ترزح الفلاحات المصريات تحت أعباء العمل الشاق, فبالإضافة إلى مشاركتهن في أعمال الزراعة وجني المحصول,تقومن بالأعمال المنزلية. أحيانا يتجاوز وقتُ عمل الفلاحَّة أثناء جني المحصول 12 ساعة متواصلة، منها ساعة واحدة لتناول وجبة تتيح استكمال العمل، في المقابل تحصل على أجر يومي زهيد، حيث تتقاضى حوالي 70 جنيهًا. ورغم تدني الأجر فقد وجدت فيه الفلاحات وسيلة للعيش وسط حالة من غلاء الأسعار وتردي الأوضاع المعيشية، وتجنبًا للبطالة.
مخاطر التراحيل:
تتعرض الفلاحات لمخاطر عديدة جراء عملهن، سواء منذ بداية يومهن وفي أثناء عملية نقلهن للعمل. حيث يلجأ مقاول الأنفار أو سائق المسؤول عن ترحيلهن إلى تكديس السيارة لنقل أكبر عدد من العاملات في أقل وقت ممكن، والسير في طرق ضيقة ووعرة بسرعة للتمكن من إيصالهن والعودة لنقل فلاحات أخريات لموقع العمل.
تتعرض العاملات لحوادث طرق قد تصيبهم بإصابات بالغة، ينتج عنها العجز العمل. يكشف تقرير مركز الأرض أنه في الفترة من يناير 2016 حتى سبتمبر من العام نفسه، قتل 79 ما بين عمال زراعيين وعاملات زراعيات، وأصيب 190 وذلك بسبب حوادث سيارات متهالكة في طرق أكثر اهتلاكا.
العاملات ما بين إصابات العمل والتهميش القانوني:
نتيجة للعمل المرهق والمكثف والذي يحتاج إلى مجهود بدني كبير إلى جانب طول فترة العمل، تصاب العاملات بآلام في الظهر نتيجةَ الانحاء لساعات طويلة، وآلام الركبة بسبب الجلوس في وضع القرفصاء لمدة طويلة الذي تفرضه طبيعة العمل وجمع المحصول. ومن تحتاج منهن لبضع دقائق لتتمكن من إراحة ضهرها أثناء العمل تتعرض للتوبيخ من قبل المشرف وقد يصل الأمر أحيانًا للتلويح بالخصم من الأجر. كما يتم منعهن من الدخول إلى الحمامات لقضاء الحاجة إلا بعد إنجاز معدل العمل المطلوب.
بالرغم من تلك الصعوبات والأعباء، تواصل العاملات العمل. فلا بديل عن ذلك أمام نساء تَمكَّن منهن الفقر ولا يملكن رفاهية ترك العمل أو الانتظار لإيجاد بديل أفضل، فمنهن من تعول أسرة كاملة، ومنهن من تعمل لكي تتمكن من الزواج، ومنهن من تساعد أهلها بما تتقضاه من أجر لتحمُّل ظروف المعيشة.
ضف إلى ذلك انقطاعُ الأجر في حالة التعرض لإصابة فلا تتقاضى أجراً مقابل أيام الاستشفاء، وبالرغم من أن الإصابة قد حدثت أثناء عملية نقلهن إلى موقع العمل، أو خلاله، فالمُشغل غير ملزم بتحمل تكاليف الرعاية والعلاج، ومن الممكن أن يصل الأمر حدَّ تركهن للعمل لعجزهن عن الاشتغال مرة أخرى نتيجة تلك الإصابة، فلا يوجد نص قانوني يُلزم المُستثمر بذلك، سواء كان صاحبَ مزرعة إنتاج كبيرة وتستحوذ على ملكيات الكثير من الأراضي وتضم نسبة عمالة أكبر، أو مزارع إنتاج محصول متوسطة وصغيرة، فلا تختلف عملية الاستغلال من مزرعة لأخرى وذلك لغياب قانون ينظم العمل.
فقد تعرضوا للتهميش القانوني حيث نصت المادة 159 من قانون العمل على استثناء العاملات في مجال الزراعة من أحكامه: انعدام تأمين صحي أو تأمين اجتماعي، وفي حال أصيبت إحداهن فلا يوجد ضمانات فعلية لحمايتهن مما يجعل الإصابة تعني نهاية حياتهن العملية.
