تعمل حركة صغار المزارعين (MPA)، في ولاية سانتا كاتارينا Santa Catarina في جنوب البرازيل، على إعادة تثمين بذور الكريول créoles لأهميتها بالنسبة لسيادة المزارعين الغذائية المحلية والوطنية. يشكل هذا جزءا من استراتيجية استقلالنا. انطلق العمل على استعادة البذور الفلاحية في عام 1996، في بلدية أنشيتا Anchieta. شرع المزارعون والمزارعات، بدعم من نقابة العمال القرويين، في نقاش الحاجة إلى التنظيم والبحث عن بدائل استخدام الأسمدة والمبيدات والبذور الصناعية في الزراعة. منذئذ، جرى تنظيم عدة ملتقيات حول هذه القضية. بمساعدة من التقنيين المحليين، تم تحديد المزارعين الذين احتفظوا ببذورهم المحلية المتنوعة. جرت مضاعفة هذه البذور، وبخاصة الذرة، الأكثر استخدامًا على نطاق واسع تجاريًا وكمادة غذائية.
وفي عامي 1997 و1998، استعاد مزارعو ومزارعات حركة صغار المزارعين ثمانية أصناف محلية من الذرة: أماريلاو Amarelão وكونها Cunha وبالها Palha وروكسا Roxa وأستيكا Asteca وماتو غروسو بالها برانكا Mato Grosso Palha Branca وبرانكو Branco وكاتيتو Cateto. كان الهدف هو تأمين حصول مزارعين آخرين على هذه الأصناف واختيارهم استخدام البذور، إما لتلبية حاجات أسرهم الغذائية أو من أجل العلف والتسويق والحرف اليدوية أو النظم الزراعية الإيكولوجية. تزعم حركة صغار المزارعين أن جميع المزارعين يجب أن يستخدموا بذور الكريول حسب الكميات التي يحتاجون إليها.
لأجل ذلك، قمنا بتحديد الأسر التي تحفظ هذه البذور؛ وأجرينا بحوثاً تشاركية. ولأجل تحسين البذور؛ نظمنا مجموعات مزارعين لمضاعفة هذه البذور على أوسع نطاق، خارج الجماعات؛ وأقمنا معرضاً وطنياً لبذور الكريول في أنشييتا Anchieta. أنشأنا أيضاً تعاونية لإنتاج البذور وتسويقها، OESTEBIO، مع وحدة معالجة (تجفيف وتصنيف حسب الحجم والتخزين). إننا نساعد اليوم، بفضل هذا العمل التقني، منظمات أخرى تابعة لمنظمة فيا كامبيسينا الدولية، في فنزويلا وموزمبيق (انظر المقال بعنوان” موزمبيق: تجربة في إنقاذ البذور الأصلية وإعادة إنتاجها وانتقائها وحفظها “). هكذا نناضل، متضامنون، من أجل السيادة الغذائية لجميع الشعوب.
رعاة بذور الكريول هم المزارعون والمزارعات
يحافظ الفلاحون والفلاحات، رعاة البذور، على صنف أو أكثر من بذور الكريول في مزارعهم أو في مخازن البذور الجماعاتية. حافزهم هو الصلة القوية بين البذور والغذاء وتنوعها ومذاق ومتعة زراعتها وقيمتها الاقتصادية. قمنا من أجل استعادة الأصناف المحلية الأكثر عرضة للتهديد، بتنظيم شبكات من الأسر الملتزمة بصونها. كل صنف يجب أن تحافظ عليه ثلاث أسر. كما يجب أن تتوزع هذه العائلات في مناطق مختلفة من الولاية لتأمين أكبر قدر ممكن من التنوع وتقليل مخاطر الخسائر بفعل تغير المناخ أو التلوث من طرف المواد المعدلة وراثياً. بعد مرور أكثر من 15 عاماً، استعدنا 58 صنفاً من 17 نوعاً من المحاصيل. قام بهذا العمل 76 راعٍ وأكثر من 900 أسرة منتجة للبذور. كانت هذه البذور هي الذرة والفاصوليا وفول الصويا والقمح والأرز والأسمدة الخضراء (الترمس والجاودار والفاصوليا السوداء والرمادية والبازلاء والعدس وعباد الشمس وبذور الكتان). في عام 2007، بدأت حركة صغار المزارعين في زراعة الحقول الخاصة بالبذور فقط. تنتج حركة صغار المزارعين بالإضافة إلى الأصناف المحلية، بذورًا “مسجلة”. يوجد لدينا في البرازيل قائمة تسجيل رسمي تتبع قواعد الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية. مع ذلك، يوجد لدينا أيضًا نوع آخر من السجلات التي تصف الصنف ومنطقة البذور. وهذه القائمة الأخرى غير تابعة لقواعد الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية.
