إنها أطباق الباذنجان والشجر(الكوسة) التي تذكر العراقيين والعراقيات بفترة الحرمان الشديد من الطعام أثناء الحصار بين عامي 1990 و2003. ومع ذلك، كان للعراق تاريخ طويل في استخدام الغذاء وأدوات إنتاجه كأداة للسيطرة على السكان. وفي هذا السياق، يتعرض صغار الفلاحين والفلاحات غير المنظَّمين- ات للسياسات النيوليبرالية التي تلت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
كيف فقدنا الباذنجان المحلي؟
يُعد العراق مستوردًا رئيسيًا صافيًا للأغذية(1)، وبالتالي فهو حساس جدًا لتغيرات الأسعار العالمية وأي أزمة في سلسلة التوريد العالمية. ويشكل قطاع النفط حوالي 90% من إيرادات الدولة. يعزو منتجو- ات المواد الغذائية في العراق وكردستان سبب معاناتهم- هن إلى الدول المجاورة التي لا يستطيعون منافسة أسعار وارداتها. كما يؤثر العنف الإمبريالي(2) بشدة على الزراعة من خلال ضمان أن يكون توليد الربح هو الهدف الرئيسي لإنتاج الغذاء(3). ولتحقيق ذلك، تخلق القوى الإمبريالية (وفي سياق العراق بشكل رئيسي الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضًا دول مثل إيران والصين) الظروف التي تجعل إنتاج الغذاء المحلي غير مربح عبر تحويل الأسواق وهياكل الدولة والأساليب الزراعية وكذلك العادات الغذائية للسكان أو استنزاف مواردهم المائية.
نظرة إلى الوراء: تقسيم الأرض وإنشاءها كملكية
خلال الحكم الاستعماري البريطاني المباشر في العراق الذي استمر من عام 1914 إلى عام 1932، مُنحت حقوق ملكية الأراضي الزراعية لزعماء القبائل وعائلاتهم بدلاً من المزارعين- ات والمنتجين- ات أنفسهم- هن(4). ومن هنا هدفت قوات الاحتلال البريطاني إلى خلق طبقة سياسية موالية لها. وهكذا اختفت أجزاء كبيرة من المشاعات (الأراضي المزروعة بشكل مشترك). من خلال هذه السياسة، جرى إنشاء المُلاك، والحفاظ على نظام إقطاعي أدى إلى إفقار الفلاحين.
في الوقت نفسه، استمر تقديم وتعزيز الأيديولوجية القائلة بأن الأرض يجب أن تُفهم على أنها ملكية لزيادة الربح الزراعي، عندما انتهى الحكم البريطاني المباشر واستمرت خلال النظام الملكي البريطاني حتى عام 1958. في حين جرى تعليق هذا النظام غير العادل جزئيًا في عام 1958، وسط العراق من خلال توزيع الأراضي على صغار المزارعين في أعقاب ثورة 1958، ظلت هذه الهياكل في كثير من الأحيان قائمة في المناطق التي يصعب على الدولة الوصول إليها، وغالبًا ما تكون في المناطق الجبلية في كردستان (حيث يستمر نظام الآغا حتى اليوم وسط معاناة من ضعف النخبة السياسية) وبالتالي تظل جزءًا لا يتجزأ من التوزيع غير العادل للأراضي في البلاد اليوم(5).
خلال هذه الفترة أُدمِج العراق في النظام الاقتصادي الدولي عبر تصدير الحبوب أولاً ومن ثم النفط. وبهذا بدأ الاقتصاد المعتمد على النفط. إن الأنظمة المتعاقبة في العراق بدلاً من التخلي عن أشكال التنظيم الاجتماعي والسياسي للاستعمار البريطاني في إدارة البلاد والقوانين والاقتصاد وما إلى ذلك، أبقت عليها، وبالتالي فهي لا تزال تؤثر على البلاد حتى اليوم. وهكذا، غالبًا ما تشكل عائلات الملاك الإقطاعيين الأقوياء في الماضي، اليوم جزءًا من الطبقة الحاكمة من خلال مناصب السلطة داخل الأحزاب السياسية والميليشيات وما إلى ذلك.
