يقوم المزارعون-ات في موزمبيق حالياً بتطوير نظم البذور الأصلية من خلال تبادل بين الاتحاد الوطني للفلاحين-ات في موزمبيق (UNAC) وحركة صغار المزارعين في البرازيل (MPA)، وهما منظمتان عضوتان في حركة لا فيا كامبيسينا. تمثل هذه التجربة ثمرة التضامن والأممية بين الفلاحين، فضلاً عن الهوية الفلاحية للحركات المشاركة في النضال، وهي جزء من حملة “البذور، تراث الشعوب في خدمة الإنسانية”. شارك في هذه التجربة أكثر من 4500 فلاح وفلاحة من جمعيات وتعاونيات اتحاد التعاونيات الزراعية في ماراكويني Marracuene، الواقعة في مقاطعة مابوتو. بالإضافة إلى ذلك، كان 100 مزارع على اتصال مباشر بالنشاط. أطلق اتحاد التعاونيات الزراعية في مابوتو، انطلاقاً من اهتمامه بقضية السيادة الغذائية، شراكة لتعزيز نظم الإنتاج الفلاحي من خلال استعادة البذور الأصلية وإعادة إنتاجها وتحسينها وحفظها. وفي عام 2008، اقترحت إدارة الاتحاد الوطني للفلاحين في موزمبيق، إدراكًا منها لخبرة وزارة الزراعة في البرازيل في مجال البذور الأصلية والفلاحة، هذا التبادل الذي بدأ في عام 2012.
المزارعون الموزمبيقيون والبذور الاستعمارية
قبل الفترة الاستعمارية، كان المزارعون الموزمبيقيون يستخدمون بذور المجتمع المحلي الأصلية التي ينتجها بنفسه. مع الغزو البرتغالي في القرن السادس عشر، أتاح وصول المزارعين الأجانب إدخال محاصيل جديدة إلى موزمبيق من أجل إنتاج أغذية غير أساسية (القطن والسيسال). في هذه العملية، تم استخدام العديد من العبيد كيد عاملة. أدى ذلك إلى انخفاض عدد المزارعين المستقلين المشاركين في إنتاج وإعادة إنتاج المحاصيل الغذائية، ما أدى إلى فقدان أصناف البذور الأصلية.
مع الاستقلال في العام 1975 وطرد المستعمرين البرتغاليين، بدأ فلاحو موزمبيق مرحلة جديدة. أصبح لديهم الآن مناطق زراعية machambas خاصة بهم. بينما أُجبر السكان الذكور على العمل لدى المستوطنين أثناء الاستعمار، فإنهم فقدوا ثقافة العمل في أراضيهم الخاصة. دفع ذلك العديد من الرجال إلى البحث عن عمل في مناجم الذهب والماس، خاصة في جنوب أفريقيا.
وقعت موزمبيق في أزمة غذائية حادة مع رحيل المستوطنين وبدء الحرب الأهلية في العام 1976، يعود ذلك أساسًا إلى الظروف التي تميزت أنذاك بغياب البنية التحتية والمعدات والبذور، والتي وجد مزارعو البلاد أنفسهم فيها. مع اشتداد وطأة الحرب الأهلية، اضطر العديد من المزارعين إلى التخلي عن مزارعهم فرارا إلى المدن والقرى. دُمرت على إثرها العديد من أصناف المحاصيل، إذ لم يعد من الممكن جمع البذور وحفظ بعض منها. خلال هذه الفترة، أنشأت الحكومة شركة SEMOC (بذور الموزمبيق) من أجل إنتاج بذور مُحسنة للمزارعين، لكن هذه المحاولة لم تنجح. ولم يبدأ المزارعون في استرجاع أراضيهم وإنتاج الغذاء إلا بعد عام 1992، أي بعد انتهاء الحرب. واليوم، 90 % من البذور المستخدمة في المحاصيل الزراعية في الموزمبيق هي بذور أصلية، و10 % من الأصناف التجارية.
