8 مارس 2024: اضطهاد ومقاومة



يحل يوم 8 مارس هذا العام 2024 في سياق خطير تواجه فيه النساء في منطقتنا مستويات غير مسبوقة من العنف والقمع والاضطهاد. ففضلا عما تعانينه النساء منذ عقود من استغلال واضطهاد وعنصرية في ظل النظام الرأسمالي والبطريركي الحالي، تواجه ملايين منهن اليوم خطر المجاعة والتهجير والاغتصاب والإبادة الجماعية عامة وفي فلسطين والسودان خاصة.

يسعي رأس المال العالمي في دول المركز إلى السيطرة على موارد العالم واستغلال ثروات دول الجنوب، عبر سياسات نيوليبرالية مُجحفة تهدف إلى دمج اقتصادات هذه الدول في السوق العالمي وتُمكّن الشركات الكبرى من الاستحواذ على الأرض والموارد على حساب صغار منتجي/ات الغذاء مدمرة نظم غذائهم-هن المحلية، وتحويلهم-هن إلى أيدي عاملة رخيصة منزوعة الحقوق، فضلا عن تهجير السكان الأصليين وإبادتهم بدعم من الانظمة المحلية والمُحتلة والديكتاتوريات العسكرية الذي تدفع النساء بدرجة أولى ثمنه الأكبر.

دعم حكام الدول الإمبريالية الوجود الصهيوني واستمرار الاحتلال لأكثر من 75 عاما في فلسطين، كقاعدة لبسط نفوذها على المنطقة واستمرار نهب ثرواتها. شكلت إسرائيل رأس حربة الإمبريالية في المنطقة وفي نفس الآن الطموح الرأسمالي الخاص باستغلال ثروات وموارد شعوب الدول المجاورة.

يسعي رأس المال العالمي في دول المركز إلى السيطرة على موارد العالم واستغلال ثروات دول الجنوب، عبر سياسات نيوليبرالية مُجحفة.

منذ اندلاع العدوان الغاشم على قطاع غزة في أكتوبر من العام 2023، وفر حكام الدول الاستعمارية جاهدين غطاء سياسيا ودبلوماسيا للكيان الصهيوني، عبر مده بالعدة والعتاد للاستمرار في الحرب ذات الهدف الواضح: إبادة سكان غزة وتهجيرهم القسري عن أرضهم.

أسفرت الحرب – حتى كتابة هذه الأسطر- عن استشهاد أكثر من 30800 فلسطينيا 70% منهم من النساء والأطفال. وكان على أمهات غزة دفن ما لا يقل عن 12 ألف طفلا خلال أربعة أشهر من العدوان، حسب وزارة الصحة الفلسطينية.

عطلت الحرب الزراعة وإنتاج الأغذية في القطاع، وعمدت إسرائيل منذ اليوم الأول للعدوان بمخالفة كل القوانين والأعراف الدولية، إلى استخدام الماء والغذاء كأداة للقتل؛ مدمرة أنابيب المياه والبنية التحتية للمياه في كامل القطاع. حيث يعيش 85% من سكان غزة على لتر واحد من المياه في اليوم كما أوضحت بلدية القطاع، وهي كمية تقل كثيرا عن الحد الأدنى المطلق الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية في حالات الطوارئ الإنسانية والبالغ 15 لتر للشخص الواحد في اليوم. كما منعت دخول المساعدات الإنسانية، ويُقدر أن الأغذية التي تدخل إلى القطاع لا تغطي سوى أقل من 5% من احتياجات سكانه. وبذلك تعرض أكثر من 2 مليون شخص أغلبهم من النساء والأطفال إلى خطر مجاعة مميتة.

منذ اندلاع العدوان الغاشم على قطاع غزة في أكتوبر من العام 2023، وفر حكام الدول الاستعمارية جاهدين غطاء سياسيا ودبلوماسيا للكيان الصهيوني.

أجبر العدوان أيضا الآلاف من النساء الحوامل على الوضع دون أي رعاية طبية، وذلك في الشوارع وبين ركام المباني والمنازل المحطمة أو في المخيمات المزدحمة التي نزحت إليها النساء أو في مستشفيات تعاني من مستويات مرتفعة من التلوث بنقص حاد في الخدمات. وفقا للأمم المتحدة فإن غزة بها أكبر معدل ولادات في المنطقة، قُدر عدد النساء الحوامل قبل بداية الحرب بـ 50000 ألف سيدة، بمعدل 180 حالة ولادة في اليوم الواحد، 15% منهن عرضة لحدوث مضاعفات أثناء الولادة ويحتجن إلى رعاية صحية خاصة، مما يزيد من احتمال تعرضهن للوفاة أثناء الوضع. كما تعاني النساء في غزة من نقص المستلزمات النسائية وأدوات النظافة الشخصية التي أصبحت رفاهية للآلاف منهن مما يزيد معاناتهن ويؤثر بشكل خطير على صحتهن.

تفجر الاقتتال في السودان في أبريل في العام 2023، كنتيجة طبيعية لاستمرار تطبيق السياسات النيوليبرالية التي ورثتها الحكومات المتعاقبة عن الاستعمار في السودان. يجري الاستغلال الجائر للأراضي لأجل توسع الزراعة الرأسمالية بهدف التصدير، وتدمير 95% من غابات شرق السودان، ورفع الدعم الحكومي عن فئة المزارعين-ات الذين يشكلون 40% من القوى العاملة بالبلاد وأغلبها من النساء (50-95%). كما يجري استخدام الميليشيات العسكرية من طرف النظام العسكري للقضاء على تمرد الريف الغاضب والحانق على سياسات إفقاره وتجويعه.

