جحيم الحرب: واقع إنتاج واستهلاك الغذاء في فلسطين



منذ احتلال إسرائيل غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، في حزيران/يونيو 1967، خضـع الاقتصاد الفلسـطيني، والذي تُعتبر الزراعةُ أحدَ أعمدته الأساسية، للسـيطرة الإسرائيلية. يتميز الاقتصاد الفلسطيني (شأنه شأن اقتصادات المنطقة) بغلبة القطاع الثالث (الخدمات) وتقلص القطاعين الأول (الزراعة) والثاني (الصناعة)(1):

الناتج المحلي الفلسطيني

منذ ذلك الوقت، خضع القطاع لأوامر الاحتلال العسـكرية، والتـي شـكّلت الإطار القانونـي والتنظيمي لنشاطه واتجاهات تطوره، وذلك ضمن خطـط اسـتراتيجية تهـدف إلـى تعميق تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، بحيث يصعب عليه الانفكاك عن هذه التبعية. تمثلت هذه التبعية في استخدام الأراضي الفلسطينية كسوق مهمة للسلع الإسرائيلية، ومصدر للعمالة الرخيصة. كما تمثلت في الاستيلاء على الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية الفلسطينية، ما أضعف القدرة على الإنتاج الزراعي المحلي وزاد من الاعتماد على واردات الغذاء.

لم يكن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وليد تلك الفترة، بل يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث بدأت الهجرات اليهودية إلى فلسطين بزعم تحقيق حلمهم في إقامة دولة قومية يهودية. تصاعد الصراع مع اتساع نطاق الهجرة اليهودية وتزايد المطالب القومية، مما أدى في النهاية إلى إعلان قيام الكيان الصهيوني في عام 1948.

أدى قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية والحروب التي نشبت بعدها إلى نكبة الشعب الفلسطيني، حيث هُجِّرت مئات الآلاف من الفلسطينيين- ات، وصودرت الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية من قبل الدولة الصهيونية الجديدة. هذا التاريخ المؤلم أثر بشكل كبير على قدرة الفلسطينيين- ات على الوصول إلى الغذاء وتأمين احتياجاتهم الأساسية. وزادت تحديات تأمين الغذاء مع تصاعد التوترات والمواجهات العسكرية والتوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المصادَرة. منذ ذلك الحين، يعاني الفلسطينيون- ات من تحديات كبيرة تحول بينهم وبين إنتاج غذائهم، وبالتالي أثر سلباً على السيادة الغذائية  في فلسطين.


يعد الاحتلال الإسرائيلي عاملاً رئيسياً في تعطيل سلاسل الإنتاج والتوزيع، وتقييد حركة التجارة والتبادل الغذائي، وذلك نتيجة التدمير الذي يلحق بالبنية التحتية والموارد الاقتصادية والبشرية، حيث تعمل إسرائيل على فرض قيود صارمة على حركة التجارة والتبادل الغذائي، مما يؤثر بشكل سلبي على اقتصاد الفلسطينيين- ات وحياتهم- هن اليومية وفي ما يلي بعض التأثيرات السلبية التي تركها الاحتلال الإسرائيلي على سلاسل الإنتاج والتوريد:

1- تدمير البنية التحتية: يدمر القصف خلال الحروب المتكررة المنشآت الصناعية والمزارع والمخازن والموانئ والطرق والجسور، مما يعطل عمليات الإنتاج والتوريد والتوزيع. شهد قطاع غزة (2) منذ بداية القرن الواحد والعشرين حروبا متتالية دمرت القطاع الزراعي بنسبة كبيرة، وسببت في اعتزال الكثير من المزارعين/ات حرفة الزراعة وامتهان حرف أخرى لتوفير قوت يومهم- هن، نظراً لعدم قدرتهم- هن على إعادة بناء ما دمره الاحتلال. كذلك الأمر في الضفة الغربية، حيث أن جدار الفصل العنصري والتوسع الاستيطاني التهم الكثير من الأراضي الزراعية، الأمر الذي ساهم في تقليل الناتج المحلي الفلسطيني على مستوى القطاع الزراعي.