استعادة البذور وإعادة إنتاجها
اكتسبت تجربة تعزيز نظم الإنتاج لدى المزارعين بُعداً جديداً عبر استعادة البذور وإعادة إنتاجها، من خلال التبادل بين الاتحاد الوطني للفلاحين وحركة صغار المزارعين. حتى الآن، كان المزارعون ينتجون بذورهم الخاصة، لكنهم لم يميزوا بين الحقل المخصص لزراعة البذور والحقل المخصص لإنتاج الغذاء. أحدثت هذه الطريقة في الإنتاج، لا سيما في حالة المحاصيل الملقحة المكشوفة مثل الذرة، أضرارا. يحدث هذا، مثلا، عندما يستخرج المزارعون البذور من نباتات معينة، ما يؤدي إلى انخفاض القدرة الإنتاجية للصنف المعني. لا يقتصر الهدف من هذا البرنامج على إنقاذ وإنتاج وتحسين وحفظ بذور الأنواع الأصلية من خلال التدريب التقني على نظم الإنتاج الزراعي التي تركز على مسألة البذور فحسب، بل أيضاً بفضل هذا البرنامج، تدريب المديرين والفنيين والمزارعين الذين سيواصلون هذه العادات على المدى الطويل. وقد حُددت أربعة محاصيل كأنواع للعمل: الذرة والفاصوليا nhemba والفول السوداني والبفرة le manioc، بإجمالي 10 أصناف من هذه المحاصيل. جرى إنشاء حقل لكل صنف من هذه الأصناف لتحسين البذور وإنتاجها. تقع الحقول بالقرب من المقر الرئيسي لاتحاد مزارعي ماراكوين (UCAM) وأربع جمعيات وتعاونيات مجتمعية، محددة وفقاً للأنواع والأصناف المزروعة في كل منها. يوجد سواء في المقر الرئيسي لاتحاد المزارعين في مابوتو (في مقاطعة مابوتو) أو في الجمعيات، أراضٍ جماعية، مما سيشرك المزيد من المزارعين في إنشاء الحقول. يتألف الاتحاد الوطني للمزارعين في مابوتو من 38 جمعية وتعاونية مجتمعية.
إعادة استخدام بالبذور
وفقاً للخطط، جرت زيارة الجمعيات والتعاونيات لبدء عملية التكوين مع المزارعين، كما جرى وضع تصور للمناطق التي ستزرع فيها الحقول. نُظمت تكوينات سياسية وفنية لمناقشة معايير تحديد الأنواع والأصناف التي ستشكل المحاصيل التي ستزرعها الجمعية فعلا: تلك المهددة بالانقراض، وتلك التي لها أهمية كبرى للغذاء، وتلك التي يسهل بيع فائضها. كانت المعايير هي أن البذور يجب أن تكون متاحة من قبل أعضاء جمعيات المزارعين المحليين، وأن ثلاثة أعضاء على الأقل يجب أن يحتفظوا بها. بهذه الطريقة، يمكن للمزارعين الاحتفاظ بتنوع كافٍ لصنف واحد. بمجرد تحديد الأنواع والأصناف، جرى تحديد الموقع وحجم الحقول، استنادًا إلى معايير مثل الجانب الجماعي للأراضي وخصوبتها وعزلة المحاصيل. جرى تحديد حجم الحقول وفقاً لاحتياجات كل جمعية أو تعاونية من البذور، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض البذور ستستخدم لإنشاء بيت للبذور في مقر الاتحاد التعاوني الزراعي. بدأت الزراعة في أيلول/شتنبر، خلال فترة الامطار الأولى، وجرى الانتهاء منه في دجنبر/كانون الأول من العام نفسه. وطُبقت في بعض الحقول باستخدام التقنيات التي يستخدمها المزارعون فعلا، وفي حالة الذرة، اُستخدمت تقنية البذرة إلى البذرة (من الحبة إلى الحبة). جرى العزق (معالجة النباتات تلقائيا) يدويًا باستخدام المجارف. أثناء العزق تُنظف الحقول عند الضرورة. جرى الحصاد على مرحلتين. في المرحلة الأولى، جرى انتقاء جماعي خلال فترة النضج، حيث تُقطف أفضل النباتات لتكون أساساً لحقل بذور المحصول التالي. وفي المرحلة الثانية، جرى حصد باقي الحقل، الذي كان قد جف فعلا، وبعد اختيار السنابل والنباتات والثمار، سيُستخدم هذا المحصول لإنتاج الغذاء في الموسم التالي. وبمجرد الانتهاء من الحصاد والانتقاء يجري درس البذور وتجفيفها وتنظيفها/معالجتها وتخزينها. واكب الدعم الفني للمحاصيل زملاء من أعضاء الجمعية الزراعية وفريق التنمية الريفية في UCAM. قاموا بزيارات لرصد عمليات زراعة البذور والنمو والإزهار والحصاد والدرس والتجفيف والتنظيف/المعالجة والتعبئة.
