لا يتعلق الأمر بأزمة صحية وحسب، بل بصدمة مزدوجة ناتجة عن الإغلاق العالمي الكبير إِثْرَ تطبيق الطوارئ الصحية من جهة، وانهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية. ورد في تقرير البنك العالمي حول اقتصاديات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصادر شهر أكتوبر 2020: “أثرت جائحة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط على جميع جوانب الاقتصاد ببلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن المتوقع أن تنكمش اقتصادات المنطقة بنسبة %5.2 في العام 2020، وهو ما يقل بـ 4.1 نقاط مئوية عن التوقعات في شهر أبريل 2020، و7.8 نقاط مئوية عن توقعات شهر أكتوبر 2019، مما يعكس تزايد الآفاق المتشائمة لاقتصاد لمنطقة، التي لا يُتوقع لها أن تتعافى إلا بصورة جزئية عام 2021”. وأشار التقرير إلى التبعات الاجتماعية للأزمة: “أثرت الجائحة بشدة على سبل العيش وتسببت في وقوع الكثيرين من سكان المنطقة في براثن الفقر… يفقد الفقراء دخولهم على الأرجح. ويتدهور الوضع المالي للأسر الفقيرة”.
تأثيرات متناقضة
لكن تأثيرات الأزمة المزدوجة [الإغلاق الاقتصادي وانهيار أسعار النفط] ليست متماثلة، بل لها تأثير متناقض على بلدان المنطقة وحتى داخل البلد الواحد.
على صعيد الإمداد/ العرض
بالنسبة للدول مصدرة البترول، أدت صدمة انهيار الأسعار إلى تراجع القدرة على استيراد الغذاء. ورد في تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة [FAO]: “يؤثر انخفاض أسعار الطاقة على دخول الدول المعتمِدة على تصدير النفط في المنطقة واقتصادها (في الأغلب دول مجلس التعاون الخليجي والجزائر وليبيا)… وربما يكون تأثير ذلك قويا على الاقتصادات وعلى الأمن الغذائي في المنطقة من خلال تأثيره على العمل والتحويلات المالية وتدفق الاستثمارات والمعونات”.
يتعلق الأمر، هنا بالدرجة الأولى، بالجزائر التي ستواجه أزمة تَزَوُّدٍ كبيرة بالغذاء عبر الاستيراد، حيث سيؤدي انهيار عائدات البترول إلى تقلص مقدرة الاستيراد وإلى اتساع الفجوة الغذائية الكبيرة أصلا [انخفض سعر البرميل إلى 30 دولار]. وحسب دراسة حمزة حموشان “يعتمد نموذج “الأمن الغذائي” الجزائري حاليا على تصدير المواد الهيدروكربونية، ويُظهر تبعية كبيرة للأسواق الدولية لبيع النفط والغاز، من جهة، واستيراد ما ينقصه من الغذاء، من جهة أخرى، وتحديدا المنتجات الغذائية الأساسية كالحبوب والحليب. بعبارة أخرى، تحدد العوامل الخارجية (تقلبات أسعار النفط والغذاء) قدرة الجزائر على تغطية تكاليف وارداتها الغذائية (من بين أمور أخرى تشمل المدخلات والمعدلات الزراعية). إن ريع النفط والغاز هو الذي يمول التبعية الغذائية للجزائر، ويخلق حالة من التبعية المزدوجة”.
شهدت الجزائر في نهاية سنة 2019 “تهاوي احتياطات الصرف إلى 60 مليار دولار… ما لا يكفي لتغطية سنتين من احتياجات الجزائريين المستوردة”.. وهو وضع “لم تشهده البلاد منذ أكثر من 15 سنة… ويستمر عجز الميزان التجاري والخدمات بما قيمته 10 ملايير دولار، ما يؤثر بصفة سلبية على احتياطات الصرف التي ستصل حسب توقعات سنة 2020 إلى قرابة 52 مليار دولار نهاية السنة. وكان وزير المالية السابق محمد لوكال قد توقع أن تنزل احتياطات الصرف نهاية هذه السنة إلى 51.6 مليار دولار، وهو ما سيؤثر على التوازن المالي الداخلي للبلاد.”.
