دراسة جديدة : “عيش مرحرح الاقتصاد السياسي للسيادة الغذائية في مصر”



كانت “الأرض” ، وما زالت، هي محور الصراع الاجتماعي والتراكم الرأسمالي في مصر. فمنذ نشأة الدولة الحديثة ،كانت الأرض الزراعية محور الإنتاج الاجتماعي بمفهومه الأوسع و كذا السلطة وتركزها. وقد جرت العادة على اعتبار مصر، البلد الزراعي الهائل بلدا فلاحيا بشكل كبير. ورغم التناقص المستمر في أعداد الفلاحين المرتبطين بالزراعة، مازالت  الزراعة تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي.

فمصر تحتفظ بهوية ريفية قوية، وفقا لتعداد السكان للعام 2017 ، يعيش حوالي 58٪ من سكان البلد في الريف، ويعمل 70٪ من السكان النشيطين في المناطق الريفية في الزراعة بدوام جزئي أو كامل. وتمثل الزراعة نسبة  11.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2016 ، وتغطي 63٪ من الحاجات الغذائية الوطنية وتشغل 25٪ من القوى العاملة في البلد[1].

ومع ذلك، تُعرف مصر بكونها من البلدان المعانية من درجة كبيرة من انعدام الأمن الغذائي في العالم. هذه الخاصية ناتجة عن اعتمادها بدرجة كبيرة على استيراد القمح، وتأثرها بتغيرات أسعارها في السوق العالمية. بالإضافة لذلك، هي عرضة لمخاطر التغير المناخي، حيث وصلت معدلات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة لأعلى مستوياتها بين العامين 1998و2011 ، ما أدى إلى تسارع التصحر. ويعاني البلد من نقص حاد في المياه ومن أزمة مياه إقليمية وتدهور جودة الأراضي.

 القطاع الزراعي والمناطق الريفية هي الأكثر هشاشة في مواجهة التغيرات الاقتصادية والسياسية والتحولات في النظام البيئي، كذلك الأعلى في معدلات الفقر، لذلك فإن استمرار الفلاحين في وظيفتهم  يواجه تحديات كبيرة.

خلال قرن ونصف من التحولات الريفية، شهدت الزراعة الفلاحية تحولات كبيرة اثرت على الممارسات الزراعية وسبل والعيش، وكذا على المشهد الزراعي، من اقرار الملكية العقارية وتحقيق التراكم الأولي، مرورا بالإصلاح الزراعي الناصري، وصولا إلى دخول مصر عصر النيو ليبرالية وهيكلة القطاع الزراعي. إلا أن درجة الهيكلة، وطبيعية إعادة تشكيل القطاع الزراعي، مشوهة بدرجة كبيرة وأحيانا من إقليم لأخر داخل ذات البلد.

 لا يمكن وضع تصور بديل دون فهم دقيق لواقع السياسات الزراعية الوطنية بشكل عام، وديناميات القطاع الزراعي والفاعلين الأساسيين به بشكل خاص. وهذا ما نهدف إليه من خلال هذه الدرسة عبر تحليل واقع ومحددات السيادة الغذائية في مصر.

ولفهم وتحليل أبعاد ومحددات السيادة الغذائية في الريف المصري، أجرى فريق المبادرة الوطنية لدعم التعاونيات دراسة ميدانية لقريتين بريف مصر، إحداهما بمحافظة الفيوم والأخرى بمحافظة المنيا.

لتحقيق هذا الهدف تستعين الدراسة بمفاهيم أساسية في الدراسات الريفية والاقتصاد السياسي الزراعي، ومن المفاهيم الاساسية التي نستعين بها في تحليلنا مفاهيم السيادة الغذائية والأمن الغذائي والمنظومة الغذائية المحلية والدولية.

نحاول عبر فصول الدراسة تفكيك مصطلح السيادة الغذائية وتحليل مكوناته عبر مزج  وتحليل المنظومة الغذائية الدولية لفهم التحولات الكبرى في التراكم الرأسمالي الزراعي وعلاقة الزراعة التجارية بتطور درجة اندماج الدولة ودورها في الاقتصاد الزراعي العالمي مع التحليل الكيفي للديناميات المحلية وسبل العيش في قريتين بشمال الصعيد بمحافظتي المنيا و الفيوم.

تنقسم الدراسة إلى خمسة فصول، بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة.

يتناول الفصل الأول الأطر المنهجية والمفاهيمية التي ترتكز عليها الدراسة، في حين يتناول الفصل الثاني تاريخ التحولات في الاقتصاد السياسي لانتاج الغذاء في مصر منذ اقرار الملكية العقارية في بدايات القرن العشرين. بينما يتناول الفصل الثالث حدود السيادة الغذائية والتحولات في الملكية على مستوى قريتي الفيوم والمنيا. ومن جهته يتناول الفصل الرابع سلاسل القيمة لأهم محصولين تجاريين وتعاقديين بالقريتين موضوع الدراسة، وهما البنجر والبطاطس، وذلك بقصد  فهم آليات وأشكال الاندماج للفلاحين في السوق العالمي. وأخيرا،  يتناول الفصل الخامس تفاصيل انتاج الخبز باعتباره أهم مكون في النظام الغذائي المحلي، وعلاقة النساء بالزراعة والقرارات المزرعية وصيانة التقاوي، ودراستين حالة لسيدتين  فيما يخص توفير سبل العيش.

يحاول الكتاب أن يفتح المجال أمام نقاشات عامة حول مستقبل السيادة الغذائية كمفهوم جديد وداعم للحركة الاجتماعية والبيئة المساندة للفلاحين. يسعى الكتاب أيضا إلى أن يقدم خطوة أولى في استكشاف حدود وامكانيات الانتقال إلى نظام غذائي-زراعي بديل في مصر. تضع الدراسة امام المجتمع المدني والرسمي أجندة عمل تشتمل على العديد من المشكلات المركزية التي تواجه تطبيق السيادة الغذائية وكذا المبادئ الأساسية لسياسة زراعية بديلة قائمة على السيادة الغذائية.

 مروة ممدوح

باحثة و عضو المبادرة الوطنية لدعم التعاونيات – مصر-


[1]وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ، قطاع الشؤون الاقتصادية ، نشرة الإحصاءات الزراعية ، 2015/2016.