2- قطع الطرق والحواجز العسكرية: هي إحدى السياسات التي تنتهجها إسرائيل في الضفة الغربية للتحكم في حركة الأفراد والبضائع. تتضمن هذه الحواجز والمعوقات العسكرية شبكة متشعبة من الجدران والسواتر والحواجز الطينية والبوابات الحديدية، التي تعيق حركة السلع والأفراد داخل الضفة الغربية. مزَّق الاحتلال الضفة الغربية إلى خمس مناطق محددة من خلال شبكة الحواجز والمعوقات: شمال الضفة (محافظة جنين، نابلس وطولكرم)، وسط الضفة (محافظات سلفيت، قلقيلية، رام الله وجيب أريحا)؛ جنوب الضفة الغربية (محافظات بيت لحم والخليل)؛ الأغوار وشمال البحر الميت (باستثناء جيب أريحا)؛ وشرقي القدس. إن المرور من منطقة إلى أخرى محدود للغاية، وفي بعض الأحيان غير متاح. تعرقل شبكة الحواجز هذه بشكل كبير حركة السلع وتزيد من تكاليف الشحن والتوزيع، مما يتسبب في تأخيرات كبيرة وتعقيدات في عمليات النقل والتوزيع.
علاوة على ذلك، يؤثر هذا التقسيم على اقتصاد الضفة الغربية بشكل عام، حيث يعيق حركة العمالة والأفراد بين المناطق، مما يؤثر سلبًا على الأعمال التجارية والصناعية والزراعية. كما يعيق هذا التقسيم أيضًا الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس والأسواق، مما يؤثر على جودة حياة السكان ويزيد من تكاليف الحياة.


كذلك الحال في قطاع غزة، أين تشكل إقامة الحواجز العسكرية واحدة من السياسات التي تتبعها إسرائيل للسيطرة على الغذاء وإنتاجه هناك. هذا النوع من السيطرة على سلاسل الإنتاج والتوريد في غزة ينتج أثارا سلبية على القطاع الزراعي وهي كالتالي:

    • تقييد الحركة والوصول للموارد: إقامة الحواجز العسكرية وقطع الطرق يعيق حركة السلع والموارد الغذائية داخل قطاع غزة. يتسبب ذلك في تأخير توزيع الغذاء وتزايد تكاليف الشحن والنقل، الأمر الذي يسهم في فسادها في بعض الأحيان. ومن جهة أخرى قد يضطر التجار إلى رفع سعر هذه البضائع نتيجةً لزيادة تكاليف النقل. كما تفرض إسرائيل قيودا وتعقيدات جسمية على مرور مدخلات الإنتاج الزراعية، الأمر الذي يضطر المزارعين- ات إلى استخدام بدائل أخرى تسهم في تقليل انتاجيتهم- هن كالأسمدة مثلا وشبكات الري الحديثة.
    • تأثير على الإنتاجية الزراعية: تقييد الوصول إلى الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية ومدخلات الإنتاج الجيدة بسبب الحواجز العسكرية يقلل من الإنتاجية الزراعية في غزة، مما يقلل من الكميات المتوفرة من المنتجات الغذائية (3) المحلية وبالتالي الناتج المحلي، الأمر الذي يحول دون تحقيق سيادة غذائية ويزيد من تبعية أهالي القطاع لإسرائيل وحاجتهم للسلع الغذائية التي تتحكم بها وتشرف على مرورها من خلال معبر كرم شالوم.
    • التأثير على الاقتصاد المحلي: تقييد الحركة وزيادة تكاليف الشحن يؤدي إلى تعقيدات في سلاسل التوريد ويزيد من التكاليف الإجمالية للإنتاج، مما يجعل السلع الغذائية المحلية أقل تنافسية مقارنة بالواردات.
    • تبعية للاقتصاد الإسرائيلي (4): بسبب القيود على حركة السلع والأفراد، يتعين على قطاع غزة الاعتماد بشكل كبير على واردات الغذاء من إسرائيل، مما يجعله أكثر تبعية للاقتصاد الإسرائيلي ويزيد من استيطان الاعتماد (5).