إضعاف الفلاحين وإنشاء نظام زراعي هش
يمتلك العراق، شأنَ بلدان أخرى في المنطقة، مثل سوريا(6)، نظاما زراعيا شديد المركزية. وهذا يعني درجة عالية من سيطرة الدولة من خلال، مثلا، الزراعة الحكومية والتخطيط المركزي. تتحكم الدولة في الزراعة ليس فقط باعتبارها المورد الرئيسي للمدخلات الزراعية، ولكن أيضًا سلاسل الإنتاج، ومراقبة الأسعار، وأنظمة التوزيع الحكومية والمزيد. ويكون هذا النظام ضعيفًا بشكل خاص أثناء الأزمات حيث يعتمد المزارعون على الدولة في جميع المدخلات الزراعية تقريبًا والتي تميل إلى الارتباط بالتحالفات السياسية.
منذ سبعينيات القرن الماضي، طبق النظام العراقي بشكل متزايد سياسة زراعية استبدادية مقترنة بالسيطرة على السكان، وتجلت بشكل بارز في ما يسمى بـ”المجمعات”(المدن الجماعية) حيث طُرد المزارعين- ات، وخاصة في كردستان، بالقوة من قراهم- هن الأصلية بمبرر “تحديث” التقنيات الزراعية والسيطرة عليها. وأدى ذلك إلى حرمان المزارعين- ات الأكراد من وسائل عيشهم- هن، مما جعلهم- هن يعتمدون على الدولة، وهذا منح الدولةَ سيطرة شبه كاملة على حياتهم- هن.
شل الاقتصاد العراقي وتجويع الشعب
أدى تنفيذ العقوبات الشاملة ضد العراق في أعقاب الحرب ضد الكويت عام 1990، من خلال قرار الأمم المتحدة رقم 661(7)، إلى شل الاقتصاد العراقي. ركزت الحكومة العراقية على طريقتين لتحقيق مكاسب باتجاه السيطرة على شعبها وعلى إنتاج الغذاء، عبر تطبيق نظام الحصص الغذائية (البطاقة التموينية(8)) كاستراتيجية للحكم- زاد اعتماد العراقيين على النظام من أجل البقاء مع تعزيز قدرته على السيطرة والعقاب. وهذا يعني استبعاد الأسر، التي يبدي أحد أفرادها مقاومة سياسية لنظام البعث الحاكم أو كان يهرب من التجنيد العسكري، من التوزيع.
كان النظام يوزع مواد الغذاء الأساسية، مثل الرز والزيت والسكر، وكلها ذات نوعية رديئة، كما يتذكر الكثير من العراقيين- ات. في الواقع، كانت العقوبات الاقتصادية والحصار المفروض على العراق بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 661 بقيادة الولايات المتحدة، والذي يهدف إلى تجريد العراق من قدراته التصديرية المهمة والذي استمر حتى حرب عام 2003، شكلاً مهماً من أشكال الدعم التجاري لدول أخرى في المنطقة مثل تركيا، ولكن أيضًا عالميًا مثل أستراليا، حيث جرى استيراد مواد الغذاء وفرضها على الناس في العراق، وبالتالي تغيير التقاليد الغذائية أيضًا. وهو نموذج استمر حتى فترة ما بعد عام 2003(9).
الزراعة من أجل بقاء النظام
حدث تطور آخر في التسعينيات، خلال فترة العقوبات، تمثَّل في زيادة استثمار حزب البعث في نظامه الزراعي المركزي لمنع حدوث أزمات الجوع وبالتالي ضمان بقاء النظام. وقد حدث ذلك من خلال تدابير مثل حملات تحلية المياه وبناء السدود لتزويد تلك المناطق بالمياه. ومع ذلك، أثناء توفير المياه للمناطق الموالية، حُرم السكان المتمردون في أهوار الجنوب من المياه التي يحتاجها موطنهم في الأهوار للبقاء على قيد الحياة، وكادت ثقافتهم القائمة على المياه أن تنقرض.
