الاستحواذ على الأراضي بين مونوبولي والاستعمار


يتسلط المستثمرون الدوليون على أراضي الكوكب الصالحة للزراعة. وحيث لا توجد حقوق ملكية مثبتة بمتانة، تعني عمليات الشراء هذه بالنسبة للفلاحين طردا  بكل بساطة.[1]

يمثل شراء المستثمرين الأجانب للأراضي إحدى الاشكال الجديدة للعولمة. وقد اتخذت هذه الظاهرة حجما خاصا بعد الارتفاع البالغ لأسعار المواد الزراعية في 2007-2008. يجري الحديث عن الاستحواذ على الاراضي ، وبالانجليزية land grabbing،  وهو تعبير نقدي أكثر ينطوي على فكرة الاستيلاء. ويحيط غموض كبير بالاتفاقات ويصعب قياس الحجم الدقيق للظاهرة.  المصدران المتاحان – أي قاعدة البيانات  Land Matrix التي وضعها l’International Land Coalition  وتلك الخاصة بالمنظمة غير الحكومية Grain – تلتقيان لتقدير المساحة المعنية  بزهاء 30 إلى 37 مليون هكتار (أي حوالي 300000 إلى 370000  كلم مربع)

تشابك استثمارات معتم

تبرز معطيات Land Matrix الطابع المعمم جدا للظاهرة.  فجميع البلدان تقريبا –ما عدا امريكا الشمالية و أوربا لغربية- معنية بصفتها “متلقية”، لكن الأمر صحيح ايضا فيما يخص البلدان “المرسلة”، رغم أنه لا يبدو مسبقا بديهيا. وهذا يعني أن ثمة استثمارات متشابكة  داخل نفس المنطقة من العالم، لا سيما أفريقيا. تبرز الخريطة أدناه التوزيع الجغرافي للاتفاقات 

على جانب البلدان المستثمرة الرئيسية نجد الولايات المتحدة الأمريكية، ب8,2 مليون هكتار محصية.  ولا تأتي الصين سوى في المرتبة الرابعة بعد ماليزيا وسنغافورة. وعلى جانب البلدان “المتلقية”، كل قارات الجنوب معنية، خاصة جمهورية  الكونغو الديمقراطية  والبرازيل و إندونيسيا، مع وجوب إضافة  أوكرانيا روسيا.

 وبعكس فكرة مسبقة،  يفوق الوجود الأمريكي بأفريقيا نظيره الصيني: 3,7 مليون هكتار، مقابل 2,5 مليون.  بيد أن هذه البيانات لا تبرز تشابك الاستثمارات و لا التخصصات . وهذا بلا شك  ما يتيح تفسير لماذا باعت البرازيل 2,4 مليون هكتار  لمستثمرين أجانب ، لكنها تحوز 3 مليون في بلدان أخرى.

 مساس بالسيادة الغذائية 

تنص بعض الاتفاقات على استثمارات في البنيات التحتية من شأنها أن تنتج مفاعيل ايجابية. لكن في معظم الحالات، كما تؤكد l’International Land Coalition ” النموذج السائد في حيازة الأراضي على نطاق كبير يهدد حقوق الجماعات القروية و وسائل عيشها” . ما من شيء يتيح ” إبطال فكرة أن الأمر يتعلق باستيلاء على الأراضي”. وفي البلدان حيث لا توجد حقوق ملكية مثبتة بمتانة، وحيث السلطات المحلية ذات مصلحة مباشرة في عقد اتفاق مع الشركات متعددة الجنسية ، غالبا ما تعني عمليات شراء الاراضي طرد مالكيها منها.

 في العام 2016 نشرت تحالف دولي لمنظمات غير حكومية  تقرير “الأراضي المشتركة: تأمين الحقوق العقارية وحماية الكوكب “. يورد التقرير إى أن ” الشعوب الأهلية والجماعات المحلية تحمي نصف أراضي الكوكب، لكنها لا تملك شكليا سوى 10 % “.  إذن 2,5 مليار من الاشخاص  “مهددون  بالجوع والفقر ما لم تُحم حقوقهم العقارية “.  وتدعو حملة  “الحقوق العقارية الآن” Land Rights Now  إلى مضاعفة مساحة الاراضي  التي تملكها الجماعات في افق العام 2020.

 تؤدي إزاحة زراعة الفلاحين من قبل الصناعة الزراعية إلى حرمان الفلاحين من مواردهم.  وإن كان بعضهم يجد عملا كأجير زراعي بأجر  منخفض، فالأغلبية تضخم صفوف معدومي الأرض  المكدسين في ضواحي المدن الكبرى او تسعى إلى الهجرة.  وبما أن قسما من الاراضي  يستعمل في منتجات مثل الوقود النباتي او زيت النخيل، فإن السيادة الغذائية هي المهددة. هذا دون الحديث عن الاثار الجانبية فيما يخض الافادة من الماء ، الذي يخصص لزراعات مثل قصب السكر  و كذا الإضرار بالبيئة .

النقطة الايجابية الوحيدة أن الحركات الاجتماعية وحملات المساندة  كبحت شيئا ما  تطور الظاهرة، وأسهمت في وضع المشكل أمام الرأي العام.  وأخيرا، المسألة تهم أيضا  بلدا مثل فرنسا. فقد رفض المجلس الدستوري قانونا ضد الاستحواذ على الأراضي، وذلك بذريعة  أنه “يمس بنحو غير متناسب بحق الملكية وحق القيام بالمقاولة” يا له من ملخص جيد.

 لماذا شراء الاراضي؟

باتت الزراعة استثمارا مربحا، لا تقلل الشركات متعددة الجنسية من شانه، وحتى بعض صناديق المعاشات. وتتيح الأراضي المشتراة إنشاء زراعات غير غذائية على نطاق واسع. لكن قد يسعى المستثمرون أيضا إلى ضمان مصادر تموين بالمنتجات الزراعية.  السؤال عندئذ هو ما إن كان منتوج الاراضي المشتراة موجها لإعادة البيع في السوق العالمية او في سوق البلد المستثمر .  هذا هو السؤال الذي وضعه على أنفسهم  القائمون بدراسة حديثة لصندوق النقد الدولي. ابرزوا ان عمليات شراء الأراضي هي بالأحرى ” استثمار يروم الاستقلال الغذائي لا أرضية سعي إلى الربح”، لكن هذا لا يغير شيئا في كون الأمر يتعلق معظم الأحيان بسلب، غالبا ما يجري بتمويل من البنك العالمي.  

بقلم/ ميشال هوسون

ترجمة: موقع سيادة

الرابط الاصلي للمقال