    3- انقطاع الكهرباء والمياه: يتسبب القصف والتدمير في انقطاع التيار الكهربائي والمياه النظيفة، مما يؤثر على قدرة المصانع والمزارع على الإنتاج بشكل طبيعي.، فمثلا في ما يتعلق بقطاع الإنتاج الحيواني تعد الكهرباء عاملا أساسيا لاستكمال العميلة الإنتاجية، لذلك يُؤدي انقطاعها إلى نفوق الحيوانات، كقطاع الدواجن مثلا الذي يعتمد كثيرا على الكهرباء. أيضاً الكهرباء ضرورية لري المزروعات وضمان انتظام المياه لضمان إنتاجية جيدة، وفي حال حدوث عكس ذلك سيعود بنتائج كارثية على المزارعين- ات. وهذا ما تفعله إسرائيل في فلسطين، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، الأمر الذي يدفع المزارعين- ات لاستخدام بدائل باهظة الثمن، وبالتالي يترتب على ذلك ارتفاع تكاليف إنتاج السلع وتقلل من تنافسيتها في الأسواق مقارنة بالمنتجات المستوردة.

    4- تشتت القوى العاملة: يؤدي النزوح السكاني والتهجير الذي تفرضه إسرائيل نتيجة التهجير القسري للسكان في الضفة الغربية إلى تشتت القوى العاملة ونقص في اليد العاملة المهرة، مما يسبب تأخيرا في عمليات الإنتاج والتوزيع.

    5- حجب الوصول إلى الموارد الأساسية: يعرقل الاحتلال الإسرائيلي الوصول إلى الموارد الأساسية مثل المياه والأراضي الزراعية، مما يقلل من إمكانية الفلسطينيين- ات في إنتاج الغذاء بشكل مستقل.

    6- التهجير والتوسع الاستيطاني: يساهم الاحتلال الإسرائيلي في تهجير المدنيين- ات الفلسطينيين- ات، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية على حساب الأراضي الزراعية الفلسطينية، مما يقلل من مساحة الأراضي المتاحة للزراعة ويؤثر سلبًا على إنتاجية القطاع الزراعي (6).

    7- التضييق الاقتصادي والمالي: يفرض الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مالية واقتصادية على الفلسطينيين- ات، ما يصعب عليهم- هن الوصول إلى التمويل اللازم لتطوير القطاع الزراعي وتحسين سلاسل الإنتاج والتوزيع.

    8- تكلفة إعادة الإعمار: بعد انتهاء النزاعات، تتطلب عمليات إعادة الإعمار جهودًا وتكاليف هائلة لإعادة بناء البنية التحتية وتعويض الخسائر الاقتصادية، وهذا يمتص جزءا من مهما من الموارد المفترض تخصيصها لإنتاج الغذاء وتوزيعه. يُظهر الجدول التالي الكلفة الهائلة للحروب المتعاقبة على فلسطين في العقدين الأخيرين (7):

      تكلفة الحرب على فلسطين

      9- تأثير على الاستثمارات الأجنبية: تثير النزاعات المستمرة عدم الاستقرار السياسي والأمني، مما يثير القلق بين المستثمرين الأجانب ويقلل من استثماراتهم في البلاد (8)، مما يؤثر سلبًا على عمليات الإنتاج والتوزيع.

      بشكل عام، يمكن القول إن الحروب والنزاعات العسكرية في فلسطين تؤثر بشكل كبير على سلاسل الإنتاج والتوزيع والتوريد، وتعيق النمو الاقتصادي وتفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

      في ظل الاحتلال الطويل، تعاني فلسطين من تحديات هائلة في مجال الأمن الغذائي (9). فالحروب والنزاعات العسكرية تترك آثاراً مدمرة على البنية التحتية واقتصاد البلاد، وهذا له تبعات على إنتاج الغذاء واستهلاكه.

      تعد الزراعة من أهم قطاعات الاقتصاد الفلسطيني، ولكنها تواجه تحديات كبيرة جراء الاحتلال والحصار. يتمثل أحد هذه التحديات في تدمير المزارع والبنى التحتية الزراعية خلال الهجمات العسكرية، مما يقلل من القدرة على الإنتاج ويؤثر على القدرة الإنتاجية للفلاحين.- ات.

