المغرب: دروس سير انتخابات مندوبي/ات الأجراء بالقطاع الفلاحي بمنطقة سوس



بعض دروس سير انتخابات مندوبي/ات الأجراء بالقطاع الفلاحي بمنطقة سوس حددت الدولة تاريخ 20 يونيو 2021 لانتهاء عملية انتخاب مندوبي الأجراء في القطاع الخاص، وتاريخ 16 يونيو 2021 للاقتراع المتعلق بانتخاب ممثلي الموظفين في اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بالإدارات العمومية والجماعات الترابية وممثلي مستخدمي المؤسسات العمومية.سأتناول في هذا النص سير عملية انتخاب مندوبي الأجراء والأجيرات بالقطاع الزراعي بمنطقة سوس وكيف خاضتها القاعدة العمالية في النقابة الديمقراطية للفلاحة المنتمية لفيدرالية النقابات الديمقراطية.

سياق الانتخابات المهنية

يأتي تنظيم الانتخابات المهنية في السياق الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بنتائج الأزمة الصحية لجائحة كوفيد-19 التي أوقفت غالبية الأنشطة النقابية والتحركات النضالية لأزيد من سنة. واستغل أرباب العمل في القطاع الخاص هذا الوضع الاستثنائي للقيام بتسريحات هدفها تقليص كتلة الأجور وتشديد الاستغلال من خلال رفع وثيرة العمل (المردودية)، ولكن ايضا للتخلص من العاملات والعمال ذوي الاقدمية والمنخرطين في النقابة النشيطين. كما استفادوا من تدابير الدولة التي أعفتهم من أداء المساهمات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومن ذعائر التأخير والغرامات ومصاريف تحصيل الديون المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، علاوة على تسهيلات ضريبية وخطوط قروض خاصة.توجه دعم الدولة أساسا لكبار الرأسماليين، في حين أن الفلاحين الصغار والمتوسطين يعانون من آثار الجفاف وغلاء المدخلات الفلاحية والديون إزاء الأبناك ومشاكل التسويق، إلخ، وتوجد غالبيتهم على حافة الإفلاس الحقيقي. وبالمقابل، تدهورت القوة الشرائية للعاملات والعمال الزراعيين مع ارتفاع تكاليف العيش: غلاء أسعار المواد الغذائية، وتكاليف الكراء، والخدمات الصحية، والتعليم، والنقل، والماء الصالح للشرب، والكهرباء، والهاتف، والانترنيت، ومصاريف أخرى كاستهلاك التبغ والجلوس في المقهى، ومصاريف خاصة بالنساء، الخ. هذا في الوقت الذي لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور الخام في القطاع الفلاحي 1994 درهما في الشهر (مقابل 2829 درهما في القطاع الصناعي).

وما زال أرباب العمل ودولتهم يرفضون تطبيق اتفاق 26 أبريل 2011 القاضي بتوحيد الحد الأدنى للأجور بين جميع القطاعات. أرباب العمل ودولتهم يحملون إذن أزمة كوفيد-19 للطبقة العاملة. ويتجلى هذا أكثر في توسع حجم تسريحات العاملات والعمال، حيث فقد قطاع الفلاحة والغابة والصيد 477 ألف منصب شغل ما بين الفصل الثاني من سنة 2019 ونفس الفترة من سنة 2020 حسب احصائيات المندوبية السامية للتخطيط، وفي تدهور شروط العيش واحتداد الفقر. وهذا يزيد من خوف العاملات والعمال من البطالة، ويجعلهم أكثر قبولا للاستغلال ولضغوطات أرباب العمل. وهكذا سعت غالبيتهم في انتخابات مندوبي الأجراء الى التقرب من أرباب العمل وربح منصب المندوب فيما يسمى باللوائح المستقلة، في حين خاضت أقلية منهم حملة الانتخابات مع النقابة التي حققت مكاسب، أو لها تاريخ ومصداقية، أو ابانت عن قوة تفاوضية حتى وإن كانت بالتواطؤ مع الباطرون.