بعد عام 2003: المزيد من تجريد المزارعين-ات من إنسانيتهم وتعزيز دور العراق في سلاسل التوريد العالمية
أصبح العراق، خاصة منذ عام 2003، يحتل قاع سلسلة التوريد كمصدر رئيسي للنفط الخام، ودولة مستهلكة لكل السلع. فإن الموقعية التي فرضها الاقتصاد العالمي على العراق بموجب الترابط الاقتصادي وسلاسل الإنتاج والتوريد جعلت الاقتصاد العراقي ينهج السلوك الاستهلاكي الكامل عبر استيراد كل السلع والمواد ولا سيما المواد الغذائية، ويكتفي بتصدير النفط الخام الذي يمثل مصدر الدخل الأساسي للعراق.
حتى عندما نجد إحصائيات تفيد بأن العراق حقق في بعض السنوات الاكتفاء في بعض المحاصيل الزراعية أو أنه قلل حجم وارداته منها، فهذا أيضا بالغ التعقيد، إذ يعتمد الإنتاج المحلي أساسا على السلع المستوردة مثل البذور والأسمدة والمبيدات والمكائن الزراعية وغيرها، فهو بشكل أو بآخر إنتاج محلي مبني على بحيرة من الواردات كبنية تحتية له. ولا يمكن نمو إنتاج محلي وفق السياق الذي تدعمه الدولة العراقية ومؤسساتها في القطاع الزراعي بغير الاعتماد على واردات الشركات العالمية التي تستولي على ملايين الدولارات من الاقتصاد العراقي كل عام. على سبيل المثال استورد العراق مبيدات كيميائية من الشركات العالمية بقيمة 17.5 مليون دولار أمريكي في عام 2011 وفي 2021 وصل الرقم الى 63.9 مليون دولار(10). وهذه الشركات تستمر في النمو داخل السوق العراقية بشكل أكبر كل يوم.
أحد الأشكال الواضحة لقوة الشركات في العراق اليوم هو السيطرة على أسواق المدخلات العراقية من خلال الأعمال التجارية الزراعية. تملأ الشركات العالمية مثل باير (Bayer) وباسف (BASF) السوق العراقي بمنتجاتها. تنعكس هيمنة شركة باير وهذه الشركات الصينية في العراق أيضًا على سوق المبيدات الحشرية في العراق: بينما تأخذ الواردات من الصين الحصة الأكبر بنسبة 28.54٪ (18.2 مليون دولار أمريكي)(11)، تليها ألمانيا بحصة قدرها 12,07% (7.71 مليون دولار أمريكي). وعندما يتعلق الأمر بالمبيدات الحشرية، تُطبَّق معايير مزدوجة: هذه الشركات تبيع المكونات النشطة عالية الخطورة المحظورة في أوروبا إلى العراق، وبالتالي لا تحترم العناية الواجبة ولا تلتزم بالمعاهدات الدولية المحددة لإنتاج واستخدام المواد الفعالة المصنفة عالية الخطورة…(12) وتعتمد هذه الشركات إدخال منتجاتها بأسماء لشركات محلية أخرى أو بطرق غير رسمية للسوق العراقي، وهذا يشكل تهديدا مباشرا للبيئة وصحة المستهلك والفلاح.
لقد بدأت المعارض التجارية وفعاليات الأعمال التجارية الزراعية بالفعل في مرحلة ما بعد الحرب مباشرة، مثل برنامج إعادة إعمار وتنمية الزراعة (ARDI) التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والذي قدم أصناف بذور جديدة عالية الإنتاجية للمزارعين العراقيين(13). وهكذا كان تركيز الزراعة العراقية في فترة ما بعد الحرب على الاعتبارات الفنية والاقتصادية البحتة. وفي رسالة واضحة إلى المزارعين والفلاحين العاملين في العراق وكردستان، أعلنت وزيرة الزراعة المؤقتة التي دربتها الولايات المتحدة، سوسن علي ماجد الشريفي، في عام 2004: “نحن بحاجة إلى أن يكون المزارعون العراقيون قادرين على المنافسة، لذلك قررنا دعم المدخلات”، مثل المبيدات والأسمدة والبذور المحسنة […](14).