      يقيد الاحتلال الوصول إلى الموارد الأساسية للزراعة مثل المياه والأراضي، مما يجعل من الصعب على المزارعين- ات تحقيق الإنتاجية القصوى. تنعكس هذه التحديات على استهلاك الغذاء، حيث يجد الأفراد أنفسهم في وضع لا يسمح لهم بالوصول إلى الغذاء الكافي والمغذي. يتسبب التدهور الاقتصادي الناجم عن الحروب في ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما يزيد من صعوبة الحصول على الغذاء.

      نتيجة لتلك التحديات، يجد الفلسطينيون- ات- هن أنفسهم مضطرين- ات إلى الاعتماد على الاستيراد لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، مما يقلل من سيادتهم الغذائية ويجعلهم أكثر تعرضًا للتبعية الاقتصادية. لتحقيق السيادة الغذائية، يجب الاستثمار في تطوير القطاع الزراعي المحلي وتعزيز القدرات الإنتاجية للفلاحين. ينبغي أيضًا توفير الدعم اللازم للمزارعين- ات لتحسين تقنيات الزراعة وتوفير البنى التحتية اللازمة. من جهة أخرى ولضمان تحسين الوضع الغذائي في فلسطين، يجب على المجتمع الدولي تكثيف جهوده للضغط على الأطراف المعنية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية التي تحول دون تحقيق سيادة غذائية. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر دعماً دولياً وتوجيه استثمارات في إعادة بناء البنية التحتية الزراعية وتعزيز القدرات الإنتاجية للمزارعين- ات.

      في ظل هذه التحديات الجمة نجد أن السيادة الغذائية هي العمود الفقري لضمان الأمن الغذائي للمجتمع الفلسطيني، لذلك يجب أن تكون أحد الأولويات الرئيسية للمجتمع الدولي، والتي تعتبر حقًا أساسيًا لكل إنسان. لذا يجب توفير الدعم اللازم لضمان تحقيقها بما يساهم في وصول الفلسطينيين إلى الغذاء الآمن والمغذي بشكل كافٍ، وذلك من خلال رفع الحصار وتوفير الدعم المالي والتقني لتطوير القطاع الزراعي. من جهة أخرى نجد أن تحقيق السيادة الغذائية في فلسطين أمرًا أساسيًا لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والتنمية المستدامة، وهذا يتطلب جهودًا مشتركة من السلطات المحلية والمجتمع الدولي لتحقيقه.

      بما أن فلسطين منطقة تقع تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي والنزاعات العسكرية المستمرة، وهو الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على حياة السكان وخاصةً في ما يتعلق بإمدادات الغذاء. يُعتبر الوضع الاقتصادي والاجتماعي في فلسطين قاسيًا بالفعل، وتزداد التحديات عندما يتصاعد الصراع المسلح، وفيما يلي ذكر لأكثر الفئات المتضررة من هذه النزاعات:

      • المزارعون/ات والصيادون والعمال/ات الزراعيون: يعتمد الكثيرون في فلسطين على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل والغذاء. وعلى إثر الصراعات المتكررة تتعرض المَزارع، والعمال- ات الزراعيون- ات للخطر، حيث تُدمَّر المزارع والمرافق الزراعية، مما يؤدي إلى فقدان مصدر رزقهم وزيادة الفقر بشكل كبير، من جهة أخرى تكون حياة العمال أكثر عرضة للخطر.

      ففي قطاع غزة، على سبيل المثال، نجد أن المناطق الحدودية مقيَّدة الوصول من قبل الجانب الإسرائيلي، كما أن أنواع الزراعات فيها محددة بحسب ما تجبرهم إسرائيل على زراعته، فهي تسمح فقط بالزراعات الحقلية الموسمية ويُمنع منعاً باتاً زراعة الأشجار المعمرة. ومن يخالف ذلك يعرض حياته وزراعته للخطر. وخلال السنوات الأخيرة فقد الكثير من المزارعين- ات حياتهم- هن أثناء العمل في هذه المناطق.

