الجماعة والدفاع عن الذرة: تجربة بوريبيتشا



انطلقت حركة جماعات السكان الأصليين للدفاع عن الذرة والحياة في عام 2004 في جماعة بوريبيتشا للسكان الأصليين في ولاية ميتشواكان المكسيكية. دعَونا العديد من الجماعات في المنطقة لإنشاء لجان مجتمعية للدفاع عن ذرتنا. تشكل الذرة أحد ركائز ثقافة البوريبيتشا لدينا، كنا بصدد البحث عن بدائل للفقر وإهمال الحكومة المكسيكية للمناطق الريفية. أنشأنا في العام2005  اللجنة الإقليمية لمزارعي بوريبيتشا للدفاع عن الذرة. كان السؤالان الرئيسان هما: ما العمل لجعل زراعة الذرة أكثر مردودية؟ وكيف نحافظ على بذورنا وطريقتنا في العمل وطريقة تفكيرنا ومُثُلنا وآمالنا؟

تمكنا من الحصول على الدعم الحكومي من أجل تنفيذ مشاريعنا. بدأنا بتنظيم احتفالات خاصة بالذرة بين العديد من جماعات السكان. حاولنا من خلال هذه الاحتفالات إحياء طقوس الذرة وشرح غناها من حيث الطعام والثقافة. عرضنا مجموعة متنوعة من الأطباق المرتكزة على الذرة ونظمنا ندوات ومنتديات نقاش لتقديم وشرح المعلومات حول كيفية إنتاج الذرة وزراعتها.

خلال احتفال الذرة لعام 2006، في جماعة سان فرانسيسكو بيشاتارو، علّقت السلطات الجماعتية ملصقًا يحمل عبارة: “سان فرانسيسكو بيشاتارو San Francisco Pichátaro أول إقليم بوريبيتشيتشا purépecha خالٍ (معتمد) من الذرة المعدلة وراثيًا”. كان هذا عملاً كبيرا لرفض الضغط القوي للترخيص بإدخال الذرة المعدلة وراثياً إلى بلدنا. أجرينا، قبل تعليق الملصق، اختبارات الكشف عن المواد المعدلة وراثيًا على عينات. كانت النتائج سلبية، من هناك أطلقنا عملية لتوعية الناس بأهمية ذرة بلدهم المحلية ورفض المواد المعدلة وراثيًا. كانت هذه العملية مهمة جدًا في المكسيك لأن الشركات متعددة الجنسيات تمارس ضغطا كبيرا من أجل ترخيص الذرة المعدلة وراثيًا. بينما لا يزال محظورًا زراعتها من أجل الاستعمال التجاري، فإن الكائنات المعدلة وراثيًا لوثت بالفعل ذرتنا في مناطق كثيرة من المكسيك. إن الوضع سيء جدا، بالنظر إلى أن المكسيك تشكل المركز الأصلي لآلاف أصناف الذرة.

جعل الناس في المناطق الحضرية والقروية يعيدون القيمة لمنتجات الذرة المحلية هو أحد أهداف التثقيف. من أجل ذلك، نظمنا عددا من الأنشطة، منها المعارض الإقليمية والاحتفالات الجماعاتية، برامج تلفزيونية وإذاعية، مقالات صحفية، ورش عمل وزيارات جماعاتية.

سعينا من خلال معارض واحتفالات الذرة في المدن والجماعات إلى حثّ السكان على استهلاك المنتجات المصنوعة من الذرة المحلية. نظمنا مناقشات وتجمعات لتذوق وجبات محضرة من أصناف الذرة المختلفة؛ أبرزنا تنوع الأصناف المحلية ونظمنا ورش عمل فنية وتبادلنا البذور. امتدت هذه الاحتفالات يومًا واحدًا وأقيمت في عدة جماعات، بما في ذلك سان فرانسيسكو أوريتشو San Francisco Uricho ولا زارزامورا La Zarzamora ويوتاتيرو Yotatiro وكواناخو Cuanajo وسان فرانسيسكو بيشاتارو San Francisco Pichátaro. أصبحت الاحتفالات في اثنين من هذه الجماعات جزءًا من الحياة المحلية. لم تعد المنظمة بل السلطات المحلية هي التي تبحث عن الموارد من أجل الاحتفال بها.

نستخدم طريقة أخرى، ألا وهي مشاركتنا في المنتديات الجامعية الإقليمية والوطنية والدولية، حيث نعرض تجاربنا. نقوم أيضا بزيارة الجماعات لمقابلة أشخاص ومنظمات مهتمة بعملنا في مجال الذرة. يعرض المزارعون أنفسهم وجهة نظرهم حول الذرة المحلية والحفاظ عليها.