إن هذه السياسات هي استمرار لتدمير سيادة إنتاج الغذاء في العراق، وبالتالي ضمن منطق الرأسمالية العالمية، هي حرب على منتجي- ات الغذاء والطبقة العاملة العراقية.
تفكيك وخصخصة الدولة
جعل النظامُ الزراعي المركزي والعنف الممارَس ضد المجتمعات الريفية والزراعية في العراقَ أكثر عرضة للخطر، وبالتالي لإعادة هندسة نظامه الزراعي من قبل الولايات المتحدة في عام 2003. بناء على الأمر رقم 81 (15)(من أصل 100 أمر) الذي نفذته الولايات المتحدة قامت سلطة الائتلاف المؤقتة (CPA) في عام 2004، وهي هيئة من قوات الاحتلال، بتنظيم براءات الاختراع على البذور. القرار الذي يحمل عنوان “تعديل قانون البراءات والرسوم والنماذج الصناعية والمعلومات غير المكشوف عنها والدوائر المتكاملة والأصناف النباتية” عدَّل قانون براءات الاختراع العراقي لعام 1970، والذي يسمح لشركات البذور العالمية بتسجيل براءات اختراع لأي بذور “تصفها وتميزها” في العراق، وبالتالي يحظر على المزارعين حفظها وتصنيفها.. تم إلغاء الأمر 81 وتعويضه بقانون في عام 2013(16)، والذي يحظر في خطه الأساسي استخدام أي بذور غير مسجلة ببراءة اختراع في الزراعة.
وفي حين أن هذا يعني أن وسائل الإنتاج قد سُرقت من الفلاحين، فإنه يعني على أرض الواقع اليوم أنه يتعين على الفلاحين شراء أساس عملهم. وفي الوقت نفسه، لا يستطيعون أن يكسبوا عيشهم من الزراعة ويشترون باستمرار كل شيء بالديون: وبذلك يدخلون في دائرة تراكم الديون.
وبالتالي، فحتى الإنتاج المحلي لا يعد إنتاجًا سياديًا كما ذكرنا سابقا، حيث يتم استيراد جميع المدخلات الزراعية من البذور إلى المبيدات من الخارج. إن الحدود المغلقة أو الحظر الاقتصادي لن يكون له نفس العواقب فحسب، بل ربما تكون أسوأ مما كانت عليه خلال الحصار بين عامي 1990 و2003.
كيف يعمل تراكم الديون؟
يخبرنا عبد القادر، الذي يعيش في منطقة اليوسفية في ريف بغداد و الذي ينحدر من عائلة امتهنت الزراعة وتوارثتها عبر أجيال، بأنه كسائر الفلاحين في المنطقة وعموم العراق يزرع بشكل أحادي (باذنجان وخيار بحقول كبيرة) والطريقة الوحيدة التي يعتمدها هي جلب البذور من المكاتب الزراعية والتي لا تُتاجر إلا بالبذور المستوردة والمحسنة. وإن هذه المكاتب الزراعية هي مكاتب خاصة أو تابعة لشركات في القطاع الخاص هدفها الأساسي هو تسويق منتجاتها والربح. وبغياب الدور الإرشادي الحكومي وعدم توفر مكاتب الإرشاد الزراعي الحكومية أو المنظمات الزراعية والجمعيات الفلاحية، يجعل الفلاحين بالمنطقة معتمدين بشكل كامل على المكاتب الزراعية الخاصة من حيث تزويدهم بالمواد الزراعية والإرشادات والتوجيهات. خلق هذا شكلَ تواصل معقد بين المكتب الزراعي الخاص والفلاح مبني على منح المكاتب القروض للفلاحين من أجل شراء منتجاتهم ويكون تسديد هذه القروض بموسم الحصاد مما يجعل الفلاح في دائرة مستمرة من الاقتراض والتسديد المرتبط بالاقتراض مرة أخرى. جعل هذا الفلاحين على استعداد كبير لترك أراضيهم فور توفر فرص عمل أخرى سواء في المدينة كعمال بوضع هش أو بالعمل داخل مؤسسات الدولة لا سيما المؤسسة العسكرية.