      من جهة أخرى يقوم الجيش الإسرائيلي بين الفينة والأخرى بضخ المياه العادمة على أراضي المزارعين- ات مما يؤدي إلى تدميرها بالكامل. ليس ذلك فحسب، بل تستخدم أيضاً الطائرات النفاثة لرش مواد كيميائية بحيث تحرق كل المزروعات، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر فادحة في المحاصيل والمخزونات الغذائية. هذا كله يؤثر سلبًا على قدرة الفلاحين على إنتاج الغذاء وتأمين الإمدادات الغذائية للسكان، بالتالي يؤدي إلى نقص في الإمدادات الزراعية وارتفاع في الأسعار التي يكون ضحيتها المستهلك. هذا كله يؤدي لتدمير صمود المُزارع- ة الفلسطيني- ة، الأمر الذي دفع الكثير منهم- هن للعدول عن مهنة الزراعة للتمكن من تأمين قوت يومهم- هن من مصدر آخر وتوفير غذاء كافي لأسرهم- هن.

      كذلك في ما يتعلق بقطاع الصيد، يعاني الصيادون ويلات أثناء عملهم في البحر في ظل وجود المركبات الإسرائيلية التي تملأ بحر غزة، يتعرض الكثير منهم للأسْر، وآخرون للقتل المتعمد من قبل الجيش الإسرائيلي، وكذلك تدمير مراكبهم. الأمر الذي عرض أمنهم الغذائي وحياتهم وكذلك أسرهم للخطر.

      وفي الضفة الغربية ليس الوضع أفضل بكثير، فنرى المناطق “ج” يعاني فيها المزارعون الويلات على إثر التهجير والاستيطان القسري الذي يفرضه عليهم الجيش الإسرائيلي، كما يمنع عليهم الزراعة هناك، الأمر الذي أدى لفقدان الكثير من المزارعين لمصادر رزقهم وأصبحوا تحت وطأة الفقر.

      • الأسر الفقيرة والمحتاجة: تتأثر الأسر ذات الدخل المحدود أو المعوزة بالنزاعات، حيث يصبح من الصعب عليها شراء الطعام بأسعار مرتفعة والوصول إلى المواد الغذائية الأساسية بسبب الانقطاع في التوريد وارتفاع التكاليف.
      • الأطفال والنساء: يتعرض الأطفال والنساء في فلسطين لخطر كبير خلال الحروب والنزاعات، حيث يزداد احتمال تعرضهم للجوع ونقص التغذية، كما أنهم يتأثرون بشكل خاص بانقطاع المياه النظيفة والخدمات الصحية الأساسية.
      • المهجرون والنازحون: تؤدي الحروب والنزاعات إلى نزوح السكان وتشتتهم، مما يجعل من الصعب عليهم الوصول إلى الغذاء والخدمات الأساسية. يتعرض المهجرون والنازحون لمخاطر الجوع والجفاف والأمراض بشكل عام. وفي فلسطين على وجه الخصوص نرى الاستيطان الإسرائيلي المتشعب في كل أراضي الضفة الغربية والذي فرض على السكان الأصليين نزوحا قسريا تحت تهديد السلاح.

      هذه الفئات هي الأكثر تضررًا خلال الحروب والنزاعات في فلسطين، وتتطلب جهودًا مكثفة لتقديم المساعدة والدعم لها، سواء من خلال توفير المساعدات الغذائية الطارئة أو دعم البرامج الزراعية لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتحسين الأمن الغذائي في المنطقة.

      فلسطين واحدة من البيئات الطبيعية الجميلة والمتنوعة في المنطقة العربية، ولكن النزاعات والحروب التي شهدتها على مر العصور، والتي وصلت لذروتها بعد الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948، تسبب تدميراً هائلاً للبيئة، بما في ذلك الأراضي الزراعية ومصادر المياه العذبة، ما انعكس بشكل كبير على الحياة الطبيعية والمستدامة للمجتمعات في فلسطين. نسرد أدناه بعض هذه التأثيرات التي ساهمت في تدمير الموارد الطبيعية والزراعية:

