أزمة الغذاء في غزة بين مطرقة الحرب وسندان محدودية القدرة على التكيف



يتعرض 2.3 مليون نسمة يعيشون على مساحة 365 كم2 لهجمة صهيونية شرسة امتدت إلى أكثر من 200 يوم، سقط خلالها 42000 شهيد ومفقود و77000 جريح. وما تزال الحرب مستمرة، ما يعني سقوط المزيد من الضحايا، وقد تتسع لتصل إلى خسائر اقتصادية ومادية ملحوظة للطرف الأقوى عسكريا.

إن الحرب على غزة هي استكمال لسلسلة الحروب الهمجية التي مارستها- وما تزال- إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني للقضاء على القضية الفلسطينية وإضعاف جبهتها، وهي تجسيد حقيقي لمصطلح الإبادة الجماعية التي تضمنت كافة وسائل العنف من قتل وتدمير وتجويع وتهجير، فلم يسلم من هذه الممارسات لا البشر ولا الحجر ولا الشجر.

منذ بداية حرب 2023- 2024، التي شنها الإحتلال على غزة، اتبع أسلوب التهجير القسري للمدنيين- ات  من خلال إنذارهم وتهديدهم- هن بالاتصال الهاتفي لمغادرة منازلهم- هن أو إجبارهم- هن بإستخدام القصف العشوائي والأحزمة النارية، وذلك لإرغامهم- هن على التوجه إلى جنوب قطاع غزة بذريعة أنها منطقة آمنة. ورغم التهديد لم يستجب عدد كبير من سكان القطاع وأعتقدو أنه تهديد وهمي وحرب نفسية، ولكن الأمر كان فوق الإعتقاد ليتحول من حرب نفسية إلى حرب برية شرسة يجبر فيها الاحتلال المدنيين- ات على المغادرة القسرية لمنازلهم- هن ومراكز الإيواء والمشافي الواقعة شمال وادي غزة، وذلك بعد تعريتهم- هن وتعذيب جزء منهم- هن واعتقال الجزء الآخر، بالإضافة إلى ممارسة كافة أشكال التعذيب النفسي والجسدي في حق النساء والأطفال، وإجبار من تبقى على التوجه إلى جنوب قطاع غزة عبر ما يسمى “الممر الآمن”، ولم يسلم عدد كبير من العابرين- ات أثناءه من الاعتقال والتنكيل.

لم تقتصر سياسة الإحتلال على استخدام القوة كسلاح بل شمل ذلك تدمير كافة مقومات الحياة من بنية تحتية وشبكات مياه ومحطات المعالجة ومحطات الكهرباء، بالاضافة إلى قطع كافة وسائل التواصل من اتصالات وانترنت، وذلك ليتمكن من إكمال جريمته الهمجية دون نشر جرائمه لتصبح قضية رأي عام.

دمر الاحتلال الأراضي الزراعية ومزارع الدواجن والأبقار وغيرها، وقصف المخابز والمتاجر والمخازن، كما دمر المدينة الصناعية (كارني) الواقعة في المنطقة الشرقية من شمال غزة والتي تُعَدُّ محطة الإنتاج الأساسية للسلع المحلية وأهم مركز اقتصادي في قطاع غزة. كما استهدف وحدات الطاقة الشمسية فوق المنازل والمحلات لمنع أي سبيل للصمود والبقاء، مما تسبب في تعطيل كافة الأجهزة الكهربائية وفقدان كل طرق التخزين وحفظ الطعام، خاصة إذا استحضرنا تبعية الأراضي الفلسطينية شبه الكاملة لإسرائيل في ما يخص التزود بالكهرباء، إذ تستورد منها ثلي احتياجاتها بينما تلبي الثلث الآخر عبر محطة غزة، كما يُظهر الرسم أسفله المأخوذ من تغطية قناة BBC:

إمدادات الكهرباء لغزة

كما أنه منع دخول المساعدات الغذائية والتموينية وأي مصادرٍ للطاقة إلى شمال القطاع، وأغلق الكيان الصهيوني معبر كرم أبو سالم وحظرت كل أنشطة الصيد حتى في المساحات المسموحة سابقا، وذلك لتطبيق سياسة التجويع الممنهجة التي لطالما استخدمها في كافة حروبه.