دولة المليشيات: الحرب على داعش والاستيلاء على الأراضي من قبل المليشيات في وضع ما بعد الحرب
أثر الصراع الطائفي ما بعد 2003 على البنية الاجتماعية العراقية لا سيما التهجير القسري الذي أجبر الفلاحين على ترك أراضيهم أو بيعها بأسعار بخسة والنجاة بحياتهم فاستولت المليشيات الطائفية على أراضي الكثير من الفلاحين. تطور هذا الشكل الاستيلائي أثناء الحرب على داعش(17) في عام 2014 وتحول الكثير من المناطق الزراعية إلى ساحات معركة مما دمر الأراضي وحولها إلى ثكنات عسكرية وهجّر الفلاحين وسهل استيلاء المليشيات على هذه الأراضي وقامت باستثمارها بشكل أكثر ربحية من خلال تقسيمها إلى قطع صغيرة وتحويلها إلى مجمعات سكنية وبيعها لتلبية حاجة سوق العقارات في المدن والذي زاد الطلب فيها بسبب ازدياد عدد السكان الكبير. فاليوم نشاهد تجريف المزارع وتحولها إلى مبانٍ بشكل سريع ومخيف جدا ويستمر هذا الزحف العمراني على المناطق الزراعية كل يوم بازدياد نفوذ الميلشيات وسط عرقلة وتغييب لكل القوانين التي تمنع السكن و البناء في المناطق الزراعية(18).
كيف يحصل العراقيون على الطعام اليوم؟
بادئ ذي بدء، لا يزال هناك نظام غذائي قائم منذ عقد من الزمن، وهو نظام التوزيع العام، الذي يُعرف بـ “الحصة التموينية”. تبلغ تكلفة شبكة الأمان الاجتماعي، التي تتكون من سلة غذائية يجري توزيعها على كل أسرة عراقية، حوالي 1.43 مليار دولار في عام 2019. ومع ذلك، وربما لا يكون ذلك مفاجئًا: لا تُنتَج مواد الحصة التموينية (الأرز السكر و الدقيق والزيت وغيرها) محليا، بل هي على الأغلب مستوردة، وهذا السياق اعتُمِد منذ اتفاقية النفط مقابل الغذاء أثناء الحصار الاقتصادي في التسعينات الذي اعتمد فيه العراق على استيراد المواد الغذائية مقابل تصدير النفط الخام.
كشفت أزمة كورونا، وانهيار سوق النفط، عن هشاشة النظام الغذائي في العراق. وينبغي أن يكون المطلب التكتيكي الذي ينبغي أن يطبقه نشطاء السيادة الغذائية هو أن تُنتَج مواد الحصة التموينية محليا فقط، وأن يحصل المزارعون- ات على الدعم وأن تأخذ وزارة الزراعة دورها الإنتاجي والداعم لصغار المنتجين- ات لتغطية الحاجة المحلية.
النضال من أجل السيادة الغذائية في العراق و كردستان
يتمتع العراق وكردستان بتاريخ طويل من كون الفلاحين جزءًا من الحركات الثورية، وكان المزارعون هم العمود الفقري للمقاومة. ولكن أيضًا خلال انتفاضة 2019، كان أحد المطالب الرئيسية للناشطين- ات هو إلغاء الدستور المطبق بعد عام 2003، في محاولة من الأسفل لعكس النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي فُرض على الشعوب في العراق وكردستان من خلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. كما أثار المتظاهرون- ات مسألة الإنتاج الغذائي السيادي في العراق وطوروا فهماً لضرورته من أجل الوصول إلى تغيير سياسي بالنظر إلى التدخلات السياسية المستمرة من قبل الدول المجاورة للعراق، سواء كانت إيران أو تركيا، وهما موردان رئيسيان للأغذية في نفس الوقت(19).
