يشكل الاعتداء على بذورنا أكبر عمل إجرامي تفرضه الشركات التجارية الزراعية. لا تقتصر الصناعة على إنتاج أغذية ملوثة وخالية من العناصر المغذية فحسب، لكنها تحرمنا أيضًا من الوصول إلى الغذاء الذي مثل لقرون جزءًا من نظامنا الغذائي وثقافتنا.
حملة تنسيقية أمريكا اللاتينية للبذور
وجهت تنسيقية أمريكا اللاتينية للمنظمات الفلاحية (CLOC) عملها أساسا نحو استعادة بذورنا والدفاع عنها. كان دور نساء الجماعات الفلاحية والشعوب الأصلية أساسي في هذه التحركات. فهن من أظهرن العواقب المترتبة على الفلاحين/ات من فقدان مجموعة هائلة من البذور، التي يوفر إنتاجها وإكثارها المصدر الرئيس للغذاء لشعوبنا.
منذ أن باشرت حركة لا فيا كامبيسينا حملة للدفاع عن البذور الفلاحية في العام 2001، تستند استراتيجيتنا الرئيسية على العمل المحلي ووضع عملية متينة لتشكيل تحالفات، من المستوى المحلي إلى الدولي. ساعدت هذه التحالفات، المرتبطة بالحملة العالمية “البذور، تراث الشعوب لصالح الإنسانية”، على ضمان محتوى لنضالاتنا ومقترحاتنا السياسية. لهذا تشكل السيادة الغذائية المحور الرئيس لضمان احترام وتلبية حق السكان الأساسي في الغذاء.
تشمل أنشطتنا مجالين مترابطين بشكل وثيق: بدايةً، استرداد البذور الفلاحية وحمايتها والحفاظ عليها. ثم، تعزيز المساحات وأنماط الحياة القروية والأصلية. إنها تشكل طريقة للدفاع عن التنوع الاجتماعي والثقافي والطبيعي، الضروري للحياة. إن تبني رؤية أوسع ومتكاملة للعالم القروي، حيث تمثل روابط الهوية ووجود الجماعات الأصلية وتراثها الثقافي جوانب مهمة، مكننا من إحراز تقدم في تكوين جيل جديد من المزارعين/ات أكثر وعياً واندماجاً اجتماعياً.
نظمنا تحركات احتجاجية لرفض استخدام المواد المعدلة وراثيًا. بالنسبة لنا، يشكل شرح وإعلام الناس حول أهميتها والتهديدات التي يشكلها العِلم الخادم لرأس المال على الزراعة الفلاحية والبذور والتغذية، مهمة متواصلة. قمنا بالرد على هجوم المواد المعدلة وراثيا بالإنتاج الزراعي الإيكولوجي، اساسا عبر تبادل النساء لمعارفهن وبذورهن والمعارف المرتبطة بها.
نركز مقاومتنا أيضًا على رفض جميع أشكال الاستيلاء على البذور وخصخصتها، التي اتخذت في السنوات الأخيرة شكل قوانين جديدة، بوجه خاص، ضد محاولات فرض UPOV 91 في جميع بلدان أمريكا اللاتينية.
ربطنا أيضا تحركاتنا وأهداف الحملة باستراتيجيات الحفاظ على البيئة، عبر توعية سكان المناطق الحضرية والقروية بنهب مواردنا الطبيعية. فعلنا ذلك من خلال تنظيم عدد من الأنشطة، بما في ذلك ورش العمل التكوينية والندوات ومعارض البذور والتنوع البيولوجي، بالإضافة إلى تبادل البذور والمعارف.

الاكتشاف والمحادثة والاستعادة
استطعنا بفرح من خلال تجاربنا، اكتشاف مسارات جديدة. اكتشفنا، مثلا، أن البذور تشكل نقطة التقاء، لأنها تسمح لطرقنا المختلفة في الاحتفال ولممارساتنا الروحانية أن تلتق معا في نفس الوقت. اكتشفنا أنها تساعد على خلق روابط جديدة فيما بيننا، سكان القرية، وأيضًا مع سكان المدينة. كما أنها تتيح لنا أيضا استرداد وإعادة خلق مختلف أساليب الحفظ والتخزين وإعادة تثمين تقاليدنا الشفهية من أجل نقل ثقافتنا، وتحويلها إلى أداة للنضال والتربية السياسية والتكوين واستعادة القيم والمبادئ الأخلاقية والثقافية، ومصدر أمل وقوة حين يبدو أن الظلام يغزونا.
هكذا شكلت البذور والأنشطة المحيطة بالحملة رسالة أمل، تذكرنا بأننا ما زلنا نملك روحًا. تساعدنا البذور على إطلاق حوارات تبتعد بنا عن اللغة التكنوقراطية والبعيدة التي تغزونا؛ فهي تسمح لنا بإعادة اكتشاف لغتنا الخاصة بنا وإعادة تكييفها.
تمكنا من إعادة تثمين دور الجماعات في إنتاج الأغذية وإنتاج المحاصيل، من خلال تعزيز تطوير الزراعة النظيفة وإعطاء الأولوية لدورات الزراعة والحصاد واختيار البذور واستعادة معارف الأجداد والعلم، وتعزيز بناء المشاتل المحلية والجماعاتية. جرى كل ذلك في سياق استعادة أنظمة الإنتاج التي تتماشى مع معارف وحكمة وثقافة الفلاحين /ات في سعيهم الرئيسي من أجل إنتاج الغذاء.