كما العادة، شكلت المحروقات أهم صادرات الجزائر في الربع الأول من العام 2020 إذ مثلت %83.50، مقابل %89.48 في نفس الفترة من العام الماضي. وقد أدى تراجع إيرادات الصادرات إلى الضغط على القدرة الشرائية الجزائرية، إذ تقلص حجم الواردات الغذائية ووسائل إنتاج الغذاء في الفترة ذاتها: “شمل هذا التراجع كذلك المواد الغذائية المستوردة التي بلغت 44.1 مليار دولار مقابل 57.1 مليار دولار، لتسجل بذلك انخفاضا بـنسبة %30.8 بالمائة، وكذا واردات مواد العتاد الفلاحي التي بلغت 35.62 مليون دولار، مقابل 64.123 مليون دولار بانخفاض -58.49 بالمائة”.
أما ليبيا التي “تعتمد على الاستيراد الكلي لكل احتياجاتها الحياتية، ليست استثناء. أصبح المجتمع في ليبيا يعيش دون متاجر ألبسة ومطاعم ومقاهٍ وصالونات حلاقة وسياحة، في وقت تتحول فيه المراكز الحضرية إلى مدن أشباح”، فليبيا المعتمد اقتصادها على “تصدير النفط عزفت في ظل عولمة العقود الثلاثة الماضية وتقسيم العمل الدولي الحالي، عن إنتاج أغذيتها وأدويتها…”، أدى الإغلاق الناتج عن الجائحة إلى “نقص العمال بسبب المرض، وتوقف عمليات النقل، وحدّت إجراءات الحجر الصحي من القدرة على الوصول إلى الأسواق وحدوث انقطاعات في سلسة التوريد تنجم عنها خسارة المواد الغذائية وهدرها”.
بيد أن أثر انكماش السوق العالمية لا يقتصر على الدول مصدرة النفط، بل حتى المستورِدة له، ولكنها تعتمد على الصادرات الزراعية، التي تتعرض بدورها لاضطرابات التجارة العالمية وسلاسل الإمدادات الغذائية الدولية، وهو ما أشار إليه تقرير الفاو- القاهرة 2020 بقول: “قد يتسبب الطلب المتقلب من الشركاء التجاريين والاضطرابات اللوجستية في إلحاق الضرر بالدول التي تُصدِّر المنتجات مرتفعة القيمة والقابلة للتلف. قد تواجه بعض دول المنطقة مخاطر محددة تتعلق بملامح تصدير واستيراد المنتجات الغذائية الزراعية… تشكل الصادرات الغذائية أكثر من %20 من إجمالي الصادرات السلعية لست دول [من بينها تونس بـنسبة %76 والمغرب بـنسبة %58 ومصر بـنسبة %25، وتأتي الجزائر في المرتبة الأخيرة بـنسبة %7]… وهي تصدر كميات مختلفة، وفي بعض الحالات ضخمة، من المنتجات مرتفعة القيمة، مثل الفواكه والخضراوات والأسماك واللحوم. تأتي الصادرات في معظم الحالات من عدد قليل من السلع الزراعية، مثلما يحدث في المغرب وموريتانيا والأردن ومصر وتونس… وهذا الاعتماد على هكذا صادرات قابلة جدا للتلف يزيد حدة التعرض للاضطرابات في سلاسل الإمداد بفعل للمشاكل اللوجستية”.
من جهة أخرى، يشير تقرير الفاو إلى أن انهيار أسعار الطاقة سيؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام الزراعية المستخدَمة في إنتاج الوقود الحيوي، وبالتالي إلى انخفاض أسعارها، خاصة قصب السكر والذرة، أخذا بالاعتبار أن المنطقة مستورِدٌ صافٍ للذرة.
كما يعني انهيارُ أسعارِ البترول انخفاض تكاليف الطاقة، وبالتالي تكاليف إنتاج منخفضة: “تشمل الآثار المباشرة لانخفاض تكاليف الطاقة جميع أشكال المكننة، بما في ذلك الطاقة اللازمة لحرث الحقول والري والنقل. وتشمل الآثار غير المباشرة انخفاض تكاليف مدخلات الطاقة كثيفة الاستخدام مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية والكهرباء”… ولكن هذا لا يعني، بشكل آلي، استفادة صغار المنتجين- ات والإنتاج الموجه للاستهلاك المحلي من هذا الانخفاض، بل الزراعة التصديرية، التي لم تتوقف عن العمل طيلة فترة الطوارئ الصحية.