وفي هذا السياق ظهرت شبكة “گوئز ونخل”، أي “گوئز” وتعني الجوز في اللغة الكردية والنخل كرمز للتمور و هي تعد من المحاصيل الأساسية في هذه الجغرافية. إن وجود مجموعة كهذه تدعم الحراك ضد التوسع الإمبريالي على عدة مستويات: فبينما تقوم الإمبريالية في العراق على خطاب طائفي ورؤية حداثوية تقسم بين المناطق الريفية والمدن، فإن الناس الذين يجتمعون في هذه الشبكة مثل عبد القادر ورفاقه الفلاحون يتعارضون مع هذه الرؤية و يتبنون رؤية مغايرة تتبنى السيادة الغذائية(20) واستقلالية الفلاحين وعودة وسائل الإنتاج الى أيديهم(21). إن التصور في كردستان والعراق، مع أخذ التاريخ النضالي ضد الاستبداد في الريف كخط أساسي، هو كيفية تشكيل الوجود الجماعي في حد ذاته لحاجز مناهض لازدياد وتوسع التشوهات الإمبريالية في عراق و كردستان اليوم.
شلوڤا صاما وحيدر علي وأنصار جاسم – شبكة گوئز ونخل لدعم السيادة الغذائية – كردستان والعراق
المقال أعلاه مأخوذ من مجلة سيادة – العدد الخامس: “الحرب والسيادة الغذائية في المنطقة العربية“. يمكنكم\ن الاطلاع على العدد وتحميله من: الرابط
المراجع
1 – تفاقم الوضع مع حرب روسيا على أوكرانيا. “يحتل العراق المرتبة السادسة من بين أكثر من 15 دولة نمت فيها صادرات البضائع من أوكرانيا أكثر من غيرها، إذ بلغ حجم وارداته نحو 164,9 ملايين دولار، وفقًا لإحصاءات صادرة عن الإدارة الأوكرانية”. [21- 04- 2022، https://tinyurl.com/yck8w7w2].
2 – “مثلت الزراعة 18 في المئة من الناتج الاقتصادي المحلي في عام 1995، إلا أنه وبعد 30 عاماً من الحروب والنزاعات تدهور هذا القطاع بشدة إلى أن أصبح بالكاد يمثل 2 في المئة من الناتج الاقتصادي في 2019”. [07- 06- 2021، https://tinyurl.com/nhbuhzht].
3 – من الانتقادات التي وجهها البنك الدولي للقطاع الزراعي في العراق كونه مضبوطا بشدة من طرف الدولة: “يُعزى انخفاض معدلات الإنتاجية والنمو في العراق إلى مجموعة متنوعة من العوامل منها السياسة السابقة للحكومة التي تثملت في الإبقاء على أسعار الأغذية المنخفضة بصورة مصطنعة عبر فرض ضوابط على الأسعار والإنتاج وقيود على التسويق… وقد اتسمت الساسات الحكومية في القطاع الزراعي برقابة الدولة ودعمها للمدخلات الزراعية (الأسمدة والبذور والمبيدات الحشرية والمعدات الزراعية والآلات) ولأسعار المحاصيل الاستراتيجية.وقد خضع أهم المحاصيل (القمح) لأكبر قدر من الرقابة وكان الأشد تضررا من غياب أسواق مفتوحة”. [03- 02- 2017، مجموعة البنك الدولي، “الدراسة التشخيصية المنهجية عن العراق”].
4 – يقدم حنا بطاطو إحصاءات دالة عن ملكية الأراضي في عراق سنة 1958: “وكان معظم الملاكين من الملاكين الصغار جدا، وهو ما يمكن استنتاجه من حقيقة أن %72.9 من كل أصحاب الأراضي كانوا يملكون أقل من 50 دونما للواحد منهم، أي %2.6 فقط من مجموع المساحة. وطبعا كانت أربعة أخماس العائلات العراقبة لا تملك أية أرض على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، فإن أقل من %1 من الحائزين على الأرض والملاك كانوا يسيطرون على %55.1 من كل الأراضي ذات الملكية الخاصة”. [1995، حنا بطاطو، “العراق، الطبقات الاجتماعية الحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية- الكتاب الأول”، الطبعة الثانية، ترجمة عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت- لبنان].
