من يد مزارعة إلى يد مزارعة أخرى: كيف تحمي المزارعات الكوريات بذورهن الأصلية؟



يقول مثل كوري قديم: “عندما تموت المرأة المزارعة فإنها تموت ورأسها على بذورها”. بالنسبة للمزارعات في كوريا، فإن البذور أكثر من مجرد مصدر للغذاء. إنها تمثّل التاريخ والثقافة الموروثة عن أسلافهم. تستحق المزارعات اللواتي يقدمن الحياة ويقدسنها، الاحترام والإعجاب لدورهن كحاميات لبذور المزارعين. ولكن، على نحو متزايد، يجري تحدي هذا الدور من قبل الشركات متعددة الجنسيات. ولهذا السبب فإننا داخل جمعية المزارعات الكوريات (KWPA)، نناضل في سبيل  استعادة المزارعات لحقوقهن الأساسية. لهذا السبب أنشأنا حركة البذور الأصلية.

تشتغل جمعية KWPA إلى جانب حركة لا فيا كامبيسينا في نضال مشترك من أجل حماية بذور المزارعين. تمثل حماية بذورنا جزء من الحركة الأوسع نطاقًا من أجل السيادة الغذائية. في عام 2006، أطلقت المزارعات الكوريات حركة “United Farm Plot” (لنوحد حقولنا). في البداية، قامت الفلاحات بزراعة البذور المحلية، خلال تبادل بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، مما أدى إلى خلق صندوق التبادل بين الكوريتين. واصلنا في العام 2007، عبر تركيز عملنا على تحديد موقع البذور المحلية، ثم استعلمنا عن العمل المنجز على البذور في بلدان أخرى وعن البذور التقليدية الكورية. وفي العام نفسه، انعقد منتدى دولي حول البذور جمع المزارعات من شرق وجنوب شرق آسيا. كان الهدف هو تطوير نظام لحماية البذور الأصلية في كل بلد. وفي العام 2008، زُرعت البذور الأصلية على مساحة تقارب 1000 متر مربع من الحقول في موقعين مختلفين. أنشئت مزرعة بذور من أجل زيادة الإنتاج. كما نظم أعضاء KWPA المناقشات والتكوينات حول أهمية البذور الزراعية. نريد الوصول، ليس فقط للمزارعات، بل إلى أولئك واللائي لا يمارسون الزراعة وإشراكهم في معركتنا.

وفي العام 2008، بدأنا محاولة زيادة الاهتمام بالبذور، حين بدأت الحكومة الكورية باستيراد كميات كبيرة من بذور الذرة المعدلة وراثيا لأجل الإنتاج الغذائي. بسبب هذه الواردات، سواء أحب ذلك المواطنون الكوريون أو لا، لم يكن لديهم خيار سوى استهلاك هذه الذرة المحفوف بالمخاطر. ردت KWPA بالتعاون مع المجموعات البيئية بمشروع جديد هدفه منع واردات دقيق الذرة المعدل وراثيا. لكننا أردنا أيضًا استبدال هذه الذرة بالأصناف الزراعية. بمساعدة منظمات المجتمع المدني، قمنا بزراعة بذور الذرة الأصلية واستبدالها. تلقينا الكثير من التشجيع لدرجة أننا قررنا توسيع حركتنا تحت شعار “عشرة آلاف وون من السعادة” (الوون هو العملة الكورية). يمكن للذين يريدون دعم البذور المحلية أن يستثمروا عشرة ألف وون (9 دولارات)، مقابل حصولهم على منتجات هذه البذور الزراعية. كما ساهم جزء من هذه الأموال في صندوق حماية البذور التقليدية.

كما تدير KWPA أيضًا مزرعة بذور، هدفها هو زراعة البذور التقليدية بطريقة أكثر احترافية وجماعية. المزرعة بمثابة حقل تُزرع فيه البذور الأصلية وتُوزع على المزارعين. جرى إنشاء المزرعة الأولى في العام 2008. اليوم، يوجد منها في جميع أنحاء البلاد، في أكبر 15 مدينة ومقاطعة. يوجد في كل مزرعة ما بين 20 إلى 30 نوعًا مختلفًا من البذور المهددة بالانقراض تُزرع بالطرق التقليدية. في كل منطقة، تمارس المزارعات الزراعة الجماعية. الغرض من الزراعة والحصاد في هذه الحقول هو فقط زيادة البذور فهي ليست مخصصة للإنتاج الغذائي. تُوزع البذور على نساء المنطقة. تُعَزِز المزارع أيضا تبادل البذور وتقاسم المعرفة. يشكل البحث وتنظيم مهرجانات خاصة بالبذور أيضًا جزءًا مهمًا من عمل كل مزرعة. هذه البذور ليست منتجات صناعية، بل يجري غرسها وزراعتها من قبل النساء الفلاحات!

