تعتبر الزراعة من أهم دعائم الاقتصاد في مصر، وتمثل مصدر رزق لحوالي 24% من سوق العمل. ويتماشى إسهام صغار المزارعين ومنتجي الغذاء في مصر مع وضع الزراعة في المنطقة، فهي تعتمد على الحيازات الصغيرة، و تنتج نسبة 80 % من الغذاء المستهلك محليا، ألبانا ولحوما وفاكهة وخضروات. أما النساء، فيمثلن أغلبية اليد العاملة في المزارع الصغيرة. لذا تمثل الفلاحات المنتجات الرئيسيات للمحاصيل الغذائية، وانخراط النساء في إنتاج الغذاء لا سيما بالبلدان النامية ظاهرة راسخة وتقليدية. ويشمل مصطلح”فلاحات” المزارعات، ومربيات الماشية والطيور، وراعيات الغنم، وصائدات الأسماك، ومنتجات الصناعات الغذائية. نركز في المقال على الفلاحات المصريات اللاتي يندرجن في صغار منتجي الغذاء في العالم.
تشكل الفلاحات 53% من اليد العاملة الزراعية في مصر، و يعملن مزارعات في الأراضي العائلية أو عاملات زراعيات بالأجر، و دائما ما كن يعانين من التمييز “على أساس النوع الاجتماعي” السلبي في الأجر، و في تملك الأراضي. إذ تمثل النســاء مــا يــتراوح مــن 10إلى 20بالمائـة فقـط مـن مالكي الأراضي. هذا فضلا عن غياب أي تأمين صحي أو حماية اجتماعية وقانونية. وتبلغ الأمية بينهن نسبة مرتفعة (64-80%)، ما يحد من قدرتهن على الاستفادة من الفرص (مشروعات وقروض حكومية أو من منظمات دولية).
السياسات الزراعية في مصر
لا يخفى على المتابع للسياسات والخطط الزراعية في مصر اهتمام الدولة بالتصدير، وبالتالي بدعم الشركات الكبيرة وأصحاب الحيازات الضخمة بهدف تحسين الإنتاج وتكثيفه وتشجيع ميكنة الزراعة والتركيز على فتح أسواق جديدة. ويظهر هذا التوجه في خطة وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، وفي الميزانيات والتصريحات والقروض، وفي التعامل مع الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقيه التجارة الحرة واتفاقيه حماية الأنواع المستحدثة. كما نلاحظ أن مشروعات الوزارة لعام 2019 تركز، فيما تعتبره نهوضا بقطاع الزراعة وارتقاء به، على تنظيم وإحكام السيطرة على المشتغلين في مجال إنتاج الغذاء، وفتح آفاق للاستثمار في إنتاج الدواجن والحيوانات لمشروعات كبرى متكاملة في الظهير الصحراوي، بعيدا عن الوادي والدلتا وفى مناطق معزولة تساعد على تضخيم الإنتاج والتصدير.
ومن حين لآخر، يرد موضوع دعم صغار المزارعين ومربي الماشية وتحسين دخولهم بواسطة مشروعات مثل قروض لمعالجة أراضي وزراعة محاصيل محددة أو استيراد ماشيه لتناسب صغار المربين كخدمة دون توضيح الدور الأساسي لصغار المزارعين كمنتجين ل80 % من الغذاء المستهلك محليا. هذا بالإضافة إلى غياب شبه دائم لمعالجه القضايا التي تخص الفلاحات.
مدى تأثير جائحة كوفيد19على صغار منتجي الغذاء، خاصة الفلاحات
إن تأثر صغار منتجي الغذاء بالصدمات يكون حادا و وخيم العواقب.
أدت جائحة كوفيد19بشكل عام إلى انخفاض الدخول المحدودة للمعتمدين على الإيراد اليومي في الريف والحضر على حد سواء. و بلغت حد فقدان مصدر الدخل أو العمل بدوام كامل، ما سبب زيادة العبء على النساء و اضطرارهن لمضاعفه العمل و تحمل جزء أكبر من المسؤولية.
وكان الأثر على الفلاحات كبيرا: ففي ظل حظر التجوال والانتقال بين المحافظات، وقيود النفاذ إلى الأسواق في المدن، وإغلاق الأسواق الأسبوعية في القرى، عانت المزارعات بالأجر من صعوبة بلوغ أماكن العمل مما تسبب في فقد مصدر الرزق. أما من يعملن في أراضي العائلة بدون أجر، ويعتمدن على المحصول وتصنيعه واستخدامه أو بيعه في السوق، فقد قاسين من فقد مصدر نقدي لشراء الاحتياجات الأخرى. وفي معظم الحالات، تكدس المحصول أو المنتج لديهن مما أدى إلى التردد في مواصلة تصنيع منتجات الألبان وغيرها، وإلى صعوبة تحديد محصول الموسم القادم. واضطررن في بعض الأحيان للبيع عبر وسيط مما سبب خسارة جزء من الدخل.