5 – تقدم دراسة عصام خفاجي القيمة “رأسمالية الدولة الوطنية” تحليلا منيرا حول الإصلاح الزراعي بعد ثورة 1958، وكيف أفادت بالدرجة الأولى الملاك الزراعيين الرأسماليين: ” في حين عجزت الدولة عن أن تنفذ برنامج التصنيع الذي كان سيؤدي إلى زيادة مساهمتها في الإنتاج والملكية، اتجهت الاستثمارات الحكومية في الزراعة إلى التوسع. وإذا ما قرنا ذلك بطبيعة توزيع ملكية الأراضي وغياب مساهمة الدولة في الإنتاج الزراعي، فمن الواضح أن حصيلة النشاط الاستثماري في الزراعة قد اتجهت إلى تحقيق مردود أعلى للملاك الزراعيين دون أن يتحملوا كلفا تُذكر، لا سيما وأن مصدر هذا الإنفاق الاستثماري لم يكن اقتطاعا من دخول أولئك الملاك بشكل ضرائب أو رسوم. لقد ساهمت مشاريع الري والبزل وتطوير الثروة الزراعية والحيوانية في رفع إنتاجية الأرض، وبالتالي في رفع العائد الحدي للملاك الزراعي بأكثر مما أدت إلى رفع العائد الاجتماعي الحدي، إذ أمكن من خلالها صب موارد الدولة لصالح زيادة إثراء هذه الطبقة الاجتماعية”. [1 يونيو 1979، عصام خفاجي، “رأسمالية الدولة الوطنية”، دار ابن خلدون، الطبعة الأولى ، ص 179- 180].
6- للمناقشة حول سوريا، انظر جاسم (2019): شبكة السيادة الغذائية في الحديقة الخامسة عشرة في سوريا (الفصل 8). متاح على الإنترنت: https://beyonddevelopment.net/wp-content/uploads/2020/11/Cities-of-Dignity.pdf.
7- القرار 661 (1990) المؤرخ في 6 غشت 1990: يقرر أن تمنع جميع الدول ما يلي:
- استيراد أي من السلع والمنتجات التي يكون مصدرها العراق أو الكويت، وتكون مصدرة منها بعد تاريخ هذا القرار إلى أقاليمها؛
- توفير أية أموال أو أية موارد مالية أو اقتصادية أخرى لحكومة العراق أو لأية مشاريع تجاربة أو صناعية أو لأية مشاريع للمرافق العامة في العراق أو الكويت…
8 – “اعتُمد نظام البطاقة التموينية في العراق بعيد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 الصادر بتاريخ 6 أغسطس/ آب 1990. ويعتمد 90% من العائلات العراقية على هذه البطاقة بشكل تام، وتعتمد عليها نسبة الـ10% الباقية (وهم أصحاب الأجور المرتفعة) بشكل جزئي. وتحمل البطاقة التموينية اسم معيل الأسرة واسم المحلة والزقاق وعدد أفراد العائلة واسم وكيل التوزيع عموما ووكيل توزيع الطحين بشكل خاص. ويوجد بالعراق 45 ألف وكيل يقومون بتوزيع مواد، من أبرزها الرز والشاي والسكر والحليب وغيرها، يضاف إليها الطحين الذي له شبكة توزيعية مستقلة. ويحصل كل فرد من العائلة على 9 كلغ من الطحين و2.5 كلغ من الأرز، و2 كلغ من السكر و250 غراما من الحليب المجفف. وتغطي هذه المواد أكثر من 75% من المواد الغذائية التي تستهلكها الأسرة العراقية. وقام نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بدعم هذه المواد خلال سنوات الحصار الـ13 بواسطة واردات النفط مقابل الغذاء وبإشراف الأمم المتحدة. [05- 04- 2004، https://tinyurl.com/3azd4tx8].