وكما ورد في مقالة نشرت على موقع BBC صنف الكيان الصهيوني المسافة التي تمتد من السياج العازل الإسرائيلي حول غزة- الذي يبلغ طوله 60 كيلو مترا- وحتى حدود القطاع كمناطق “ممنوع الاقتراب” منها. فلا يستطيع المزارعون- ات زرع أي شيء في هذه المساحات الهائلة حتى ولو كانت تلك الأراضي مملوكة لهم- ات. كما يحظر على أي شخص باستثناء المزارعين- ات الاقتراب من السياج الإسرائيلي لمسافة 300 مترا.

 وذكر نفس الموقع أن إسرائيل فرضت قيودا على الصيد في البحر المتوسط أيضا بالنسبة للصيادين من غزة، إذ يمكنهم الصيد على بعد مسافات محدودة من الشاطئ- والتي تبلغ في الوقت الراهن من 6 إلى 15 ميلا بحريا (من 11 إلى 28 كيلو متر)- وهو ما يهدد مورد رزق حوالي 5000 صياد وعامل في القطاع.

تتكيف البلدان التي تشهد مثل هذه الحروب بأقل الموارد الموجودة. فما حدث في محافظة شمال غزة أكبر دليل، حيث تغدى سكان شمال غزة على أعلاف الحيوانات بديلا للدقيق والأرز وذلك لشح المواد ولسد حاجة أبناءهم وبناتهم. كما أنهم قاموا بشرب مياه غير نظيفة للحفاظ على حياتهم. وكانوا يقتاتون على حشائش الأرض من النباتات البرية التي يرويها المطر، بالإضافة إلى اللجوء إلى سبل التقنين بتخصيص وجبة غذائية واحدة لكل فرد.

كما يستخدمون الطرق التقليدية في حفظ الغذاء بالتجفيف وكذلك تجفيف بعض البذور ليتسنى لهم زراعة بعض المحاصيل على مساحات صغيرة واستخدام الأساليب البدائية في الزراعة والطهي باستخدم النيران مما تسبب في قص جائر للأشجار.

تأثر القطاع المصرفي بدوره بالحرب. قالت “سلطة النقد الفلسطينية… إن عددا من فروع المصارف ومقراتها تعرّض للتدمير نتيجة للقصف الإسرائيلي المستمر في كل أنحاء قطاع غزة… [و] تعذر فتح ما تبقى من فروع للقيام بعمليات السحب والإيداع في القطاع كافة، بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة، وانقطاع التيار الكهربائي، والواقع الأمني… نجمت عنه أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي سكان قطاع غزة وفي الأسواق، وتفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي من الخدمة”. وكان لتعطيل عمل البنوك ومنع دخول مصادر التمويل دور كبير في مفاقمة الأزمة الحالية. فاستخدم الناس أسلوب المقايضة لسد حاجاتهم، كشراء الدقيق مقابل مصاغ النساء وغيرها، أو باستخدام التطبيقات الالكترونية.

للتكيف مع وضع انهيار شبه التام للطاقة، خاصة الكهرباء، يضطر الفلسطينيون إلى الاعتماد على مولدات الطاقة، لكن هذه الأخيرة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل أساسي بسبب “ندرة قطع الغيار التي تعتمد عليها للتشغيل نظرا لخضوعها لنفس القيود التي تفرضها إسرائيل على الواردات التي تدخل إلى القطاع لأن إسرائيل تصنفها على أنها سلع “ذات استخدام مزدوج”؛ أي لها استخدامات مدنية وعسكرية”.

وكان الوضع سيئا في جنوب قطاع غزة حيث كان لغلاء الأسعار واحتكار التجار الدور الأكبر في حرمان السكان من الطعام رغم توافره، وذلك لأنهم فقدوا كل معالم الحياة (منازلهم ومصادر رزقهم ومالهم). وليس هناك سبيل لعيش حياة كريمة في ظل كل الظروف السابقة. اضطر أغلب النازحين- ات لبيع مصاغ النساء، أو العمل في بيع الحلويات المنزلية أو حتى الخبز الجاف، بالإضافة إلى اعتماد أغلب النازحين- ات على التكيات وما تقدمه من وجبات صغيرة لا تسد الجوع.

