واحة فم الحصن: نضالات ضد زراعة البطيخ الأحمر وتدمير الفرشة المائية



يمر المغرب حاليا بأزمة جفاف حادة تضرب البلد، وتهدد ثروته المائية التي يجري تدمير قسم رئيس منها بفتح أبواب الاستثمار الرأسمالي في زراعة البطيخ الأحمر وغيره من المنتوجات الفلاحية الموجهة إلى التصدير والمستنزفة للفرشة المائية.

تشهد واحة فم الحصن إحدى مناطق المغرب بالجنوب الشرقي، منذ مدة نضالات واحتجاجات للسكان المحليين الرافضين لاستنزاف مواردهم المائية بعد غزو زراعة البطيخ الأحمر (الدلاح) لمنطقتهم.

أجرى موقع سيادة الحوار التالي مع أحد أبناء فم الحصن الذي يشرح لنا سياق نضالات صغار الفلاحين و السكان القرويين ضد تدمير الحياة في فم الحصن ونواحيها.

سيادة: هل يمكن أن تُعطي نبذة تعريفية قصيرة حول واحة فم الحصن ؟ الأوضاع الاجتماعية للسكان وأهم مصادر العيش؟

فم الحصن هي مدينة تقع بإقليم طاطا، بالجنوب الشرقي للمغرب وتزخر بمجموعة من الواحات (واحة إشت، إمي أوكادير، واحة تنزيضا، واحة تيغيرت، واحة إمي وتو). وقد كانت في ما مضى عنصرًا مهمًا في النظام الاقتصادي من خلال ممارسة النشاط الفلاحي، حيث تتميز هذه الواحة بإنتاج التمور إلى جانب الزراعات المعيشية والعلفية الأخرى. وتعتمد على نظام السقي التقليدي المسمى “الخطارات”، ولكن مع توالي سنوات الجفاف وبداية غزو بعض الزراعات الدخيلة بدأت الواحة تفقد ريعانها ولون الخضرة الذي كان يكتسيها.

بالنسبة للأوضاع الاجتماعية للسكان وكحال كل مناطق المغرب “غير النافع”، فلا حال غير التهميش وغياب الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات العمومية، مما أدى إلى هجرة متلاحقة للسكان. هذه الأخيرة التي يعتمد نمط عيش سكانها على تربية الماشية والرعي على نمط الترحال، وكذا الاعتماد على بيع التمور و بعض الزراعات المعيشية ومداخليها على قلتها مثل (الفصة، الحناء، البصل ، النعناع…).

سيادة : منذ متى بدأت زراعة الدلاح في واحة فم الحصن؟ ومن هم المستثمرون في الواحة؟ وهل هناك فكرة عن المساحة المزروعة بالدلاح ؟

أولا، تحية لشبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية على اهتماهم بنضال ساكنة فم الحصن – إقليم طاطا ضد زراعة البطيخ الأحمر بالمنطقة.

كإجابة على سؤالك، يمكن حصر هذه الزراعة في المنطقة زمنيًا خلال الخمس سنوات الأخيرة، حيث اقتصرت في البداية على مساحات صغيرة نسبيا لم تتجاوز ضيعتين ضواحي قرية تيغيرت على الطريق الوطنية نحو أسا. إلا أنه خلال السنتين الأخيرتين بدأت المساحات المستغلة بالتوسع من ناحية المساحة وعدد “المستثمرين” في ثلاث مناطق مختلفة محيطة بالبلدة (ضواحي قرية تيغيرت، فايجة إشت، مومرسال).

البطيخ الأحمر
جانب من احتجاجات الساكنة على استنزاف مياه الواحة

في الشق الثاني من سؤالك، لا نتفق مع عبارة “مستثمر” ونستبدلها هنا بلفظ “مُستغل” للأرض من أجل تصدير مياهها الثمينة، خاصة في سنوات الجفاف التي تعيشها المنطقة مقابل منطق قائم على الربح الخاص. فالاستثمار في تعريفه الاقتصادي هو مرادف للتنمية والرخاء والمنفعة للمنطقة. والواقع هنا وحقيقة الأمر هو أن حالة زراعة البطيخ الأحمر بالمنطقة هو استنزاف للفرشة المائية التي هي أساس استقرار الإنسان الواحي وبالتالي تهديده بالتهجير. كما أن هذه الزراعة الموسمية يتم فيها تشغيل نساء المنطقة بدون احترام قوانين الشغل (ساعات العمل، غياب التغطية الصحية…) في استغلال سافر من طرف أصحاب الضيعات لليد العاملة في شروط أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا إنسانية.

أما بالنسبة للمستغلين والمساحة المزروعة، فالأرقام تبقى تقريبية في غياب الاحصائيات من الجهات الرسمية، لكن توجد أرقام تقريبية حسب كل منطقة.