وبخلاف التأثير المباشر على مصدر الرزق، ضاعف ارتفاع نسبه الأمية بين الفلاحات صعوبة وصولهن إلى معلومات عن كيفية الوقاية من العدوى وإجراءات السلامة و لوائح النظافة والاستفادة من فرص العمل المتاحة و تسويق المنتجات خلال جائحة كوفيد19. ونضيف إلى الأمية حرج التواصل مع ممثلي المنظمات من الرجال، الأمر الذي قلل قدرتهن على التفاعل مع مبادرات تقليل الآثار السلبية لجائحة كوفيد19 في ظل غياب أي تدخل من الدولة و بطء التفاعل مع الوضع.
مشروعات ومبادرات تجاوز آثار الجائحة السلبية
نتناول هنا بعض المجهودات والمبادرات التي تمت في فترة انتشار الجائحة، والتي قد تؤتي بعض النتائج الإيجابية على مستوي المشاريع و السياسات.
– مبادرة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا لتزويد صغار المزارعين الأسريين بالمعرفة اللازمة للتغلب على التحديات الناجمة عن جائحة كوفيد-19، بما في ذلك إجراءات السلامة ولوائح النظافة وكيفية الوصول إلى الأسواق واختيار المحاصيل: أنتجت الفاو مجموعة مقاطع الفيديو تتضمن رسائل توعية مختلفة لتوزيعها رقميا على المزارعين، على سبيل المثال عبر تطبيق واتسآب، بهدف الوصول إلى المزارعين بسرعة وسهولة مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي.
– إنشاء التحالف العالمي من أجل الأغذية في ظلّ جائحة كوفيد-19 بقيادة الفاو للحدّ قدر المستطاع من تأثيرات حالة الطوارئ الراهنة في الأجل البعيد. وذلك بتطبيق رؤية الفاو الخاصة باستدامة الأغذية والزراعة، والتحول لنظم إنتاج غذائي قادرة على الصمود ومستدامة، والتركيز على الاستثمار في أصحاب الحيازات الصغيرة، وتزويــدهم بالوســائل والقــدرات لبنــاء ســبل عيــش قــادرة على الصمود، وربــطهم بالأسواق وتسهيل الوصول إلى الموارد والتمويل والخدمات، وتشــجيع تنويــع الإنتــاج ومصــادر الدخل ولاسيما النساء والشباب والسكان الأصليين والمزارعين الأسريين، وتعزيز حقوق الحيازة الآمنة للأراضي للرجال والنساء.
– توصيات المنظمة العربية للزراعة لدعم صغار المنتجين بما يمكنهم من تجاوز الآثار السلبية للجائحة و التركيز على المشروعات الصغيرة.
– ندوة جامعة الدول العربية الافتراضية يوم 25 مايو/أيار عن “تداعيات أزمة كورونا على الأمن الغذائي العربي”. شارك فيها عدد من المنظمات الدولية والإقليمية، ونتجت عنها 30 توصية. وتميل التوصيات إلى الاهتمام بصغار المزارعين، ووضع برامج للحماية الاجتماعية وإجراءات حفز لصغار المنتجين، والعودة إلى مفهوم الاكتفاء الذاتي فيما يخص المحاصيل الاستراتيجية وخاصة الحبوب والسكر والزيوت، والاهتمام بالمحاصيل المحلية وإحياء الزراعات والصناعات الغذائية التقليدية والتراثية الأسرية و تنفيذ برامج تعزيز قدرات المرأة الريفية ومدها بالوسائل اللازمة لترقية دورها في إنتاج الغذاء وتحويله وتسويقه.
التوصيات
– إســناد قيمــة عادلــة لعمل سكان الريف، خاصة النساء، والاستثمار في الفلاحات والاعتراف بدورهن في الإنتاج الزراعي كجــزء مــن نظــام غــذائي مســتدام.
– تفعيل المادة 79 في الدستور المصري*، وإدراج مبادئ السيادة الغذائية كنموذج بديل، فهي تدعم صغار منتجي الغذاء ومعظمهم نساء، وتمنحهن قدرة التحكم بمناطقهن وأراضيهن ومحاصيلهن، وتعزز ممارسات الإنتاج والاستهلاك المحلي التقليدي، هذه التي عادة ما تقوم بها النساء، وتشجع الفلاحات على اختيار البذور المحلية و إعادة زراعتها ومبادلتها.
– جعل الأسواق متاحة للنساء، ويتطلب ذلك تسهيل الوصول للموارد والتدريب على المشاركة وتسهيل التنقل وتحسين البنية التحتية.
– تدريب النساء كمزارعات ومدربات ووكيلات إرشاد لتسهيل تمكين الفلاحات ووصلوهن للمعلومات، وإمكانية استفادتهن من فرص المشاركة في المشروعات.
– التركيز على تعليم الفتيات و محو أمية نساء الريف المصري
– إنشاء تعاونيات نسائية ومجموعات المساعدة الذاتية كشكل من أشكال التأمين المشترك
– تسهيل ملكية الفلاحات للأراضي: معالجة التقاليد التي تعيق النساء من المطالبة بحقوقهن في الميراث و توجيه برامج تمليك الأراضي ليشمل تخصيص أراض للمزارعات.
- المادة 79 من الدستور المصري:
“لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال”
الدكتورة هالة بركات
باحثة – مصر
.جرى نشر هذا المقال في العدد الأول من مجلة ” سيادة” : رابط تحميل المجلة هنا