9 – إيرين-آسيا (2004): العراق: مقابلة مع وزيرة الزراعة. متاح على الإنترنت: https://reliefweb.int/report/iraq/iraq-interview-minister-agriculture.
https://rosalux-lb.org/ar/publications/oxy-trade-pesticides-iraq– 10
11- أطلس التعقيد الاقتصادي (هارفارد)، أطلس التعقيد الاقتصادي (harvard.edu)
12- https://rosalux-lb.org/ar/publications/oxy-trade-pesticides-iraq
13- الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (2004): الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: التحديث الأسبوعي لإعادة إعمار العراق والإغاثة الإنسانية رقم 6 (السنة المالية 2005). متاح على الإنترنت: https://reliefweb.int/report/iraq/usaid-iraq-reconstruction-and-humanitarian-relief-weekly-update-6-fy-2005-0 .
14- إيرين-آسيا (2004): العراق: مقابلة مع وزير الزراعة. متاح على الإنترنت: https://reliefweb.int/report/iraq/iraq-interview-minister-agriculture.
15- سلطة التحالف المؤقتة (2003؟): الأمر رقم 81 براءات الاختراع، التصميم الصناعي، معلومات غير معلنة، قانون الدوائر المتكاملة والأصناف النباتية. متاح على الانترنت: https://govinfo.library.unt.edu/cpa-iraq/regulations/20040426_CPAORD_81_Patents_Law.pdf .
16- وزارة الزراعة (2013): قانون رقم (15) لسنة 2013 بشأن تسجيل وتبني وحماية الأصناف الزراعية متاح على الانترنت: https://www.fao.org/faolex/results/details/ar/c/LEX-FAOC179248/ ..
17 – قال أحد مزارعي محافظة ديالى، عبدالرحمن التميمي، لـ”العربي الجديد”، إن “الزراعة باتت مدمرة، ويعاني فلاحو المحافظة من تخريب آلياتهم الزراعية، بسبب الحرب بين داعش والحكومة والمليشيات، إلى جانب توقف معظم الفلاحين عن زراعة أراضيهم”. [03- 03- 2015، https://tinyurl.com/486pz7jx].
18 – وذلك بناءً على شهادات شخصية لمزارعين فلاحين في منطقة البعيثة بأرياف بغداد. وكذلك:
January 2022 ، https://www.ceasefire.org/wp-content/uploads/2022/01/CFR_IraqMilitia_EN_May21.pdf
29- 01- 2024، https://alrafidain.tv/74572/ميليشيات-متنفذة-تصادر-أراضي-مواطنين-ف/.
19- انظر إيران سيروان، ديلان (2022): زادت الصادرات الإيرانية إلى العراق بنسبة 21 بالمئة في العام الماضي. متاح على الانترنت: https://www.rudaw.net/english/middleeast/12042022 . بالنسبة لتركيا والدول الأخرى المصدرة إلى العراق انظر: مختبر النمو (2021): المستورد العراق. متاح عبر الإنترنت: https://atlas.cid.harvard.edu/explore?country=108&queryLevel=location&product=1&year=2019&tradeDirection=import&productClass=HS&target=Product&partner=undef&startYear=undef .
20 – “نشطاء شبكة السيادة الغذائية العراقية “گوئز ونخل” الذين واللواتي يعتبرون الممارسات الزراعية الإيكولوجية جزءًا من النضال من أجل مستقبلٍ عادلٍ لا يمكن تحقيقه إلا بإحلال السيادة الغذائية”. [12- 06- 2023، https://tinyurl.com/588xujyp].
21 – “أتمنى أن تُستخدَم أرضنا الزراعية في العراق بطريقةٍ صائبة، وأنا أكافح من أجل ذلك. نحن بحاجةٍ إلى استعادة التربة الصالحة. إنّ تناول طعامٍ نظيفٍ والعيش في مجتمعٍ قادرٍ على استخدام موارده الطبيعية هي من أبسط الحقوق. وسيكون ذلك بمثابة حياةٍ عادلةٍ للبشر والطبيعة على حدٍّ سواء”. [مروة النعيمي، ناشطة بيئية مولودةٌ في بغداد ورائدة أعمالٍ في مجال معدّات الزراعة العضوية، 12- 06- 2023، https://tinyurl.com/588xujyp].