يشكل تطوير مشاريع إنتاجية تضيف قيمة مضافة إلى الذرة المحلية وتخلق فرص عمل أحد مكونات عملنا. من أجل تحقيق ذلك، نقوم بنشاطين أساسيين:

  1. إنتاج الذرة باستخدام بدائل زراعية إيكولوجية
  2. إضافة قيمة مضافة للذرة عبر البحث عن مقاولات صغيرة (مشاريع) تحول الحبوب إلى مواد غذائية مثل الترتية.

هذه الذرة معتمدة على أنها تمتثل لقواعد الإنتاج العضوي أو في طور الحصول على شهادة.

تقوم المشاريع الهادفة على إضافة قيمة أكثر إلى حبوب الذرة بإغلاق دورة الإنتاج. يتجلى هدفنا في بدء تسويق عادل اجتماعياً وسليم بيئياً وناجع اقتصادياً لفائدة مزارعي الذرة. لهذا أجرينا دراسات للسوق واختبارات تجريبية لتسويق المنتجات المختلفة. جاءت النتائج الأولية على الشكل التالي: في العام 2005، جرى اعتماد 10 هكتارات من الذرة في جماعة سان فرانسيسكو بيشاتارو San Francisco Pichátaro ، التي بيع 5 أطنان من ذرتها إلى شركة للمواد العضوية.

إننا نحتاج إلى مزيد من العمل مع المزارعين لتحسين جودة الذرة دون نسيان العودة إلى الميلبا milpa  (الطريقة التقليدية لزراعة الذرة). نعتقد أنه إذا لم يعد المزارعون والمزارعات يعملون في الأرض، فسيكون لذلك تأثير سلبي على عمليات اختيار البذور وصون جودة الذرة. أدى ذلك إلى تطور أمراض جذور الذرة أو وجود كائنات ضارة في المخازن. كان أحد خيارات زيادة المردود وتقليل الخسائر هو الانتقاء التشاركي حيث يختار المزارعون أصنافًا سويةً مع الباحثين ويطورون أصنافًا صحية تتوافق مع حاجات الجماعة. كان الهدف من حصاد وتصنيف وتوصيف الذرة هو تحسين الإنتاج. رغم ذلك فإن هذا النوع من المشاريع يحتاج تمويلاً وتنظيمًا قويا حتى يتمكن من الاستمرار على المدى الطويل، وهي مهمة عسيرة. رغم وجود أدلة على انخفاض تنوع الذرة في جماعات المنطقة، فإنه لم يكن من الممكن تقييمها كمياً. ويستند هذا الادعاء فقط إلى خبرة المزارعين وملاحظاتهم. فمثلا في جماعة سان فرانسيسكو بيشاتارو San Francisco Pichátaro، ظهر أن ثلاثة أصناف فُقدت، وهي: بينتو أولوتودو pinto olotudo وروزيتا rosita وتولوكينيو toluqueño. فُقدت أصناف أخرى في جماعات أخرى أيضاً، لأنها زُرعت في أراضٍ قليلة الانتاج أو لأنها تتطلب عملاً خاصاً؛ مثلاً، زُرعت في أراض صخرية أو بعيدة جداً عن الجماعة.

يشكل السوق عاملا آخر مؤثرا على التخلي عن بعض الأصناف. لم يكن هناك سوق لبعض أنواع الذرة مثل اللآلئ (pintos) والصفراء. هناك أيضًا زعم بأن الأصناف المحلية عُدلت. مثلاً، أصبحت بعض أصناف الذرة البيضاء غير واضحة وجرى خلط  ذرة pepitillas مع أنواع أخرى ما أدى إلى فقدان خصائصها، بينما يستمر نعتها بنفس الاسم. هناك حاجة إلى إجراء المزيد من البحوث لتحديد كمية هذه الخسائر واتخاذ تدابير للحفاظ على الأصناف المفقودة. حيثما أمكن، إننا في حاجة إلى استردادها، لأننا حين نفقد صنفًا، فهذا يعني أيضًا فقدان الدراية المرتبطة بإنتاجه والمنافذ البيئية والإيكولوجية.

