إصدار جديد: “الفلاحون وفن الزراعة”



الفلاحون وفن الزراعة ليان داو فان در بلوخ هو الكتاب الثاني في سلسلة كتب التغيّر الفلاحي الصادرة عن "مبادراتٌ في الدراسات الفلاحية النقدية"؛ إذ كان الأول كتاب هنري برنستين الطبقة والتغيّر الفلاحي. يليق بكتاب يان داو بالفعل أن يكون المتابعة المثلى لكتاب هنري. إذ يعيد هذان الكتابان، معًا، التأكيد على ما لعدسات الاقتصاد السياسي الزراعي التحليلية من أهمية وشأن استراتيجيين في الدراسات الزراعية الراهنة. وهذا ما يَعِدُ، إلى جانب النوعية الرفيعة عالمية المستوى، بأنّ الكتب التالية في السلسلة سوف تكون ذات شأن سياسيًا ومتّسمة بالصرامة علميًا.

***

على الرغم من الخلط والمعلومات المضلّلة والضوضاء جميعاً، بات من الواضح أكثر من أيّ وقت مضى أنّ البشرية تواجه، كما لم تواجه من قبل، خيارًا أساسيًا: هل ينتِجُ طعامَنا الفلّاحون الذين يعملون كقيّمين على الموارد الطبيعية التي يستخدمونها، أم يمكن أن يُنظَّم إنتاج الطعام بوصفه مهمة من مهمات رأس المال والتكنولوجيا وتدفق السلع؛ أي من دون أيّ لجوء إلى الطبيعة الحيّة والعمل الفلّاحي؟

إذا ما توفّر للزراعة الفلّاحية الفضاء الاقتصادي السياسي اللازم، فإنّها يمكن أن تكون أكثر إنتاجية من الزراعة الرأسمالية وأكثر استدامة، الأمر الذي يصحّ  من دون أن تقف الإنتاجية في تعارض مع الاستدامة أو العكس. ولقد تبيّن أنّ هذا هو الحال على مرّ التاريخ وباختلاف الأمكنة. لكنَّ هذه الواقعة مهما ثبتت، يبقى مصيرها التجاهل، لأنّها حقيقةٌ لا تواتي مصالح خاصة كثيرة.

لكنَّ التاريخ بلغ بنا ذلك الحدّ الذي لا يمكن عنده إنكار الحاجة إلى الجمع بين تخفيف الفقر وكبح التغير المناخي وبناء السيادة الغذائية وتنمية الريف. ليست القضية إنتاجَ مزيد من الطعام. القضية الحقّة هي أين يُنتَج، ومن ينتجه، وكيف. وهذا كلّه يشير إلى أنّ الزراعة الفلّاحية يجب أن توضع موضع الصدارة وتكون محور الاهتمام.

يوجد في العالم اليوم نحو 500 مليون أسرة فلّاحية تعمل بالزراعة. ولو حسبنا أنَّ العدد المتوسط ​​لأفراد كلّ أسرة هو 6 أفراد، فهذا يعني أنّ حوالى 3 مليارات شخص يعتمدون على الزراعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لكنّ غالبيتهم العظمى تعيش في حالة فقر مُوْئِس وتواجه سياساتٍ للسوق وشروطاً لهذه السوق لا تفتأ تهمّشها. وعادة ما يُشار إلى هؤلاء على نحو ملطَّف بأنّهم “فقراء الريف”. والحال أنّهم الملعونون في الأرض.

لم يسبق للعلم في شطره الأكبر أن أخذ الفلّاحين والزراعة الفلّاحية على محمل الجدّ. وبصرف النظر عن الجهل الذي أفضى إليه ذلك، فإنّ هذا العلم ذاته يعتزم الآن مزيداً من قولبة الزراعة بما يتوافق مع سيناريو متمركز حول رأس المال. وفي هذا السياق، يغدو استكشاف ديناميات الزراعة الفلّاحية وتمثّلها وإقرار صلاحيتها واجبًا مهمًّا ومسؤولية جليلة.

تقع مساهمة ألكسندر فاسيليفيتش تشايانوف عند هذا المفصل بالضبط: إذ أوضح على نحوٍ مُقْنِع كيف – ولماذا – تخلق الزراعة الفلّاحية أنساق نموٍّ وتنمية جامعة، تُدني ولا تُقصي، وتقوم في الوقت ذاته على الموارد الاجتماعية والطبيعية المتوفّرة وعلى إعادة إنتاجها بمرور الزمن. ولقد أعادت العقود الأخيرة إحياء هذا التبصّر القوي، وعزّزته، وأحكمته مزيدًا من الإحكام في دفقٍ لا يني يتّسع من الدراسات العلمية. كما تبنّته حركة La Via Campesina (نهج الفلاحين) التي تقول بفخر: “نحن نطعم شعوبنا ونبني الحركة لنغيّر العالم” (إعلان ديرايو، 2017). وهو تبصّر يواصل إلهام كثير من الناشطين الذين يدافعون عن الزراعة الفلّاحية في الوقت الذي يساهمون في تغيير العالم نحو الأفضل.

توضح المعمعة الراهنة، معمعة أزمة المناخ وجائحة كوفيد- 19 ومحاولات تفكيك إطار الأمم المتحدة الخاص بالزراعة والغذاء والتهديدات المتعددة بالاستيلاء على الموارد والمزيد من إخضاع أهل الريف لرأس المال، أنَّ كلًّا من إرث تشايانوف والمحاولات الكثيرة للبناء على عمله هما أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى. آمُلُ من كلّ قلبي أن تكون هذه الطبعة الجديدة المفتوحة مفيدة في هذا الصدد.

يان داو فان دِر بلوخ

يمكنكم\ن الاطلاع على الكتاب وتحميله من: الــرابــط