وكان هذا حال النازحين- ات وحتى من تبقى من المدنيين- ات في شمال القطاع بعد أن فقدت غالبيتهم- هن أعمالهم- هن بسبب الحرب، كما قلصت الحكومة قيمة رواتب موظفيها، وهو ما فاقم نسبة الفقر المدقع الذي يعاني منه السكان، كما تمارس إسرائيل بحسب تقارير الأمم المتحدة، سياسة تجويع متعمدة بحق سكان قطاع غزة، وهو ما دفع محكمة العدل الدولية، إلى إصدار أمر لتل أبيب باتخاذ كل الإجراءات الضرورية حتى تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة لتجنب حدوث مجاعات.

تؤثر الحروب والنزاعات المسلحة على اقتصاد البلدان المتنازعة إذ تدمر كافة سبل الإنتاج وذلك بالإستهداف المباشر لمحطات الإنتاج سواء مزارع إنتاج نباتي أو حيواني أو بتعطيل حلقات السلسة التي تشمل مدخلات الإنتاج أو إيقاف مصادر الطاقة.

يخضع قطاع غزة لحصار خانق فرضته إسرائيل منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليه في صيف 2007. نتج عن الحصار الطويل الخانق تعطل أغلب المصانع وزيادة نسبة البطالة لتتجاوز 70% وتصبح أعلى نسبة بطالة في العالم. وشمل الحصار الإسرائيلي قيودا مشددة على حركة البضائع عبر معبر كرم أبو سالم، وعلى الأشخاص ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون، مما أدى إلى دخول اقتصاد القطاع في حالة ركود فاقمها الوقف المتكرر بين الحين والآخر للصادرات أو الواردات، فضلا عن تدمير عشرات المصانع خلال العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل على القطاع. وفاقمت الحرب هذه الوضعية الاقتصادية المأساوية، إذ صرحت منظمة العمل الدولية أن غزة تفقد %60 من الوظائف (182 ألف وظيفة) بسبب الحرب الأخيرة.

كانت الزراعة في قطاع غزة في تطور مستمر بحيث جرى استغلال 180 كم2 مربع من مساحة القطاع، أي ما نسبته 50% منها. ويغطي الإنتاج استهلاك سكان قطاع غزة السنوي، الذي يقدر بـ 350 الف طن سنويا من محاصيل الخضار المختلفة، وذلك يعني استغلال كافة الموارد ومصادر التمويل لبناء قاعدة زراعية قوية ولتوفير متطلبات السكان الأساسية والوصول إلى الإكتفاء الذاتي من أهم مصادر الغذاء وحققت 95% من الاكتفاء الذاتي لمحاصيل الخضار و75% لمحاصيل الفاكهة، ويعزى ذلك إلى التنوع المحصولي الواسع الذي يتميز به قطاع غزة نتيجة الطقس المعتدل وتوازن كميات الأمطار السنوية والتي تتراوح من 150 مللم جنوبا إلى 600 مللم شمالا. (وزارة الزراعة الفلسطينية 2022)

يفاقم استمرار الحرب والنزاع الأزمةَ وفقدان القدرة على الحفاظ على الموارد في ظل بقعة جغرافية لا تتجاوز 360 كم2 وفي ظل حصار خانق من جميع الجهات، وبالتالي إيقاف السلسة بشكل كامل ما يؤثر على التوزيع والتوريد، فتعتمد البلدان المتنازعة بشكل أساسي على الاستيراد من البلدان المجاورة وعلى المساعدات الغذائية من الدول المتبرعة.

