صدور العدد الأول من مجلة “سيادة” الافتتاحية : لماذا مجلة سيادة؟



منذ تفشي وباء كورونا في العالم، لا يني دور صغار منتجي الغذاء يتعاظم، إلى جانب عمال قطاع الصحة والنظافة…وغيرهم، في الصفوف الأمامية للمعركة ضد الفيروس الفتّاك. وفي بلدان شمال أفريقيا، يضطر صغار منتجي الغذاء (صغار الفلاحين، الرعاة، صغار البحارة…) إلى العمل في شروط مأساوية أصلا، فاقمتها الجائحة، وزادت هشاشتها صعوبة ولوج الأسواق، وغياب الدعم الحكومي، ومخاطر اكتظاظ عمال الزراعة في الضيعات الفلاحية الكبرى، وبطالة بحارة الصيد دون تعويض لسد الرمق.

تضافرت أزمة كوفيد19- مع ما دأبت عليه الأنظمة القائمة من تَعَدٍّ ليبرالي منذ تطبيق سياسات التقويم الهيكلي في بلداننا طيلة عقود، حيث جرت التضحية بالخدمات العمومية لصالح الخصخصة وسداد الديون، في سياق عالمي بات مطبوعا أكثر فأكثر باحتداد الأزمات الاقتصادية والبيئية و بصعود انتخابي لليمين بمختلف تنويعاته. نهج هذا الأخير- ولاحقا أحزاب أخرى-  ما عرف بالسياسات النيوليبرالية التفقيرية أي ذروة عصف الرأسمالية بطفيف المكتسبات، وإرساء إطار عام  صنوف اللامساواة الاجتماعية.

تشهد منطقتنا، نهبا متواترا للثروات وتدميرا متعاظما للبيئة، وتبعية غذائية، وفرض نموذج زراعي تجاري مدمر. ويسهل هذا التوجه الاستثماري الربحي القضاء على مقوّماتنا الغذائية الثقافية  التي راكمتها أجيال كاملة من صغار منتجي الغذاء وبمقدمتهم  النساء. خبرة قرون من التعايش مع الطبيعية والتنوع الاحيائي، والتوازن البيولوجي، أضحت في مرمى الرأسمال الاستثماري الانتاجوي في قطاع الفلاحة والصيد.

إن رجحان ميزان القوى لصالح الأنظمة الحاكمة، مكنها من فتح الباب على مصراعيه للشركات متعددة الجنسية والرأسمال الزراعي الصناعي والتجاري التصديري، يكشف هذا بجلاء مدى رهن سيادتنا بطغيان الشركات على أنظمتنا الاقتصادية التي اصبحت موجهة للتصدير نحو الاسواق العالمية لا للإنتاج المحلي.

تتقاسم بلدان المنطقة، المغرب والجزائر و تونس وليبيا وموريتانيا ومصر، ذات المعضلة المتمثلة في فقدان السيادة الشعبية على الأرض و الموارد (بما فيها الماء)، وترسيخ للتبعية باتفاقات التبادل الحر وإغراق البلدان بالمديونية. هذه الخيارات الاستراتيجية يرافقها تسلط أنظمة قمعية ترعاها القوى الاستعمارية الجديدة.

يقاوم صغار منتجي الغذاء هذا النمط الاستعماري من النهب والتدمير، تارة بانتفاضات فلاحية، وطورا بإضرابات عمال الزراعة وبحارة الصيد. وتشهد بلداننا عددا لا يحصى من المقاومات الباسلة، إلا أنها تبقى متناثرة وغير منسقة، يسهل قمعها أو الالتفاف عليها بالنظر إلى المستوى السياسي لهذه الشرائح، وغياب أو ضعف منظمات مناضلة تعبر عن مصالحهم ومنحازة إلى مطالبهم قولا وفعلا.

وإذ نبذل في شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية ما بالوسع في التنوير والتعبئة والنضال من أجل مشروع السيادة الغذائية، نرى في منظمتنا مجرد رافد بحاجة إلى التضافر مع عدد من الهيئات الجدّية  والملتزمة بقضايا صغار منتجي الغذاء، الموجودة في الميدان. وندعو الجميع إلى العمل سويا، لتجاوز محنة غياب تقاليد التعاون النضالي بين المنظمات في المنطقة العربية/الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بعد نيّف من الاصرار، بالرغم من الصعوبات، ها نحن في إطار شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية، نصدر أول عدد من مجلتنا الإقليمية باللغة العربية منافحة عن بديل السيادة الغذائية، ومناهضة للنمط الاستخراجي الاستنزافي.  هذا على أمل أن تصبح “سيادة” – وهو الاسم الذي اخترناه لمجلتنا- نبراسا للمناضلين/ت والباحثين/ت الجادين/ت الملتزمين/ت بقضايا السيادة الغذائية، ومناصرين/ت لنضالات صغار الفلاحين والرعاة وعمال الزراعة وبحارة الصيد ضد الاستغلال والنهب.

لقد قمنا، في العدد الأول من “سيادة”  بالاتصال بكتاب وكاتبات من مختلف بلدان شمال أفريقيا، للتعبير عن أراءهم ومنظوراتهم التقدمية للمشروع التحرري حول السيادة الغذائية بمختلف جوانبه، حتى تكون المجلة منبرا حقيقيا لإسهامات جديدة، تصدح عاليا بقضايا صغار منتجي الغذاء.

يتناول هذا العدد الأول من مجلة ” سيادة ” مواضيع ذات محتوى متنوع، حاولنا من خلالها تغطية بعض بلدان المنطقة بمقالات عن أوضاع صغار منتجي الغذاء في زمن الكورونا.

ولقد كانت لنا اتصالات بكتاب وكاتبات من مصر وتونس والمغرب والجزائر وفلسطين، حتى نعطي لمجلتنا بعدا اقليما، والأكيد أننا نفتح باب المشاركة في مجلة “سيادة” لكل الأصوات المدافعة عن مشروع السيادة الغذائية.

لتحميل العدد الأول :

نسخة للقراءة: هنا

نسخة للطبع: هنا