هناك أساسي بين الشركات الاستثمارية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، هو وجود وسيط بين الشركة والعاملات في المزارع الاستثمارية الكبيرة يكون هو المسؤول المباشر أمام العاملات، فيقوم بتوزيع العمل عليهن، وتوزيع الأجور وقد يحصل على نسبة من أجورهن إلى جانب ما يحصل عليه من الشركة، وله السلطة في منح وسحب العمل، وفي المزارع الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة فيوجد مقاول الأنفار وهو المسؤول عن تجميع العاملات وإيصالهن لمكان العمل، وهو الذي تتعاقد معه الشركة لإنجاز مهمة معينة لمدة محددة، وهو المسؤول عن الرواتب وقد يكون على علاقة جيرة من العاملات، ويمنحهم ذلك ميزة نسبية من عدم إمكانية مقاول الأنفار على التجاوز معهن، بعكس الشركات الكبرى فالمشرف يمتلك سلطات مطلقة على العاملات، ويملك سلطة العقاب ولا يوجد ضابط أو حاكم يمنعه من استغلال سلطاته على العاملات.
غياب الاستقرار في العمل:
العمل في مجال الزراعة موسمي ونتيجة لذلك، قد تعاني عاملات الزراعة من عدم الاستقرار، حيث يتم الاتفاق بين المستثمر ومقاول الأنفار المسؤول عن توفير العاملات على مدة للعمل، وبمجرد انتهاء المدة المتفق عليها تصبح العاملات في وضع بطالة، وتستمر عملية البحث عن عمل جديد من خلال مقاولي الأنفار، كما أن تطور أدوات الزراعة والري قد ساهم في تقليل نسبة الاعتماد على الأيدي البشرية وزيادة الاعتمادية على الآلة مما يقلل من فرص الحصول على شغل ومعاناة العاملات من البطالة.
برغم تلك المخاطر والانتهاكات التي تتعرض لها العاملات فليس هناك مظلة قانونية لحمايتهم، أو تنظيم تتمكن من خلاله العاملات من الاحتجاج على أوضاعهن المأساوية، ولم يمكن نمط العمل الموسمي العاملات من المطالبة بحقوقهن، فبمجرد انتهاء موسم جني المحصول ينتهي عمل العاملات بالمزرعة، ويذهبن من جديد في رحلة البحث عن عمل لكي يتمكنوا من مواصلة العيش والحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
الحق في التنطيم وسيلة لانتزاع الحقوق:
بسبب تعدد أماكن عمل العاملات الزراعيات، وعدم ثباته، فالعاملات يتنقلن من مزرعة إلى أخرى فور انتهاء عملهم، وأحياناً يمكثن فترة بدون عمل للتمكن من الحصول على أخر جديد، إلى جانب عدم وجود خبرة نقابية لدى العمالة غير المنتظمة، فلا سبيل للعاملات للحصول على حقوقهن إلا بالتنظيم.
يسمح القانون المصري رقم 13 لسنة 2017 “قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي” للعمالة الزراعية بالحق في إنشاء تنظيماتهم الخاصة، فلا توجد سوى النقابة العامة للعاملين بالزراعة والري والتي بدورها تندرج تحت الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، أدت تلك العوامل إلى ضعف التنظيم الخاص بالعاملات الزراعية، وصعوبة قيامهم بإنشاء تنظيمات مستقلة تكون أداة لنيل حقوقهم.
من خلال التنظيم وحرية تكوين نقابات مستقلة، ستتمكن العاملات من المطالبة بحقوقهم التي تتعلق بإبرام عقود عمل مع الشركة الاستثمارية وليس من خلال وكلاء أو مقاولي أنفار يستغلون العاملات ويقتطعون من رواتبهن، والحصول على تأمين اجتماعي، وتأمين طبي، علاوة على تحديد ساعات العمل، ووضع حد أدنى للأجور وتساوي راتب النساء العاملات مع رواتب العاملين من الرجال، والقيام برقابة رسمية على المزارع لتحديد عدد فعلي للعاملين وإدراجهم ضمن بند التعاقد وإلغاء مبدأ التعامل باليومية مع العاملات، كل ذلك سيمكن العاملات من تحسين شروط العمل، واستقرارهم النسبي في العمل بدلا من التنقل من مشروع زراعي لأخر بمجرد انتهاء العمل به، فلا سبيل سوى التنظيم لكي تتمكن العاملات من الحصول على حقوقهن.
بقلم/ عمار عبد الحليم