قال رئيس جمعية التنمية الزراعية الفلسطينية هاني الرملاوي “إن فقدان المحاصيل اللازمة لكسب الرزق والدخل سيؤدي إلى الإنهيار الشامل للزراعة في غزة لسنوات طويلة”، مؤكداً أن قيمة القطاع الزراعي تزيد على 575 مليون دولار سنوياً، في حين قالت منظمة “أوكسفام” للإغاثة والتنمية إن إسرائيل دمرت الإنتاج الزراعي الموسمي شمال قطاع غزة في “زمنه الذهبي” وبالتالي فقدت موسمي الذهب الأخضر (موسم الزيتون) والذهب الأحمر (موسم الفراولة)، وإن القصف الإسرائيلي أدى إلى “تدمير أغنى الأراضي الزراعية التي تعد واحدة من أكبر مصادر الفاكهة والخضراوات”.

ورد في مقالة للدكتور أسامة ابو الرب نشرت على موقع قناة الجزيرة أن الجيش الإسرائيلي  ألقى آلاف الأطنان من المتفجرات على القطاع، تجاوزت هذه الكمية 25 ألف طن، إذا جمعنا ما ألقته إسرائيل على غزة فسوف نحصل على قنبلة نووية بقوة 30 كيلو طن، ستؤول إلى كارثة بيئية حتمية وأزلية وستحتاج إلى جهود دولية وإقليمة جبارة للحد من توابعها.

تحولت منطقة وادي غزة إلى ثكنة عسكرية مما تسبب في تدمير كافة أشكال الحياة فيها، بالتالي تدميرها بعد أن سعت كافة الجهود المحلية والدولية في العشر سنوات الأخيرة لتحويله إلى أهم محمية طبيعية في قطاع غزة هدفها الحفاظ على التنوع الحيوي والنظام البيئيي الإيكولوجي للوصول إلى حياة بشرية متوازنة ضمن السلسلة البيئية.

تكدست النفايات الصلبة ومخلفات النازحين- ات نتيجة الكثافة السكانية والنزوح المستمر والتي تقدر بـ 2000 طن يوميا، ولا يجري التخلص منها بطرق سليمة، حيث تُجمَّع بالشوارع وبجوار مخيمات النزوح، بالإضافة إلى مخلفات الصرف الصحي التي فاقت قدرة شبكات الصرف في محافظة رفح ليتوجه 50% من النازحين- ات إلى استخدام الآبار الامتصاصية كبديل لشبكات الصرف الصحي، وسبق أن تسببت مثل هذه الآبار في تلوث واضح للخزان الجوفي (وزارة البيئية الفلسطينية 2022).

تعتمد مليون سيدة نازحة بشكل أساسي على النيران لطهي الطعام وتوفير وجبة واحدة على الأقل لأبناءها، مما تسبب في تدمير القطاع النباتي والقص الجائر لما تبقى من غطاء نباتي، ومن المتوقع أن تؤول هذه الكارثة إلى تدمير كامل للأراضي الزراعية.

يتوقع مزارعون- ات أن تفقد مساحات واسعة من أراضيهم- ات قدرتها الإنتاجية مستقبلاً، جراء استخدام الأسلحة المحرمة دولياً مثل القنابل الفوسفورية، وتهجيرهم قسراً خارج أراضيهم. وبحسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يخسر القطاع الزراعي في قطاع غزة يومياً نحو مليوني دولار أميركي بسبب توقف عجلة الإنتاج، والذي يزداد بشكل ملحوظ عند احتساب الدمار الواقع على قيمة الأصول والممتلكات الزراعية وتجريف المساحات الزراعية.

بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 تعرض قطاع غزة إلى هجمة شرسة من قبل الاحتلال الاسرائيلي مما أدى إلى تدهور الوضع السابق وصفه، مليوني شخص نازحين ومشردين عن منازلهم محاصرين في ما مساحته 55 كم2 في محافظة رفح، تدمير 90% من المساحات الدفيئات الزراعية، تدمير 50% من الغطاء النباتي و100% من الثروة الحيوانية، تعطيل كافة محطات المعالجة، 60 ألف عامل وعاملة في القطاع الزراعي هم عاطلون تماما عن العمل ولا يملكون أي مصدر رزق، 100% من سكان القطاع يعانون من نقصان حاد في المكملات الغذائية كما ورد في التحقيقات التي أجرتها شركة Forensic Architecture.