المتدخلون في الانتخابات المهنية

الدولة التي حرصت على إنجاح هذه الانتخابات المهنية من خلال تكثيف أدوات دعايتها وتسخير جميع مصالحها (مفتشية الشغل) للتعاون مع أرباب العمل لتسهيل العملية. إنها تحاول استعادة الثقة في عملياتها الانتخابية وفي مؤسساتها التمثيلية، وتفادي ضعف التصويت في الانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية التي ستجرى في شتنبر المقبل، وانتخابات أعضاء مجلس المستشارين في أكتوبر. أرباب العمل الذين أعطوا أهمية خاصة لانتخابات مندوبي الأجراء من خلال تدخلهم في عديد من الوحدات الإنتاجية بشراسة لفرض لوائحهم، والتأكيد على دور المناديب لضرب النقابة ونزع المصداقية عنها، والارتكاز على التقسيم النقابي لتشتيت القاعدة العمالية (كثرة اللوائح المستقلة والنقابية). كما سعت الى عقد اتفاقات مباشرة مع بعض النقابات لتحديد لوائح انتخابية دون علم القواعد العمالية، أو من خلال دعمها ماليا لتمويل ملصقات الدعاية الانتخابية ومصاريف الاتصالات الهاتفية والتنقلات، الخ.القيادات النقابات التي تجندت لنيل نسبة تمثيلية يسمح لها بولوج مجلس المستشارين، والمؤسسات المسماة ذات التركيبة الثلاثية (أي الدولة وأرباب العمل والأجراء، وكأن الدولة محايدة في حين أنها تمثل مصالح ارباب العمل) على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية (المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلخ)، وأيضا على الصعيد الدولي (التمثيلية في منظمة العمل الدولي وغيرها من المؤتمرات والمنتديات الدولية والإقليمية).

فالفوز بهذه التمثيليات تمكنها من الاستفادة من عديد من المزايا المادية والمعنوية، وتسمح لها ايضا بحفظ ماء وجهها أمام فقدان مصداقيتها النضالية وفسادها المستشري وتواطؤها المكشوف. وارتكزت دعايتها أكثر على المنافسة من أجل هزم النقابة الأخرى تحت مسميات تقسيمية (الخصم، العدو، الخ)، والنفخ في الذات (نقابة تاريخية، نقابة المعقول، الخ)، في غياب نقاش لقضايا الهجوم الكبير الذي يشنه أرباب العمل ودولتهم، ولأسباب ضعف الانتماء النقابي، ولكيفيات استنهاض العمل النقابي.القاعدة العمالية العريضة التي تأثرت بهذه الأجواء المشوهة لوعيها في ظل الأزمة الاجتماعية والصحية وشبح البطالة، وبقيت رهينة مصلحتها الفردية الآنية: فالفوز بمنصب المندوب “المستقل” يقرب العامل/ة من الباطرون، ويسمح له بنوع من الحماية ورفع تعويضاته بنسبة 100 في المائة في حال الطرد. لكن قد يسمح له ايضا الانخراط في النقابة في الوحدات التي توجد فيها بنيل بعض المكاسب أو تعويضات اضافية في حال الفصل عن العمل. وهذا ما كشفته النتائج الرسمية لانتخابات مندوبي الأجراء في القطاع الخاص، حيث فاقت نسبة غير المنتمين نقابيا 57 في المائة (22213 مندوب أصلي من مجموع 38763)، وتوزع المندوبون المنتمون (16550 مندوب أصلي) بنسب ضعيفة على النقابات المشتتة. فالانتماء النقابي للأجراء ضعيف جدا ببلدنا، حيث لا يتعدى عدد النشيطين المشتغلين المنخرطين في النقابات 4 في المائة وفق معطيات مندوبية التخطيط لسنة 2018. ويعود ذلك طبعا لهجومات الدولة المتسارعة لضرب حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها وقمع نضالاتها ومعاركها، ووضع قانون شغل في صالح أرباب العمل، إلخ. لكن يعود أيضا وبالخصوص الى القيادات النقابية التي لم يكن ردها في مستوى التعديات وتسير النقابة بأساليب لا ديمقراطية.

معركة انتخابات مندوبي الأجراء بالقطاع الفلاحي الخاص في إطار النقابة الديمقراطية للفلاحة

بالنسبة لمنطقة سوس ارتبط انتخابات مندوبي/ات العمال هذه السنة بانسحاب جماعي لعديد من المكاتب بإقليم شتوكة ايت باها من الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في الاتحاد المغربي للشغل، والتحقت بأخرى سبقتها في ذلك بإقليم تارودانت، لتدعم هياكل النقابة الديمقراطية للفلاحة المنتمية الى فيدرالية النقابات الديمقراطية. وترتبط أسباب الانسحاب باستحالة التعايش مع قيادة الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التي تشجع داخلها رموز الفساد المعروفين بالمنطقة وتكبح أشكال التنظيم القاعدية. وجرى تفصيل هذه الأسباب في عدد من الوثائق التي نشرت على صفحة “اللجنة التنظيمية فرع اشتوكة ايت بها النقابة الديمقراطية للفلاحة” على الفيسبوك. وخاض مناضلو ومناضلات النقابة الديمقراطية للفلاحة الحملة الانتخابية بحماس كبير، وواجهوا أرباب العمل الذين حاولوا:

