فيلم “انا مغتصِبة” لوفاء خرفية للنساء القدرة على التمرّد دائما والسينما صوتهنّ



السينما تسبر اغوار الروح وتبحث في انسانية الانسان، السينما لحظة توثيق لذاكرة وفعل وحركة لا تفنى وان غاب الجسد البشري.

السينما الوثائقية سلاح للتعبير والتغيير فهي الوسيلة المثالية لالتقاط حقائق الحياة، مساحة للتعبير والتلقائية والحقيقة اختارتها وفاء خرفية ليكون صوت المهمشين والباحثين عن حقهم في الحياة الكريمة وكل الحقوق المضمنة في الدستور التونسي عبر فيلمها الوثائقي “انا مغتصِة”.

الفيلم يقدم قصة منجية، فلاحة بلا أرض، مُصنفة كمغتصبة من قبل الدولة، تكشف لنا عالمها وجهودها في ترميم سبخة لتحويلها إلى واحة، والتحديات التي واجهتها والفيلم يدافع عن النساء الفلاحات وحقهنّ في الكرامة.

تدافع السينما عن حقوق الاقليات والمستضعفين، بالسينما يعرف الجمهور حكايات الاخرين ويلامس وجعهم وعبر الكاميرا اختارت المخرجة وفاء خرفية الانصات لوجيعة وحكايات “خالتي منجية” العاملة الفلاحية في منطقة غنوش ولاية قابس، خالتي منجية امراة تونسية حرة ومثابرة، امراة شجاعة تحدت واقعها لتعيش وتكسب قوتها بجهدتها، منجية عينة كغيرها ممن يشتغلن في الفلاحة، يزرعن الارض ويحرثنها ويبذرنها حبا حتى تزهر وتنتج، نساء منحنيات الظهر تركت السنون اثارها على ملامح الوجه وتقويسة الجسد وتفاصيل عديدة يجدها مشاهدي فيلم “انا مغتصٍبة” عملت عليها المخرجة في لقطات ثابتة مع استعمال تقنية “الزوم” لتبرز للمتلقي مدى معاناة الروح والجسد معا، والفيلم ليس عن الزراعة فقط بل يدافع عن كرامة الانسان وحقه في حياة عادلة.


“انا مغتصِبة” فيلم وثائقي تونسي الروح والانتاج والفكرة اخرجته مبدعة ملتزمة بقضايا النساء والارض في وطنها، مخرجة تؤمن انّ الارض تستحق النضال لاجلها، فنانة تدافع عن قضايا ابناء جلدتها عبر الكاميرا ووجدت في خالتي منجية وبقية الفلاحات نقطة مشتركة فجميعهنّ يعملن ويكدحن ليدافعن عن وجودهنّ وعن الارض “ارضي استصلحتها، عملت فيها لاعوام طويلة ولن اسمح لاحد باخذها مني حتى لو كانت الدولة” كما تقول خالتي منجية اثناء عملها اليومي في دفاعها عن الارض والحياة.


ترواح المخرجة بين المشاهد العامة للمكان وتتنقل الى الاقرب والاكثر خصوصية، تبدع في التقاط تفاصيل عمل الفلاحات وحركتهنّ الدائمة لبعث الحياة في المكان، فهنّ يعاندن الملح والتربة المالحة حتى يصنعن حياة اخرى ويزرعن الخضار ويحيين المكان الذي كان نسيّا فمنجية استصلحت السبخة وحوّلتها من مكان مهجور الى ارض خصبة تنتج قوت يومها وقوت اطفالها، في الفيلم تعتمد المخرجة على موسيقى الطبيعة كمؤثرات صوتية، فهدير امواج البحر غير البعيدة عن مكان التصوير، وصوت الرياح اثناء العمل وهدوء الطبيعة وخشخشات الاعشاب جميعها توظفها الفنانة لتصبح موسيقى العرض وتضفي جماليات سمعية تمتع اذن متلقي الفيلم، لان المخرجة دائما تبحث عن التفاصيل وتعود الى الاصل في انجازها لعملها السينمائي.