المساحات الزراعية في غزة قبل وأثناء الحرب
على اليسار المساحات الزراعية في عام 2023 وعلى اليمين المساحات الزراعية المدمرة نتيجة الحرب على غزة 19-2-2024

إن المتضرر الأول في مثل هذه الحروب هو العاملون- ات في القطاع الزراعي والقطاع الخاص وأصحاب الحيازات الصغيرة والمشاريع الريادية خصوصا المشاريع التي تقودها نساء. وينعكس كل ما سبق على السكان المدنيين فهم المتضررون الأساسيون من الاحتكار وغلاء الأسعار وذلك نتيجة زيادة الطلب مع انخفاض العرض والخدمات المقدمة، ما تسببت في خلق أزمة حقيقية في الأسواق المحلية وفي ظل محدودية المساعدات وتحكم الجانب الاسرائيلي في كمية البضائع التي تدخل القطاع.

لقد استخدم الاحتلال كافة الأساليب لتفاقم الأزمة وانتهاك كافة حقوق الإنسان الأساسية، والعجز التام في تقديم الخدمات الحيوية، واندرجت هذه الإجراءات التعسفية ضمن سياسية العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطات الاحتلال الاسرائيلي بحق سكان قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من عشرة اعوام.

استهدف الاحتلال الإسرائيلي في هذه الهجمة المباني العالية والبنية التحتية مثل المنازل والمقرات الحكومية المدنية، والمدارس والشوارع، ومحطات تحلية المياه، بالإضافة إلى القصف المباشر للتجمعات البشرية في الشوارع وتدمير المركبات ما تسبب في سقوط عدد من الضحايا المدنيي، أطفالا ونساءً وشيوخا، علاوة على الخسائر الاقتصادية الفادحة.

إن استمرار دعم الحروب والنزاع من الطرف الأمريكي والاتحاد الأروبي هو أساس تفاقم الأزمة واستمرار النزاع، فعرض القوة العسكرية التي تستخدم في أي حرب ضد البلدان العربية وشعوبها ما هو إلا دور عسكري للإمبريالية وتعزيز للرأسمالية.

لا نستثني دور الدول العربية المطبعة التي لا تقف جديا حول نقطة الصراع وتعمل على حل النزاع، بل تقوم باستخدام أساليب تدل على الضعف والانهزامية كادعاءِ المساعدة وإرسال الإعانات عبر المظلات وباستخدام عمليات الإنزال الجوية.

إن أسلوب الإنزالات الجوية هو أسلوب يدل على الانهزامية والهوان عدد من هذه الإنزالات الجوية سقطت على بحر قطاع غزة وجزء منها سقط خارج حدود قطاع غزة وعلى المستوطنات الإسرائيلية.

كما نتج عن مثل  هذه الأساليب ظواهر عدائية في شمال قطاع غزة، فتوجهت عصابات إلى مناطق سقوط المظلات وهددت السكان  بالقتل، ونتج عنه موت عدد من الأطفال نتيجة خلل في فتح المظلة وسقوطها المباشر على رؤوسهم.

كما أن لتقليص عمل وكالة الغوث الدولية تأثير كبير على المحافظة على الأمن الغذائي في الدول المحتلة، وإن استخدام سياسة تقليص نطاق عمل وكالة الغوث هو  خطة صهيونية مدروسة تستهدف تصفية القضية، وذلك لمحو الإرتباط الوثيق بين قضية اللاجئين ووكالة الغوث، وبالتالي إضعاف قضية اللاجئين وصولا إلى إنهائها وعدم الإعتراف بحقهم في العودة والاعتراف بالجرائم التي ارتُكبت عام 48، وهذا ما يسعى الاحتلال لتحقيقه لتصفية القضية الفلسطينية.

