خرج العمال/ات الزراعيين/ات في منطقة بيوكرى والخميس أيت عميرة بإقليم أشتوكة آيت باها، في منطقة سوس الفلاحية، يوم الاثنين 25 نوفمبر 2024، احتجاجا على الظلم والاضطهاد الذي يعانونه. وقد كان يومًا “تاريخيًا” كما وصفه شغيلة الزراعة في المغرب.
يخُلد هذا اليوم حجم البؤس الفعلي الذي يرزح تحت نيره العمال/ات الزراعيين\ات نظرا لحجم العمل الذين يبذلونه في الضيعات وقيمة الأجر الهزيل الذي يتقاضونه، مقارنة بارتفاع مستوى تكاليف المعيشة.

الــبــدايــة
تجري العادة أن يلتقي العمال\ات الساعة الرابعة صباحا من كل يوم في ساحة تسمى “الموقف”، حيث يختار وسيط من يرغب من العمال/ات من أجل العمل في الضيعات الكبرى، كما يتولى نقلهم إلى العمل وإرجاعهم منه، مقابل أجر مادي.
إلا أن ذلك اليوم، 25 نوفمبر 2024، لم يكن كسائر الأيام. تجمع العمال/ات الزراعيين/ات مقررين/ات الإضراب العام والانتفاض على أوضاع العمل الهشة خاصة والبؤس عامة. هاج العمال/ات وساروا طيلة اليوم في “بيوكرى”و” الخميس أيت عميرة” مرددين/ات شعارات رفض أجور البؤس بوجه غلاء المعيشة المفرط. كان المطلب المركزي: رفع الأجر اليومي إلى 150 درهم.
أوضاع شغيلة “الموقف”
من وإلى العمل...
من المنزل إلى ضيعات العمل، أو العودة منها، يستيقظ العامل/اة باكرا (الساعة الثالثة صباحا) من أجل الالتحاق ب “الموقف” لركوب المركبات مكدسين، وقطع مسافة قد تتجاوز 30 كيلومترا ذهابا وإيابا من العمل، ففي بعض الحالات يقضي العامل ثلث يومه في الطريق فقط.
حوادث الشغل على الطريق…
يتعرض دوما العمال/ات لمخاطر حوادث شغل في الطريق إلى العمل أو حين العودة منه، لا سيما أثناء ركوب المركبات. فأغلب أسطول نقل عاملات وعمال الزراعة في “الموقف” يتكون من مركبات من نوع “بيكوب”، أو شاحنات أما الحافلات ذات المعايير الحقيقية فمخصصة للعمال/ات الرسميين. يتكدس العمال/ات في هذا الأسطول المهترئ والمتهالك وغير الآمن، ويمر أمام أنظار الشرطة أو الدرك أو مراقبي وزارة النقل. وهكذا، تتعرض أغلب وحدات نقل الشغيلة هذه، لحوادث خطيرة. مخلّفة قتلى وجرحى ومعطوبين وأرامل.. يبلغ عددهم 75 ألف ضحية حادثة شغل سنويا[i].
في الضيعات…
يقضي عمال/ات “الموقف” حياتهن المهنية دون حماية قانونية. إن العلاقة التي تربطهن/هم بالوسطاء تجعل أرباب الضيعات الرأسماليين في حلٍّ من أي تبعات قانونية للتشغيل. علاوة على الأجر الذي لا يتجاوز ” 80 ” درهم [ii] مقارنة بطول ساعات العمل وأيضا بالعرض والطلب، في دورة الجني من الموسم الفلاحي والبطالة المنتشرة في باقي الدورات، تتعرض العاملات والعمال الزراعيين لأبشع نظام استغلال. استغلال لا يميز بين القاصرين/ات أو البالغين. ينضاف إلى قساوة العمل الزراعي قضاء الشغيلة ليوم طويل (في بعض الأحيان أكثر من 12 ساعة) معرضين/ات لحرارة البيوت البلاستيكية أو الرطوبة وبخاصة في موسم الصيف، وكذلك لخطر المبيدات الكيماوية؛ لأن وسائل الوقاية من المبيدات والبدلات والمراحيض وأماكن تغيير الملابس والأكل منعدمة. ببساطة إنها ظروف أقل ما يقال عنها ظروف عمل عبودية.
ينعدم التصريح بالعمال/ات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كما هو حال، التأمين من حوادث الشغل، ما يعني غياب كل تعويض عن المرض أو حين بلوغ سن التقاعد.
باختصار تحرم شغيلة الزراعة القادمة من “الموقف” في الاستغلاليات الكبرى من كل شيء.
العاملات الزراعيات عرضة للتحرش الجنسي…
تشكل النساء الغالبية العظمى من شغيلة الزراعة. أمام هذا الوضع تكون النساء عرضة لمختلف أنواع التحرش الجنسي في الضيعات من مسؤوليها وأيضا من الوسطاء الذين يبتزونهن من أجل اختيارهن للعمل. أيضا لا ننسى أن النساء معرضات لهذا التحرش من قبل رفاقهن في العمل سواء في الضيعات أوفي وسائل النقل المهترئة[iii].
رفع الأجور بوجه غلاء المعيشة
أدى تطبيق حكام المغرب لتوصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بتحرير أسعار المواد واسعة الاستهلاك، وتقليص الدعم المقدم لمواد الاستهلاك الأولية إلى ارتفاع الأثمان بشكل مباشر. إن أجور اليوم الهزيلة وغير المنتظمة لا تواكب الارتفاع المستمر للأسعار. هل تكفي أجور اليوم احتياجات الأكل السكن والتطبيب والنقل والخدمات الأخرى؟ لا.
لهذا خرجت عاملات وعمال الزراعة مطالبات\ين برفع الأجور إلى 150 درهما…

لا تنفذ الدولة فقط سياسات خدمة مصالح البورجوازيين الكبار بفتح أسواق البلد لمنتجاتهم ونهج سياسة تصدير لإنتاجنا الغذائي بل بتقديم المساعدات والإعانات وتسهيل المساطر. كما تقوم الدولة بفرض واقع الأجور الهزيلة عبر القمع الممنهج لكل عمل نقابي والتملص من تنفيذ كل التزام مع المنظمات النقابية بهذا الشأن (أي الزيادة في الأجور).
رفع مطلب الزيادة في الأجور: الأولوية الأولى للتنظيمات النقابية من أجل القادم من المعارك
جرى تحرك شغيلة الزراعة بشكل سريع، لا يُعرف على وجه التحديد من بدأ شرارته الأولى، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك. ما يميز شغيلة “الموقف” أنهم غير مستقرين وبالتالي يصعب تنظيمهم الجماعي.
يبشر هذا التحرك العمالي بالإمكانات الكامنة لدى شغيلة الزراعة إن هي توحدت من أجل مطلب يوم عمل ب 150 درهم. ما يشكل دفعا وضخا لدماء جديدة في صفوف التنظيم النقابي وحفزا نحو الأمام من أجل مطالب أكثر.
[i] جريدة الوطن عدد 22 فبراير 2024
[ii] https://www.tiktok.com/@brahimo3li4/video/7441326122870000952
[iii] https://attacmaroc.org/%d8%a8%d8%b4%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a3%d9%88%d8%b6%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%aa- %d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d9%8a/