فالسينما بلا شك محتواة في خضم الالتزام الفني و الجمالي بمختلف عناصره من صورة و صوت وروابط و موضوع و شخصيات ورموز، فقط يصبح الفن أشد فنا بانعكاس الواقع من خلاله بمختلف ٱليات الفن. الفن متزامن بطبعه مع الجمال فقط تخليده ان صح التعبير هو النبوغ من خلال دفع امتداده اللامتناهي في التألق بأحداث وألوان وزوايا الواقع ويبقى بنظري القفز عن قضايا الإنسان عزل للفن و خاصة السينما بمعنى أن المزهرية جميلة ولكن بنظري أن مسار حكايا البحث عن الطين و غسله و تجفيفه و نقله و عجنه وتشكيله أجمل لحد اللحظة عند التمعن في الأعمال الفنية العظيمة نعيش للحظة مع الجماليات والتكنيك و لكن نبحر بخيالنا بمحاولة استحضار الخرافة وراء مجون عمر الخيام أو معاناة فانغوغ وجنون هيتشكوك حسب تعبير المخرجة وفاء خرفية للمغرب.

“انا مغتصٍبة” عنوان يرجّ وجريء ومتابع الفيلم يكتشف ان منجية ليست ضحية بل امراة عانت الواقع لتخرج من دائرة الفقر والعمل تحت سلطة الاخرين واختارت ان تحوّل السبخة الى ارض منتجة، ربما “اغتصبت” منجية الارض كما تقول وسط الفيلم ولكنها اغتصبتها لتعيش، اغتصبتها لتواصل الحياة وبعثت فيها الحياة ايضا، فالعلاقة بين منجية وتلكط القطعة من الارض علاقة تلازمية فلا الارض حيّة دون جراة منجية، ولا منجية قادرة عن شظف العيش وتحمله دون تلك الارض الصغيرة وكلتاهما ترمز لفكرة ابرز هي العطاء.


اختارت وفاء خرفية ان يكون فيلما اجتماعي لايمانها بقدرة السينما على التغيير، واختارت عنوانا مربكا لمعرفتها بقيمة العتبة في بعث الاسئلة، وتوجهت الى الوثائقي لانه ينقل صدق الانسان ويلازم حكايته ووجعه معا، لانّ السينما منذ الوهلة الأولى ولدت وثائقية و صادقة في عكسها لصور الواقع صامتة مثابرة وهي ابنة الضوء والتقنية ولعلني لم أتجاوز اللحظة الأولى بإختياري لمدرسة بذاتها في بحر السينما الوثائقية يستدعيني الواقع و تستدعيني الحكايات و تجلبني لحظات القصووية فتبقى في نظري أشد اللقطات جمالا هي اللقطات المعتقة بالمقاومة وبالصمود والكفاح كما تقول المخرجة.


يدافع الفيلم عن النساء الفلاحات، يكشف احلامهنّ ومعاناتهنّ، بالكاميرا ينصت المتفرج لبوح النساء الفلاحات وصعوبة العمل لدى الغير، ويطرح لفيلم ايضا العديد من المواضيع المتعلقة بالبيئة والهجرة واحلام الشباب المسروقة والبطالة جميعها مواضيع اجتماعية تعمل عليها خرفية وتدافع عنها بالسينما، فمنهم تستلهم القوة لتبدع ومن السينما تستمد قوتها لتكون صوت ابناء وطنها ونسائه.


وفاء خرفية مخرجة ملتزمة بالقضايا العادلة وتدافع عن الحقوق والكرامة بالفن “للأمانة أعتقد ان للإنسان نزعة نحو الاقتراب والتفاعل بما يشبهه بشكل لا إيرادي و يبحث عن نفسه فيه ولعلني سحبت في إطار بحثي الفني أو المدني بالاساس لقضايا الجنوب ، والمرأة جنوب المتوسط بما يسكنه من عمق جمالي وتاريخي و رهانات في عالم الصراعات والاستعمار الجديد و المرأة وخاصة المرأة العربية بما تمثله من تكثف لكل القضايا، فقط أود أن أشير اني خلال تجربتي في المجالين الفني و المدني استفزتني دائما صورة المرأة الضعيفة والمكسورة المرأة الضحية المرأة التي في حاجة لٱليات حماية لا يسعني الا اعتبارها رغم الاجتهادات مساحيق لإخفاء ٱثار التعنيف الحقيقية”.

مصدر المقال على: الرابط