لكل مجال من مجالات العمل دينامية مختلفة. لهذا فإننا نتقدم بسرعات مختلفة. حققنا، في مجال البحث، تقدماً في تحديد الأصناف المحلية بفضل مؤسسات البحث. من ضمن هذه الأصناف: تشالكينيو Chalqueño ، وتابلونسيو Tabloncillo ، وكونيكو Cónico ، وسيلايا Celaya ، وبالوميرو تولوكينيو Palomero Toluqueño ، وبيبيتيلا Pepitilla ، وأولوتون Olotón ، وزامورانو أماريلو Zamorano Amarillo ، وإيلوتيس كونيكوس Elotes Cónicos.

 بشكل عام، اكتشفنا، ضمن المشاكل، انخفاض للنشاط الزراعي في جماعات المنطقة والتخلي عن الممارسات التقليدية، مثل الحرث على طول الخطوط الكنتورية؛ وزراعة الذرة مع الفاصوليا والقطيفة والشيا والقرع. كما يجري أيضًا تدوير لمحاصيل أخرى مثل الفاصوليا والإيبو l’ebo أو الجنامارجو janamargo، والقمح، والتخصيب العضوي القائم على السماد. ينضاف إلى هذه المشاكل تفاقم السياسات العمومية للحكومات. في الواقع، لحل مشاكل الغذاء تُشجع الحكومة الزراعة الأحادية القائمة على الأسمدة الكيماوية والأسمدة والمبيدات الحشرية، عوض النظام الاقتصادي والاجتماعي للجماعات.

تطورت أشكال الإنتاج البديل ببطيء، بل إنه شهد تراجعاً في بعض الفترات، لكن يمكننا استخلاص دروسًا. كان دون شك تحقيق التنسيق بين المنظمات والإنتاج، وبين الإنتاج والسوق، الأكثر صعوبة. لهذا، كانت النتائج ضئيلة من حيث المنتجات الملموسة، أو نقاط البيع وشبكات الاستهلاك.

 إننا بحاجة إلى مضاعفة الجهود. تَصْعُّب المشاركة في سياق نريد أن ننتج فيه على نطاق صغير عبر اختراق سوق يطلب منتجات بأسعار دائما أقل. أتاحت الزراعة التقليدية الحفاظ على جماعات السكان الأصليين والتكاثر والاستمرار على قيد الحياة عبر تاريخها، وهذه إحدى قيمها الأساسية. قد تكون الأسواق البديلة والأماكن التي تفرض أسعارًا مرتفعة خيارًا، ولكن بالنظر لصعوبة الوصول إليها أو إنشائها، لا يمكن أن يُمثل هذا سوى جزءا صغير من الحل. فعادة ما يكون لهذه الأسواق طلب قليل وسرعان ما تصبح ممتلئة. لهذا، نؤكد على بناء شبكات من الأسواق المحلية والإقليمية وتعزيز التموين الذاتي. لكن، في سياق عدم التنظيم والفوضى التي يوجد فيها سوق الأغذية، يبدو هذا الأمر شبه مستحيل، علاوة على المشاكل الاقتصادية وصعوبة رفع مستوى وعي المستهلكين.

 إذا من المهم الرفع من التثقيف والنشر من أجل تعزيز تنوع الزراعات وتشجيع زيادة الطلب. تُشكل المعارض ومهرجانات الذرة العنصر الأساسي. ورغم ذلك، فإن تنظيمها مُكلف وسيتوجب حضور مجموعة عمل دائمة. لهذا الغرض، نحتاج إلى إنشاء لجنة تنظيم مكونة من مختلف المنظمات المهتمة بالذرة المحلية.  أخيراً، علينا كمنظمة أن نأخذ في الاعتبار صعوبة عمليات التنظيم القروية. يقرر المزارعون والمزارعات أين يوجهون جهودهم بناءً على المكاسب التي يحصلون عليها وليس فقط من الناحية المالية. لكن، من الصعب والمصطنع الحفاظ على تنظيم مزارعين بهدف وحيد هو الحفاظ على تنوع الذرة الأصلية. علينا كمنظمة أن نعمل على استعادة معنى الانتاج من أجل الحياة من خلال إنتاج الغذاء. علينا تبني نظرة أوسع نطاقاً إلى النشاط بأكمله والبيئة القروية. في هذا السياق، علينا أن نضع في اعتبارنا الدفاع عن الحق في حفظ بذورنا، وأشكال حياة الشعوب الأصلية والمزارعين والمزارعات أيضًا.

جماعات السكان الأصليين في بيشاتاروPichataro ، في ولاية ميتشواكانMichoacan ، الاتحاد الوطني لمنظمات الفلاحين الإقليمية المستقلةUNORCA ، المكسيك.

ترجمة: وحيد عسري

المقال أعلاه مأخوذ من كتاب: “لافيا كامبيسينا: بذورنا، مستقبلنا“.