بعد عام من المشاركة والتعلم والزراعة
يمكن رؤية نجاح هذه التجربة في النتائج المحققة منذ سنة العمل الأولى. استفاد أكثر من 100 مزارع/ة من تدريب سياسي وتقني على النظم الزراعية لإنتاج البذور. أُنشأ فريق دراسة حول هذه النظم، للتركيز على مسألة البذور، مكون من مسيري l’UCAM، وتقنيين في مجال التنمية الريفية في l’UCAM، ومزارعين من 11 جمعية أو تعاونية مجتمعية. زُرعت جميع الحقول في أراضٍ جماعية، ما أتاح المزيد من التعلم والتبادل بين المزارعين. من بين الحقول العشرة المتوقعة في المشروع، جرت زراعة 7 حقول: 2 للذرة و1 للفاصوليا nhemba و2 للفول السوداني و2 للبفرة. سُلمت بعض البذور المنتجة في الحقول إلى الأعضاء الذين شاركوا في العمل، حتى يتمكنوا من استخدامها في حقولهم من أجل المحصول القادم، في حين خُزِّن الجزء الآخر في مخزن البذور الذي يجري العمل على إنشائه في مقر الاتحاد.
سيجري توفير البذور للجمعيات أو التعاونيات المنخرطة في تجربة إنتاج بذور المحصول القادم، والتي ستتعهد بالتبرع بجزء من الإنتاج إلى مخزن البذور. تمتلك جميع الأصناف المزروعة بذور لضمان استمرار التجربة. من جهة أخرى سيُوفر الفائض للمزارعين من أجل إنتاج الغذاء. تتجلى التحديات بوجه هذه التجربة في تثبيت العمل في ماراكويني عبر إشراك جميع الجمعيات والتعاونيات الأعضاء في l’UCAM وأكبر عدد ممكن من المزارعين، وزيادة عدد الأنواع والأصناف وزيادة إنتاج البذور لتلبية حاجات جميع المزارعين في أماكن أخرى في مابوتو، وفي جميع أنحاء موزمبيق أيضا. جرى إنشاء مجموعة دراسية توفر التكوينات المستمرة بهدف مواصلة التجربة. وستقوم حركة صغار الفلاحين ووزارة الزراعة الموزمبيقية بدور مواكبة التجربة.
على المستوى الوطني، أنشأ l’UNAC مجموعة عمل حول مسألة البذور على المستوى السياسي، وكذلك على مستوى التنظيم والتنسيق الدولي. قدمت مارغريدا مونغوم Margarida Munguam، إحدى المزارعات المشاركات في هذا التبادل رأيها في هذه التجربة، وقالت: “بعد هذا التكوين، أنا سعيدة لتعلمي تقنيات جديدة لزراعة وحصاد واختيار البذور. الأكثر من ذلك، سوف أستطيع الآن إنتاج ذرة أفضل. لم نتعلم فقط طرقًا جديدة لاختيار البذور، كما أننا شهدنا نموا واستمرينا في إنشاء الروابط بفضل حركة لا فيا كامبيسينا وتضامن رفاقنا في حركة صغار الفلاحين”.
الاتحاد الوطني للفلاحين في موزمبيق (UNAC) وحركة صغار المزارعين في البرازيل (MPA)
ترجمة: وحيد عسري
- المقال أعلاه مأخوذ من كتاب: “لافيا كامبيسينا: بذورنا، مستقبلنا“.