 تتضاعف معاناة المزارعين-ات في المناطق الغربية للبلد حيث يقع العبء الأكبر على النساء اللاتي فقدن أزواجهن في الحرب أو بسبب الهجرة للبحث عن مصادر رزق أفضل. تُشكل النساء في تلك المناطق 60% من القوى العاملة، بعضهن يتحملن خطر الخروج إلى الشوارع المتكدسة بمظاهر الحرب والمعارك وانتشار العسكرة ويعملن كبائعات للشاي والطعام لتوفير الاحتياجات اليومية لأسرهن وأطفالهن.

مثّل استهداف النساء استراتيجية استخدمتها القوات المتحاربة منذ اليوم الأول، وشملت اغتصاب وامتهان واختطاف واسترقاق النساء وإخضاعهن للعمالة القسرية.

أدت الحرب إلى مقتل أكثر من 12 ألف قتيل، ونزوح أكثر من 7 مليون شخص إلى مناطق أخرى داخل البلد أو خارجه. وقد أفادت العديد من التقارير الواردة من مؤسسات حقوقية وبحثية؛ أن “الحرب في السودان تدور على أجساد النساء” إذ مثّل استهداف النساء استراتيجية استخدمتها القوات المتحاربة منذ اليوم الأول، وشملت اغتصاب وامتهان واختطاف واسترقاق النساء وإخضاعهن للعمالة القسرية.

في المغرب، يستمر نضال العاملات الزراعيات ضد الشركات الزراعية الكبرى التي تواصل استنزافها للأرض والموارد، مراكمة الأرباح، باستغلالهن في العمل لساعات طويلة مضنية مقابل أجور زهيدة دون ضمان اجتماعي ومُعرضات لحوادث شغل مميتة في العمل أو أثناء تنقلهن إليه، علاوة على محاربة العمل النقابي. ففي منطقة “خميس أيت عميرة” بعمالة اشتوكة أيت باها، تخوض العاملات الزراعيات بشركة كاليبريم معركة ضارية منذ شهر سبتمبر الماضي (2023) من أجل العودة إلى عملهن واسترجاع حقوقهن، بعد أن قامت الشركة بفصلهن فصلا تعسفيا من محطة التلفيف التابعة لها والتي عملن بها لأكثر من 10 – 15 سنوات. دخلت العاملات في اعتصام مفتوح ونظمن العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام الشركة ومبنى العمالة لمناشدة المسئولين بالتدخل وإجبار الشركة على الامتثال للقانون وبإرجاع العاملات المعتصمات للعمل.

اتجهت مصر منذ 2014 إلى زيادة وتيرة الاقتراض والتخفيض المستمر لقيمة الجنيه المصري حتى خسر أكثر من 70% من قيمته أمام الدولار، في محاولة لتشجيع الاستثمار وبناء اقتصاد قائم على الصادرات حسب وصفة صندوق البنك الدولي وغيره من المؤسسات المانحة. إلا أنها فشلت في تحقيق أي من أهدافها. وقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير مع انخفاض قيمة الأجر الحقيقي لمعظم المصريين بفعل تخفيض العُملة. تضع الأزمة العاملات الزراعيات في مأزق حقيقي، حيث تعمل 99% منهن بلا عقود وبلا أجر ثابت ودون تأمينات صحية أو اجتماعية. وقد وصلت نسبتهن في 2020 إلى نحو 58% من إجمالي العمالة الزراعية، معظمهن يعيلن أسر كاملة أو يساهمن في الإنفاق عليها.

تشكل النساء النسبة الأكبر من العاملين في قطاع الزراعة وإنتاج الغذاء في أغلب دول المنطقة، وهن القائمات على حفظ نظم غذائنا المحلية وتراثنا في مواجهة التمدد الكبير للزراعة الرأسمالية التصديرية وسيطرة الشركات على نُظم الإنتاج. ويمثل تدمير انشطتهن الزراعية المعاشية تهديدا حقيقيا لسيادتنا الغذائية، وتواجه النساء منتجات الغذاء وكباقي النساء مخاطر التعرض للعنف الذكوري، كما يعانين أوجه ميز متعددة ومنها حرمانهن من الولوج للأرض وكل مصادر الغذاء وعواقب تدمير بيئاتهن المحلية.

إن نضال النساء في منطقتنا من أجل تحرير حياتهن من كافة أنظمة القهر والاضطهاد، يتظافر مع النضال ضد تسليع الحياة على الكوكب واستبدال نموذج الإنتاج الحالي بآخر أكثر عدالة وانصافا، هدفه الأول توفير الحاجيات الغذائية الأساسية للمجتمعات المحلية واحترام البيئة والمناخ. يشترط تحقيق ذلك، وقف القضاء على مجموعات صغار منتجي- منتجات الغذاء والحفاظ على المعارف الزراعية التقليدية للشعوب. ونبذ استخدام أبسط حقوق الإنسان كالحق في الحياة والغذاء كأداة للحرب والقتل والضغط، والوقوف ضد محاولات التهجير القسري والإبادة الجماعية للشعوب الأصلية، والنضال ضد العنصرية والتمييز ضد النساء.

تحيا مقاومات النساء المدافعات عن سيادتهن على الأرض وبيئاتهن المحلية والحق في حياة عادلة خالية من كافة أشكال الاضطهاد والقهر.

شبكة سيادة: من أجل سيادة الشعوب على الغذاء والموارد.

8 مارس 2024