✓ ضواحي واحة تيغيرت (10 كيلومترات غرب البلدة)

  • المستغل 1 : 4 هكتارات
  • المستغل2: 20 هكتارات
  • المستغل3: 3 هكتارات
  • المستغل 4 : 3هكتارات
  • المستغل 5 : 10 هكتارات

✓ ضواحي مومرسال (شرق البلد )

  • المستغل 1 :20 هكتار
  • المستغل 2 : 15 هكتار
  • المستغل 3: 10 هكتارات
  • المستغل 4 : 5 هكتارات

✓ فايجة إشت :

  • المستغل1 : 15 هكتار
  • المستغل 2: 10 هكتارات

سيادة: كيف أثرت زراعة الدلاح على الفرشة المائية؟

حسب الاحصائيات المتخصصة في المجال، كل هكتار من البطيخ الأحمر يستهلك أكثر من خمسة آلاف طن من المياه الباطنية صعبة التجدد، فهذه الزراعة الاستوائية الأصل هي فاكهة دخيلة على المنطقة ولا تلائم خصائصها الجغرافية. بالإضافة إلى الآبار غير المرخصة التي تحفر بدون تراخيص والتي تضاعف عددها منذ بداية هذه الزراعة بالمنطقة.

ضد البطيخ الأحمر

كما أن هذه الضيعات تتواجد بالقرب من منابع العيون التي تسقي واحات البلدة، الشيء الذي أسهم في تراجع العديد من هذه العيون ونضوب بعضها بشكل نهائي. فبالنسبة لواحة تيغيرت (10كيلومترات ضواحي فم الحصن ) توقف جريان العين بشكل كامل منذ بداية زراعة البطيخ الأحمر، في حين انخفض صبيب عين كل من “إمي اوتو” و “إيمي أوكادير” بشكل ملحوظ، مما تسبب في تراجع كل الزراعات المعيشية والعلفية التي كانت تعرفها واحة فم الحصن، دون نسيان تأثر فئة الرُحل وماشيتهم بسبب نضوب الآبار داخل المجال الرعوي.

سيادة : ما هو مصير صغار الفلاحين والفلاحات المعيشية في الواحة؟ وماهي أهم المنتوجات المعاشية في الواحة ؟ وكيف تضررت من زراعة الدلاح ؟

تعتبر الواحة منتوجا إنسانيا فريدا في فضاء الصحراء المتوحش، وفهم وضعيتها الراهنة يتطلب منا نوعًا من البحث في تاريخها والانفتاح على مجموعة من العلوم الاجتماعية كالأنتربولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ وغيرها من الحقول المعرفية من أجل فهم سياقات الحاضر، وفهم الأعطاب التنموية وفشل المخططات التي لا تناسب الواحة وخصوصيتها شكلا ومضمونا.

فالماء والأرض هم أساس الاستقرار لدى الإنسان الواحي، ولكي نتحرى المصداقية والأمانة العلمية فنضالنا المستميث ضد زراعة البطيخ الأحمر هو بمثابة إنذار استباقي لتفادي سيناريو زاݣورة، كون نتائج هذه الزراعة تظهر على المستوى المتوسط والبعيد. ولكن هذا لا ينفي أنه بالنسبة لواحة تيغيرت عرفت توقف كلي للعيون المائية التي كانت تسقي أشجار النخيل وباقي الزراعات المعيشية، وتحولت واحتها التي كانت تنبض بالحياة إلى أطلال تحتوي على جرح دفين، والحال لا يختلف عن باقي الواحات الأخرى بالبلدة، حيث أصبحت على حواشيها جذوع أشجار النخيل ساقطة على الأرض بعد طول مقاومة.

وأمام هذا الوضع استسلم صغار الفلاحين بالمنطقة للأمر الواقع، وتخلوا عن الزراعات المعيشية التي يكسبون منها بعض القوت مثل: اللفت والجزر والبصل والفصة، إلى جانب التمر الذي يعتبر أحد أكبر الزراعات المعيشية بفم الحصن بشكل خاص واقليم طاطا بشكل عام.

سيادة : نود أن نعرف الخطوات النضالية التي قام بها السكان ضد هذه الزارعة الاستنزافية ؟

كما هو معروف أن فم الحصن تُلقب بأرض النضال، وباعتبارها من المناطق القليلة بالمغرب التي لا تعرف المهادنة وتعرف اندلاع أشكال احتجاجية بشكل متقطع (الحركة التلاميذية، تنسيقية الطلبة…). وأمام استفحال الأوضاع بالبلدة، تم إنشاء تنسيقية محلية ضد زراعة البطيخ الأحمر بالمنطقة، وسبق ذلك مجموعة من النقاشات والحملات الإعلامية لتحليل الأمر وتفكيك بنيته. وعودة لنضالنا ضد هذه زراعة البطيخ الاحمر هو نضال ضد نموذج فلاحي قائم على تصدير زراعات مستنزفة للماء، الذي يوضح بالملموس أن سياسة الدولة في الماء هي جزء من المشكل وليس من الحل. لأن المنطق الرأسمالي القائم على الربح الخاص يتعارض مع الحفاظ على الثروات المائية.