جزء مهم من عمل KWPA هو برنامج “مزارعة، مجموعة متنوعة من البذور”. في هذا البرنامج كل مزارعة مسؤولة عن مجموعة متنوعة من البذور الأصلية. يجري تخزين البذور في قطع الأراضي العائلية والبذور المحصودة تُمنح للمزارعات الأخريات. غير أن مسؤولية المزارعات لا تتوقف عند الحفاظ على البذور، لكن يجب عليهن أيضًا التوعية بأن تموين البذور ليس مهمة الشركات بل من حق كل مزارع.

في البداية شعرنا بالإحباط لأننا لم نعرف أين نجد البذور الأصلية المعرضة للانقراض. كنا بحاجة إلى حركة حقيقية لتحقيق استردادها. بالتعاون مع خبراء البذور، ذهب أعضاء KWPA للبحث عن البذور المحلية في مناطقهم. وجدوا بأن 90% من الناس الذين لا زالوا يحتفظون بهذه البذور، كانوا من النساء، ولكن غالبيتهن من كبار السن. هدفنا لم يكن هو العثور على البذور فحسب، بل معرفة المزيد حول نوعيتها وطرق زراعتها وتاريخ مختلف استخداماتها. تقدم جزيرة جيجو Jeju مثالا جيدا على الجهود المنهجية التي بذلناها على المستوى المحلي. منذ العام الماضي، أجرت KWPA أبحاثًا حول البذور الأصلية وهي على وشك نشر كتاب عن هذه التجربة. يعرض الكتاب البذور الأصلية لجزيرة جيجو ويصف المزارعات اللاتي اعتنين بها. كما يصف خصائص البذور وطريقة زرعها. إننا عازمون على إنتاج دلائل من هذا النوع لكل منطقة رئيسة في كوريا. كلما قمنا بإنشاء مواد تتتبع تاريخ البذور الأصلية الثقافة الكورية والتجارب المرتبطة بها، كلما زاد اهتمام الناس بها. لكنهم مهتمون أيضًا بالزراعة لأن الأمر يتعلق ببحث عن البذور الأصلية، أجراه المزارعون!

قمنا بتنظيم مهرجانات خاصة بالبذور للمزارعات اللاتي يحافظن على البذور، ولجميع المزارعين الذين انضموا إلى النضال. يجري عرض بذور العام السابق، القادمة من جميع أنحاء البلاد، خلال المهرجان وتبادلها وتوزيعها. تتبادل المزارعات الخبرات ويشرحن طريقة حماية البذور وكيف يعملن مع أشخاص خارج المجتمع الزراعي. كانت المزارعات نجوم المهرجان، النساء اللواتي يعتنين بالبذور، وبالطبع البذور نفسها. يمثل العمل مع المزارعات والبذور عملا خاص جدًا. حين نشرح للمزارعات أهمية البذور، تفهم العديد منهن ذلك بسرعة كبيرة: “بالطبع، هكذا فعلنا في ذلك الوقت” كما يقلن. وبحماس كبير بدأن من جديد العمل مع النباتات الأصلية.

 عملية تثقيف المستهلك مماثلة. عندما كنا نلقي المحاضرات، كانوا يقولون لنا: “لم أكن أدرك أن كوريا فقدت حقوقها في البذور” أو يسألوننا: “كيف يمكننا المساعدة؟” وقد انضم الكثير منهن إلى النضال.

من سنة إلى أخرى، تتفاقم التغيرات البيئية. أصبحت البذور الأصلية أكثر قدرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ. رغم هذا، فإننا نواجه تحديات جديدة يصعب التغلب عليها. مثلا، من دجنبر 2009 إلى مارس 2010، كان لدينا 30 يومًا فقط خاصة بالشمس. أثر الثلج والجليد على براعم أشجار الخوخ. أدت موجات الحرارة والأمطار الغزيرة إلى ارتفاع أسعار الملفوف الصيني الذي نستخدمه لإعداد طعامنا الأساسي، الكيمتشي Kimchi (+). لقد وصل سعر الملفوف 1500  وون (حوالي 13 دولارًا) للقطعة، مما أدى إلى استياء واسع. في شتنبر من نفس العام، دمر إعصار كومباسو  Kompasu الحقول، وكان محصول الأرز هو الأدنى منذ 30 عامًا. انخفض مردود المحاصيل الأخرى أيضا بنسبة 20 %تقريبًا. رغم أن لدينا خبرة في إنتاج الغذاء، وكوننا مزارعات فخورات بعملنا، فلا يمكننا إلا أن نستسلم بوجه هذه الاضطرابات المناخية ذات الأرقام القياسية. إننا ندرك أننا أمام تغير مناخي حاد لأول مرة. لم يسبق لنا أن صادفنا تغيرات بيئية بهذا الحجم وهذا يهدد البذور الزراعية.