ساهمت عوامل ظرفية في تخفيف حدة أزمة الغذاء إبان فترة الحجر الصحي، فقد أشار تقرير الفاو [القاهرة 2020] إلى وجود: “إمدادات غذائية وافرة في العالم على الرغم من الآثار المترتبة على مرض فيروس كورونا المستجد… من المتوقع احتفاظ أسواق الحبوب العالمية بما يناسبها من الإمداد والتوازن. وبينما تشكل الاضطرابات المحلية، الناجمة بشكل كبير عن مشاكل لوجستية، صعوبات في تشغيل سلاسل الإمداد الغذائي في بعض الأسواق، لا يُرجَّح أن تؤثر مدتها وحجمها المتوقعين على أسواق الغذاء في العالم، على الأقل على المدى المتوسط”.
إلا أن تخفيف وقع الصدمة هذا الذي تتبناه منظمة الفاو، يساير اعتبارَ ما يجري حاليا محضَ طارئةٍ لا علاقة لها بـ”البنية الأساسية لإنتاج الغذاء واستهلاكه” التي تتحكم فيها شركات الصناعات الغذائية ومضاربي الغذاء العالميين والمحتكرين الكبار. وفي الآن ذاته، لا تأخذ الفاو بعين الاعتبار إلا صعوبات النقل واللوجستيك المحلية [“الاضطرابات المحلية، الناجمة بشكل كبير عن مشاكل لوجستية”].
تستمر الفاو في النسج على منوال “أفضل العوالم الممكنة”. فالمشكلة ليست في ندرة الغذاء، بل في إمكان حصول ملايير الكادحين- ات عليه، في سياق أزمة اقتصادية مدمرة لملايين فرص العمل. ففي عز ما سمي بـ”الثورة الخضراء” في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، “لم تكن الزيادة في الإنتاج… كافية لتخفيف وطأة الجوع لأنها لم تكن تغير من تركز السلطة الاقتصادية أو الوصول إلى الأراضي أو القدرة الشرائية… [فـ] إذا كان الفقراء لا يملكون المال لشراء المواد الغذائية، فزيادة الإنتاج لن يحل شيئا”.
من العوامل المخففة من وقع الزمة كذلك، أن انتشار الوباء في المنطقة جاء “بعد انتهاء موسم زراعة المحاصيل الشتوية”، وتزودت الدول بكميات وفيرة من الحبوب من السوق العالمية: “مصر قد استوردت بالفعل منذ أبريل 2020 كميات ضخمة لتغطية حاجاتها لهذا العام، بالأخص من القمح”، وفرضت “حظرا لمدة ثلاثة أشهر على تصدير الفول والعدس، في حين فرض وزير الصناعة والتجارة المصري حظرا على تصدير أنواع معينة من الخضراوات… واتخذت الجزائر إجراءات استثنائية تتعلق بتحرير التجارة وذلك لتيسير استيراد السلع الطبية وبعض المنتجات الأخرى”، وتدخلت الدولة لضمان تزويد السوق بمواد الاستهلاك الأساسية (خاصة القمح الصلب)، وخاطب وزير الفلاحة والتنمية الريفية شريف عماري المواطنين عبر التلفزيون العمومي قائلا: “أطمئن المستهلكين بأن المخازن ممتلئة وبأن لدينا مخزونا استراتيجيا كافيا وفيه مواد تجنى على مستوى الحقول، لا داعي للهلع. نحن نعمل على توزيعها جيدا لتفادي الاحتكار”… طبعا فقد يكون الخبز مرة أخرى شرارة تشعل فتيل بارود الحراك الشعبي الذي بَلَّلَهُ مؤقتا ما أطلق عليه جلبير الأشقر “وباءٌ مضادٌ للثورة”.
لكن عامل المناخ (الجفاف) يعاكس هذه الإجراءات، خاصة في دول المغرب الكبير، إذ “تأثر إنتاج الحبوب في الجزء الغربي من دول الإقليم (المغرب والجزائر وتونس) بالجفاف ودرجات حرارة فاقت المتوسط. وكان المغرب الأشد تأثرا، حيث يُتوقع انخفاض إنتاج القمح بنسبة %60″، بينما انتشر الجراد في شهر مارس “جنوب الجزائر، خصوصا في محافظة ورقلة في جنوب شرق البلد قادماً من النيجر”، وقبل ذلك التهمت حرائق في شهر غشت 2020 “مساحة 1085 هكتار من محاصيل القمح والشعير، و145821 حزمة تبن، و104676 شجرة مثمرة، و5111 نخلة، و360 خلية نحل”.