      • تأثير الأسلحة على الأرض: يتمثل تأثير الأسلحة المستخدمة من قبل الجيش الإسرائيلي على الأراضي في فلسطين في تدمير البنية التحتية الزراعية والبيئية، حيث يجري استخدام القنابل والصواريخ والذخائر الثقيلة التي تترك آثاراً مدمرة على الأرض. ينتج عنها تدمير المزارع والمحاصيل والأشجار، مما يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي وتلوث التربة وتدهور جودة الأراضي.
      • تأثير الأسلحة على الماء: تتعرض مصادر المياه العذبة في فلسطين للتلوث والتدمير بسبب الكيماويات الثقيلة المستخدمة من قبل الجيش الاسرائيلي. يجري تلويث الينابيع والآبار بالمواد الكيميائية الخطرة والفضلات الصناعية والزراعية، مما يجعلها غير صالحة للشرب أو الاستخدام في الزراعة، وهو ما يزيد من توتر الموارد المائية ونقص في المياه النظيفة للسكان والمزارعين/ات.
      • تأثير الأسلحة على المحاصيل الزراعية: تتعرض المحاصيل الزراعية في فلسطين للدمار والتلوث بسبب الأسلحة المستخدمة من قبل الإسرائيليين. تتضرر المحاصيل بسبب القنابل والصواريخ والذخائر، مما يؤدي إلى فقدان المحاصيل وتلوث الأراضي، وبالتالي ينخفض معدل الإنتاج الزراعي ويتفاقم نقص الغذاء.

      باختصار،تعد الأسلحة التي يستخدمها الجيش الاسرائيلي في فلسطين مصدرًا رئيسيًا للتلوث والدمار البيئي، ويتطلب الحفاظ على البيئة واستدامتها جهودًا دولية ومحلية للعمل على وقف استخدام الأسلحة الضارة وتوفير الدعم لإعادة بناء البنية التحتية البيئية المتضررة وحماية الموارد الطبيعية.

      يعيش الفلسطينيون- ات تحت ظروف اقتصادية صعبة بسبب الاحتلال والحصار، مما يؤثر بشكل كبير على إمكانية الوصول إلى الغذاء الآمن والمغذي.

      أحد أبرز التحديات التي يواجهها الفلسطينيون هي انعدام الأمن الغذائي، حيث يتعرض إمداد الغذاء للتهديد بسبب القيود التي يفرضها الاحتلال على الحركة والتجارة، والتدمير المتكرر للبنية التحتية والمزارع الفلسطينية. هذا يؤدي إلى اضطراب إنتاج الغذاء المحلي وتقليل الوصول إلى الأسواق. بالرغم من هذه التحديات، يُظهِر الفلسطينيون إرادة قوية للتكيف والصمود التي تساعد في تلبية الاحتياجات الغذائية وتحسين الأمن الغذائي. يلجأ الكثيرون إلى استخدام تقنيات الزراعة العضوية والزراعة المائية لتحسين إنتاجهم الزراعي وزيادة الإنتاجية رغم القيود، وأيضاً توفير الموارد المائية المحدودة. كما يعتمد البعض على الزراعة في الأماكن المحمية مثل البيوت البلاستيكية والأنفاق الزراعية لإنتاج الخضروات والفواكه في بيئة محمية، مما يساعد في تقليل التأثيرات الجوية وتحسين جودة المحاصيل.

      أيضاً تُبادل السلع الغذائية في المجتمعات المحلية، حيث يعتمد البعض على تبادل السلع الغذائية مع الجيران والأصدقاء في المجتمع المحلي، ويجري تبادل المنتجات الزراعية المحلية كوسيلة لتعزيز الوصول إلى مجموعة متنوعة من الأطعمة.

      كذلك التمويل الزراعي والدعم الحكومي، حيث تقدم الحكومة الفلسطينية والمنظمات الدولية دعمًا ماليًا وتمويلًا للمزارعين، وذلك من خلال توفير المعدات الزراعية والتدريب والمساعدة في تطوير المزارع الصغيرة.

      بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية، نرى المنظمات الإنسانية والدولية تقدم مساعدات غذائية للأسر المحتاجة في فلسطين، مما يساعد في تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية.

      كما لا ننسى التضامن المجتمعي والتنظيم الاجتماعي الذي يلجأ إليه لفلسطينيون- ات لمواجهة التحديات الاقتصادية والغذائية، حيث يعملون معًا على تبادل الموارد ودعم بعضهم البعض في ظل الظروف الصعبة.