أحرزنا تقدماً في الوقت نفسه في جعل حدائق الخضروات الزراعية الإيكولوجية مثالية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في إنتاج أغذية صحية ومغذية لنسبة مهمة من السكان. كما أضحى السكان أكثر وعيًا بنموذج الإنتاج الحالي الذي تفرضه شركات الأغذية الزراعية متعددة الجنسيات.
انتعش بشكل كبير استرداد الاصناف المحلية. جرى استعادة ومشاركة مئات الأصناف من البطاطا والفاصوليا والبازلاء والكينوا quinoa والفاصوليا العريضة fèves والطماطم وحتى أشجار الفاكهة والأعشاب الطبية والعطرية ومجموعة كبيرة من الخضروات. في بوليفيا، استرددنا أصنافًا أصلية من البطاطا؛ وفي جمهورية الدومينيكان، يكة yucca. قامت النساء بحفظ ورعاية الغالبية العظمى من هذه البذور في حدائقهن للخضروات. هكذا، تمكّنا تدريجياً من إنشاء احتياطيات من البذور الأصلية واستعادة أساليب الزراعة الفلاحية وحمايتها؛ وإحياء تقاليدنا في الطبخ، وأسواقنا وإيجاد وتبادل معارفنا وعلمنا وتقنيتنا.
نحو المستقبل
أبرزت لنا حملة البذور أن الناس يأملون ويحتاجون إلى التعلم والمشاركة والاطلاع. إنهم يستمعون باهتمام واحترام كبيرين إلى أصوات حكمائنا، رجال ونساء، أولئك الذين يحمون المياه والتلال والجبال. لأنهم هم الذين يقدمون لنا رسالة الحياة والأمل، خاصة للشباب والأطفال.
بكل تأكيد أن العديد من آلاف النشاطات التي نُظمت حول الحملة، بالإضافة إلى الكفاح من أجل السيادة الغذائية، قد ساعدتنا على رفع مكانة وقيمة دورنا كمنتجين زراعيين. وينطبق نفس الشيء على الاعتراف الذي منحه قطاع من المجتمع لدورنا التاريخي في تطوير الزراعات، الذي قمنا بدورٍ مهم في تنفيذه. وهذا يمنحنا قوة أكبر ويشجعنا على المضي قدماً.
عزز الاعتراف بمعارفنا ومهاراتنا، فيما يتعلق بأنفسنا وعائلاتنا وجماعاتنا وداخل المنظمة، ثقتنا بأنفسنا ومنحنا مكانة هامة واستراتيجية للغاية في تحول مجتمعنا وخاصة داخل حركة لا فيا كامبيسينا.
تمثل النساء الفلاحات والشعوب الأصلية نساء ذوات تاريخ وثقافة وجذور مرتبطة بالأرض. إن هدفنا الرئيس هو استرداد الصلة الأصلية التي تربط جميع الناس بالأرض الأم، رابط الحب والاحترام، من خلال اختيار الحفاظ على البذور وجميع الموارد الطبيعية واستعادتها، بالإضافة إلى الإنتاج الزراعي الإيكولوجي للغذاء من أجل تحقيق السيادة الغذائية والحياة الكريمة.
لذلك يتضح أننا في حاجة إلى حماية ورعاية ما هو ملك لنا، والعودة إلى قدسية الحياة والأرض. إن الدرس العظيم لنا جميعًا هو أنه يجب علينا أن نستند على الماضي لكي نتقدم وننمو بحرية مع نظام غذائي مستقل وصحي ومغذ. أن نكون أصحاب سيادة يعني أن نتمتع بالاستقلالية المرتبطة بالمعارف، القوة والتنظيم الاجتماعي، وامتلاك الحق في اتخاذ القرارات دون أي نوع من الضغوطات التي تملي علينا أنواع الغذاء التي ننتجها، وكيف ننتجها، ولمن. يضع هذا أيضًا، على منظماتنا، مسؤولية إنشاء شبكات وربطها مع قطاعات وتجمعات أخرى.
يمكننا القول، اليوم، باعتزاز أنه يمكننا الاعتماد على العديد من النساء والجماعات المُطلعة وذات الوعي الكبير بمسألة البذور واسترداد النظم التقليدية، وطرق البذر (الزراعة) وفتراتها، ومعالجة النفايات الطبيعية لإعادة استخدامها كمادة عضوية ورعاية التربة ككائن حي.
توجد الآلاف من التجارب المحلية حيث شيئًا فشيئًا ينمو الأمل. في الواقع، نحن نذهب إلى كل مكان، وننشر معارفنا ونتبادل بذورنا ونتشارك معرفتنا وننتج من جديد غذاءً صحيًا ومغذيًا ولذيذًا بروائح تدعونا إلى تذوق ما كان يأكله أجدادنا مرة أخرى؛ محاصيل حدائقنا من الخضروات ورائحة الحقول والألوان الجميلة. هذا هو سحر بذورنا، التي تتحول إلى غذاء لضمان حياة البشرية. البذور الفلاحية في المقاومة! من أجل النضال وحياة الشعوب!
تنسيقية أمريكا اللاتينية لمنظمات لا فيا كامبيسينا (CLOC))
المقال أعلاه مأخوذ من كتاب: “لافيا كامبيسينا: بذورنا، مستقبلنا“.