البطيخ الأحمر
عرفت الحركة مشاركة المرأة الحصنية في الأشكال والمسيرات الاحتجاجية.

من هذا المنطلق ومن هذا الفهم، تحركت الحركة الاحتجاجية داخل بلدة فم الحصن من أجل المطالبة بإغلاق الآبار غير المرخصة التي حُفرت بتواطئ مع المسؤولين. ونضالنا هو كذلك نضال استباقي لدرء الخطر عن البلدة وصون حق الأجيال القادمة في الماء الشروب. فهذه الزراعة تميط اللثام عن الوجه الذميم للنظام الرأسمالي الذي يجني أرباحا هائلة ويراكم الأرباح دون مبالاة منه بما يسببه من استنزاف لثروات المنطقة وفرشاتها المائية، بالإضافة إلى إفقار التربة بسبب الأسمدة الصناعية والمبيدات الكيماوية. لذلك كان من غير المقبول أن نساهم بصمتنا في جريمة إعدام الواحة، فبعد عدة مراسلات للجهات المعنية بدون أي نتيجة، خرجت الساكنة في وقفات احتجاجية بأماكن مختلفة من البلدة من أجل المطالبة بوقف هذه الزراعة بتراب فم الحصن.

سيادة: كيف تعاملت معكم السلطات؟

بعد استمرار الأشكال النضالية لما يزيد عن الشهر، نهجت السلطات المعنية سياسة الآذان الصماء تجاه كل مطالب الساكنة ما يكشف تواطئها مع لوبيات زراعة البطيخ الأحمر، بل الأكثر من ذلك تم اعتقال شخصين من أعضاء الحراك ومتابعة عدد كبير من الأفراد بشكايات كييدية لثنيهم عن المشاركة في الأشكال النضالية وإجهاض الحركة الاحتجاجية.

لكن هذه الاعتقالات والمتابعات أججت جذوة النضال وساهمت في التفاف الساكنة حول التنسيقية المحلية كما عرفت كذلك الحركة مشاركة المرأة الحصنية في الأشكال والمسيرات الاحتجاجية.

سيادة: ماهي آفاق نضالكم ضد هذه الاستثمارات الزراعية المدمرة لبلدتكم؟

بالنسبة لأفق المعركة وبعد الخطاب الملكي الأخير فإننا كنا نتوقع تفاعلا إيجابيا من المسؤولين واستصدار قرار عاملي يمنع زراعة البطيخ الأحمر بالمنطقة ويقوم بردم الآبار غير مرخصة، إلا أن الرسائل المستقاة في التصريح الأخير لعامل إقليم طاطا خلال اليوم الدراسي المنظم بعمالة إقليم طاطا، توحي بأن مطلبنا مازال بعيد المنال وأن هذا المسؤول يغرد بعيدا عن سرب خطاب الملك الأخير.

زراعة البطيخ الأحمر
إن الرهان هو انضمام باقي مناطق طاطا المتضررة من زراعة البطيخ الأحمر، وتوسيع رقعة الاحتجاجات

لذلك فإن الرهان هو انضمام باقي مناطق طاطا المتضررة من زراعة البطيخ الأحمر، وتوسيع رقعة الاحتجاجات من أجل الضغط ميدانيا لمنع هذه الزراعة التي تهدد الاستقرار في كل ربوع إقليم طاطا. فالتجارب النضالية علمتنا أن المخزن يراهن على نشر حالة اليأس والمتابعات والترهيب، كما نؤكد كذلك أن المعارك تحتاج للنفس الطويل وتنويع الأشكال الاحتجاجية من أجل الضغط على مراكز القرار للتحرك ضد كل الزراعات الاستنزافية التي أصبح إقليم طاطا يشهدها في الآونة الأخيرة.

سيادة: كلمة أخيرة ؟

كلمتي ستكون على شكل نداء لكل أبناء إقليم طاطا، هذا الإقليم الذي يعرف تهميشا كبيرا من قبل المسؤولين، حيث بالكاد يكون له حضور في أي مشروع مبرمج من طرف الجهة. إلا أنه وفي معادلة غريبة وغير سوية أصبح في الآونة الأخيرة وجهة مفضلة لكبار الفلاحين الذين حولوه لضيعات فلاحية تستنزف الثروة المائية، دون أن يستفيد أبناء الإقليم أي شيء. وبالتالي أُناشد كل أبناء الإقليم وكل الضمائر الحية والغيورة على واحات طاطا، أن تلتحق وتتحرك على المستوى المحلي ثم توحيد النضالات على المستوى الاقليمي، للدفاع عن واحات طاطا المهددة بالانقراض وكذلك الدفاع عن حق الانسان الطاطاوي في الاستقرار، والتصدي لأي استنزاف للثروات المائية والمعدنية لإقليم طاطا.