      هذه الآليات ليست سوى بعض الأمثلة على كيفية تكيف الناس في فلسطين مع مسألة الحصول على الغذاء في ظل الاحتلال الإسرائيلي. يعتمد النجاح في هذه الجهود على التعاون المجتمعي والدعم المستمر من المنظمات الدولية والحكومة، بالإضافة إلى الإرادة والمرونة من قبل الأفراد والمجتمعات المحلية.

      تجسد الإمبريالية الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى بعض الأنظمة العربية، نوعًا من التبعية الاقتصادية التي تؤدي في بعض الأحيان إلى تجويع الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي. هذه الظاهرة تتجلى على النحو التالي:

      • الدعم الاقتصادي: تقدم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية، دعمًا اقتصاديًا لإسرائيل مع فرض شروط تجارية وسياسية. يمكن أن تشمل هذه الشروط مطالب بفتح الأسواق أو إجراءات سياسية معينة. يمكن أن يؤدي هذا التحالف الاقتصادي إلى استمرار الاعتماد الاقتصادي على إسرائيل وتقويض الجهود المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء.
      • التأثير على السياسات الاقتصادية: تؤثر الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها القوى الإقليمية والدولية المذكورة على السياسات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية. تفضي هذه الضغوط إلى تبني سياسات اقتصادية تشجع على التبعية الاقتصادية بدلاً من دعم القطاعات الزراعية المحلية وتعزيز الاكتفاء الذاتي في الغذاء.
      • القيود والحصار الاقتصادي: يفرض الاحتلال الإسرائيلي قيودًا شديدة على حركة البضائع والأفراد والموارد في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يتسبب هذا الحصار في تقييد الوصول إلى الأسواق والمواد الغذائية الأساسية، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى نقص في المعروض وزيادة في الأسعار، وبالتالي تجويع السكان.
      • الاستيلاء على الأراضي وتدمير المزارع: يستخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسات الاستيلاء على الأراضي وتدمير المزارع الفلسطينية كوسيلة لتقويض الاقتصاد المحلي وزيادة التبعية على الإمدادات الغذائية الخارجية.
      • الضغط على الأونروا: يمارس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول العربية ضغوطًا على الأونروا بشأن استمرار تمويلها، وقد تهدد هذه الضغوط بوقف التمويل، مما يؤثر على قدرة الأونروا على تقديم المساعدات الغذائية والإنسانية للفلسطينيين اللاجئين في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها.

      بشكل عام، تساهم الإمبريالية والأنظمة العربية في إبقاء الشعب الفلسطيني تحت ضغط الحاجة المستمرة للمساعدة الغذائية الدولية وفي تعزيز التبعية الاقتصادية وتجويع الشعب، مما يزيد من الاعتماد على السلطة الإسرائيلية ويعيق السيادة الاقتصادية للفلسطينيين.

      دينا شعت – فلسطين

      المقال أعلاه مأخوذ من مجلة سيادة – العدد الخامس: “الحرب والسيادة الغذائية في المنطقة العربية“. يمكنكم\ن الاطلاع على العدد وتحميله من: الرابط

       1 – [2022، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، التجارة والتنمية في دولة فلسطين من منظور النوع الاجتماعي”، جنيف].

       2- “كان قطاع غزة يساهم بحوالي ثلث الاقتصاد الفلسطيني في غالبية المؤشرات الاقتصادية حتى عام 2006، مع ملاحظة أن عدد سكانه يمثلون %40 من سكان فلسكين. بدأ تراجع مساهمة اقتصاد غزة في الناتج المحلي الفلسطيني بعد عام 2006، من حوالي %35 إلى %25 في عام 2013، وبعد عام 2014 أصبحت بحدود %19، واستمر هذا التراجع إلى %17 عام 2022، أي أن مساهمة قطاع غزة في الناتج المحلي الإجمالي تراجعت حوالي 20 نقطة مئوية منذ العام 2005”. [29- 10- 202، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، “ملخص اقتصادي حول الحرب على غزة”].