يظل المشكل العميق هو التزود بعناصر الانتاج ووسائله، إذ أوقف الإغلاق العالمي سلاسل الإمداد، خاصة في بلدان تعاني من تبعية تكنولوجية وسلعية شبه مطلقة (أدوات الإنتاج، البذور، الأسمدة). ففي تونس “دقت النقابة التونسية للفلاحين ناقوس الخطر لفقدان مواد تدخل في عمليات الإنتاج مثل داب وسيبار 45 والأمونيتر من البلاد وهي مواد ضرورية لتحضير الموسم الزراعي المقبل، منددة بنقص الدعم الحكومي”. نفس الشيء بالنسبة للبذور، حيث صرح داود رئيس نقابة الفلاحين التونسيين: “إن عديد القطاعات الفلاحية تشكو هشاشة كبيرة وتبعية للخارج، إذ أنّ أغلب البذور يقع استيرادها من الخارج وهي معدّلة جينيًا وهو ما لا يخفى عن الجميع مما يجعلنا وقت الأزمات قد نواجه خطر فقدان تلك البذور بعد فقدان بذورنا الأصلية وعدم قدرتنا على توريد البذور بسبب توقف المسالك التجارية”.
على صعيد الطلب
أدى الإغلاق الاقتصادي الناتج عن تدابير الطوارئ الصحية عالميا ومحليا إلى تراجع طلب الغذاء في قطاعات معروفة بشراهة طلبها واستهلاكها وتبذيرها، والمسؤولة عن نسبة مهمة مما تطلق عليه الفاو “هدر الغذاء”: يتحدث تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا/ الإسكوا نُشر في سبتمبر 2020 على أن المنطقة العربية تخسر حوالي “60 مليار دولار سنويا بسبب فقدان الأغذية وهدرها. ويُقدَّر مجموع فقدان الأغذية وهدرها بنحو ثلث الأغذية في المنطقة”. ولكن لا يُظهر التقرير تفاصيل هذا الهدر والجهة المسؤولة عنه.
سيُقلص إغلاق المطاعم والإلغاء الهائل للرحلات والخدمات السياحية، طلبَ هذه القطاعات. ففي المغرب مثلا، شهدت الأشهر الأربعة الأولى من العام 2020 “انخفاض عدد السياح بـنسبة %45 قياسا بالمدة نفسها من السنة الفارطة… وانخفضت عائدات السياحة بنسبة %15… النشاط السياحي عرف شبه توقف خلال شهر مايو وبداية شهر يونيو، حيث أن %95 من الفنادق ووحدات الإيواء السياحي مغلقة بسبب هذا الوباء”. وبالنسبة لتونس، لم يتعدَّ عدد السياح الأجانب خلال فترة الذروة [يونيو- غشت 2020] “70 ألفا… وهو رقم لا يقارن بملايين السياح الوافدين من دول أوروبية ودول الجوار في مثل تلك الفترة من كل عام. وفي الجزائر أدى توقف النشاط السياحي إلى نقص في أرقام الأعمال ناهز 31 مليار دينار جزائري.
وحتى إذا لم ترتفع أسعار الغذاء، سيجعل فقدان فرص العمل الحصول عليه صعبا. إذ أدى الإغلاق إلى تسريح عشرات ومئات آلاف عمالة القطاع، ما يعني فقدان القدرة الشرائية وصعوبة الحصول على الغذاء. لم تقم التحويلات النقدية المؤقتة التي خصصتها الحكومات لدعم قدرة المسرحين- ات الشرائية (في جميع القطاعات المتضررة بما فيه القطاع غير المهيكل) سوى بتلطيف وقع الأزمة.
إلى جانب ذلك، فإن انخفاض أسعار الغذاء من جهة بسبب نقص الطلب، إذ ينفع المستهلِك، فإنه يضر بالمنتج (خاصة الصغير)، من جهة أخرى. أشار إدريس الراضي، رئيس الغرفة الفلاحية لجهة الرباط سلا القنيطرة، إلى أن: “تراجع أسعار المنتوجات الفلاحية بالأسواق، وخاصة اللحوم الحمراء والبيضاء والخضر والفواكه، سبب خسارة لدى المنتجين لأن السعر لا يغطي التكلفة، كما أوضحت أن قطاع الحليب ومشتقاته فقد ما يناهز 50 بالمائة من حصته في السوق”.