• تكسير النقابة التي لا تسايرهم، وتجنيد المسؤولين في الشركات والضيعات ومحطات التلفيف لترهيب القاعدة العمالية وتخويفها ونشر الدعاية الكاذبة

.• نيل عدد كبير من المناديب الموالين لهم، وفرض لوائح مستقلة.

• تدعيم التقسيم النقابي لتشتيت القاعدة العمالية

.• عقد اتفاقات مباشرة مع عناصر نقابية متواطئة سواء عبر تعيين مندوب بمحضر بدون تصويت أو تصويت مزيف في غياب أي استشارة للقواعد العمالية

.• رفض اجراء عملية انتخاب المناديب.

وأبانت النتائج التي حصلت عليها النقابة الديمقراطية للفلاحة بمنطقة سوس عن الأمور التالية:

– مصداقية المناضلات والمناضلين المنخرطين الى جانب القواعد العمالية واللواتي والذين افرزتهم التجربة الكفاحية في الميدان طوال سنوات عديدة، سواء ضد الباطرونا أو ضد الفساد النقابي بمختلف تنويعاته، وأعطوا اشعاعا للعمل النقابي الصادق. وهذه المصداقية لم ينل منها تغيير المنظمة النقابية أو حرب الأضاليل التي يشنها المعادون لوحدة القواعد العمالية في معاركهم ولتسيير نقابتهم بكامل الديمقراطية.

– يدل عدد مندوبي /ات الأجراء المحصل عليها من طرف النقابة الديمقراطية للفلاحة (فيدرالية النقابات الديمقراطية) مقارنة مع الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الاتحاد المغربي للشغل) بعد عملية الانسحاب الجماعي منها، خصوصا في إقليم شتوكة ايت باها، بأن الأمر ليس تقسيم حصة المناديب المحصل عليها في الانتخابات المهنية لسنة 2015، بل ثم كسب عدد إضافي كبير. ويعود ذلك الى النضالات والمعارك التي خاضتها العاملات والعمال الزراعيون بالنقابة الديمقراطية للفلاحة والتحاق مكاتب جديدة بها.

– تقدم مكانة العاملة الزراعية في نيل حصتها من المناديب، وكانت على رأس اللوائح النقابية الفائزة في مجموعات فلاحية كبرى بالمنطقة.حفزت هذه النتائج الدينامية الداخلية للنقابة الديمقراطية للفلاحة التي نظمت لقاءات تواصلية وتكوينية مع القواعد العمالية وضمنهم مندوبي/ات العمال في كل من خميس ايت عميرة وأولاد التايمة.

وخلصت هذه اللقاءات الى ضرورة تدعيم مؤسسة المناديب على المستوى الإقليمي والجهوي، والعمل على تكامل أدوراها مع التنظيم النقابي من خلال عقد لقاءات دورية منتظمة لمتابعة اشتغالها ومراقبتها من قبل القاعدة العمالية. كما نظمت لقاءات خاصة بالعاملات الزراعيات وضمنهن مندوبات، وتعززت بنيات النقابة الديمقراطية للفلاحة بسوس بتشكيل لجنة المرأة الزراعية بأولاد التايمة التي بدأت تنسيقها مع مثيلتها بشتوكة ايت باها لتطوير عمل جهوي خاص بالنساء داخل النقابة.وتمحورت نقاشات هذه اللقاءات العمالية على مندوبي/ات العمال وما يتوجب عليهم/هن القيام به لتطوير الصلاحيات المحدودة التي يخولها لهم القانون. فقد أظهرت التجربة أن أرباب العمل يسعون الى استعمال مندوبي الأجراء لخدمة مصالحهم الخاصة. ومن هنا ضرورة تقوية العمل النقابي، والعمل على أن يكون المندوبون والمندوبات منخرطين في النقابة، ويزكون بتصويت ديمقراطي من قبل القاعدة العمالية دون أي تدخل من فوق. واعتبرت محطة انتخاب مندوبي/ات الأجراء محطة لتعزيز صفوف نقابتنا، وتقويتها تنظيميا، وتكتيف عملية التكوين النقابي، واعطاء اهتمام خاص للمرأة العاملة، واستخلاص الدروس من الاستقلال النقابي عن الباطرونا وعن الدولة.