      3- “… إن السيطرة المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد والأراضي والموارد (خاصة المياه) والحدود والتخطيط الحضري وحركة الأشخاص والسلع من قبل قوة احتلال… يؤدي إلى تقييد الحركة ويمنع الوصول العادل إلى الأراضي والموارد وبالتالي فإنه يؤثر سلبا على النمو واتجاهات سوق العمل”. [2022، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، التجارة والتنمية في دولة فلسطين من منظور النوع الاجتماعي”، جنيف].

      4 – “لقد أدى بروتكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994 إلى زيادة اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على إسرائيل من خلال اتحاد جمركي لا يترك مجالا لسياسات اقتصادية فلسطينية مستقلة. لقد أدى الاتحاد الجمركي الناشئ عن هذا البروتوكول إلى ربط الأراضي الفلسطينية المحتلة بإسرائيل من خلال السياسات التجارية الإسرائيلية وآليات تحديد التعرفة الجمركية ونسب ضريبة القيمة ا لمضافة. تدير إسرائيل ملف عائدات الضرائب التجارية، مما يمنحها السيطرة على ثلثي عائدات الضرائب الفلسطينية المقدرة بمئات الملايين من الدولارات سنويا”. [2022، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، التجارة والتنمية في دولة فلسطين من منظور النوع الاجتماعي”، جنيف].

      5  – “يواجه الاقتصاد الفلسطيني العديد من التحديات تتمثل أساسا في الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرقل القيود الإسرائيلية الوصول إلى الموارد (الأرض، والمياه، والكهرباء، والمعرفة، والموروث الثقافي والاتصالات السلكية واللاسلكية، وغيرها)، والوصول إلى فرص الاستثمار. وتفرض حصارا جائرا على قطاع غزة وتعزل القدس الشرقية عن محيطها، وتعمل على تقطيع أواصر الأرض من خلال استمرار سياستها الاستيطانية، كما يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على إسرائيل بما يتعلق بالسياسة النقدية، وفي توفيرها المصادر للمدخلات الفلسطينية، وباعتبارها سوقا للتصدير. وقد أدت هذه القيود إلى تشوهات في البنية الهيكلية الاقتصادية وما رافقها من ضعف في القطاعات الإنتاجية ومن ضمنها التصنيع وهيمنة قطاع الخدمات. بالإضافة إلى تحكمها في المعابر الحدودية والايرادات الجمركية، وتدفق التجارة”. [دولة فلسطين، وزارة الاقتصاد القومي، https://www.mne.gov.ps/ministry.aspx?NewsId=2161].

      6  – “قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية: ارتفاع وتيرة عنف المستوطنين يأتي لإحكام السيطرة على هذه المناطق، ويندرج في إطار عملية الزحف الاستيطاني على ما تبقى للفلسطينيين من أرض تحاصرها المستوطنات، والبؤر الاستيطانية، وما يسمى بالمزارع الرعوية، التي أصبحت أداة من أدوات سيطرة منظمات المستوطنين الارهابية على الأرض”. 27- 01- 2024، https://tinyurl.com/23s75bwa].

      7  – 29- 10- 202، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، “ملخص اقتصادي حول الحرب على غزة”.

      8  – هذا ما أكد التقرير الصادر عن  مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، التجارة والتنمية: “… عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل والتقلبات المستمرة أصبحت سببا رئيسيا لحالة عدم اليقين المالي في الأراضي الفلسطينية”. [2022، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، التجارة والتنمية في دولة فلسطين من منظور النوع الاجتماعي”، جنيف].

      9  – “تتوقع مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل ولجنة مراجعة المجاعة التابعة لها أن أكثر من %30 من السكان في محافظات شمال القطاع، وأكثر من %25 من سكان المحافظات الجنوبية مثل رفح وخان يونس والمنطقة الوسطى من دير البلح سيدخلون على الأرجح مرحلة المجاعة خلال الأسابيع المقبلة. وفي الوقت نفسه، تتوقع المبادرة أن جميع سكان غزة سيدخلون في مرحلة الأزمة أو المراحل الأسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد”. [16- 04- 2024، https://tinyurl.com/mv2jyzr3].