من خلال التعاونية، تثنى لحركة صغار المزارعين مضاعفة بذور القائمة الرسمية. رغم ذلك، لا يزرع الفلاحون سوى أصناف الكريول تلك منذ سنوات، وليس المهجنة. تجري زراعة حقول مضاعفة إنتاج البذور وفقًا للمعايير الناتجة عن جودة البذور الخالية من المواد المعدلة وراثيًا. يتلقى المزارعون والمزارعات المنتجون للبذور المساعدة التقنية من حركة صغار المزارعين خلال جميع مراحل عملية الزراعة، بدءاً من انتقاء أرض الزراعة، وصولاً إلى الزراعة وإعادة الإنتاج والحصاد. إننا ننظم معرضاً وطنياً لبذور الكريول موازٍ لاجتماعات تكوين وطنية للمزارعين في بلدة أنشيتا Anchieta. تُعرف هذه البلدة بعاصمة الذرة الوطنية. ووفقًا لفابيانو بالدو Fabiano Baldo، أحد منسقي المعرض الأخير الذي أُقيم في أبريل/نيسان 2012، فقد شاركت 84 منظمة تُعيد إنتاج هذا النوع من البذور. جاءوا من 17 ولاية برازيلية و13 دولة أخرى. كان هناك تبادل للبذور ومعارض، وحرف يدوية محلية ودولية. جرى تنظيم المعرض من قبل مزارعي MPA، بالاشتراك مع منظمات محلية أخرى. تهدف هذه المعارض إلى الاعتراف بعمل رعاة البذور، وتحفيز حركة الدفاع عن البذور المحلية والفلاحية وتعزيز الطابع السياسي لهذا العمل عبر ربطه بالنضال من أجل السيادة الغذائية.
إمداد البذور من قبل تعاونيتنا OESTEBIO
تمثل التعاونية إحدى المبادئ التوجيهية لعمل الحركة. تؤدي تعاونية OESTEBIO دوراً رئيساً في تنظيم جميع عمليات إنتاج البذور الأصلية والأصناف التي تحتاجها حركة صغار المزارعين في سانتا كاتارينا Santa Catarina. أنشئت في العام 2007 من أجل معالجة وتخزين وتسويق البذور وغيرها من المنتجات الزراعية. إنها موجودة في الولايات الجنوبية الثلاث في البرازيل وتضم 331 عضوًا (960 أسرة تمارس إنتاج البذور). وهي مسؤولة عن جميع عمليات التخطيط والتوزيع والمراقبة التقنية ونقل الإنتاج والأرباح وتسويق البذور. تشكل معالجة البذور بعد الحصاد أهمية بالغة في الحفاظ على خصائص الصنف أثناء الغرس. من البداية إلى النهاية، يقوم المزارعون بالعمل بأنفسهم. فهم يجففون ويصنفون ويخزنون البذور في وحدات الإنتاج. تُجفف البذور طبيعيا في الشمس، وتُصنف عن طريق اختيار البذور من وسط حبة الذرة، ثم يجري تخزينها في زجاجات بلاستيكية أو في مخازن صغيرة أو متوسطة.
حين بلغ المشروع نطاق أكبر من ناحية مضاعفة إنتاج البذور، واجهت عملية معالجة البذور اليدوية بعض المعوقات من بينها: توفر اليد العاملة، والدقة في عملية التجفيف، ومخاطر فقدان الإنتاج خلال فترات تساقط الأمطار، وتوفر مناطق مناسبة للتخزين، ومكافحة الآفات في مستودعات التخزين بوجه خاص السوس والقوارض. أيضا، إذا أعدنا إنتاج البذور المسجلة، يتوجب علينا، مثلا، احترام المعايير الرسمية للأحجام القياسية. ولكن لا نحتاج إلى مراعاة ذلك عند استخدام بذور الكريول. لذلك كان ضروريا إنشاء وحدة معالجة البذور لتجاوز هذه القيود. توجد هذه الوحدة في ساو ميغيل دو أويستي São Miguel do Oeste ويمكنها تخزين 5400 طن من البذور. تحتوي على ستة مستودعات تخزين حيث تجري تعبئة أكثر من 3000 طن. أتاح بناء هذه الوحدة لأعضاء تعاونية OESTEBIO، زيادة استخدام بذور الكريول في المنطقة وفي أجزاء أخرى من البرازيل. كان الهدف هو توزيع هذه البذور على أوسع نطاق على المزارعين والمزارعات الذين لا يملكون أو لا يستطيعون زراعة بذورهم الخاصة.