بلغ فقدان فرص العمل مستويات قياسية، حسب أرقام تقرير البنك العالمي [أكتوبر 2020]: “في تونس لم يتمكن %41 من السكان من مواصلة العمل. وفي مصر، أثرت تدابير الاحتواء بشكل حاد على احتمال عمل المعيلين أيضا. وإجمالا، توقف عن العمل %41 من العمال الذين جرت معهم مقابلات… معظم من توقفوا عن العمل لم يتقاضوا رواتبهم. وفي تونس، لم يتمكن %59 من المشاركين في المسح ممن تعطلوا عن العمل من الحصول على أي أجور. وتلقى نحو %30 كامل رواتبهم، في حين حصل الـ %70 الباقون على جزء ضئيل من رواتبهم”، ويضيف التقرير: “ويُلاحَظ أنه في بلدان أخرى بالمنطقة توجد أنماط أخرى مماثلة لما هو سائد في تونس”. فالنسبة للمغرب ارتفعت نسبة الأسر الفقيرة الفاقدة للدخل فترةَ الإغلاق إلى %44. وهذه أرقام يحيط بها شك، لأن مصدر تلك الأرقام هو مسوحٌ جرت عبر مقابلات هاتفية.
تجدر الإشارة إلى الحجم الهائل للقطاع غير المهيكل ونسبة القوى العاملة التي يشغل بالمنطقة، ويمكن تخيل العواقب الاجتماعية لتوقف شبه كلي لهذا القطاع طيلة أشهر الحجر الصحي والإغلاق شبه الكلي؛ منها توقف الدخل وما يوازيه من صعوبات التزود بالغذاء.
وفي مصر، أفادت دراسة “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” حول أثر الفيروس على الأسر (يونيو 2020) أن “غالبية الأفراد [الذين شملتهم الدراسة] أي %73.5 أفادوا بأن الدخل قد انخفض منذ ظهور الفيروس… وأكثر من نصف الأفراد المشتغلين (%55.7) أصبحوا يعملون أيام عمل أقل أو ساعات عمل أقل من المعتاد لهم، وحوالي ربع الأفراد (%26.2) قد تعطلوا أي أصبحوا لا يعملون”.
ليس للبدائل الأخرى (المدخرات والاقتراض ومساعدة الأسر) أي دور فعلي، لأنها محدودة ومؤقتة، وهو ما أكده تقرير البنك العالمي: “في تونس والمغرب، على التوالي، استخدمت %25 و%22 من الأسر مدخراتها للتعويض عن انخفاض دخلها. غير أن استراتيجيات التكيف هذه تثير أسئلة حاسمة بشأن الاستدامة. وتشير الأدلة المستقاة من مصادر مختلفة إلى أن المدخرات غالبا ما تكون ضئيلة ولا يمكنها بالتالي أن تحافظ على سبل العيش في المدى القصير. ومن غير المحتمل أيضا أن تواصل أسواق الائتمان، لا سيما غير الرسمية منها، تقديم القروض إذا لم يتمكن المدينون من البدء في السداد على وجه السرعة… كما أن بعض الأسر أصبحت تعتمد على الشبكات العائلية والاجتماعية لتعويض فقدان الدخل. ففي تونس والمغرب، تلقت %25 و%14 من الأسر على التوالي، مساعدة من الأصدقاء. لكن مع استمرار الأزمة، قد يتأثر عدد أكبر كثيرا من الأسر، مما يحد من توفر المساعدة عن طريق هذه الشبكات”.
أما في ليبيا حيث انضافت كورونا إلى جراح الحرب الأهلية، ذكر بيان مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي في ليبيا أن حوالي “عشرة آلاف لاجئ وطالب لجوء يعانون من انعدام الأمن الغذائي… معظم اللاجئين وطَالِبُو اللجوء في ليبيا لم يتمكنوا من العثور على أي عمل يومي لإعالة أنفسهم في أوقات حظر التجول وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكلفة السلع الأساسية بشكل كبير… وزادت تكلفة الحد الأدنى من الإنفاق الغذائي، التي تلبي الاحتياجات الأساسية، بنسبة 24 في المائة منذ آذار/ مارس. ويقول العديد من اللاجئين إنهم يتناولون وجبة واحدة فقط في اليوم”.
المقال أعلاه مأخود من دراسة : أزمة كوفيد 19 وضرورة النضال من أجل السيادة الغذائية بشمال أفريقيا
لتحميل وقراءة الدراسة : إضغط هنا