاك الرئيسية والخدمات العمومية والأدوية وغيرها من ضرورات العيش، في الوقت الذي يتوسع فيه فقدان الدخل وتبقى الأجور جامدة. فقد بلغت الزيادات المتتالية في أسعار بعض المواد الغذائية من 1 درهم إلى 25 درهم. (زيت المائدة ودقيق السميد ودقيق الفينو واللوبيا والعدس، الخ).
هذا ناتج عن خيارات الارتباط بالسوق العالمية، واتفاقيات التبادل الحر لصالح الشركات متعددة الجنسيات، وتدمير الزراعات المعيشية وصغار المزارعين الذي يوفرون الغذاء لشعبنا، ورفع دعم الدولة عن المحروقات وربطها بالأسعار الدولية وإلغاء دعم الكثير من مواد الاستهلاك الأساسية (صندوق المقاصة)، إلخ.
تشرف على هذه الخيارات المؤسسات المالية الدولية التي تتدخل بشكل مباشر لتأطير السياسات الليبرالية القائمة على المديونية وما لها من تأثيرات على تقليص الميزانيات الاجتماعية وخصخصة الخدمات العمومية.
تتظافر هذه الأبعاد المختلفة للأزمة: مالية واقتصادية وصحية واجتماعية وجفاف وغلاء لتنزل بكل ثقلها على صغار المنتجين والأجراء والعاطلين وغيرهم من الفئات المهمشة لتضع ما يسمى بالنموذج التنموي الجديد محط تساؤل وتكشف أنه في صالح الأغنياء على حساب الفقراء.
مطالبنا
تعمل التنسيقية المغربية لشبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية على رفع مطالب القاعدة الشعبية التي تمثلها لاسيما صغار منتجي الغذاء من بحارة وعمال/ ات الزراعة وصغار الفلاحين والرعاة.
مقابل فلاحة رأسمالية تجارية وصناعية موجهة نحو التصدير ومستهلكة للماء ومخربة للأرض، تطالب شبكة السيادة الغذائية بـــ:
- تركيز الانتاج الزراعي على الزراعات المعيشية وأولوياتنا الغذائية وعلى اصلاح زراعي يضع في قلبه المنتجين المباشرين.
- حق شعبنا في تحديد سياسته الغذائية والزراعية بشكل مستقل وكامل السيادة.
- الحق الكامل في الأراضي والمجالات الترابية والمراعي والثروات المائية والمنجمية والبذور والماشية والتنوع البيولوجي.
- إصلاح زراعي حقيقي شامل وشعبي.
- دعم الزراعة البيئة أو الإيكولوجية.
- السلم المتحرك للأسعار والأجور، ووقف سياسة إلغاء دعم المواد الأساسية وتحرير الأسعار.
- سياسة مائية تستهدف صغار منتجي الغذاء ووقف تزويد المزارع الرأسمالية التصديرية بمياه السدود والفرشات الباطنية.
وتعد هذه المطالب أساس بديل السيادة الغذائية التي تدافع عنه الشبكة، والذي يندرج ضمن السيادة الشعبية ومجتمع تسود فيه العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة.
وختاما يمكن القول إن هذا البديل لا يمكن أن يتأتى إلا بقوة نضال سواعد صغار المنتجين وباقي المقهورين وتوحيدهم وتنظيم صفوفهم، من أجل سبل بناء حركة الفلاحين والبحارة الكادحين والعمال الزراعيين من الأسفل.
التنسيقية المغربية لشبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية
19 فبراير 2022