دروس ومهام

كشفت هذه الانتخابات المهنية عن تدني مستوى وعي القاعدة العمالية العريضة في القطاع الخاص، والتي تعاني تبعات الأزمة الاقتصادية والصحية من خلال تردي الأوضاع المعيشية وفقدان الدخل. وليس هذا سوى انعكاسا لضعف المنظمات النقابية وتشتتها، ونتيجة لدور قياداتها التي سمحت لأرباب العمل ودولتهم بتمرير هجوماتهم الكبيرة (التمييز في الحد الأدنى للأجور وفي عدد ساعات العمل بين الفلاحة والصناعة، ضرب صندوق دعم أثمان المواد الأساسية، صدور المرسوم الذي يُحدد لائحة القطاعات والحالات الاستثنائية التي يمكن فيها إبرام عقد شغل محدد المدة، تعميم العقدة في الوظيفة العمومية، افتقاد مفتشية الشغل لسلطة زجرية، إلخ). وهناك احتمال كبير لصدور قانون الاضراب بشروط أرباب العمل، أي الحد من فعالية الاضراب كإحدى أسلحة المقاومة العمالية. وغني عن القول افتقاد المنظمات النقابية للآليات الديمقراطية، سواء في المؤتمرات وتسيير الأجهزة أوفي تدبير النضالات، وكذا للشفافية في الحسابات المالية. وأصبحت القيادات النقابية تخشى المعارك العمالية التي تندلع على مستوى القواعد، وتحاول رسم حدود لها كي لا تضر بالتوافقات وبالسلم الاجتماعي. ولا يخضع ممثلو وممثلات المنظمات النقابية في مجلس المستشارين وفي مختلف المؤسسات وطنيا ودوليا لأي رقابة عمالية من الأسفل، ليبقى دورهم مقتصرا على إضفاء المشروعية على القرارات والاجراءات التي يفرضها أرباب العمل ودولتهم على الطبقة العاملة.غابت كل هذه القضايا الرئيسية عن الانتخابات المهنية التي حكمها منطق التنافس النقابي، وهاجس الحصول على أكبر حصة من مندوبي/ات العمال لضمان امتيازات، ودون أي ارتباط نضالي حقيقي بالقاعدة العمالية.

وهذا يطرح مهام جسيمة على المناضلات والمناضلين النقابيين على مستوى القواعد لإعادة ابرازها، وإعادة الثقة للعمل النقابي الكفاحي، وترسيخ الديمقراطية الداخلية عبر تكوينات مستمرة للرفع من مستوى الوعي العمالي، وعقد جموعات عامة منتظمة للمكاتب النقابية القاعدية، وخلق بنيات وفضاءات خاصة بالعاملات الزراعيات، والحرص على ضمان وجودهن في جميع أجهزة النقابة بما يتناسب مع وزنهن في الوحدات الإنتاجية، وعقد جموعات عامة خلال النضالات والمعارك النقابية، وتوسيع الانخراط النقابي، وتوطيد التضامن العمالي على المستويات المحلية والجهوية والوطنية والدولية.يعد التشتت النقابي إحدى الوسائل الرئيسية لضرب مصالح الطبقة العاملة. ويعمل أرباب العمل ودولتهم على زرع المنافسة بين أقسام الطبقة العاملة لتكسير وحدة صفوفها. وبالتالي، فعلى المناضلات والمناضلين النقابيين أن يبتعدوا عن منطق التنافس بين النقابات والصراع بينها، وأن يتفادوا التحدث بلغة أن النقابات الاخرى فاسدة وان نقابتنا هي وحدها النقابة الجيدة. فالمناضلون الصادقون والكفاحيون يوجدون في جميع النقابات، وهناك مصلحة مشتركة للقواعد العمالية كيفما كانت النقابات التي تنتمي إليها. لذا وجب التركيز على هذه المبادئ لتدعيم الوحدة العمالية كهدف استراتيجي للبناء النقابي على أرضية برنامج نضالي يستجيب لتطلعات طبقة الأجراء ولآمالها العريضة في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

09 يوليوز 2021

أزيكي عمر النائب الأول للكاتب الوطني للنقابة الديمقراطية للفلاحة المنتمية الى فيدرالية النقابات الديمقراطية