تعزيز معارفنا وزراعتنا واستقلالنا الزراعي
تدعم أيضا حركة صغار المزارعين الدراسات والبحوث في مجال حفظ بذور الكريول وتحسينها. نهدف إلى بناء تحالفات من أجل الحفاظ والاستخدام المستدام للتنوع الفلاحي. فعلى سبيل المثال، نحرص على علاقة عمل جيدة مع جامعة سانتا كاتارينا Santa Catarina الاتحادية. فمنذ العام 2002، تُجرى أبحاث مع المزارعين لحفظ البذور وتحسين الأصناف المحلية. تساهم الجامعة أيضاً في تكوين التقنيين والمزارعين في حركة صغار المزارعين، خاصة في القضايا ذات الصلة، إلى جانب إنتاج بذور الكريول وحفظ البذور في المزارع والمعلومات المتعلقة بالتلوث من طرف المواد المعدل وراثياً، والانتقاء التشاركي للأصناف الزراعية. يتابع التقنيون وقادة في الحركة دورات ما بعد التخرج لتحسين عملهم والقدرة على مساعدة المزارعين. يتعلمون، مثلا، تقنيات أكثر فعالية لمكافحة التلوث بفعل المواد المعدلة وراثياً. يساعد استخدام بذور الكريول بالإضافة إلى التعبير عن هوية المزارعين وثقافتهم، على استمرار المزارعين في بيئتهم الخاصة. ووفقًا للمزارع جيوفانو دال بيلو Geovano Dal Bello، “تتمثل ميزة زراعة هذه البذور الرئيسة في خفض تكاليف الإنتاج بنسبة ما يقارب 60 %. فأنا لا أستخدم سوى عمالي وموارد مزرعتي وبذور الكريول. والميزة الأخرى هي استقلالنا. فباستخدام هذه البذور، لا نعتمد لا على الإنتاج التقليدي ولا السوق. وهذا يحسّن نوع حياتنا”. حصل جيوفانو على بذور الذرة والفاصوليا عبر برنامج شراء وتوزيع متزامن. إنه برنامج تديره شركة تموين وطنية بالاشتراك مع تعاونيتنا OESTEBIO. مكَّن هذا البرنامج 68000 أسرة زراعية صغيرة من الحصول على بذور الكريول والأصناف التي ينتجها المنظمون في إطار حركة صغار الفلاحين. تمكّن المشاركة في هذه البرامج صغار المزارعين من إضافة قيمة مضافة إلى إنتاج البذور في المزارع الصغيرة. ساعد الاستخدام المتزايد للأصناف الزراعية في المنطقة على إعادة تنشيط مطاحن الدقيق التي تستخدم الآن بذور الكريول كمادة خام لإنتاج الكانجيكاس canjicas، وهو نوع من الذرة المطحونة التي تحتل دورا مهمًا في المطبخ البرازيلي، وكذلك الدقيق ومنتجات غذائية للحيوانات. ووفق المزارع غريتي Gritti فإن “استخدام الأصناف الفلاحية من الذرة في المطاحن يشكل مصدر اعتزاز للكثير من المزارعين.
تستهلك نسبة كبيرة من سكان أنشيتا هذا الدقيق لأنها تدرك فوائده الصحية. وأيضا، لأنهم يعلمون أن كل ما يجدونه في الأسواق هو دقيق مصنوع من الذرة المعدلة وراثيًا المزروعة بالمبيدات الحشرية”. غريتي هو أكبر منتج لدقيق الذرة واليوكا yucca في إحدى المطاحن الحجرية التقليدية في أنشييتا. تُصنع منتجاتها من أصناف الكريول التي يزرعها مزارعو المنطقة والتعاونية. يجري العمل مع البذور على ثلاثة مستويات: من قبل المزارعين والمزارعات في مزارعهم؛ وفي الجماعة، من خلال مخازن البذور؛ وعلى نطاق أوسع، لمواجهة الشركات الصناعية. شيئًا فشيئًا، حفز هذا العمل المنظمات الأخرى على بدء أو مواصلة أعمالهم الخاصة على بذور الكريول. يتيح هذا إعادة بناء النسيج الاجتماعي المحلي، وتعزيز زراعتنا، وتثمين معارفنا التقليدية وتقوية هويتنا الثقافية، ليس فقط كأفراد ولكن أيضًا كعائلات وجماعات. هكذا نشكل، نحن، أحد عوامل المقاومة الفلاحية.
حركة صغار المزارعين، MPA، البرازيل
المقال أعلاه مأخوذ من كتاب: “لافيا كامبيسينا: بذورنا، مستقبلنا“.