ورد في مقالة  كتبها أسامة خليفة: في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل وحملة الإبادة الجماعية في غزة، صار الفلسطينيون أحوج ما يكونون إلى دعم وكالة الغوث وليس وقف الدعم والمساعدة عنهم، وفي حلقة جديدة من الحملات الإسرائيلية على ووكالة الغوث الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين وحق العودة، اتهمت إسرائيل زوراً بعض الموظفين في وكالة الغوث بالضلوع في هجوم السابع من أكتوبر، تأتي هذه الاتهامات في الوقت الذي يعتمد فيه أكثر من مليوني شخص في غزة على المساعدات الضرورية التي توفرها الوكالة منذ بداية الحرب.

وورد أيضا أن غزة كانت تتلقى حوالي 500 شاحنة من المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات يوميا قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بما في ذلك 45 شاحنة وقود لتشغيل سيارات القطاع ومحطات تحلية المياه والمخابز. وبعد مرور شهر فقط على الحرب الانتقامية ضد غزة صرح “برنامج الغذاء العالمي” بأن “الأنظمة الغذائية في غزة تنهار والمساعدات لا تكفي سوى 10% من الاحتياجات”، وصنف تقرير للبنك الدولي غزة، إلى جانب السودان، كمنطقة تعرف “التدهور الحاد في الأمن الغذئي”.

توجهت عزة الخيسي إلى مزرعتها الواقعة في منطقة شرق الشجاعية في غزة بالقرب من الخط الحدودي مع الجانب الفلسطيني المحتل بعد صلاة الفجر لممارسة عملها اليومي.

عزة الخيسي (أم حماد) هي مزارعة غزية تبلغ من العمر 52 عاما تعيش في منطقة الشجاعية شرق محافظة غزة تمارس عزة الزراعة كمهنة أساسية هي وجميع أفراد أسرتها لتوفير لقمة العيش. تملك عزة وزوجها ما مساحته 2 دونم واقعة في المنطقة الشرقية للحدود مع المستوطنات الإسرائيلية شرق الشجاعية.

تتجه أم حماد يوميا بعد صلاة الفجر إلى الأرض لأداء واجبها وممارسة أنشطتها الزراعية اليومية، وتتعرض هي وجيرانها من المزارعين والمزارعات إلى إنتهاكات مستمرة من الجانب الإسرائيلي، ففي موسم الأمطار تفقد محصولها سنويا لأن الاحتلال يفتح السدود المائية على الأراضي الزراعية المجاورة للحدود بالتالي يغرق محصولها سنويا، وتواجه أم حماد عددا من الإعتداءات الصهيونية على مزرعتها حالها حال المزارعين العاملين على الشريط الحدودي الشرقي.

مزارعة من غزة

لكن أم حماد وباقي المزارعات مصرات على البقاء، فلا يستسلمن للأمر الواقع أو يفقدن قدرتهن على الصمود، بل يزرعن في كل موسم للمحافظة على بقاءهن.

في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول توجهت أم حماد إلى الأرض لتبدأ عملَها المعتاد: تَفقُّد شبكة الري وفتح خط مياه ري المحصول وإزالة الأعشاب غير النافعة حول النباتات ثم تلتقط بعض الثمار الناضجة، بينما حماد يجهز محلولا  لرش النباتات لحمايها من الأمراض والآفات.

سمعت أم حماد صوت الصواريخ فهمَّت مسرعة تنادي زوجها وأبناءها وتلملم حاجياتها للعود للمنزل مسرعة: “ابو حماد شكلوا في تصعيد تعال نروح بسرعة نشوف البنات ونلملم أغراضنا قبل ما يصير الاجتياح وتيجي الدبابات على الحدود وين الولاد نادي ادهم ومحمد وهي حماد معي، شوف جارنا ابو خلف وشوف اخوتك خلينا نروح مع بعض على الكارة بسرعة“.

وصلت أم حماد إلى المنزل فإذا بالأصوات تتزايد وهمت مسرعة لفتح الراديو، وسمعت أخبارا عن  أحزمة نارية في جميع محافظات قطاع غزة بنفس الوقت، فجهزت شنطة الطوارئ المعتادة للتوجه إلى أقرب منطقة إيواء، حرصا على أبناءها. وانتقلت إلى مدرسة الأونروا، القريبة من منطقتها، هي وجيرانها وجمعت أبناءها، وبدأت رحلة المعاناة مع أم حماد، حيثُ التشتت والتنقل من مكان إلى آخر لتنزح إلى جنوب قطاع غزة عبر ما يسمى “الممر الآمن” تاركة بيتها وأرضها ومصدر رزقها، وأملُها في العودة قريبا.