يلزم بعض التعلم حين تعيد المزارعات زراعة البذور الأصلية. إنهن يتلمسن طريقهن لجهلهن بالميزات الخاصة بالبذور الزراعية. مثلاً، لأول مرة في حياتهن، تزرع المزارعات الذرة الأصلية. نظرًا لأنهن لم يزرعن سوى سلالات محسنة، فإنهن يقلقن عندما لا تنمو الذرة بنفس القدر. بالإضافة إلى ذلك، فإنهن لا يعرفن متى يتم حصادها بالضبط. لحسن الحظ تذكرت بعض المزارعات الأكبر سنا بأن الذرة المحلية لم تصل أبدًا إلى حجم الأصناف المحسنة. لذلك، كل يوم، يقمن بإزالة القليل من القشرة للتحقق من الحبات. إذا انتظرن وقتًا طويلاً لحصادها، فلن تنضج الذرة أثناء الطهي مما يسبب مشاكل للمستهلكين. ما هي أسباب هذه المشاكل؟ عندما يشتري مزارع بذوره في المتجر، يسأل ببساطة عن تاريخ زراعتها ومتى الحصاد، ويتبع تعليمات شركات البذور. لذلك يتوقف عن مراقبة النباتات. لهذا فإن مثال الذرة يوضح أن الاعتماد على الصناعة، يُنسي المزارعين الطريقة الصحيحة لكيفية الزراعة. لم تعد أعين المزارعين قادرة على تمييز الوقت الذي من الضروري الحصاد فيه بالضبط. هذه المشكلة هي نتاج اعتماد المزارعات على شراء البذور والأسمدة وغيرها من المواد الكيميائية والمعدات الزراعية وحتى المنتجات الجرثومية في حالة الزراعة العضوية؛ فالنتيجة هي فقدان المعارف والموارد والاستقلالية.

  ليست العودة إلى الزراعة التقليدية رغم ذلك دائما سهلة. معظم المزارعات ذوات الخبرة لا يعرفن كيفية زراعة البذور الأصلية، في البداية. لدينا الكثير من الأسئلة حول هذه البذور، ولكن أيضا الكثير من القصص الجديدة. هناك الكثير من القصص التي يمكننا أن نقضي أمسيات طويلة في حكيها دون أن نصل إلى النهاية.

 إنها بمثابة تجارب فريدة وعالية القيمة. بدأنا في كتابة هذه القصص التي ترويها لنا المزارعات، ونتشاركها مع جيراننا. إن حماية بذورنا الأصلية تعني أيضًا النضال ضد التقنيات الزراعية الصناعية المتعارضة مع هذه البذور. إننا نعارض قواعد الاتحاد من أجل حماية الأصناف النباتية الجديدةUPOV   التي دخلت حيز التنفيذ في كوريا منذ 2012. يشجع وزير الزراعة الكوري أيضًا المواد المعدلة وراثيًا، كما نواجه أيضًا مشاكل الذرة المعدلة وراثيًا التي تلوث الذرة التي نستخدمها في تغذيتنا. هذه فقط بعض من تهديدات عديدة تواجه عملنا بالبذور. لن يجري ذلك إلا من خلال مشاركة تجربتنا مع المزارعات الأخريات وإعادة إنتاج البذور بأنفسنا حتى نتمكن من حمايتها. بعض الناس يُشجع على الحفاظ على البذور عن طريق تجميدها في بنوك البذور، رغم ذلك تعتقد جمعية المزارعات الكوريات أنه من المهم الحفاظ عليها عن طريق زراعتها. نحن بصدد إنشاء مركز توزيع البذور الأصلية حتى تتمكن المزارعات في كل منطقة من زراعة النباتات الأصلية في أي وقت. الهدف هو إنشاء مراكز التوزيع في كل منطقة من كوريا. في هذه المراكز، يمكن للمزارعات الحصول على البذور، وتبادلها ومشاركة المعلومات عن رعايتها. عند حصاد النباتات، يمكن جلب البذور إلى مراكز التوزيع لتستفيد منها مزارعات أخريات. هذه هي الطريقة التي تتضاعف بها البذور الأصلية. تريد جمعية المزارعات الكوريات استعادة حقوق المزارعات في البذور، وهو أفضل سلاح ضد الإنتاج باستخدام المواد الكيميائية. تستمر المزارعات في العمل مع أشخاص خارج المجتمع الزراعي، من أجل العثور واختيار وحماية بذورنا الأصلية. إنها البذور التي لن تؤدي إلى خلق السيادة الغذائية فحسب، بل ستخلق أيضًا مجتمعا جديدا.

جمعية المزارعات الكوريات (KWPA)

المقال أعلاه مأخوذ من كتاب: “لافيا كامبيسينا: بذورنا، مستقبلنا“.


(+) الكيمتشي Kimchi: هو طبق كوري تقليدي مصنوع من الفلفل الحار والخضروات. ويكيبيديا (المترجم).