آثار الحرب

تتعرض أم حماد كباقي النازحين إلى مشاكل مراكز الإيواء من شح المياه ونقص الغذاء وفقدان مصدر الرزق وتعتمد على فتات المساعدات الغذائية التي تصلها، اليوم أم حماد تشتهي السلق والسبانخ بينما كانت تزرعها وتوزعها على جيرانها.

ترن مقولة أم حماد وهي تبكي في أذني كما الصدى (اتعبنا يا ست سمر كتير ايدي يا ست سمر اشتاقوا للأرض اشتاقوا للنكش والحرث).

سمر أحمد أبو صفية – فلسطين

المقال أعلاه مأخوذ من مجلة سيادة – العدد الخامس: “الحرب والسيادة الغذائية في المنطقة العربية“. يمكنكم\ن الاطلاع على العدد وتحميله من: الرابط

[1] – “في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:

( أ ) قتل أعضاء من الجماعة.

(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.

( ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة”. [09- 12- 1948، اللجنة الدولية للصليب  الأحمر، “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”، https://tinyurl.com/ya3dyym6].

(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

[1] – “استنادًا إلى تقييم أجراه برنامج الأغذية العالمي إلى أنه خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، تم تهجير %80 من سكان غزة”، ” ينقل تقييم جديد أجرته مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي الحاد في أوائل ديسمبر/كانون الأول، صورة أكثر قتامة عن الوضع، إذ تشير تقديراته إلى نزوح %85″. [16- 04- 2024، https://tinyurl.com/mv2jyzr3].

[1] – 16- 10- 2023، https://tinyurl.com/yr778c8h.

[1] – 16- 10- 2023، https://tinyurl.com/yr778c8h.

[1] – 24- 03- 2024، https://tinyurl.com/yp3bkscv.

[1] –  16- 10- 2023، https://tinyurl.com/yr778c8h.

[1] – “قالت القاضية دوناهيو رئيسة محكمة العدل الدولية إن 25% من الأسر في غزة تواجه ظروفا كارثية وشحا حادا في الغذاء وتجويعا، مما أدى إلى اضطرارهم لبيع مقتنياتهم واللجوء إلى تدابير قاسية ليتمكنوا من تحمل تكلفة وجبة بسيطة”. [26- 01- 2024، https://tinyurl.com/44wnwtb9].

[1] – 07- 10- 2023، https://tinyurl.com/yp3bkscv.

[1] – 07- 11- 2023، https://tinyurl.com/3ahhenbx.

[1] – 06- 04- 2024، https://tinyurl.com/mrt35yef.

[1] – 02- 11- 2023، https://tinyurl.com/3fpbmwhx.

[1] – “أكد قاسم عواد، مدير عام دائرة حقوق الإنسان في منظمة التحرير الفلسطينية، أنه تم توثيق استخدام اسرائيل لـ 13 نوعا من الأسلحة المُحرمة دوليا في حربها على غزة، كما تم توثيق عملية شحنها للاحتلال الإسرائيلي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا وأستراليا وإيطاليا وبعض الدول الأخرى… وأوضح أن الاحتلال مستمر في استخدام الفسفور الأبيض واليورانيوم المنظم والقنابل العنقودية وأسلحة “جي بي يو” وكل هذه الأسلحة مصنفة حسب اتفاقية 1993 للأسلحة الكيميائية والأسلحة الأكثر إلحاحا على أنها محرمة دوليا”. [07- 04- 2024، https://tinyurl.com/yb7jwsu7].

[1]- https://forensic-architecture.org/investigation/ecocide-in-gaza.

[1] – 29- 01- 2024، https://tinyurl.com/2yrmhb5k.

[1] – 15- 11- 2023، https://tinyurl.com/3nc4rzxh. [1] – 29- 04- 2024، https://tinyurl.com/yckdu3hr